هل تبحث عن أعظم عبادة في هذه العشر المباركة؟ 21/9/1438
أحمد بن ناصر الطيار
1438/09/20 - 2017/06/15 16:40PM
الحمد لله الذي عَظُمَ شأنه ودام سلطانه، أحمده سبحانه وأشكره عمَّ امتنانُه وجَزُل إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله به, علا منارَ الإسلام وارتفعَ بنيانُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
معاشر المسلمين: ها نحن نتفيّأُ ظلالَ هذه الأيام الفاضلة, والليالي الشريفة, التي ادّخر الله للعاملين بها الأجر الكبير, والثواب العظيم.
وحريٌّ بالمؤمن أنْ يملأها بالأعمال الصالحة, ويجتنب الأعمال التي لا تنفعه في دينه ولا دنياه.
وإنّ الكثير من الناس لا ينصرف ذهنهم عند ذكر العشر الأواخر إلا إلى التشميرِ لها بالطاعات الظاهرة, ولا يخطر ببالهم أنّ عبادات الباطن أهم وأولى بالعناية.
وصلاح القلب هو الأصل لصلاح الجوارح والأعمال, قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ". متفق عليه
قال النووي رحمه الله: "وَفِي هذا الحديث التأكيد عَلَى السَّعْيِ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ وَحِمَايَتِهِ مِنَ الْفَسَادِ". ا.ه
فأعظم عبادة نتقرب بها إلى الهي تعالى في هذه العشر المباركة: أنْ يطَّلِعَ اللهُ على قلوبنا فلا يرى فيها غيره, ولا توجُّهًا إلا له, ولا حبًّا إلا له, ولا توكّلاً إلا عليه.
وأنْ تسلم قلوبُنا من الرياء والنفاق, وإن الإنسان ليتملكه العجب: كيف يُرائي مخلوقًا ضعيفًا مثلَه, لا يملك نفعًا ولا ضرًّا؟
والمسابقة إلى الله تعالى ومغفرته: إنما هي بالقلوب قبل الأعمال, قال السلف الصالح: مَا سَبَقَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِفَضْلِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ, وَلَكِنْ بِشَيْءِ وَقَرَ فِي قَلْبِهِ.
وإنما وقر في قلبه الْيَقِينُ وَالْإِيمَانُ وسلامة الصدر, والنصح للأمة, وكمال الانقياد والتصديق, حتى سُمي بالصديق.
وإنَّ الرجلين ليصليان في صف واحد, مقتديين بإمام واحد, يكون بين صلاتَيْهما كما بين المشرق والمغرب؛ لأن أحدهما قلبُه غافلٌ غيرُ خاشع, مُتعلّق بالدنيا ويُفكر بها، والآخر قلبُه متعلق بالهص تعالى والدار الآخرة, منشغل بتدبر الآيات, مُتفكر بمقصود الصلاة.
وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِن الصَّحَابَةِ عَنْ الْمُصَلِّي الْعَابِثِ: لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ.
وقد ثبت في الأخبار والواقع أنّ رفعة الله تعالى لأحد من الناس ليس لصلاح ظاهره, وإنما لصلاح باطنه, وإخلاص نبيته, وصدق عزيمته, وحسن توكله, وشدة حبه لربه, وصبره على الأذى في سبيله.
"وَالْعَامِل بِلَا علم: يظنّ أنَّ الْفَضِيلَة فِي كَثْرَة الْمَشَقَّة, فَهُوَ يتَحَمَّل المشاق, وَإِن كَانَ عملُه مفضولا, وَرُبَّ عملٍ فَاضلٍ والمفضول أكثر مشقة مِنْهُ, وَاعْتبر هَذَا بِحَال الصّديق؛ فَإِنَّهُ أفضل الأمة, وَمَعْلُوم أنَّ فيهم من هُوَ أكثر عملا وحجًّا وصومًا وَصَلَاة وَقِرَاءَة مِنْهُ".
