هذه عطاءات البلد الحرام: فماذا أعطيناه؟

مبروك بن أمحمد قاسمي
1433/11/30 - 2012/10/16 08:13AM
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله

يوم 18 ذو القعدة 1430
هذه عطاءات البلد الحرام: فماذا أعطيناه(01) الموافق لـ06/11/2009

الحمد لله الحليم التواب غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب قيوم السموات والأرض ورب الأرباب لم يزل سبحانه وتعالى بالمعروف معروفا وبالكرم موصوفا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أكرم من شاء فخصه بأفضاله وهيأ له أسباب القرب منه والفوز برضوانه ويسر له زيارة بيته الحرام لإتمام دينه وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وعظيمنا وشفيعنا وقدوتنا محمدا عبده ورسوله حثنا على رعاية حرمة البيت الحرام والتزام الآداب فيه لننال الغفران صل اللهم عليه وعلى آله وأصحابه أهل التقى والرضوان وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد معشر الأحباب: في خضمّ أحداث الحياة، وصخب الحضارة، وازدحام المشاغل، وهموم المعاش، وأكدار الدنيا من الأمراض والأتعاب وأنواع الابتلاءات = هناك لحظات في حياة المسلم تسمو على ذلك كُلّه، ترتاح فيها نفُسه من أنواع الهموم والغموم، بل تصفو من آثارها، وتعلو عليها، وتحلّقُ إلى السماء، في خطاب ربّ السماء (سبحانه)؛ إنها اللحظات التي يتوجّه فيها المسلم في كل بقاع الأرض إلى البلد الحرام لأداء الصلاة خمس مَرّات في اليوم والليلة. شاء الله تعالى أن يجعل التوجُّه إليه والخضوع له واللجوء إلى جنابه منوطاً بالتوجُّه إلى البلد الحرام، في الصلاة والدعاء (إذ من مُستحبّات الدعاءِ وأسباب الإجابة التوجُّهُ إلى القبلة)، وفي الحج ومناسكه، وفي كل ساعات القُرب ومجالس الشَرفِ على مَدى الحياة، بل إلى ما بعد الممات، عندما يُوّجَّهُ المسلمون في قبورهم إلى القبلة= كل ذلك والمسلمون متعلّقةٌ قلوبهم بالبلد الحرام!!- فإلى جهته: يُوحَّدُ الله تعالى. - وإلى جهته: تُنْصَبُ القامات، وتذلُّ الأنوف الشامخات، وتسجد الجبهات، في الصلوات والدعوات وصنوف القُربات. - وإلى جهته: يرفع المسلمون حاجاتهم، وتضرُّعَ دعواتهم، إلى ربهم، الذي أحبّ أن يجعل البلد الحرام جهةَ التوجُّهِ إليه. عندها.. تتحقّق الحاجات، وتنزل الرحمات، وتُحيط بالمسلم الألطاف، وتحفُّه الملائكة الأشراف. وعندها.. يرضى الرحمن، ونتحبّبُ إلى ربّنا المنّان، وتعلو منازلنا في الجنان، ونفوز بالنجاة من النيران. هذه العطاءات كلّها (وهي كل العطاءات، فبها تتحقّق سعادة الدنيا والآخرة) قدّرها الله تعالى بالتوجُّه إلى البلد الحرام!! فلا عجب بعد ذلك أن تُصبح القلوبُ به متعلّقةً، والأفئدةُ له هاويةً، والوجوهُ إليه متوجهةً! ولا عجب بعد ذلك أن لا يُذكر البَلَدُ الحرام في كل بقاع الأرض إلا رفرفرت قلوبُ المسلمين شوقاً إليه، وذرفت عيونهم صادق العبرات في انتظار لحظات اكتحالها برؤياه، والتنعُّم بقُرْبه والتقلُّبِ في أكنافه والبكاءِ على أعتابه والدعاءِ عند بابه. لا عجب.. لأن بلداً ذاك هو عطاؤه (بتقدير الله تعالى)، حتى كان لقاءُ المسلم بربّه لا يصحّ في صلاته إلا بالتوجُّه إليه= سَتُطْبَعُ القلوب على محبّته، فتجري الدماءُ على ذكراه، وتذوب المشاعر على أمل لُقْياه. فإذا حّرَك الحنينُ أقدامَ المحبّين، وانسابت خُطاهم