هلا عرفته؟

شايع بن محمد الغبيشي
1445/12/25 - 2024/07/01 00:54AM

هلا عرفته؟

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَى نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد:

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله فهي وصية الله للأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ } [النساء: 131]

إخوة الإيمان حديثنا اليوم عن الذي اسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنهً فنحن نتقلب فيها رغم غفلتنا وتقصيرنا في حقه

الشمس والبدر من أنوار حكمته     والبر والبحر فيض من عطاياه
الطير سبحه والوحش مجده              والموج كبره والحوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصمِّ قدسه    والنحل يهتف حمداً في خلاياه
والناس يعصونه جهراً فيسترهم            والعبد ينسى وربي ليس ينساه

تأمل يا عبد الله في خلقك وتكوينك، من كونك؟ من أوجدك؟ كيف أوجدك؟ هلا عرفته؟

 إنه الله { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } نعم إنه الله أحسن الخالقين

من منحك الجوارح التي بها تنعم وتعيش؟ من منحك عينين تبصر بها جمال خلقه وبديع صنعه وتستمع بالنظر إليه؟ من وهبك سمعاً تميز به الأصوات؟ من وهبك قلباً ينبض بالحياة؟ هلا عرفته؟

إنه الله أحسن الخالقين {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}

من جعل لك عقلاً  تفكر به كرمك به على سائر المخلوقات {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]

من جعل لك أرضاً سهلة مذللة تمشي في مناكبها؟ من نزل عليها من السماء ماء مباركاً فأنبتت من كل زوج بهيج لتجتني خيراتها وثمراتها؟ هلا عرفته؟

إنه الله { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

سل الواحة الخضراء والماء جاريا          وهذي الصحاري والجبال الرواسيا
سل الروض مزدانا سل الزهر والندى      سل الليل والإصباح والطير شاديا
وسل هذه الأنسام، والأرض والسما      وسل كل شيء تسمع الحمد ساريا
فلو جن هذا الليل وامتد سرمدا             فمن غير ربي يرجع الصبح ثانيا

من زين السماء بالكواكب والنجوم لتهتدي بها في ظلمات البر والبحر؟ من جعل الشمس ضياء والقمر نوراً لتعلم بها عدد السنين والحساب؟ هلا عرفته؟

إنه الله {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}

من سخر لك البحار تأكل من خيراتها وتستخرج لؤلؤها ومرجانها وتمخر عبابها؟ هلا عرفته؟

 إنه الله {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)

من وهب لك الأهل والذرية؟ من تكفل برزقك ورزقهم؟ هلا عرفته؟

إنه الله: { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى آليه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد :

عبد الله أيها المؤمن، تأمل في الكون من حولك ترى الكون كله محب لله، يلهج له بالتسبيح والحمد، سبحت الكائنات بحمده فملأ الأكوان تحميدها، يسبحه النبات جمعه وفريده، والشجر عتيقه وجديدهُ، تسبحه الطيور في صوامع الأشجار {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}

ويهتف حمداً جمال الصباح *** وسحر الربيع الشهي العطر
وسحر السماء الشجي الوديع *** وهمس النسيم ولحن المطر
تسبحه نغمات الطيور   ***    يسبحه الظل تحت الشجر
يسبحه النبع بين المروج    ***     يسبحه دوما أريج الزهر
يسبحه النور بين الغصون   ***   وسحر المساء وضوء القمر

فلنلهج لله بالحمد والتسبيح ولنقل بقلوبنا قبل ألسنتنا سبحان الله، أليس من الحرمان أن يذكره الكون كله ويسبحه الكون كله ويسجد له الكون كله ونحن في غفلة عن ذكره وتسبيحه؟

 متى تقبل قلوبنا على الله فتحبه وتتعلق به وتتوب إليه وتنيب؟ متى نعبده ونوحده ونخلص له؟ متى نلهج بذكره ونقبل على كتابه لأنه كلامه الذي يحب أن يلهج به عباده: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } [فاطر: 29، 30]

متى نقبل على تلاوة كتابه بفرح وسرور لأنه الدليل الذي يدلنا على ربنا ويهدينا إليه، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9} [الإسراء: 9]

متى نجعل لنا ورداً يومياً منه؟

يامن يريد السعادة والهناء أعلم أن يهبها هو الله، وقد بين لك سبحانه في كتابه كيف تنالها {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل: 97]

يامن يريد الرزق يا من يبحث عن العمل والوظيفة تذكر أن زقك عند الله {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} تذكر وصية نوح عليه السلام لابنه المؤمن قبل موته: (وآمركما بسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق كل شيء ) رواه احمد وصححه الألباني.

أما والله يا عباد الله لو عرفنا ربنا حق المعرفة لتقلبنا في صنوف النعم ولذقنا سعادة النفس وطمأنينة القلب وقرة العين، قال ابن القيم رحمه الله: "قال بعضُ العارِفين مَن قَرَّتْ عَينُه بالله قَرَّتْ بِهِ كلُّ عَيْنٍ، ومَن لم تَقِر عَينُه بالله تَقَطَّعَت نَفسُه على الدنيا حَسَرات" ([1])

اللهم دلنا عليك واهدنا سبيلك وخذ بنواصينا إليك وردنا إليك رد جميلاً، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك.

 



([1]) روضة المحبين لابن القيم (ص: 166)

المرفقات

1719784458_هلا عرفته؟.docx

1719784465_هلا عرفته؟.pdf

المشاهدات 48 | التعليقات 0