نور التوحيد تبدد ظلمات الخرافة

أبو عبد الله الأنصاري
1433/09/16 - 2012/08/04 06:06AM
[align=justify]نور التوحيد تبدد ظلمات الخرافة 20/ذي الحجة /1431ه
الوهم والخرافة صنوان لا يفترقان ، وهما دليلان على ضعف العقل وتمكن الجهل ، ولا يتمكنان من عقل أو مجتمع إلا إذا كان العلم والعقل عنه بمعزل ، إذ الخرافات والضلالات ظلمات بعضها فوق بعض .. تتوارى الحقائق وراء أسوارها ، وتغيب البينات في فناءها لا لشيء إلا لأنها ليس لها من الحقيقة والبينة والبصيرة حظ ولا نصيب ، ولذلك كانت الخرافة والإسلام ضدان لا يجتمعان أبداً ، بل ما تأسس الإسلام في عقول أتباعه وقلوبهم ولا أقام مجتمعه وأمته على أرضهم إلا على أنقاض الخرافة التي هدمها وداس عليها .
عم نتحدث اليوم أيها الأحبة ؟ إننا نتحدث عن ضروب من الأوهام والأكاذيب الباطلة والاعتقادات المنحرفة المختلقة التي تسللت لواذاً إلى عقول الجاهلين والغافلين على حين غرة وغفلة من العلماء الربانيين الذين ينفون عنه تحريف الجاهلين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، سحر وشعوذة ، ودجل وتضليل ، تعلق بالموتى ولجوء إلى المخلوقين ، تردد على أعتاب وأبواب دجاجلة مفترين على الله مضلين لعباده ، فهذا مبتلى بمرضٍ فينطلقُ إلى ساحرٍ يبْحثُ عنده عن العلاجِ فيحجبه ويضلله وذاك سُرقَ له متاعٌ أو ضَاعَ له مالٌ يذهبُ إلى كهان يبحثُ عن الغيب عندهم !! وآخرُ يريدُ سفراً ولا يدري أخيرٌ هو أم شرٌ فينطلق إلى السَّحَرةِ ليكْشِفوا له عن المكنون!! ورابعٌ من هؤلاءِ المساكين يسعى إلى كُهُوفِ الدجالين طلباً للذُّريةِ والبنين ، وتلك تطلبُ ربْطَ زوجها خوفاً من الفراق والطلاق ، وهذا يضعُ على رقبتِهِ حِرْزَاً صنَعَهُ له ساحرٌ يخشى إن تركه أن يمرضَ أو يموت وسابعٌ وُلِدِ في بُرْجِ الجَوْزَاءِ يترددُ على أعتابِ المنَجِّمين متسائلاً عن حظِّه في مستقبلِهِ هل هو من السُّعداءِ أم من الأشقياء ؟ وثامنٌ وتاسعٌ وعاشر.. كلُّ هؤلاءِ هم في الحقيقة ضحايا التضليل العقائدي والتدجيل الخرافي الذي تسلَّل إلى عقول الأمة في ظلام الجهل والبُعْدِ عن الكتاب والسنة وفي حين غفلةٍ من العلماء الربانيين الذي أوجبَ الله تعالى عليهم أن يحمُوا الأمَّةَ ويصُونُوا عُقُولهَا من هذا الضَّلالِ البعيد تزعزعت العقائد الصحيحة في قلوب كثيرٍ من المسلمين ، وتساهلوا بأوامر الله تعالى وضعُف توكُّلهم واعتقادهم في ربهم وخالقهم فتمكَّن الشيطانُ ووسوسَ في صدورِ كثيرٍ منهم بتقديس الخرافات وتصديق الضلالات والخزعبلات كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يروي عن ربه أنه قال : ( إني خلقت عبادي حنفاء وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ) رواه مسلم في صحيحه .
يا معاشر الموحدين : للخرافات سوق رائجة في أكثر الأماكن والأزمان تجارها شراذم من الكاذبين المفترين على الله سبحانه المعرضين عن الهدايات والبينات التي جاء بها رسل الله ، يوجدون حيث تغيب أنوار الرسل وهدايات النبيين هم في الحقيقة قطاع الطرق وسراق العقول ولصوص العقائد وجودهم مرتبط ببُعد الخلق عن خالقهم وجهلهم بربهم وتمكن الجاهلية منهم ، تلك هي البيئة الاجتماعية والثقافية التي تحيا فيها هذه الجراثيم الضارة القذرة ، إنهم مجموعة من لئام الأنفس خباث الأرواح يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف يوصون بالضلالة والغواية وينفرون من البصيرة والهداية عمروا دنياهم بخراب أديانهم وأديان الجهلة والمغفلين أما رواد هذه السوق فهم فئام من السذج الأغبياء الجاهلين ممن ضعفت أبصارهم وبصائرهم أعشتهم أنوار التوحيد وأضرت بهم أضواء العقيدة فاستتروا منها بكهوف الظلمات والخرافات يتوارون فيها عن أن تبدد أنوار التوحيد وعقيدة الإخلاص الناصعة ظلاميات عقائدهم .