كما تنساب حبّات الماء إلى مستقرّها، واتّبعوا نداء أبي الأنبياء وخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام "وأذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالاً"، ذلك النداء الذي يكاد أَصَدَاهُ أن تسمعه الآذان، بعد أن سمعتّه القلوبُ الحنيفيّةُ المسلمةُ: ملة أبينا إبراهيم -عليه السلام- فحرّك فيها ذاك النداءُ المشاعر، وحَرَّق لديها الأشواق، وخرَّقَ عليها حجابَ الصبر دون ساعات اللقاء. فخرجت كالأمّ تسمع أنين رضيعها، لا تلوي على شيء، ولا تفكّر بشيء، إلا أن تلقاه. ذالك أن قاصدُ البلد الحرام كالأم في شدة الوَلَهِ وغياب الوعي إلا عن ذلك النداء لرضيعها، لكنه هنا ليس هو الأم التي تعطي بل قاصد البلد الحرام في العطاء هو الابن، وأمُّه هو البلد الحرام! فَحُقَّ لهذه البلدة أن تكون (أمّ القرى)، بل أن تكون (أم القلوب)؛ لأنّها أمّ العطاءات!!! إبراهيمُ (عليه السلام) يؤذّن في الناس بالحجّ من آلاف السنين، فيستقرُّ في قلوب المسلمين ذاك النداء إلى يوم القيامة. يتشوّقون لساعة الإجابة، التي ينادون فيها: لبيك اللهم لبيك! إنها قصّة حُبّ أزليّة، هي أقدم قصة حب بين إنسان وموضع على وجه الأرض، إنه حُبّ مكّة المكرّمةّّّ!!! فإذا اقتربت أقدام المحبين من الأعتاب، وأوشكت قلوبُهم أن تطرق الباب: فلا تسل عن أصوات البكاء من شوق اللقاء!! ولا تسل عن رفرفة الأرواح تكاد تخرج إلى تلك البطاح!!! فالقلوب تكابد الشوق من حين أن سمعت نداء الخليل -عليه السلام- من آلاف السنين، وتُجدِّدُ نارَ هذا الشوق في كل يوم وليلة بذاك التوجّه بالروح والجسد إليه، في أجلّ ساعات وأصفى لحظات وأهنأ أوقات. فإذا شاء الله تعالى للقلوب أن تنعم باللقاء، فدخل الحُجّاج والمعتمرون والعاكفون والطائفون والركّع السجودُ البلدَ الحرام: فيا لله كيف ثبَّتَ اللهُ القلوب؟! فلو كان ما فيها بالجبال لانصدعت، إنه لقاء حُبٍّ قديم متجدِّد وشوقٍ من آلاف السنين!!!. نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق لخير الأعمال وصالحها والثبات على الحق إلى الممات والفوز بزيارة بيته الحرام ومغفرة الذنوب والآثام.
الخطبة الثانية
الحمد لله القائل :إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد قال ربي الله ثم استقام وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله أفضل من لبى وطاف وصلى ركعتين خلف المقام صل اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وعلى التابعين لهم بإحسان . أما بعد أيها الإخوة في الله : لتقِفوا وتنظروا لتلك الوجوه في تلك اللحظة: عبراتٌ مسفوحة، وأفراح تعجز عنها الأرواح، فترى هذا غَشْيانَ، وهذا دهشان لا يدري أهو في أرض أم سماء. وذاك يعانق البيت قبل أن يصل إليه؛ لأن روحه قد سبقته فصوّرته أنه بين يديه. والآخر عاجزٌ عن الحراك أيُّها البيتُ لمّا رآك، يخشى أن يكون ما فيه حُلمٌ سينتهي إن حاول أن يعانقك. وهناك من لا يكاد يرفع بصره إليك، واكتفى بالسجود لله تعالى بين يديك، هيبةً وتعظيماً. وأما هذا فلا يدري من أين يبدأ اللقاء، وكيف تكون طقوس الحب والوفاء، يحسب أنه لن تنطفئ أشواقُه إلا أن يموت هناك، وتطويه تلك البقاع في جوفها. وذاك أشرق وَجْهُهُ، ولم تعد تَطْرُفُ عينُه، لمّا اكتحل برؤياك، يخشى من النوم كما يخشى غيره الموت؛ لأنه سيمنعه من