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله الحُجب التي تحجب القلب عن الله, فعد منها حجاب الشرك, والبدع, والكبائر الظاهرة والباطنة, وذكر آخرها وأقلّها: حجاب المجتهدين السالكين، الْمُشمِّرين في السير عن المقصود.
وهذه من الحجب العجيبة التي يغفلها عن أكثر الناس, وذلك أنّ كثيرًا من أهل الخير والصلاح, والعلم والدعوة, والعبادة والصدقة والجهاد, تحجبهم هذه الأعمال الصالحة الظاهرة عن المقصود الأعظم والأهم, وهو تجريد التوحيد الخالص لله, وصدقُ المحبة له سبحانه, وصدقُ التوكل والخوف والرجاء والإخلاص, وتجرُّدُهم مِن حظوظ النفس وأهوائها المعارضة للشرع.
ومن أعظم العبادات القلبية: سلامة الصدر, وطهارتُه من الحقد والغل على أحدٍ من المسلمين, وحبُّ الخير للناس.
واعلموا - إخوة الإيمان- أنّ الحرص على الطاعات قد يكون وبالاً على صاحبها, إذا لم يعتن بباطنه.
قال ابن القيم: إنّ طُغيان المعاصي أسلم عاقِبةً من طُغيان الطاعات. ا.ه
وكثيرٌ مِن الناس يظن أنّ البلاء والخطر إنما يأتي من المعاصي والذنوب الظاهرة, كالزنا والنظر المحرم والغيبة والنميمة, ولا يخطر في بالهم أنْ يأتي البلاء والخطر من الطاعات والقربات والعبادات.
وإذا أردت دليلاً على ذلك: فانظر إلى ذي الخويصرة التميمي السَّجادِ العبَّادِ الزاهد، الذي بين عينيه أثر السجود, كيف أورثه طُغيان عملِه أن أنكر على النبي صلى الله عليه وسلم, فقال له وهو يُعطي الناس ويقسم لهم المال: اعْدِلْ! فَقَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟» , وأورث أصحابَه احتقار المسلمين، حتى سَلُّوا عليهم سيوفهم، واستباحوا دماءهم.
وانظر إلى الشِّريب السِّكير، الذي كان كثيراً ما يُؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيَحُدُّه على شراب الخمر، كيف قامت به قوةُ إيمانه ويقينِه ومحبته لله ورسوله، وتواضعِه وانكساره لله، حتى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لعنه, وقال: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».
فالكبائر الباطنة؛ كالكبر، والعجب، والرياء، والحسد، والفخر والخيلاء، ونحوها, أشدّ وأخطر من الكبائر الظاهرة.
فكبائر هؤلاء أقرب إلى التوبة من كبائر أولئك.
فترى أحدَهم أزهدَ ما يكون، وأعبدَ ما يكون، وأشدَّه اجتهادا، وهو أبعدُ ما يكون عن الله, وأصحاب الكبائر أقرب قلوباً إلى الله منه، وأدنى منه إلى الإخلاص والخَلاص".
فلْنحذر - معاشر المسلمين - من طغيان الطاعات علينا, فمن اشتغل بطلب العلم أو الدعوة, أو قيام الليل والصيام والحج والجهاد, فلْيحذر من أنْ يُحدث له ذلك عُجْبًا في نفسه, وازدراءً لغيرِه, وترفّعًا على إخوانِه, وربما حسَّنَ له الشيطان العزلة عن الناس؛ بزعم أنهم لا يُقدرونه حق قدره, ولا يُراعونه ويعرفون مكانته.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا صلاح القلب, وأنْ يثبتنا على دينه حتى نلقاه, إنه سميع قريب مجيب.
الحمد لله ذي الإفضال والإنعام، وصلى الله تعالى وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه والأئمة الأعلام, أما بعد:
معاشر المسلمين: إنَّ من أعظم ما يُعين على صلاح القلب: الاعتكافَ في هذه العشر.
