ها قد أظلتكم عشر مباركة

عمر الدهيشي
1432/09/17 - 2011/08/17 14:44PM
خطبة فضل العشر الأواخر وختام الشهر
عباد الله..هاهي أيام الخير تتقضى وليال البركة تتصرم،وتتفطر معها قلوب العارفين،وتأسى لها نفوس العابدين؛لما عايشوه من سعادة وطمأنينة،وراحة وسكينة،يغدون في طاعة الله ويروحون في عبادة الله،عمروا يومهم بالصيام،وقضوا ليلهم في القيام وقراءة القرآن..إلا أن عزائنا في البقية الباقية من هذا الشهر الكريم وهي ليالي العشر الأواخر التي هي خير ليالي العام وأفضلها على الإطلاق،لما حوته من فضائل واشتملت عليه من بركات،ولذا كان النبي ﷺ يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها رواه مسلم وكان ﷺ يحيى الليل كله ويوقظ أهله ويشد مئزره كما أخبرت بذلك عائشة رضي الله عنها،بل كان ينعزل عن الدنيا وعلائقها ويعتكف في المسجد ليعلق قلبه ويجمع نفسه بالكلية على الله تعالى والدار الأخرة،ويجتهد في عباد الله تعالى طلباً لقيام ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:اعتكف رسول الله ﷺ العشر الأول من رمضان،ثم اعتكف العشر الأوسط،في قبة تركية على سُدتها حصير،قال:فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ثم أطلع رأسه فكلم الناس،فدنوا منه فقال:إني اعتكفت العشرَ الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط،ثم أُتيت فقيل لي:إنها في العشر الأواخر،فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف)قال أبو سعيد فاعتكف الناس معه رواه مسلم. ولا غرو أن يسعى المجتهد في طلب ليلة هي خير من ثلاث وثمانين سنة،ويحرص على قيامها لأن من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه كما أخبر بذلك المصطفى ﷺ قال ابن الجوزي ( والله ما يغلو في طلبها عشر،لا والله ولا شهر،لا والله ولا دهر) صدق رحمه الله فلو أنفق الإنسان عمره في طلبها لما قدرها حق قدرها.
عباد الله..ليلة القدر تكون في العشر الأواخر من رمضان كما قال ﷺ (تحينوا ليلة القدر في العشر الأواخر)رواه مسلم،وهي في السبع الأواخر أحرى قال ﷺ (التمسوها في العشر الأواخر يعني ليلة القدر فإن ضعف أحدكم أو عَجَز،فلا يغلبن على السبع البواقي)رواه مسلم،وهي في ليالي الوتر أرجى قال ﷺ (وإني أريتها ليلة وتر وإني أسجد صبيحتها في طين وماء)قال الراوي:فأصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلى الصبح،فمطرت السماء فوكف المسجد،فأبصرتُ الطين والماء،وإذا هي ليلةُ إحدى وعشرين من العشر الأواخر.رواه مسلم إلا أنه ينبغي للمجتهد أن يحرص على قيام العشر الأواخر كلها ويعمرها بالصلاة وقراءة القرآن والذكر حتى يدرك هذه الليلة،لأن الوتر يكون باعتبار الماضي ويكون باعتبار الباقي،وقد قال ﷺ : ( التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى،في سابعة تبقى،في خامسة تبقى)رواه البخاري،قال شيخ الإسلام ابن تيمية (الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين، ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي ﷺ: (لتاسعة تبقى، لسابعة تبقى، لخامسة تبقى، لثالثة تبقى) فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع وتكون ليلة الثاني والعشرين تاسعة تبقى، وليلة الرابع والعشرين سابعة تبقى، وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح، وهكذا أقام النبي ﷺ الله عليه وسلم في الشهر، وإن كان الشهر تسعاً وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي،وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعها)ا.هـ.
عباد الله..في مثل هذه الليالي المباركة أكرم الله تعالى هذه الأمة،وتفضل عليها بأفضل منة،ووهبها أعظم عطية،فمن بزوغ فجر الإسلام وإلى قبيل الساعة وهم لا يزالون ينهلون من هذه النعمة،ويستنيرون بها في شتى أحوالهم،بسم الله الرحمن الرحيم(حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم)وقال سبحانه(يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين،قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)فما أحرى المجتهد في عباد الله تعالى والواقف بين يدي الله تعالى يدعوه ويسأله في هذه الليالي أن يحقق الله له سؤله ويعطيه ما دعاء به وهو الرحمن الرحيم،القريب المجيب سبحانه وتعالى،وقد سألت عائشة رضي الله عنها النبي ﷺ فقالت : يا رَسُولَ اللهِ، أرَأيْتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أقُولُ فِيها؟ قَالَ: ((قُولي: اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)).رواه الترمذي وقال:حديث حسن صحيح.فليتخير العبد من المسألة ما شاء،ويلح على الله تعالى بالدعاء فقمن أن يستجاب له،إذا استجلب آداب الدعاء واجتنب محذورها،وعليه بمجامع الدعاء،وجوامع الكلم كالأدعية القرآنية والدعوات النبوية،وليسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة،وليخص العلماء والولاة والدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بدعوات صادقة،فصلاحهم صلاح المجتمعات،ولا ينسى إخوة الدين والعقيدة الذين نزل بهم الكرب وعمهم الجوع،وأضناهم الأسر،وطفح بهم الموج،أن يفرج الله عنهم،وأن يبدل خوفهم أمنا،وذلهم عزة،وفقرهم غنى فالمؤمنون كالجسد الواحد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض). أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى
عباد الله..إن الله تعالى شرع لكم في ختام شهركم أعمالا تكملة له وزيادة لكم في الخير،فشرع لكم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين،وشكراً لله على توفيقه،وهي زكاة عن البدن يجب إخراجها عن الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد،ويستحب إخراجها عن الحمل في البطن،ويجب إخراجها عن كل مسلم غربت عليه الشمس ليلة العيد وهو يملك ما يريد عن قوت يومه وليلته،ويخرج عن نفسه ومن تلزمه نفقته من زوجته ووالديه وأولاده،ويخرجها في البلد الذي وافاه تمام الشهر وهو فيه،وإن وكَّل أحداً يخرجه في مكان آخر جاز ذلك،وتدفع زكاة الفطر إلى من يجوز دفع زكاة المال إليه،ووقت إخراجها يبدأ بغروب الشمس ليلة العيد والأفضل ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد،وإن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين جاز،وإن أخرها عن صلاة العيد أثم وأجزأت،وإن فات يوم العيد ولم يخرجها فإنه يقضيها ولا تسقط عنه،ومقدارها صاعا من بر أو شعير أو ما يغلب استعمال الناس له قوتا في البلد كالأرز وغيره.
ومما شرع في ختام الشهر التكبير،قال تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم)فيسن التكبير ليلة العيد والجهر به في المساجد والبيوت والأسواق تعظيماً لله وشكراً له على تمام النعمة.
ومما شرع صلاة العيد وهي فرض كفاية،وهي من تمام ذكر الله تعالى..
هذا وصلوا وسلموا
المشاهدات 2871 | التعليقات 1

نفع الله بكم وزادكم علما وفضلا