النظر إليك، ألا ترى أنه يخرج حين يخرج راجعاً القهقرى إلى ظهره، ودَّ أن يترك بصره عندك، بعد أن ترك قلبه لديك. وآخر استحضر التاريخ، فغلبه تاريخك العظيم، فرضي منه بلحظة واحدة، فتمثّل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلّي خلف المقام، فكادت روحه أن تزهق لجلال هذا المقام، هُنَا صَلَّى الحبيبُ المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهنا طاف، وهنا ركع وسجد، وهُنا قام ودعا، وهنا بكى وبلّلت دموعه المباركة المكان، وهنا خَطَا، وهنا نام... فيا لله! إيمان بأن الآجال بيد الله، وإلا لما كان للأرواح أن تصبر بعد هذا كُلّه. مئاتُ الملايين من البشر حجّت هذا البيت الحرام، كل واحد منهم قد فاض قَلْبُه بجلال هذا الموقف، كل واحد منهم يظن نفسه وحيدَ حُبِّه وفريدَ وَلَهِه؛ لأنه يرى الأرض والسماء قد ضاقت عن مشاعره، فكيف يشاركه غيره من أهل السماء والأرض في تلك المشاعر التي ملأت السماءَ والأرض من القِدَم، فما بقي فيهما لغير مشاعره -فيما يحسب- موضعٌ لغير حُبَّه هو وحده. لكن العجيب أن هذه المشاعر نفسها، قد ملأت سماء وأرض مئات ملايين البشر ممّن حجّ هذا البيت الحرام!!! مئات الملايين من البشر جاؤوا إلى البلد الحرام، فوسع أفئدتهم كلّهم وضمّها إليه، فلا ضاق عن شوقٍ لقاؤه، ولا عجز عن قديم العهد وفاؤه، ولا تفلَّتَ من بين ملايين القاصدين قلبٌ لم يرُضه بلذاذة الوصال، ولا ادعى أحدٌ منهم أنه قصّر في تحقيق مالهم فيه من مُنْتهى الآمال. ثم بعد أن يظنّ هؤلاء المحبّون أن دهشة اللقاء الأولى قد انقضت (وسيعلمون إذا انتهت مناسكهم وأرادوا الرجوع إلى بلدانهم أنهم ما زالوا في لفيف الدهشة الأولى ما برحوها)، عظّموا الله تعالى بالطواف حول البيت، تطوف قلوبهم بأجسادهم لا أجسادُهم بقلوبهم، فالطواف رَمْزُ التبعيّة: من طواف ما حول نواة الذرّة بها، إلى طواف الكواكب حول شمسها، إلى طواف المجموعات في أفلاكها، إلى طواف الملائكة حول عرش ربّها عز وجل. إن إقرار العبد بأنه عَبْدٌ، وفرحه بعبوديّته، وإعلانه الانقياد المطلق لربّه بالطواف حول بيته الذي نصبه رمزاً للتوجُّه إليه= يدل على كمال محبّة العبد لربّه. ولا أحبَّ عَبْدٌ من استعبده إلا لكمال في هذا المستعبِد، جعل الاستعبادَ المكروهَ للنفس في العادة محبوباً لها لمّا كانت عبوديّةً لصاحب ذلك الكمال. والكمال المطلق لله تعالى وحده، ولذلك وَجَبَ على عبيده أن يفرحوا غاية الفرح بعبوديّتهم لله تعالى، وأن يحقّقوا هذه العبودية على أقصى مايستطيعون.
وممّا زادني شرفاً وفخراً … وكدت بأخمصي أطأ الثريّا
وقوعي تحت قولك يا عبادي … وأن صيرت أحمد لي نبيّا
وقوعي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيّا
اللهم حقق رجاءنا فيك واجعل هجرتنا إليك بكل ما يرضيك اللهم لا تجعلنا من المطرودين من رحمتك اللهم ألهمنا السداد والرشاد واجعلنا في زمرة خير العباد اللهم اجعلنا من المحبوبين عندك وتقبل منا أعمالنا واهدنا إلى ما تحبه وترضاه اللهم يسر لنا أمورنا وافتح لنا أبواب رحمتك اللهم لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا اللهم اغفر لنا ولوالدينا ..)اللهم ارفع عن أمة الإسلام ما حل بها من بلاء وكرب ومحن وفتن وبدل اللهم خوفها أمنا وشقاءها سعادة وعسرها يسرا وسقمها صحة وعافية
المشاهدات 1614 | التعليقات 0