حيث يأنس المؤمن بالله, ويترك ما كان يحجبه عنه من أشغال الدنيا, وخلطة الناس, ويعمل على إصلاح قلبه, وتقوية حبّه لربِّه, فلا أسعد للحب من الخلوة بحبيبه, فهلا خلونا بالله الذي هو أحبُّ إلينا مِن أنفسنا؟
وإنّ اللذة تتبع المحبة, فمن أراد أن يشعر باللذة في صلواته وعباداته, فلْيُحبّ ربّه أعظم الحب.
والاعتكافُ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ ، ولذلك قال الزهريّ رحمه الله: عَجَبًا لِلْمُسْلِمِينَ ، تَرَكُوا الِاعْتِكَاف ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْهُ مُنْذُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ.
فينبغي للمؤمن أن يحيي هذه السنة التي هجرها كثير من الناس, ولْيعتكف ولو يوماً واحداً, أو ليلة واحدة.
فما أجمل أن يتفرغ العبد من أشغال الدنيا ونكدها، ليتفرغ لعبادة الله ، حتى لا يكون في قلبه إلا تعظيم الله ومحبته.
فالمعتكف جعل ذكرَ الله أنيسَه, والقرآنَ جليسَه، والصلاةَ راحته، ومناجاةَ الملك الرحيم لذَّتَه، والدعاءَ والابتهالَ متعتَه.
إذا أوى الناسُ إلى بيوتهم وأزواجهم, ورجعوا إلى أموالهم وأولادهم: لازم هذا المعتكف بيت ربه, وحبس من أجله نفْسَه، يقف عند أعتابِ بيتِه يرجو رحمته ويخشى عذابه، لا يطلق لسانه في لغو, حفظ بصره وسمعه عن الحرام, سَلِم من الغيبة والنميمة والاستهزاء والتنابز بالألقاب، واستغنى بالله عن الناس, وانقطع عن أطماع الناس والدنيا الدنيئة.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لأحياء ليالي هذه العشر المباركة, وأن يوفقنا للعمل الذي يُقربنا إليه, إنه على كل شيء قدير.
معاشر المسلمين: ها نحن نتفيّأُ ظلالَ هذه الأيام الفاضلة, والليالي الشريفة, التي ادّخر الله للعاملين بها الأجر الكبير, والثواب العظيم.
وحريٌّ بالمؤمن أنْ يملأها بالأعمال الصالحة, ويجتنب الأعمال التي لا تنفعه في دينه ولا دنياه.
وإنّ الكثير من الناس لا ينصرف ذهنهم عند ذكر العشر الأواخر إلا إلى التشميرِ لها بالطاعات الظاهرة, ولا يخطر ببالهم أنّ عبادات الباطن أهم وأولى بالعناية.
وصلاح القلب هو الأصل لصلاح الجوارح والأعمال, قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ". متفق عليه
قال النووي رحمه الله: "وَفِي هذا الحديث التأكيد عَلَى السَّعْيِ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ وَحِمَايَتِهِ مِنَ الْفَسَادِ". ا.ه
فأعظم عبادة نتقرب بها إلى الهي تعالى في هذه العشر المباركة: أنْ يطَّلِعَ اللهُ على قلوبنا فلا يرى فيها غيره, ولا توجُّهًا إلا له, ولا حبًّا إلا له, ولا توكّلاً إلا عليه.
وأنْ تسلم قلوبُنا من الرياء والنفاق, وإن الإنسان ليتملكه العجب: كيف يُرائي مخلوقًا ضعيفًا مثلَه, لا يملك نفعًا ولا ضرًّا؟
والمسابقة إلى الله تعالى ومغفرته: إنما هي بالقلوب قبل الأعمال, قال السلف الصالح: مَا سَبَقَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِفَضْلِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ, وَلَكِنْ بِشَيْءِ وَقَرَ فِي قَلْبِهِ.
وإنما وقر في قلبه الْيَقِينُ وَالْإِيمَانُ وسلامة الصدر, والنصح للأمة, وكمال الانقياد والتصديق, حتى سُمي بالصديق.
وإنَّ الرجلين ليصليان في صف واحد, مقتديين بإمام واحد, يكون بين صلاتَيْهما كما بين المشرق والمغرب؛ لأن أحدهما قلبُه غافلٌ غيرُ خاشع, مُتعلّق بالدنيا ويُفكر بها، والآخر قلبُه متعلق بالهص تعالى والدار الآخرة, منشغل بتدبر الآيات, مُتفكر بمقصود الصلاة.
وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِن الصَّحَابَةِ عَنْ الْمُصَلِّي الْعَابِثِ: لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ.
وقد ثبت في الأخبار والواقع أنّ رفعة الله تعالى لأحد من الناس ليس لصلاح ظاهره, وإنما لصلاح باطنه, وإخلاص نبيته, وصدق عزيمته, وحسن توكله, وشدة حبه لربه, وصبره على الأذى في سبيله.
"وَالْعَامِل بِلَا علم: يظنّ أنَّ الْفَضِيلَة فِي كَثْرَة الْمَشَقَّة, فَهُوَ يتَحَمَّل المشاق, وَإِن كَانَ عملُه مفضولا, وَرُبَّ عملٍ فَاضلٍ والمفضول أكثر مشقة مِنْهُ, وَاعْتبر هَذَا بِحَال الصّديق؛ فَإِنَّهُ أفضل الأمة, وَمَعْلُوم أنَّ فيهم من هُوَ أكثر عملا وحجًّا وصومًا وَصَلَاة وَقِرَاءَة مِنْهُ".
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله الحُجب التي تحجب القلب عن الله, فعد منها حجاب الشرك, والبدع, والكبائر الظاهرة والباطنة, وذكر آخرها وأقلّها: حجاب المجتهدين السالكين، الْمُشمِّرين في السير عن المقصود.
وهذه من الحجب العجيبة التي يغفلها عن أكثر الناس, وذلك أنّ كثيرًا من أهل الخير والصلاح, والعلم والدعوة, والعبادة والصدقة والجهاد, تحجبهم هذه الأعمال الصالحة الظاهرة عن المقصود الأعظم والأهم, وهو تجريد التوحيد الخالص لله, وصدقُ المحبة له سبحانه, وصدقُ التوكل والخوف والرجاء والإخلاص, وتجرُّدُهم مِن حظوظ النفس وأهوائها المعارضة للشرع.
ومن أعظم العبادات القلبية: سلامة الصدر, وطهارتُه من الحقد والغل على أحدٍ من المسلمين, وحبُّ الخير للناس.
واعلموا - إخوة الإيمان- أنّ الحرص على الطاعات قد يكون وبالاً على صاحبها, إذا لم يعتن بباطنه.
قال ابن القيم: إنّ طُغيان المعاصي أسلم عاقِبةً من طُغيان الطاعات. ا.ه
وكثيرٌ مِن الناس يظن أنّ البلاء والخطر إنما يأتي من المعاصي والذنوب الظاهرة, كالزنا والنظر المحرم والغيبة والنميمة, ولا يخطر في بالهم أنْ يأتي البلاء والخطر من الطاعات والقربات والعبادات.
وإذا أردت دليلاً على ذلك: فانظر إلى ذي الخويصرة التميمي السَّجادِ العبَّادِ الزاهد، الذي بين عينيه أثر السجود, كيف أورثه طُغيان عملِه أن أنكر على النبي صلى الله عليه وسلم, فقال له وهو يُعطي الناس ويقسم لهم المال: اعْدِلْ! فَقَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟» , وأورث أصحابَه احتقار المسلمين، حتى سَلُّوا عليهم سيوفهم، واستباحوا دماءهم.
وانظر إلى الشِّريب السِّكير، الذي كان كثيراً ما يُؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيَحُدُّه على شراب الخمر، كيف قامت به قوةُ إيمانه ويقينِه ومحبته لله ورسوله، وتواضعِه وانكساره لله، حتى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لعنه, وقال: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».
