هبوط أسعار النفط ووقفات مع قوله تعالى (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ )

فيصل التميمي
1436/02/20 - 2014/12/12 06:14AM
تكرم بها أحد الفضلاء مع اضافة بسيطة جزاه الله عنا خيرا وبارك في علمه وعمله
_______________
هبوط أسعار النفط ووقفات مع قوله تعالى )وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ: فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فمن اتَّقى الله وقاه، ومن توكَّل عليه كفاه، ومن شكرَه زادَه، ومن استقرضَه جزاهُ، فاجعَلوا التقوى عِمادَ قلوبِكم، وجلاءَ أبصاركم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِمَّا يَشْغَلُ النَّاسَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَأَحَادِيثِهِمْ هَذَهِ الأَيَّامَ: مَا تَعَرَّضَتْ لَهُ أَسْعَارُ النَّفْطِ مِنَ الْهُبُوطِ الْمُفَاجِئِ، وَتَبِعَهُ حَدِيثُ النَّاسِ عَنِ الرِّزْقِ، وَسَطَ خَوْفٍ مِنَ الْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ، فَعَاشَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ جَزَعٍ وَهَلَعٍ وَسَخَطٍ، وَتَذَمُّرٍ وَتَأَفُّفٍ وَلَغَطٍ، مَعَ أَنَّ الآجَالَ مَحْسُومَةٌ، وَالأَرْزَاقَ مَقْسُومَةٌ، لَا يُزَادُ فِيهَا، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا، وَلَنْ يَمُوتَ حَيٌّ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ مَا لَهُ مِنْ رِزْقٍ، وَمَا لَهُ مِنْ عُمْرٍ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ( [هود:6].
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ رُوحَ الْقُدْسِ نَفَثَ فِي رُوعِي: أَنَّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ» [أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ].
إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَيْقَنَ بِأَنَّ الأَجَلَ مُحَدَّدٌ، وَأَنَّ الرِّزْقَ مُقَدَّرٌ؛ اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَجْزَعْ مِنْ فَقْرٍ أَصَابَهُ، أَوْ جَائِحَةٍ أَتْلَفَتْ مَالَهُ، وَلَنْ يَشْغَلَ نَفْسَهُ بِالدُّنْيَا عَنْ عَمَلِ الآخِرَةِ، فَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ، وَرِزْقُهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ...» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي أَرْزَاقِكُمْ، وَهَذَا أَصْلٌ مُهِمٌّ مِنْ أُصُولِ الإِيمَانِ بِقَضِيَّةِ الرِّزْقِ، يَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ غَنِيّاً كَثِيرَ الرِّزْقِ، وَيَقْدِرُ عَلَى آخَرِينَ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ، قَالَ تَعَالَى: )إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا([الإسراء:30]، أَيْ: يُوَسِّعُ الرِّزْقَ وَيُضَيِّقُهُ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: أَيْ خَبِيرٌ بَصِيرٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْغِنَى، وَمَنْ يَسْتَحِقُّ الْفَقْرَ، فَمِنَ الْعِبَادِ مَنْ لَا يُصْلِحُ حَالَهُ إِلَّا الْغِنَى، فَإِنْ أَصَابَهُ الْفَقْرُ فَسَدَ حَالُهُ، وَمِنْهُمْ بِضِدِّ ذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: )وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ( [الشورى:27].
وَلْنَعْلَمْ أَنَّ مَنِ اسْتَعْجَلَ الرِّزْقَ بِالْحَرَامِ مُنِعَ الْحَلَالَ؛ فَكَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ دَخَلَ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ، فَأَعْطَى غُلَاماً دَابَّتَهُ حَتَّى يُصَلِّيَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ أَخْرَجَ دِينَاراً لِيُعْطِيَهُ الْغُلَامَ، فَوَجَدَهُ قَدْ أَخَذَ خِطَامَ الدَّابَّةِ وَانْصَرَفَ، فَأَرْسَلَ رَجُلاً لِيَشْتَرِيَ لَهُ خِطَاماً بِدِينَارٍ، فَاشْتَرَى لَهُ الْخِطَامَ ثُمَّ أُوتِيَ، فَلَمَّا رَآهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! إِنَّهُ خِطَامُ دَابَّتِي، فَقَالَ الرَّجُلُ: اشْتَرَيْتُهُ مِنْ غُلَامٍ بِدِينَارٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: سُبْحَانَ اللهِ! أَرَدْتُ أَنْ أُعْطِيَهُ إِيَّاهُ حَلَالاً، فَأَبَى إِلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ حَرَاماً!.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَرْزَاقُ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ تَعَالَى، فَلَا رَازِقَ سِوَاهُ، خَلَقَ وَرَزَقَ دُونَ عَنَاءٍ وَلَا كُلْفَةٍ وَلَا مَشَقَّةٍ, فَلَوْ سَأَلَهُ الْخَلْقُ جَمِيعاً فَأَعْطَاهُمْ، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِهِ شَيْئاً، فَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي: إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي: كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي: كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي: كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي: إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي: إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي: لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ: مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي: لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ: مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي: لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي؛ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي: إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ».
