هذه حقوقها إن كنتم صادقين

عبدالله حمود الحبيشي
1434/12/26 - 2013/10/31 15:39PM
خطبة ألقيتها عن قيادة المرأة للسيارة نسأل الله أن ينفع بها

إنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ..
أَمَّا بَعْدُ ... عباد الله .. إثنا عشر رجلا بنوا مسجدا .. نعم مسجد فجاؤوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالوا له : إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة ، والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه .
إنه مسجد ، وهل تبنى المساجد إلا للطاعة والعبادة .. مسجد يجمع الناس للصلاة .. مسجد يكون للعاجز والمشغول ، وفي الأجواء الممطرة الباردة .. فهل بناء المساجد حرام .
نعم والله إنه حرام ، ومن أعظم الحرمات ، وأشنعها وأخبثها ، وهو ماذا؟ .. إنه مسجد .
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ) يحلفون ويقسمون أن الغاية هي الإحسان ، والتسهيل والتيسير والإصلاح .. وقل ما شئت من العبارات الجميلة البراقة .. والله قرر أمرهم (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) .
هل تأملتم أن بعض المنافقين ليس غايتهم ما ترون وما تسمعون ، بل وراء مقاصدهم مقاصد ، وما يخفون أخطر وأعظم .
وبين أيدينا قضية قديمة جديده ، قريبة من مسجد الضرار .. قضية كلما حُسمت أثارها أهلها ليشوشوا على الناس ، ويزعزعوا الأمن .. إنها قضية قيادة المرأة للسيارة .. تلك القضية التي دائما ما تثار في وقت الأزمات ، وابان الحملات المغرضة ضد بلادنا ، والتي من المفترض أن يكون المجتمع فيها لحمة واحده مع علمائه وولاته .
ولن أذكر الجانب الشرعي فيها ، فقد حُسم بكلام واضح صريح من أكبر الهيئات الشرعية الرسمية في هذه البلاد ، بتحريم هذا الأمر .
ولن أذكر الكلام الرسمي ، ونظام الدولة ، فهو أيضا قد حُسم بعبارات واضحة صريحة ، ولعل آخرها ما صدر قبل أيام قليلة ، وأكد عدم السماح بهذا الأمر .
وسأكتفي في هذه الخطبة بطرح تساؤلات لا تحتاج إلى إجابة ، فهي أوضح من شمس الظهيرة والسماء صافية .
هل للمرأة حقوق؟
نعم والله إن للمرأة حقوق .. ولا أقصد بالحقوق العامة المشتركة ، بل حقوق خاصة بالطفلة والبنت والمرأة .. وهذا ليس غريبا ، بل هو من وصية الشرع لنا ، فقد قال عليه الصلاة والسلام (إنَّ اللهَ يُوصِيكُم بالنساءِ خيرًا ، إنَّ اللهَ يُوصِيكُم بالنساءِ خيرًا ، فإنهنَّ أمهاتُكم و بناتُكم و خالاتُكم) .
وهذا يؤكد أن لها حقوق ، وأول ما نذكر من تلك الحقوق : أماكن للتعليم ، مناسبة من حيث المباني الآمنة ، والتي تتوفر بها وسائل السلامة ، وبعيدة عن الحوادث والحرائق ، ومناسبة من حيث المناهج التي تنفعها في دينها ودنياها ، وتناسب تكوينها ووظيفتها الأساس في الحياة .. فهل هذا الحق موجود وبشكل مناسب .. ألسنا نسمع حوادث الحرائق ، والتي لا أدعي أنها كثيرة ، ولكنها ليست بالقليلة ، وهي بالغة الخطورة ، وتحصل في مدارس البنات ، فهل سمعنى من طالب بحمايتهن وحفظهن ؟
أليس من حقوق المرأة توفير مستشفيات ، ومراكز للعلاج ، تكون نسائية بالكامل ، فلا يكشف عورتها إلا امرأة مثلها ، ولا تحتاج لوجود الرجال الأطباء ، إلا فيما ندر من حالات .. هل تم توفير هذه المراكز الطبية المتخصصة .. أليس هذا من أهم حقوق المرأة؟ حفاظا على صحتها وشرفها .. هل رُفع هذا الحق في مجلس الشورى؟ هل قامت عضوات مجلس الشورى بطلب عرضه ، ومناقشته ، فضلا عن المطالبة بتوفيره ؟
أليس من حقوق المرأة توفر الأماكن المناسبة للتسوق ، وتكون نسائية بالكامل ، فلا يوجد رجال ، ولا تختلط بالرجال .. هل توفرت مثل هذه الأسواق .. أين من طالب بهذا الحق ؟
أليس من حقوق الزوجة التي تتعرض للظلم والإهانة ، وسوء المعاملة من قبل الزوج ، إما لجهله أو ظلمه .. أليس من حقها توفير الدعم والرعاية والمشورة لحمايتها .. أين المطالبين بحقوق الزوجات المضطهدات ، والمدافعين عنهن .. أين الحملات التي أُطلقت لإنشاء مثل هذه المراكز .
أليس لربة البيت التي تفرغت لبيتها ، وتربية أبنائها ، أليس لها حق بمكافأة شهرية تشعرها بقيمتها ، وتكفيها حاجة السؤال ، والخروج من بيتها للعمل والكسب .. هل أثار هذه القضية كاتب أو صحفي أو إعلامي؟ .. أليس هذا من أبسط حقوقها؟ وهي تؤدي أفضل وأعظم وظيفة ، وتخدم المجتمع بأكمله ، من خلال تربيتها لأبنائها ، وحفظهم ورعايتهم .
أليس من حق الأرملة والمطلقة والتي لا تجد من يعيلها ، أليس من حقها سكن يؤويها؟ .. أليس هذا من آكد حقوقها؟ .
أين حق الأم التي تسلط عليها طليقها أو أهله ، فحُرمت من أبنائها ظلما وعدوانا .. هل تم توفير مؤسسات لحمايتها ، وحفظ حقها ، والدفاع عنها .. ضاعت قضيتها بين آلاف القضايا التي تغص بها المحاكم ، حتى تفطر قلبها من فقد أبنائها ، وبكت دما لا دمعا شوقا لرؤيتهم .. هل سمعنا من أطلق حمله لحق هذه الضعيفة أو طالب به ، هل تبنت عضوات الشورى هذه القضية الإنسانية أم أنهن مشغولات بقضية قيادة المرأة للسيارة وفي نظرهن أنها أم القضايا .
أليس للمرأة المظلومة حق؟ وهي الضعيفة التي أوجب النبي عليه الصلاة والسلام حفظ حقها فقال (اللَّهمَّ إنِّي أحرِّجُ حقَّ الضَّعيفينِ اليتيمِ والمرأةِ) أليس من حقها وجود قضاء يحميها ممن تسلط عليها واستغل ضعفها .. قضاء لا يهدر كرامة المرأة بكثرة المراجعات ، وطول الإجراءات .. فهل تم توفير هذا الحق لها؟ .
أليس من حق المرأة أن تحصل على وظيفة تحترم قدراتها ، وتناسب طبيعتها .. وظيفة تحفظ كرامتها ، فلا تحتاج للحصول عليها أن تُذَلَّ لأصحاب القلوب الفاسدة ، والنوايا الخبيثة ، فضلا أن تكون تحت رحمتهم ، يعبثون بها ، ويستغلون حاجتها ، ويشبعون رغباتهم على حساب عرضها .. ولعل ما وقع من تجاوزات لبعض الموظفات ، وآخرها وليس الأخير ، تحرش مدير عربي بسعوديات ، ومساومتهن على أعراضهن مقابل الوظيفة ، أوضح دليل على فشل القررات التي أصدرتها وزارة العمل ، والتي تخالف النظام والشرع ، قرارات تهدر كرامة المرأة في مقابل توفير العمل لها .. فأين من طالب بحماية الموظفات والبائعات .
أين حق المعلمات تحديدا ، والآتي يقطعن المسافات الطويلة للوصول إلى مدارسهن .. وزيادة على بعد المسافة تلك المخاطر التي يتعرضن لها من طول الطريق أو صعوبته .. ألم نسمع عن عشرات الحوادث ، والتي يذهب ضحيتها أرواح ، وتضيع أسر ، ونخسر معلمات .. هل أطلقت حملات ، هل أثارت الصحف والقنوات هذه القضية وطالبوا بزيادة عدد المدارس لاستيعاب الطالبات ، وتوفير فرص عمل لمئات المعلمات .
