{هُدًى وَشِفَاءٌ} 15/ 4/ 1446هـ
د عبدالعزيز التويجري
الخطبة الأولى : {هُدًى وَشِفَاءٌ} 15/ 4/ 1446هـ
الحمد لله الذي لا يبلغُ مِدحَتَه القائلون، ولا يُحصِي نعماءَه العادُّون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه و من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد ..
فاتقوا الله ربكم واشكروا له (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)
إذا هبطت أخلاقنــــا ساء حالنـــــا ** وإن كرمت أخلاقنا لم تخف بأْسا
هل الغيثُ يعطي ثروةَ الزرعِ وحدَهُ ** إذا الأرضُ لم تصلُح لأن تحضِنَ الغَرْسا
المجتمعات لا تعلوا بعد إذن الله إلا بضمانات الأخلاق العالية في سير الرجال، ورسالاتُ الأنبياء جاءت بعد توحيد الله لإتمام الأخلاق والفضائل {إنما بُعثت لأُتمم صالح الأخلاق}.
قضت سنة الله عز وجل في هذه الدنيا أن يتصارع الحق والباطل، ويتدافع الهدى والضلال، ويتنازع الصلاح والفساد، وفي كتاب ربنا: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}
فكما أن في المجتمع والامة أناسٌ يهشون للمنكر، ويودون لو نبت الجيل في حمأته ، ومنهم من انغمس فيه حتى الثمالة ، وأصبح كالكوزِ مجخياً لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه ..
فإن في المجتمعِ قلوباً بيضاءَ مثل الصفا لا يغريها بالباطل بريق إعلام ، ولا يصدها عن الحق قولُ فتان .. قلوبُ زكاها القرآنُ ونشئتها أسرٌ وبيوت فاضلةٌ راقية ، خلْفها أبوين كريمين يرعونها حق رعايتها ، تربيةً على الصلاة والفضائل ، وحجزاً عن المنكرات والرذائل .. ومحاضن ودور لتحفيظ القرآن تسقي هذا الغرس وتنميه ، حتى آتت أكلها ضعفين ، فتفيء المجتمع والامة بآثاره ، واستظل بوافر ظلاله في ليلة غراء زفت للأمة عشرات الحفاظ..
فللَّه يَــومٌ ضَمّ فيه أئمـــــــةً تَدَفَّقَ منهم آي القرآن بُحورُ
وشمسُ المَعالي مِنْ كِتابٍ وسُنَّةٍ على الناسِ من لفظِ الكلامِ تُديرُ
قَرَأْنا بها القرآنَ غيرَ مُبـــــَدَّلٍ فغارتْ أناجيلٌ وغارَ زبورُ
ومن حيثما وجَّهْتَ وجهكَ نحوهم تلقتكَ منهم نضرةٌ وسرورُ
المسلمون هم أهل القرآن، والقرآن روحٌ من أمر الله، يُحيي رميم الأمم والهمم، ونورٌ يهدي إلى السبيل الأقوم {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .
لقد قاد القرآن العزيز خُطَى هذه الأمة فجعلها خير أُمةٍ أخرجت إلى الناس، وجعلها الشاهدة على الأمم، والأمينة على القيم، فاستنقذت البشرية بإذن ربها من الشرك والظُلَم والطغيان {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}
يقود القرآن بأهله إلى الصلاح والإصلاح ، والإبصارِ والبصيرة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
ولا يزال هذا الكتاب غضاً طرياً كما نَزَل ، يبعث في النفوس روح الحياة كلما خبت جذوتُها، أو ضعفت همَّتها..
القرآن يحيي الأمة ولو كانت مستضعفة، ويقومها ولو كانت لا تقوى على المواجهة..
القرآن يعز النفوس ويوقظ الضمائر .. عزةً يستعلي بها المرء على كل أسباب الذلة والانحناء لغير الله { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً}
عزةً لا ترضى أن تُعطي الدنية في دينها ومبادئها، ولا ترضى أن تنظر للآخرين باستجداءٍ أو استخذاء.
هذا القرآن العظيم الذي نفتخر ونعتز ونحتفل بأهله وحفاظه ورواده.. هو الذي يُعلمنا ويُربينا على أن المصائب والمصاعب والابتلاءات والمحن هي طريق الوحدة والقوة، وهي طريق النصر والفرج {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}
القرآن يربي على قيمةُ الانسان فيما يحمل، وسموهِ في اهتماماته وأهدافه، ورقيه في عطائه ونفعه ..{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}: أَي شرف لمن اتبعه، وعمل بما جاءَ به.
هذا القرآن الذي نعتز به وبحفظته هو الذي يعلمنا ويربينا على أن النفوس لا تنحط قيمتها ولا تسقط في هاوية الذلة ، إلا إذا ضعفت قيوامةُ رجالها، وانساقت خلف كل دعي وناعق نسائها ، لا يرجون لدفع مُلمة ، ولا يؤمل فيهم للنهوض بهمة {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا}
إِذَا كُنْتَ لَا تُرْجَى لِدَفْعِ مَلَمَّةٍ ... ولم يَكُ لِلمَعْرُوْفِ عِنْدَكَ مَطْمَعُ
وَلَا أَنْتَ مِمَّنْ يُسْتَعَانُ بِجَاهِهِ ... وَلَا أَنْتَ يَوْمَ الحَشْرِ مِمَّنْ تُشَفَّعُ
فَعَيْشُكَ فِي الدُّنْيَا وَمَوْتُكَ وَاحِدٌ ... وَعُوْدُ خِلَالٍ مِنْكَ من وصالك أَنْفَعُ
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلامات فاستغفروه إن ربي رحيم ودود
الخطبة الثانية :
الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتننا وعلى الله وسلم على عبده ورسوله وأله وأصحابه اما بعد .
القرآن كما أنه هدى ورحمةُ للمؤمنين ، فهو شفاء لما في الصدور ، شفاء من الحسد والغل للمؤمنين ، وشفاء من الأهواء وأمراض الشهوات {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}
وهو شفاء لأمراض الأبدان.. لدغَت عقربٌ رجلاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقُرئَ عليه سورةُ الفاتحة فبرأَ . (أخرجه البخاري).
ولا يمانع أخذ الجرعات الوقائية بإذن الله في التطعيمات الموسمية ، والأدوية الصحية ، ولا ينافي التوكل على الله ، فهي سبب في الشفاء بإذن الله ..«واحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}
اللهم أخلص نياتنا واصلح قلوبنا وأعمالنا وذرياتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .
اللهم صل وصلم على عبدك ورسولك نبينا محمد .......
الهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا ......
المرفقات
1729165995_{هُدًى وَشِفَاءٌ}.docx
1729165995_{هُدًى وَشِفَاءٌ}.pdf