فَالله عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي وَيَخْلُقُ وَيَرْزُقُ جَمِيعَ عِبَادِهِ، قَالَ تَعَالَى: )إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ ( [ص:54].
إِنَّ الرِّزْقَ يَظَلُّ حَبْلاً مَمْدُوداً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَيَرْزُقُ الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ، وَالْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ، فَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحَدْهُ، يَخْتَصُّ بِالرِّزْقِ وَالتَّقْدِيرِ دُونَ شَرِيكٍ وَلَا مُعِينٍ، فَامْتَدَّ رِزْقُهُ لِلْبَهَائِمِ وَالطُّيُورِ وَالْحَشَرَاتِ، فَيَرْزُقُ الطَّيْرَ فِي أَوْكَارِهَا، وَالسِّبَاعَ فِي جُحُورِهَا، وَالْحِيتَانَ فِي قَاعِ بِحَارِهَا، وَشَمَلَ رِزْقُهُ الدَّوَابَّ بِأَنْوَاعِهَا، وَصَدَقَ اللهُ تَعَالَى إِذْ يَقُولُ: )وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( [العنكبوت:60].
جَلَسَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ رَحِمَهُ اللهُ يَوْماً وَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ بَعْضاً مِنْ قِطَعِ اللَّحْمِ الْمِشْوِيِّ، فَجَاءَتْ قِطَّةٌ فَخَطَفَتْ قِطْعَةً مِنَ اللَّحْمِ وَهَرَبَتْ، فَقَامَ وَرَاءَهَا وَأَخَذَ يُرَاقِبُهَا فَوَجَدَ الْقِطَّةَ قَدْ وَضَعَتْ قِطْعَةَ اللَّحْمِ فِي مَكَانٍ مَهْجُورٍ أَمَامَ جُحْرٍ فِي بَاطِنِ الأَرْضِ وَانْصَرَفَتْ، فَازْدَادَ عَجَبُهُ وَظَلَّ يُرَاقِبُ الْمَوْقِفَ بِاهْتِمَامٍ، وَفَجْأَةً خَرَجَ ثُعْبَانٌ أَعْمَى، فُقِئَتْ عَيْنَاهُ يَخْرُجُ مِنَ الْجُحْرِ فِي بَاطِنِ الأَرْضِ، وَيَخْرُجُ وَيَجُرُّ قِطْعَةَ اللَّحْمِ إِلَى الدَّاخِلِ، فَرَفَعَ رَأَسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: سُبْحَانَكَ يَا مَنْ سَخَّرْتَ الأَعْدَاءَ يَرْزُقُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً!!.
معاشر المؤمنين الموحدين.. لَقَدْ كَانَ إِيمَانُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ، فَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِأَحَدٍ سِوَاهُ؛ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- «مَنْ وَثَقَ بِاللهِ فِي رِزْقِهِ، زَادَ فِي حُسْنِ خُلُقِهِ، وَأَعْقَبَهُ الْحِلْمَ، وَسَخَتْ نَفْسُهُ، وَقَلَّتْ وَسَاوِسُهُ فِي صَلَاتِهِ»، قَالَ تَعَالَى: )وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُون * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ( [الذاريات:22-23]، صَاحَ أَعْرَابِيٌّ وَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! مَنِ الَّذِي أَغْضَبَ الْجَلِيلَ حَتَّى حَلَفَ؟! أَلَمْ يُصَدِّقُوهُ حَتَّى أَلْجَؤُوهُ إِلَى الْيَمِينِ؟!.
