نوافل الصلاة : فضائل وآداب:
محمد بن سليمان المهوس
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ، وَمِنْ أَكْرَمِ الْعَطَايَا الَّتِي مَنَّ اللهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ: فَرِيضَةُ الصَّلاَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا، فَقَالَ: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: 43]، وَهِيَ رُكْنُ الإِسْلاَمِ وَعَمُودُهُ وَثَانِي أَرْكَانِهِ، وَالْمِيثَاقُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ؛ ، وَهِيَ أَوَّلُ عَمَلٍ مِنْ حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّلاَةُ، وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ» [رواه النسائي وصححه الألباني]، وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى أَنْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالَّتِي مِنْ جِنْسِ الصَّلاَةِ مَا يَسُدُّ الْخَلَلَ وَيُعَوِّضُ النَّقْصَ فِيهَا، وَهِيَ نَوَافِلُ الصَّلاَةِ؛ قَالَ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ؛ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ؛ فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ. ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
وَهَذِهِ النَّوَافِلُ مِنْهَا مَا هُوَ مُرْتَبِطٌ بِالْفَرَائِضِ الْخَمْسِ وَمُتَلاَزِمٌ مَعَهَا كَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، وَعَدَدُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً؛ رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ، وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَوْ رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، وَاثْنَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ، وَأَمَّا صَلاَةُ الْجُمُعَةِ فَلَهَا سُنَّةٌ بَعْدِيَّةٌ، فَمَنْ شَاءَ صَلاَّهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَنْ شَاءَ صَلاَّهَا رَكْعَتَيْنِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا» [رواه مسلم] وَمِنَ النَّوَافِلِ مَا لَيْسَ مُرْتَبِطٌ بِالْفَرَائِضِ الْخَمْسِ كَقِيَامِ اللَّيْلِ وَالضُّحَى، وَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ، وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَبَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَأَذَانِ الْعِشَاءِ؛ لِقَوْلِهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ–: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ» [متفق عليه].
وَمِنْ فَضَائِلِ هَذِهِ النَّوَافِلِ: أَنَّهَا سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ الرَّبِّ لِلْعَبْدِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
وَمِنْ فَضَائِلِهَا: أَنَّهَا رِفْعَةٌ فِي دَرَجَاتِ الْمُسْلِمِ، وَحَطٌّ لِخَطَايَاهُ، وَمُرَافَقَةٌ لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْجَنَّةِ، فَعَنْ ثَوْبانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «عَلَيْكَ بِكَثْرةِ السُّجُودِ؛ فَإِنَّكَ لَنْ تَسْجُد للَّهِ سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» [رواه مسلم]، وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: «سَلْ»، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: «أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ؟» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» [رواه مسلم].
وَمِنْ فَضَائِلِهَا أَيْضًا: مَا جَاءَ بِخُصُوصِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ مِنْهَا، حَيْثُ قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» [رَوَاهُ مسلم]. وَفِي رِوَايَةٍ: «لَهُمَا أَحَبُّ إِليَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا».
وَمِنْ فَضَائِلِهَا: مَا جَاءَ بِخُصُوصِ رَاتِبَةِ صَلاَةِ الظُّهْرِ، حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبعٍ بَعْدَهَا، حَرَّمهُ اللَّهُ عَلَى النَّارَ» [رواه أَبو داود، وصححه الألباني].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الْآدَابِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ: أَنَّهُ لاَ يُسَنُّ أَدَاءُ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ فِي السَّفَرِ غَيْرَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ، وَبِهِ قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَابْنُ الْقَيِّمِ، وَبِهِ أَفْتَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ، وَأَمَّا النَّوَافِلُ فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ.
وَمِنَ الْآدَابِ : أَنَّهَا لاَ تُقْضَى إِذَا فَاتَتْ عَدَا سُنَّةِ الْفَجْرِ وَسُنَّةِ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةِ؛ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنَ الْآدَابِ أَيْضاً: أَدَاؤُهَا فِي الْبُيُوتِ وَهَذَا هُوَ الأَفْضَلُ ؛ قَالَ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ–: «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ؛ فَإنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ» [متفقٌ عَلَيْهِ].
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْغَانِمِينَ فِي صَلاَتِنَا الْخَاشِعِينَ فِيهَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَمُوتُ وَلاَ يَمْلِكُ بَيْتًا! وَلَكِنْ بِمُحَافَظَتِهِ عَلَى السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ يَكُونُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ بَيْتًا لاَ عَيْنَ رَأَتْ مِثْلَهُ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ بِهِ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ؛ كَمَا قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ عبْدٍ مُسْلِم يُصَلِّي للَّهِ تَعَالى كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عشْرةَ رَكْعَةً تَطوعًا غَيْرَ الفرِيضَةِ، إِلاَّ بَنَى اللَّه لهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ»
[رواه مسلم من حديث أُمِّ حبِيبَةَ رَمْلةَ بِنتِ أَبي سُفيانَ رضيَ اللَّه عَنهما].
فَاتَّقُوا اللهَ –عِبَادَ اللهِ– وَبَادِرُوا بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَسَارِعُوا فِيهَا بِالْعَمَلِ قَبْلَ حُلُولِ الأَجَلِ ؛ وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].
المرفقات
1612868357_نوافل الصلاة ( فضائل وآداب.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق