هل أنتم جاهزون لرمضان؟ (بين دعوات الغفلة واليقظة)
سامي بن محمد العمر
هل أنتم جاهزون لرمضان ؟ (بين دعايات الغفلة واليقظة)
أما بعد:
هل أنتم جاهزون لأمر عجيب، وشيء قريب، يترقبه الأشرار والأخيار والأبرار والفجار والأغمار والتجار!
هل أنتم جاهزون؟ بتفقد الأواني المنزلية والأجهزة الكهربائية والشاشات الفضائية.
هل أنتم جاهزون؟ بعلب الأغذية وأكياس الأطعمة، وتنوع المأكولات وتعدد المشروبات.
(هل أنتم جاهزون لرمضان؟)
دعوات ودعايات، تسمعها هنا وهناك، ...إلى التزود بمضيعات الأعمار وقاتلات الشعور في أشرف الأزمان وأفضل الشهور.
دعوات لمزيدٍ من الغفلة والتيه في متابعة برامج ومسلسلات، ومقالب مضحكات، وأمور ملهيات.
دعوات تستعظم فيها تخطيطَ أهل الدنيا لدنياهم، وحرصَهم على استغلال كل شيء لترويج بضائعهم، وتنفيق سلعهم.
دعوات إغراء للجسد الذي سيلاقي تعباً في صيام شهر كامل؛ يستحق من أجله أن تُقام التخفيضات وتُهيأ المأكولات وتجدد الاشتراكات في القنوات.
وجماهير الجسد هم الأعظم عدداً والأكثر حرصاً والأوفر مالاً فلا عجب أن تنهال عليهم الدعوات وتعقد له المهرجانات وتروج لهم الدعايات في وسائل التواصل والطرق والقنوات.
وداخلُ كل جسد روحٌ تعيش منطوية: تجوع فلا يلتفت إليها، وتمرض فلا يهتم بها، وتحاول أن تطل برأسها كلما قدمت الأيام الفاضلة والأزمنة الشريفة، لعلها تحظى فيها بشيء من لذة الإيمان، ورشفة من ماء الوحي، فلا تجد لها في تلك الدعايات نصيب، وتنادي فلا تسمع لندائها مجيب! لأن في إطعامها بالصالحات مشقة وتعباً، وفي إشباعها بالطاعات جهداً ونصباً، فلا تستحق أن يُدفع في إسعادها شيء من الأموال، ولا أن يُبذل في إمتاعها شيء من الأوقات.
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115]
{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36]
عباد الله:
هذه سوق الدنيا تُزخرف لنا سلعتها التي طالما انخدعنا بها، وانجرفنا في سيلها؛ فلا هي التي أشبعت شهواتنا ولا هي التي أيقظت غفلاتنا.
وتلك سوق أخرى تُعقد هناك.. في قلوب حية، وعقول فطنة، وأرواح سعيدة.
تلك سوق أخرى تُعقد هناك.. تُهيأ فيها الأرواح بالطاعات وتُجمل بالقربات، لتباع إلى ربها بثمن عظيم وأجر كبير
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } [البقرة: 207]
{فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111]
هذه سوق العباد الذين تجهزوا لاغتنام الأوقات، واستدراك اللحظات، والتزود من الباقيات الصالحات قد بدأت في شهر شعبان لترويض النفوس الجامحة، وتدريب الأجساد اللاهية، وتنبيه العقول الغافلة.
شرعها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بفعله فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ ([1]).
عَنْ أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ، قَالَ : ( ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ) ([2]).
فهل أنتم جاهزون؟؟
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
أما بعد:
عباد الله:
لما كانت المهن العظيمة والسباقات الطويلة والمنافسات الكبيرة تحتاج إلى تمرنٍ وتدريب، وإحماء واستعداد، كان على الأرواح التي قد طال أمدها عن الصيام والقيام والتلاوة أن تتدرج في هذا الشهر على ترويض أنفسها شيئاً فشيئاً حتى يدخل عليها الشهر الفضيل وهي في كمال أهبتها وتمام استعدادها..
فإن كان قد بقي عليها من قضاء رمضان شيء بادرت به فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ([3]).
ثم لتلتفت الأرواح الحية إلى مصحفها ونوافلها فقد كان السلف الصالح يسمون هذا الشهر بشهر القراء لكثرة التالين لكتاب الله فيه.
إن الهمم لتخمد، و إن الرياح لتسكن، وإن النفوس ليعتريها الملل، وينتابها الفتور، ولا يُذكي الأوار ، ويبعث الهمم ، ويرتقي بالعقول ، كالاقتداء بخاتم المرسلين، وعباد الله الصالحين، حيث الإقبال على الجد، والانبعاث إلى معالي الأمور والترقي في مدارج الكمالات
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح
واعلموا أن السوقَ قائمة والجنةَ قد أزلفت للمتقين...
فهل أنتم جاهزون؟
([1]) رواه البخاري ( 1868 ) ومسلم ( 1156 ) .
([2]) رواه النسائي ( 2357 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي " .
([3]) رواه البخاري (1849) ومسلم (1146).
المرفقات
1647280057_هل أنتم جاهزون؟.docx
1647280064_هل أنتم جاهزون؟.pdf