وَقِيلَ لِحَاتِمٍ الأَصَمِّ-رَحِمَهُ اللهُ-: (عَلَامَ بَنَيْتَ أَمْرَكَ فِي التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ؟ قَالَ: عَلَى خِصَالٍ أَرْبَعَةٍ: عَلِمْتُ أَنَّ رِزْقِي لَا يَأْكُلُهُ غَيْرِي فَاطْمَأَنَّتْ نَفْسِي، وَعَلِمْتُ أَنَّ عَمَلِي لَا يَعْمَلُهُ غَيْرِي فَأَنَا مَشْغُولٌ بِهِ، وَعَلِمْتُ أَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً فَأَنَا أُبَادِرُهُ، وَعَلِمْتُ أَنِّي لَا أَخْلُو مِنْ عَيْنِ اللهِ، فَأَنَا مُسْتَحْيٍ مِنْهُ).
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تعظيمً لشأنه، وَأشهدُ أنَّ نبينا مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ الداعي إلى رضوانه، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ أَسْبَابِ دَوَامِ الرِّزْقِ وَبَرَكَتِهِ وَزِيَادَتِهِ: تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَخَافَتَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، قَالَ تَعَالَى: )وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ([الأعراف:96].
وَمِنْ أَسْبَابِ دَوَامِ الرِّزْقِ: الْحِرْصُ عَلَى الْحَلَالِ وَتَحَرِّيهِ، وَالْعَمَلُ بِهِ، وَالإِخْلَاصُ فِيهِ، وَتَأْدِيَةُ الْعَمَلِ بِكُلِّ صِدْقٍ وَأَمَانَةٍ، وَحُسْنُ الظَّنِّ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَفِي الْحَدِيثِ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه].
وَمِنْ أَسْبَابِ بَرَكَةِ الرِّزْقِ: الْجُودُ وَالْكَرَمُ وَالإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالصَّدَقَةُ وَالزَّكَاةُ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ( [سبأ:39].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إِذَا أَرَادَ الرِّزْقَ وَدَوَامَهُ مِنْ رَبِّهِ: أَنْ يَبْتَعِدَ عَنْ كُلِّ الْمُعَامَلَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَشْبُوهَةِ: مِنَ الرِّشْوَةِ، وَالسَّرِقَةِ وَالنَّهْبِ، وَالتَّحَايُلِ، وَالرِّبَا وَالْمَعَاصِي؛ فَفِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَحَسَّنَهُ الْبُوصِيرِيُّ].
إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُعْطِي الدُّنْيَا لِمَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الإِيمَانَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، قَالَ تَعَالَى: )فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ( [الفجر:15-16]، وَهَذَا ابْتِلَاءٌ لِيَشْكُرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ عَلَى السَّرَاءِ، وَيَصْبِرَ عَلَى الضَّرَاءِ، وَيَرْضَى بِمَا قَسَمَهُ لَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، قَالَ: وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ؟ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ؟ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ: عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رضي الله عنه].
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الرِّزْقَ مَكْتُوبٌ مَحْفُوظٌ لِلْعَبْدِ مُنْذُ أَنْ خَلَقَةُ اللهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، فَهَذَا الإِيمَانُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَرْسَخَ فِي الْقُلُوبِ وَلَا يَهْتَزَّ، فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ رَجُلاً هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَهَرَبِهِ مِنَ الْمَوْتِ: لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ» [أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، وَهُوَ فِي السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ].
وَمَا دَامَ الْمُسْلِمُ يَصْنَعُ الْمَعْرُوفَ، وَيُطْعِمُ الْجَائِعَ، وَيَكْسُو الْعَارِيَ، وَيُغِيثُ الْمَلْهُوفَ، وَيَقْضِي الدَّيْنَ، وَيُسَاعِدُ الأَرْمَلَةَ وَالْمِسْكِينَ، وَيَكْفُلُ الأَيْتَامَ: فَلَنْ يَنْسَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ يَتَكَفَّلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِرِزْقِهِ، وَيَرْزَقُهُ وَيُثِيبُهُ الْمَزِيدَ وَيَجْزِلُ لَهُ الْعَطَاءَ؛ قَالَ تَعَالَى: )هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ( [الرحمن:60].
هذا وصلوا وسلموا على أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال قولا كريماً...
المشاهدات 1948 | التعليقات 0