(هجر ما نهى الله عنه ورسوله) خطب مختارة
الفريق العلمي
أنزل الله دين الإسلام وبين فيه الشرائع والأحكام والحلال والحرام، وميز فيه الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والتوحيد من الشرك، والكفر من الإيمان، والسنة من البدعة، والطيب من الخبيث؛ ومع هذا النور المبين والحق المتين؛ أرسل لتبليغه وتعليمه رسله؛ ليكونوا إلى الخير داعين ومبلغين، ومن الشر محذرين ومنذرين، وقد جاءت الرسل حاملة لواء الحق داعية إلى الاستقامة عليه ولزومه، كما أنها حذرت من الباطل بشتى صوره وأشكاله، وأرشدت إلى وجوب هجره كافة، والابتعاد عنه عامة، قال الله -تعالى- (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 229].
كما أن الله رتب على من تعدا هذه الحدود واقترف تلك المعاصي وزاول ذلك الباطل العقوبة العاجلة في الدنيا والآجلة في الآخرة، قال الله: (لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ) [الحج: 9].
ومن هنا كان لزاما على العباد تجنب المعاصي والبعد عنها، ولعلنا في هذه السطور نذكر بعضاً من مظاهر ذلك الاجتناب وصورٍ من ذلك الهجر، وذلك ما يلي:
أولا: الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكانت فرضًا في أيام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث كان؛ فإن بقي في بلاد الحرب عصى، وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30].
ثانيا: ومن ذلك؛ هجر المجالس التي يخاض فيها في آيات الله وشرعه بغير علم ولا هدى ووجوب الخروج منها؛ فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره؛ فتول عنه، قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: 68]، وقال عن إبراهيم -عليه السلام- حين قال لقومه اللذين رفضوا دعوته والاستجابة للدين الذي جاء به: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا) [مريم: 48].
ثالثا: فرار العبد من الأذية في الدين والنفس، والمال، والعرض، وهذا فضل من الله أن أرخص فيه؛ فإذا خشي المسلم على دينه ونفسه وماله وعرضه فله أن يهاجر؛ فقد أذن الله له في الخروج والفرار حتى يحمي عقيدته وينجو بنفسه وأهله وماله وعرضه؛ يقول الله -تعالى- في محكم آياته على لسان نبيه إبراهيم -عليه السلام-: (وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [لعنكبوت:26]، كما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام؛ فارين بدينهم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وطيبة الطيبة التي شاء الله أن تلد الأنصار والأخيار.
وهكذا في كل زمان ومكان يجب على المستضعفين والمضطهدين في دينهم أن يهاجروا في أرض الله الواسعة، قال سبحانه منكرا على من بقي في دار الهوان والذل، (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 97].
وقد أحسن من قال:
إذا شاع في أرض فساد ومنكر****وليس بها ناه مطاع وزاجر
ففر ولا تصبح مقيما ببلدة **** يقل بها عرف وتفشو المناكر
فإن عقاب الذنب عند خفائه****يخص وإن يظهر يعم المجاور
رابعا: ومن الصور -كذلك- هجر ما نهى الله عنه ورسوله، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وقد أخبر النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن المهاجر الحق هو من: "مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ"، ويقتضي هجر ما نهى الله عنه؛ هجر الشرك إلى التوحيد، وهجر الضلال إلى الهدى، وهجر الباطل إلى الحق، وهجر الكفر إلى الإيمان، وهجر النفاق وسوء الأخلاق والزور والفواحش والغيبة والنميمة، وسائر الذنوب والمعاصي والمحرمات القولية والعملية والاعتقادية، وهذه الهجرة باقية حتى طلوع الشمس من مغربها، ولا تنقطع حتى تنقطع التوبة، قال: -صلى الله عليه وسلم- "لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" (رواه ابو داود).
خامسا: ومن صور هجر الباطل؛ البراءة من أهل الشرك والكفر ومما يدعون إليه، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) [الزخرف: 26]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [التوبة: 23]، وقال سبحانه :(وَالرُّجْزَ فَاهْجُر).
أيها المؤمنون: بعد أن عرفنا الهجر بشتى صوره وأشكاله، وما يجب على المسلم هجره ومفارقته، لابد في هذا المقام أن نتطرق إلى أوصاف المهاجر الحق؛ حتى نحرص عليها والقيام بفعلها، وإليكم بعضا من ذلك:
أن المهاجر الحق هو من أخلص القصد، واكتسب الخبرة والمهارة التي تؤهل المسلمين لمستقبل التمكين في الأرض، أخذا بالأسباب التي أمروا بها، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الانفال: 60].
والمهاجر من أقلع عن المحرمات وندم على ما اقترف من الخطيئات وعزم على أن الا يعود لفعل المنكرات، وتاب إلى رب البريات القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [التحريم: 8].
والمهاجر الحق هو الذي ضحي وبذل الغالي والرخيص دون منة أو تردد أو توان؛ فراراً بدينه طالباً العِوَض من الله -تعالى- فيما ترك وخلف وراءه من تنازل عن دنياه ووطنه؛ لأجل دينه وعقيدته، كما صنع سادة المهاجرين اللذين فروا بدينهم من مكة إلى المدينة؛ فتنازل صهيب الرومي عن ماله، وكما تنازل أبو سلمة عن قبيلته، وكذا تنازل الجميع عن ديارهم وأموالهم طلبا في علو دينهم ومرضاة ربهم -عز وجل-.
عباد الله: ذلكم هو الهجر وتلكم هي أوصاف المهاجرين؛ فلنحرص على هجر المعاصي كبيرها وصغيرها وأماكنها وأربابها حتى لا نقع في بؤر الشرور ومستنقعات المبطلين، مستعينين بالله -تعالى- مخلصين له النية طاهري الطوية؛ لنبلغ رضا الله عنا وقبوله منا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ".
خطباؤنا الأفاضل: وضعنا بين أيدكم استهلالاً يسيراً عن معنى الهجرة وصورها، والمواطن والأحوال التي يجب على المسلم أن يهاجر منها إلى مواطن السلامة والعافية والنجاة في الدنيا والآخرة؛ كما جمعنا لكم مجموعة من الخطب المنتقاة لتكون عوناً لكم في تذكير الناس بهذه الفريضة، لا سيما وأهل الحق يعيشون غربة مطبقة، وظلاماً دامساً، وحرباً شعواء؛ فلا يخفاكم حكمها وفضلها، وقصص المهاجرين من الأنبياء والمصلحين؛ سائلين المولى أن يوفقنا وإياكم للهجرة من كل ما يغضبه إلى ما يرضيه.
الهجرة هجر الذنوب والخطايا الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد
https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/182269
الهجرة؛ التضحية بالدنيا من أجل الآخرة - الشيخ د.محمد راتب النابلسي
https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/293204
الهجرة - الشيخ د. محمد راتب النابلسي
https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/293198
الهجرة من المعاصي الشيخ: أبو إسحاق الحويني
https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/293273
هجر المعاصي إلى الطاعات - الشيخ: حامد إبراهيم طه
https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/293192
هجرة من المعصية الى التوبة الصادقة الشيخ د. محمد حسان
https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/293323
المهاجر من هجر ما نهى الله عنه الشيخ: محمد رزق
https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/293341
الهجرة - موقع إمام المسجد
https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/293187
هجرة إلى الله ورسوله - أحمد عمارى
https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/293179