الخرافات يا معاشر الناس سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً فضحايا الخرافة لا لحاجتهم وجدوا ولا لربهم عبدوا .
( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ).
إن الإنسان الضعيف الذي لا يملك من أمر نفسه قليلاً ولا كثيراً ليس شيئاً بغيره ربه ومالكه ومدبر أمره فهو في حالة افتقار تامة للغني الكبير المتعال وحين تدلهم عليه الخطوب وتتكالب عليه المصاعب والمتاعب فإن له من اللجوء إلى الله والركون إليه والتعلق به أقوى سبب ومعتصم كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( احفظ الله يحفظ ، احفظ الله تجده تجاهك تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة ).
أما إذا تنكب سبيل العقيدة الصحيحة وانحرف عنها واختار دروب الخرافة والدجل والإشراك فإنه قد اختار حينئذ أن يتخلى الله عنه ويكله لمن لجأ إليه من دونه وقد قال سبحانه : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ).
روى الإمام أحمد في مسنده عن عطاء الخراساني قال : لقيت وهب بن منبه وهو يطوف بالبيت فقلت له : حدثني حديثا أحفظه عنك في مقامي هذا وأوجز قال : نعم أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود : يا داود أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم بي عبد من عبيدي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السماوات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن إلا جعلت له من بينهن مخرجا أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء من يده وأسخت الأرض من تحت قدميه ثم لا أبالي بأي واد هلك.
ألا ما أجل وأصدق وعد الله في قوله : ( ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ).
( فالتوحيد ملجأ الطالبين ومفزع الهاربين ونجاة المكروبين وغياث الملهوفين وهو حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين وحقيقته إفراد الرب سبحانه بالمحبة والإجلال والتعظيم والذل والخضوع ) وأن لا يكون للعبد ملجأ في سرائه وضرائه وخوفه وأمنه وصحته وسقمه إلا ربه ومليكه وإلهه ومعبوده الذي قال سبحانه : ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله ) .
يا معاشر الموحدين : الخرافات أودية ضلالة وشعاب غواية يهلك في متاهاتها الإيمان ، ويضيع في مجاهلها العرفان ، ويستدبر فيها القرآن ، تكفر بها العقول السليمة ، وتبرأ وتنفر منها الفطر المستقيمة ، عار على مسلم شرفه الله بالإسلام وأعزه بالتوحيد أن يسمح لسخف الخرافات ودجلها أن تستولي على قلبه أو تصل إلى عقله ، عار على مسلم أن يتطلب ضلالات الجاهلية بعد هدي الإسلام وأن يخضع لخرافات الوثنية في ظلال القرآن تلك الضلالات التي هدمها الإسلام وطهر عقول وقلوب أتباعه منها .
ألا إن التعلق بالله طمأنينة وسكينة والتعلق بالخرافات والضلالات ريبة وقلق ، اللجوء إلى الله إيمان ويقين وثبات والغرق في الخرافات والخزعبلات شكوك واضطراب ، تمكن التوحيد من القلب قوة وصلابة وركون القلب إلى الدجل والخرافات ضعف وخور وانهزام ، فرار العبد إلى ربه في الضراء والسراء عزة وكرامة وشرف وبعده عنه وتمرغه في أوحال الضلالات والشركيات ذلة ومهانة وخسة ولقد قال العظيم سبحانه : ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً ) ، ( وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (15) قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ).
شتان ما بين مسلكين : مسلك الموحد الذي يمد بسببه إلى السماء يثق بربه ويتوكل على خالقه يعلم أن الأمر كله لله إذا سأل سأل الله وإذا استعان استعان بالله موقنا أن الخلق لو اجتمعوا على أن ينفعوه لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له ولو اجتمعوا على أن يضروه لن يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه ، وأنه على ذلك رفعت الأقلام وجفت الصحف.
شعاره : ( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين )
ودثاره : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ، قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شيء ).
شتان بين ذاك الحنيفي الإبراهيمي المحمدي الموحد وبين خرافي تائه يتخبط دروب الضلالات دله جهله على كل مسلك من مسالك الزور والخرافة إلا مسلك التوحيد ومعرفة الله واللجوء إليه .
الخرافات والأوهام طريق يوصل أهله لشقاء الدنيا وعذاب الآخرة فلا تحققت لهم غاياتهم ولا سلمت لهم أديانهم (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون)
بالخرافات والضلالات تتسلط شياطين الإنس والجن على ضحاياهم من الجهلة والغاوين فتشقيهم وتنكد عليهم دينهم ودنياهم كما قال تعالى : ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) .
