هَكَذَا أَسْلَمَ هَؤُلاءِ 5 شَعْبَانَ 1434هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1434/08/03 - 2013/06/12 15:37PM
هَكَذَا أَسْلَمَ هَؤُلاءِ 5 شَعْبَانَ 1434هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ , الْحَمْدُ للهِ الذِي شَرَحَ صَدْرَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِلإِسْلامِ , وَهَدَى مَنْ رَحِمَ مِنْهُمْ إِلَى نُورِ الإِيمَانِ , نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَنَشْكُرُه وَمِنْ جَمِيعِ ذُنُوبِنَا نَسْتَغْفِرُه , وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ , وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّين .
أَمَّا بعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ تَوْحِيدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَنُورَ رِسَالَةِ الْمُصْطَفَى الأَمِينِ أَنَارَ اللهُ بِهِ الْقُلُوبَ وَأَحْيَا بِهِ النُّفُوسَ , بَعْدَ أَنْ كَانَتْ هَامِدَةً لا خَيْرَ فِيهَا وَمَيِّتَةً لا حِرَاكَ بِهَا , فَالْفَرْقُ شَاسِعٌ وَالْبَوْنُ بَعِيد , قَالَ اللهُ تَعَالَى (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)
أُمَّةَ الإِسْلَام : إِنَّهُ قَلَّ صَحَابِيٌّ آمَنَ بَعْدَ كُفْرِ وَهَدَاهُ اللهُ بَعْدَ ضَّلالِ , إِلَّا وَلِإِسْلَامِهِ قِصَّةٌ وَلِدُخُولِهِ الدِّينِ عِبْرَةٌ , رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَأْوَانَا وَمَأْوَاهُمُ , فَحُبُّهُمْ دِينٌ وَإِيمَانُ وَبُغْضُهُمْ نِفَاقٌ وَعِصْيَانُ .
وَمَعَنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بَعْضُ الْقِصَصِ وَالْعِبَرِ لِأُلَئِكَ السَّادَةِ الخِيَر .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ ضِمَادًا [وَهُوَ ابْنُ ثَعْلَبَةَ الأَزْدِيُّ] قَدِمَ مَكَّةَ , وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ [وَهِيَ : مَسُّ الْجِنِّ (1)] , فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ , فَقَالَ : لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ !
قَالَ فَلَقِيَهُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ , وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ , فَهَلْ لَكَ ؟ (يَعْنِي : أَنْ أَرْقِيَك)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ , مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ , وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , أَمَّا بَعْدُ)
فَقَالَ ضِمَادٌ : أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ !
فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ .
فَقَالَ : لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ , فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ , وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ (2) !
هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلَامَ ! قَالَ : فَبَايَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَعَلَى قَوْمِكَ ؟ ) قَالَ : وَعَلَى قَوْمِي . رَوَاهُ مُسْلِم .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : هَلْ رَأَيْتُمْ وَسَمِعْتُمْ ! رَجُلٌ مُشْرِكٌ لَكِنَّهُ عَاقِلٌ يَبْحَثُ عَنِ الْحَقِّ فَوَجَدَهُ . جَاءَ لِيُعَالِجَ النَّبِيَّ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجُنُونِ الْمَزْعُومِ , لِكِنَّهُ سُرْعَانَ مَا سَمِعَ كَلامَاً يُشِعُّ نُورَاً , وَقَوْلاً يَتَلَأْلَأُ بَهَاءً , فَقَبِلَ الْحَقَّ وَأَسْلَمَ , (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) ... إِنَّهُ نُورُ الْوَحْيِ وَهَدْيُ الرِّسَالَةِ !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللهُ فِي الْمَغَازِي : أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَدْعُو أَهْلَهَا لِلإِسْلامِ بِأَمْرٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ رَضَيِ اللهُ عَنْهُ , فَخَرَجَ بِهِ يَطُوفُ عَلَى الأَحْيَاءِ يُبَلِّغُهُمْ رِسَالَةَ الإِسْلامِ , فَقَصَدَا دَارَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ وَدَارَ بِنِي ظَفَرٍ , فَدَخَلا حَائِطَاً مِنْ حَوَائِطِهِمْ فَجَلَسَا فِيهِ , وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ !
فَسَمِعَ بِذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٌ , وَهُمَا يَوْمَئِذٍ سَيِّدَا قَوْمِهِمَا بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ وَكِلاهُمَا مُشْرِكٌ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ , فَقَالَ سَعْدٌ لِأُسَيْدٍ : لا أَبَا لَكَ ! انْطَلِقْ إِلَى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَتَيَا دَارَيْنَا لِيُسَفِّهَا ضُعَفَاءَنَا فَازْجُرْهُمَا وَانْهَهُمَا عَنْ أَنْ يَأْتِيَا دَارَيَنْا , فَإِنَّهُ لَوْلا أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنَّي حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ كَفَيْتُكَ ذَلِكَ , فَهُو ابْنُ خَالَتِي وَلا أَجِدُ عَلَيْهِ مَقْدَماً !
فَأَخَذَ أُسَيْدٌ حَرْبَتَهَ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِمَا , فَلَمَّا رَآهُ أَسْعَدُ بْنُ زَرَارَةَ , قَالَ لِمُصْعَبٍ : هَذَا سَيِّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَكَ فَاصْدُقِ اللهَ فِيهِ .
قَالَ : فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتِّمَا , فَقَالَ : مَا جَاءَ بِكُمَا إِلَيْنَا تُسَفِّهَانِ ضُعَفَاءَنَا ؟ اعْتَزِلانَا إِنْ كَانَتْ لَكُمَا بِأَنْفُسِكُمَا حَاجَةُ !
فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَوْ تَجْلِسَ فَتَسْمَعَ , فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرَاً قَبِلْتَهُ وَإِنْ كَرِهْتَهُ كُفَّ عَنْكَ مَا تَكْرَهُ !
قَالَ : أَنْصَفْتَ . ثُمَّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ إِلَيْهِمَا , فَكَلَّمَهُ مُصْعَبٌ بِالإِسْلامِ , وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ .
فَقَالا فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمَا : وَاللهِ لَقَدْ عَرْفَنَا فِي وَجْهِهِ الإِسْلامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ , وَذَلِكَ مِنْ إِشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ .
ثُمَّ قَالَ : مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ ! كَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا الدِّينِ ؟ قَالا لَهُ : تَغْتَسِلُ فَتَطَهَّرُ وَتُطُهِّرُ ثَوْبَيْكَ ثُمَّ تَتَشَهَّدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ ثُمَّ تُصَلِّي .
فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثَوْبَيْهِ وَتَشَهَّدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ , ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ قَالَ لَهُمَا : إِنَّ وَرَائِي رَجُلاً إِنِ اتَّبَعَكُمَا لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ ! وَسَأُرْسِلُهُ إِلَيْكُمَا الآنَ , إِنَّهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ !
ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى سَعْدٍ وَقَوْمِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ , فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ سَعْدٌ مُقْبِلاً قَالَ : أَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أُسَيْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الذِي ذَهَبَ بِهِ !
فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى النَّادِي , قَالَ لَهُ سَعْدٌ : مَا فَعَلْتَ ؟ قَالَ : كَلَّمْتُ الرَّجُلَيْنِ فَوَاللهِ مَا رَأَيْتُ بِهِمَا بَأْسَاً , وَقَدْ نَهَيْتُهُمَا , فَقَالا : نَفْعَلُ مَا أَحْبَبْتَ ! وَقَدْ حُدِّثْتُ أَنَّ بَنِي حَارِثَةَ خَرَجُوا إِلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ ابْنُ خَالَتِكَ لِيَخْفِرُوكَ !
فَقَامَ سَعْدٌ مُغْضَبَاً مُبَادِرَاً مُتَخَوِّفَاً لِلَّذِي ذَكِرَ لَهُ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ , فَأَخَذَ الْحَرْبَةَ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ قَالَ : وَاللهِ مَا أُرَاكَ أَغْنَيْتَ شَيْئَاً !
ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمَا , فَلَمَّا رَآهُمَا مُطْمَئِنِّينَ عَرَفَ أَنَّ أُسَيْدَاً إِنَّمَا أَرَادَهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا !
فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتِّمَاً , ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا أُمَامَةَ وَاللهِ لَوْلا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنَ الْقَرَابَةِ مَا رُمْتَ هَذَا مِنَّي أَتَغْشَانَا فِي دَارَيْنَا بِمَا نَكْرَهُ !
وَقَدْ قَالَ أَسْعَدُ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ : أَيْ مُصْعَبُ , جَاءَكَ وَاللهِ سَيِّدُ مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ ! إِنْ يَتْبَعْكَ لا يَتَخَلَّفْ عَنْكَ مِنْهُمُ اثْنَانِ !
فَقَالَ لَهُ مُصْعَبُ : أَوَ تَقْعَدَ فَتَسْمَعَ فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرَاً وَرَغِبْتَ فِيهِ قَبِلْتَهُ وَإِنْ كَرِهْتَهُ عَزَلْنَا عَنْكَ مَا تَكْرَهُ !
قَالَ سَعْدٌ : أَنْصَفْتَ , ثُمَّ رَكَزَ الْحَرْبَةَ وَجَلَسَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلامَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ ! قَالَا : فَعَرَفْنَا وَاللهِ فِي وَجْهِهِ الإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ , لِإِشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ , ثُمَّ قَالَ لَهُمَا : كَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا أَنْتَمْ أَسْلَمْتُمْ وَدَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدِّينِ ؟ قَالا تَغْتَسِلُ فَتُطَهِّرُ ثَوْبَيْكَ ثُمَّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ ثُمَّ تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ !
فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثَوْبَيْهِ وَتَشَهَّدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ فَأَقْبَلَ عَامِدَاً إِلَى نَادِي قَوْمِهِ وَمَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ , فَلَمَّا رَآهُ قَوْمُهُ مُقْبِلاً قَالُوا : نَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ رَجَعَ إِلَيْكُمْ سَعْدُ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الذِي ذَهَبَ بِهِ !
فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ : يَا بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي فِيكُمْ ؟ قَالُوا : سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا رَأْيَاً وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً ! قَالَ : فَإِنَّ كَلامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ حَرَامٌ عَلَيَّ حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ !
قَالَ : فَوَاللهِ مَا أَمْسَى فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلا امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمَاً أَوْ مُسْلِمَةً .
أَيُّهُا الْمُؤْمِنُونَ : هَكَذَا فَلْيَكُنْ رُؤَسَاءُ النَّاسِ وَشُيُوخُ الْعَشَائِرِ , مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ , يَسْتَغِلُّونَ مَكَانَتَهُمْ بَيْنَ أَقْوَامِهِمْ فِي نَشْرِ الْفَضِيلَةِ وَرَدِّ الرَّذِيلَةِ .
اللَّهُمَّ اهْدِنَا بِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ , أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيمِ الْحَمِيدِ , ذِي الْعَرْشِ الْمَجِيدِ , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيمِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَهَذَا عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ , يَقُولُ : كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلالَةٍ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ , فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا , فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ , فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ , فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ لَهُ مَا أَنْتَ ؟ قَالَ (أَنَا نَبِيٌّ) ! فَقُلْتُ وَمَا نَبِيٌّ ؟ قَالَ (أَرْسَلَنِي اللَّهُ) فَقُلْتُ : وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ ؟ قَالَ (أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ وَكَسْرِ الأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ) قُلْتُ لَهُ : فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ (حُرٌّ وَعَبْدٌ !) قَالَ : وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلالٌ رضي الله عنهما مِمَّنْ آمَنَ بِهِ , فَقُلْتُ إِنِّي مُتَّبِعُكَ !
قَالَ ( إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا , أَلا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ , وَلَكِنْ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي)
قَالَ : فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي , وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ , وَكُنْتُ فِي أَهْلِي فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ وَأَسْأَلُ النَّاسَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ , حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةَ , فَقُلْتُ : مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ ؟ فَقَالُوا : النَّاسُ إِلَيْهِ سِرَاعٌ , وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ !
فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنِي ؟ قَالَ (نَعَمْ ! أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ) قَالَ : فَقُلْتُ : بَلَى !
فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَجْهَلُهُ , أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلاةِ ؟ قَالَ (صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ , ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ , فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ , وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ , ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ , ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ , فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ , حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ , فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ , وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ !)
قَالَ : فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَالْوُضُوءَ حَدِّثْنِي عَنْهُ ؟ قَالَ (مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ [يعني : فمه] وَخَيَاشِيمِهِ , ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ , ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ , ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ , ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ , فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
اللهُ أَكْبَرُ يا عباد الله ! هَذَا حَدِيثٌ عَجِيبٌ , وَفِيهِ عِلْمٌ وَفِقْهٌ , وَفِيهِ حِرْصُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَلَى السُّؤَالِ عَنِ الْعِلْمِ لِيَعْبُدُوا اللهَ عَلَى بَصِيرَةٍ , فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِمْ فِي السُّؤَالِ وَالعِلْمِ والعَمَل .
فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ , وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ صَحَابَتِهِ وَاجْزِهِمْ عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ , اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُمْ وَاتِّبَاعَهُمْ وَاجْمَعْنَا بِهِمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ , وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالِمِينَ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ : يَرْقِي مِنَ الأَرْوَاحِ , أَيْ : الْجِنِّ , وَسُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لا يُبْصِرُهُمُ النَّاسُ فَهُمْ كَالرُّوحِ وَالرِّيحِ .
(2)أَيْ : عُمْقُ الْبَحْرِ وَقَعْرُه وَلُجَّتُهُ التِي تَضْطَرِبُ أَمْوَاجُهَا وَلا تَسْتَقِرُّ مِياهُهَا .
المرفقات

هَكَذَا أَسْلَمَ هَؤُلاءِ 5 شَعْبَانَ 1434هـ.doc

هَكَذَا أَسْلَمَ هَؤُلاءِ 5 شَعْبَانَ 1434هـ.doc

المشاهدات 2932 | التعليقات 3

جزاك الله خير.


خطبة مختصرة في قمة الروعة جزاك الله كل خير


جزاك الله كل خير ونفع بك