عباد الله .. هذا شيء قليل من أهم وآكد حقوق المرأة ، فهل سمعتم من أثار واحده فقط من هذه الحقوق .. هل سمعتم أو قرأتهم أن شيء من هذه الحقوق طُرح في مجلس الشورى .. هل عرضت واحدة فقط من عضوات الشورى طلب مناقشة واحده من هذه الحقوق .. هل تبنت الصحف والقنوات إثارة هذه الحقوق ، والمطالبة بها .. أيعقل أن تكون كل هذه الحقوق لا قيمة لها مقابل حق قيادة المرأة للسيارة .. ألا يجعلنا هذا نتسائل ما الغاية من ذلك .
إن علامات الإستفاهم لم ولن تنتهي من هذه القضية .. فهذه المغالطات الفاضحة والواضحة تجعلنا نشك في نوايا من أطلقوا حملة القيادة ومن يؤيدهم ويدعمهم .. وسأذكر شيء من المغالطات وأرد عليها بنفس الطريقة باستفسارات لا تحتاج إلى جواب ..
نسأل الله أن يحفظ أعراضنا ويصلح حالنا ويكفينا شر الأشرار وفساد الفجار .. أقول قولي هذا واستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد .. قبل فترة ليست بالبعيده أُثيرت قضية المظاهرات والاعتصامات ، فتنادت الجهات الأمنية ، والرسمية والشرعية لإنكارها ، والتحذير منها ، وأنها لا تجوز شرعا ، وبابٌ للفوضى وإثارة الفتن .. وفي حملة قيادة المرأة للسيارة دعوة صريحة ومباشرة للتظاهر ، والخروج المخالف لأنظمة الدولة ، وفتاوى العلماء .. فأين الجهات من التحذير منها ومنعها ، ومساءلة القائمين عليها .. والأعجب من ذلك أن في إعلامنا المرأي والمقروء دعوة صريحة للتأييد والتشجيع .. وهنا يكتمل العجب ، أليست هذه مظاهرة وخروج على ولي الأمر ، ومخالفة للفتاوى الشرعية ، فلماذا لم تُمنع الصحف والقنوات بل وتسائل وتحاسب على تأييدها ودعمها وتشجيعها .. لماذا لم يتم التعامل معهم معاملة العاصين والمخالفين لولي الأمر وتعليماته الصريحة الواضحة .. أليس من حقنا أن نشك بمن وراءها والغاية منها ؟
يقلون إن الغاية من قيادة المرأة حفظ كرامتها من مشاكل السائقين .
وأقول إذا سلمنا بوجود هذه المشاكل والتي تستدعي الحل ، وهي أهم من الحقوق التي ذكرناها .. ألا يوجد حل غير قيادة المرأة للسيارة.. أين دور الأب والأخ والزوج والأبن في القيام بدورة لقضاء حاجة المرأة وإيصالها لما تريد من أماكن .. هل رجال هؤلاء النسوة الآتي يتعرض للمشاكل كلهم غير قادرين على ذلك ، ومشغولين بما هو أهم من أعراض نسائهم ، ولم يجدوا حل إلا قيادتها للسيارة .
وإذا سلمنا بأن هناك مشاكل من وجود السائق ، فنقول أليس لوجود الخادمة مشاكل أخلاقية وأمنية وأجتماعية .. لماذا لم يطالبوا بالاستغناء عن الخادمات وأن تقوم المرأة بمسؤوليتها في بيتها .
وإذا سلمنا أيضا بمشاكل السائقين هل في قيادة المرأة للسيارة حل لهذه المشاكل والاستغناء عنهم .. هل ستحل المرأة محل السائق في إيصال أبنائها للمدارس وأخذهم منها .. هل ستقوم المرأة بقضاء حاجات البيت وتوفير مستلزماته .