يقول شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية – رحمه الله تعالى - : ( وَمَنْ لَمْ يَكُنْ خَالِصًا لِلَّهِ عَبْدًا لَهُ قَدْ صَارَ قَلْبُهُ مُعْبِدًا لِرَبِّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، بِحَيْثُ يَكُونُ اللَّهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَيَكُونُ ذَلِيلًا لَهُ خَاضِعًا وَإِلَّا اسْتَعْبَدَتْهُ الْكَائِنَاتُ، وَاسْتَوْلَتْ عَلَى قَلْبِهِ الشَّيَاطِينُ، وَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ إخْوَانِ الشَّيَاطِينِ، وَصَارَ فِيهِ مِنْ السُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، وَهَذَا أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لَا حِيلَةَ فِيهِ؛ فَالْقَلْبُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَنِيفًا مُقْبِلًا عَلَى اللَّهِ مُعْرِضًا عَمَّا سِوَاهُ وَإِلَّا كَانَ مُشْرِكًا. قَالَ تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَك لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
إذا تعلق القلب بالخرافات فسد فساداً لا يرجى معه صلاح أبدا ، ولما ذكر الإمام ابن القيم – رحمه الله – مفسدات القلب ذكر منها المفسد الثالث : التعلق بغير الله تبارك وتعالى ثم قال : ( وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق فليس عليه أضر من ذلك ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به وخذله من جهة ما تعلق به وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره والتفاته إلى سواه فلا على نصيبه من الله حصل ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل قال الله تعالى : واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ، وقال تعالى : واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ، فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله ، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به وهو معرض للزوال والفوات ومثل المتعلق بغير الله : كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت أوهن البيوت وبالجملة : فأساس الشرك وقاعدته التي بنى عليها : التعلق بغير الله ولصاحبه الذم والخذلان كما قال تعالى : لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ، مذموما لا حامد لك ، مخذولا لا ناصر لك ).
الخطبة الثانية
يا معاشر الناس ما علق العبد رجاءه وتوكله بغير الله إلا خاب ، ولا استنصر بغيره إلا خذل ، ولا لجأ إلى سواه إلا هلك .
إلا إن أسرى الخرافة وضحايا الدجل والشعوذة ما رجوا لله وقارا ولا قدروا الله حق قدره ما ظن من استعبدته الخرافات والدجل في الله تعالى ؟ لقد ظن بالله الظنونا ؟ حينما أعرض عن الله واتجه إلى غيره وسواه ، أما علم أن أمره كله بيد الله ، وأن سعادته وشقاءه بإرادته ، وأن له رباً أخبر عن نفسه بقوله : ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ) ، وقال عن نفسه : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ) .
بالتوحيد النقي وسلامة العقيدة وصحة الإخلاص يجد المرء أمنه وطمأنينته وتحرسه عناية الله ورعايته كما قال تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) ، وقال : ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ) ، حتى لقد علم عدو الله ذلك فقال – فيما حكاه الله عنه - : ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) ، ( فما أعظم سعادة من دخل هذا الحصن وصار داخل اليزك لقد آوى إلى حصن لا خوف على من تحصن به ولا ضيعة على من آوى إليه ولا مطمع للعدو في الدنو إليه منه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ).
هو الذي قال عن نفسه وهو أصدق القائلين : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) وقال : ( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) ، وقال : ( ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ) فهو سبحانه ( حسب من توكل عليه وكافي من لجأ إليه وهو الذي يؤمن خوف الخائف ويجبر المستجير وهو نعم المولى ونعم النصير فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه وانقطع بكليته إليه تولاه وحفظه وحرسه وصانه ومن خافه واتقاه آمنه مما يخاف ويحذر وجلب إليه كل ما يحتاج إليه من المنافع ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ).
( ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره إلا أذى لا بد منه كالحر والبرد والجوع والعطش وأما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبدا ).
ألا إن للتوحيد والإخلاص وتعلق القلوب بعلام الغيوب سعادة غامرة لا يقادر قدرها في قلوب الموحدين إلا الله وحده ، ولله ما أروع ما حكاه الله تعالى عن الخليل عليه الصلاة والسلام في قوله : ( وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ، وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ، وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ )
ولله در الإمام ابن القيم رحمه الله إذ يقول : ( فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسكون إليه والطمأنينة إليه وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته هو جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم وهو قرة عين المحبين وحياة العارفين وإنما تقر عيون الناس به على حسب قرة عينه بالله عز وجل ، فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ).
ألا لا يجتمع التوحيد والخرافة في قلب واحد أبدا كما لا يجتمع النور والظلمات والأعمى والبصير والظل والحرور .
لقد شرب الموحدون صفواً وتجرع الخرافيون كدرا ، تعلق الموحدون بالحي الذي لا يموت وتعلق الخرافيون بجميع الأحياء والأموات .
يا معاشر المسلمين : لم تعصِم الخرافة من آفة ولم ينج بها ضحاياها من بلاء بل - في واقع الأمر – هي والله الآفة والبلاء ..وقد رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رجل حلقة من صفر فقال : ( ما هذه ؟ ) قال : من الواهنة يا رسول الله ، فقال له عليه الصلاة والسلام : ( انزعها ، فإنها لا تزيدك إلا وهنا ، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا ). فأسرى الخرافة هم في الحقيقة أسرى الوهم الذي يظنون به أنهم يجدون من وراء تلك الخرافة فائدة أو نفعا وما هو إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما أعمال الجهالة إلا في ضلال .[/align]
[/FONT][/font][/font][/font]
[/size][/font][/font][/font][/font]
المشاهدات 3017 | التعليقات 1

بارك الله فيكم وجعله في ميزان حسناتكم