فالكبائر الباطنة؛ كالكبر، والعجب، والرياء، والحسد، والفخر والخيلاء، ونحوها, أشدّ وأخطر من الكبائر الظاهرة.
فكبائر هؤلاء أقرب إلى التوبة من كبائر أولئك.
فترى أحدَهم أزهدَ ما يكون، وأعبدَ ما يكون، وأشدَّه اجتهادا، وهو أبعدُ ما يكون عن الله, وأصحاب الكبائر أقرب قلوباً إلى الله منه، وأدنى منه إلى الإخلاص والخَلاص".
فلْنحذر - معاشر المسلمين - من طغيان الطاعات علينا, فمن اشتغل بطلب العلم أو الدعوة, أو قيام الليل والصيام والحج والجهاد, فلْيحذر من أنْ يُحدث له ذلك عُجْبًا في نفسه, وازدراءً لغيرِه, وترفّعًا على إخوانِه, وربما حسَّنَ له الشيطان العزلة عن الناس؛ بزعم أنهم لا يُقدرونه حق قدره, ولا يُراعونه ويعرفون مكانته.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا صلاح القلب, وأنْ يثبتنا على دينه حتى نلقاه, إنه سميع قريب مجيب.
الحمد لله ذي الإفضال والإنعام، وصلى الله تعالى وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه والأئمة الأعلام, أما بعد:
معاشر المسلمين: إنَّ من أعظم ما يُعين على صلاح القلب: الاعتكافَ في هذه العشر.
حيث يأنس المؤمن بالله, ويترك ما كان يحجبه عنه من أشغال الدنيا, وخلطة الناس, ويعمل على إصلاح قلبه, وتقوية حبّه لربِّه, فلا أسعد للحب من الخلوة بحبيبه, فهلا خلونا بالله الذي هو أحبُّ إلينا مِن أنفسنا؟
وإنّ اللذة تتبع المحبة, فمن أراد أن يشعر باللذة في صلواته وعباداته, فلْيُحبّ ربّه أعظم الحب.
والاعتكافُ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ ، ولذلك قال الزهريّ رحمه الله: عَجَبًا لِلْمُسْلِمِينَ ، تَرَكُوا الِاعْتِكَاف ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْهُ مُنْذُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ.
فينبغي للمؤمن أن يحيي هذه السنة التي هجرها كثير من الناس, ولْيعتكف ولو يوماً واحداً, أو ليلة واحدة.
فما أجمل أن يتفرغ العبد من أشغال الدنيا ونكدها، ليتفرغ لعبادة الله ، حتى لا يكون في قلبه إلا تعظيم الله ومحبته.
فالمعتكف جعل ذكرَ الله أنيسَه, والقرآنَ جليسَه، والصلاةَ راحته، ومناجاةَ الملك الرحيم لذَّتَه، والدعاءَ والابتهالَ متعتَه.
إذا أوى الناسُ إلى بيوتهم وأزواجهم, ورجعوا إلى أموالهم وأولادهم: لازم هذا المعتكف بيت ربه, وحبس من أجله نفْسَه، يقف عند أعتابِ بيتِه يرجو رحمته ويخشى عذابه، لا يطلق لسانه في لغو, حفظ بصره وسمعه عن الحرام, سَلِم من الغيبة والنميمة والاستهزاء والتنابز بالألقاب، واستغنى بالله عن الناس, وانقطع عن أطماع الناس والدنيا الدنيئة.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لأحياء ليالي هذه العشر المباركة, وأن يوفقنا للعمل الذي يُقربنا إليه, إنه على كل شيء قدير.
المشاهدات 1126 | التعليقات 2
آمين وإياك أخي الكريم, وأشكرك على هذه المشاعر السارة.
أبو اليسر
لا حرمك الله أجرها والله أسأل أن يصلح قلوبنا
وأن يجعل ما كتبته في ميزان حسناتك ووالديك ،،
تعديل التعليق