هل استغنت الدول القريبة منا عن السائقين ونسائهم يقودون السيارات ؟
يقولون من محاذير السائق الخلوة ، ومن أعجب المفارقات وأكبر المغالطات ، أن المطالبات بقيادة المرأة يطالبون بسفرها بدون محرم، ويعارضون تجريم الخلوة ، وبعضهن يظهرن سافرات متبرجات ، وقد رأينا العديد منهن تُجالس الرجال ، وتسافر وليس لديها أي حرج شرعي في ذلك، فهل يظهر تدينها في هذه المسألة ، ويغيب في غيرها ، أم أنها حاجة في نفوسهن .. أليس من حقنا التشكيك في دينهن ، فضلا عن تدينهن ، وهذا هو حالهن الظاهر ، وما خفي الله أعلم به .
يقولون أن قيادة المرأة للسيارة تقلل عدد العمالة الأجنبية في البلد ، ونقول هل مشكلة العمالة تنحصر في السائقين .. أين العمالة السائبة ولماذا لم يتم حلها وهي أكثر بكثير من عدد السائقين .
هل سأل المطالبون لقيادة المرأة للسيارة عن مستوى الأمان وطالبوا بمنظومة متكاملة من الإجراءات والسياسات التي تحفظ السائقات من التحرش بجميع أنواعة .. وقد رأينا ورأى الكثير المقطع الذي انتشر قبل أيام قليلة عن قيام شباب في مجمع تجاري بالتحرش العلني والفاضح بنساء وفي مكان عام ولم يردعهم أحد أو يحمي النساء من هذا التحرش ، فكيف سيكون الحال إذا كانت النساء في سيارة والشباب في سيارة .
هل لدينا بنية تحتية وتشريعية تحمي السائقات وتسهل استخدامهم للطريق ومعالجة الحالات الطارئة .. وأذكر لكم أن المملكة العربية السعودية هي الأولى عالميا في الحوادث المرورية وعدد من يموت في اليوم الواحد سبعة عشر شخص .. فكم سيكون العدد حين تقود المرأة السيارة ؟ وكم سنفقد من النساء .. هل فعلا يريد المطالبون بقيادة المرأة إعطاءها حقها .
إن غالبية النساء في هذه البلاد ، ولا أقول كلهن ، عشن عفيفات كريمات ، معززات محترمات ، وهذا والله ما أزعج الكثير ممن في قلبه مرض ، من خارج هذه البلاد وداخلها ، ولم يجدوا مدخلا لفسادها أفضل من هذه القضية .. فإن كان الغرب وأذنابه في الداخل حريصين على المرأة ويريدون حريتها ، وإعطائها حقوقها ، فأين هم من المرأة في الصومال التي تموت جوعا ، وأين هم من المرأة الأسيرة والمعتقله في سجون العراق وسوريا وإسرائيل ، وأين هم من النساء الآتي يغتصبن في بورما وسوريا .. ألسنا نساء وحياتهن وكرامتهن أهم وأغلى من قيادة المرأة السعودية للسيارة .. أليس هذا كذبٌ واضح وخداع صارخ في سوء مقصدهم وفساد دعواهم وأن القضية أبعد من قيادة المرأة للسيارة وأبعد من الحقوق والدعوة للحريات ..
عباد الله .. إن الأعراض ليست عبثا ولا محلا للتجارب ، وقد سبقنا في هذه القضية بلدان فماذا جنوا من ورائها؟ وماذا حققت نساؤهم بعد تطبيقها .. والسعيد من اتعظ بغيره .
إن جميع ما ذكرت يؤكد بما لا يدع مجال للشك بفساد القائمين على هذه الحملة والمنادين لها ، وفساد مقصدهم ، وليست هذه أهم قضايا المرأة حتى ينبري لها صحفيون وإعلاميون ومفكرون فضلا عن متنفذين ومسؤولين وعضوات في مجلس الشورى .
وإن تساهل الدولة والجهات المسؤولة فيها مع مثل هذه الحملات والقائمين عليها سيؤدي إلى فتح باب يصعب إغلاقه من دعوى للمظاهرات والجرءة على مخالفة ولي الأمر ، وكسر النظام ، فكل من له مطالب سيسلك هذا المسلك ، وهذا والله مكمن الداء ، وباب الفتن الذي إذا كسر يصعب معالجته .
نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وأمننا ويرد كيد الكائدين في نحورهم ويفضح أمرهم .
المشاهدات 1776 | التعليقات 0