نهاية إجازة ونهاية عام

سامي بن محمد العمر
1440/12/28 - 2019/08/29 18:16PM

نهاية إجازة ونهاية عام

أما بعد:

فها هي الإجازة المدرسية التي غبط أصحابها على طولها تطوي بساطها وتنقض خيامها وتلفظ أواخر أيامها.

ها هي تخبر أن طويلها بات قصيرًا، وفَرِحها عاد حزينًا،

وأن الزيادة منها كانت تؤذن بالنقصان، والاستمرار عليها ليس بالإمكان.

وأن المتعة فيها قد ذهبت، واللذة بها قد زالت،

وأن مسافرها قد آب، وغافلها قد ثاب..

وما كانت تلك الإجازة إلا تعاقب ليل ونهار، وجريان أيام وليالي ضمن عجلة تدور، وقافلة تسير لا يدري نهايتها إلا الله.

 {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ } [النور: 44]

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } [الفرقان: 62]  

أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كرُّ الغداة ومرُّ العشي

إذا ليلة أهرمت يوَمَها ... أتى بعد ذلك يومٌ فتي

 

وما كانت تلك الإجازة إلا قطعة من عام تصرمت أيامه، وزال شبابه، وابيض سواده، وها هو الآخر يطوي بساطه؛ لتجتمع للناس نهايتان: نهاية إجازة ونهاية عام..

وفي ذلك دروس وعبر:

منها: أن الوقت والزمان الذي أقسم الله تعالى به لأهميته فقال تعالى:{والعصر} له خصيصتان لا تنفكان عنه أبدًا:

أولاهما: سرعة انقضائه: فهو يمر مر السحاب، ويجري جري الرياح.

وثانيهما: أن ما مضى منه لا يعود ولا يعوض.

ولذلك كان الوقت أنفس ما يملكه المرء، فهو وعاء الأعمال، ورأس الأموال، ومع تلك الحقيقة الناصعة... ترى البعض يكسر وعاءه ويفني رأس ماله باللهو والغفلة والخمول والكسل.

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ***وأراه أسهل ما عليك يضيع

 

ومن العبر: أن أهل الإجازات يحزنون عند قرب انتهائها، بينما يفرح البعض بانقضاء الأعوام، ويهنئ بعضهم بعضا، ويحتفل آخرون في أيام ميلادهم، وحُق لهم أن يحزنوا ... فإن إخفاء الله تعالى لموعد انتهاء الآجال لا يعني أنها ستدوم، وإنما العام الذي ينتهي جزء من أعمارنا، ومسافة قطعت من سفرنا...

قال الفضيل بنُ عياضٍ لرجل: كم أتى عليك؟

قال: ستون سنة.

قال: فأنت مُنذ ستين سنة تسير إلى ربك؟! يوشِكُ أن تبلُغ.

فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون.

قال الفضيل: أتعرف تفسيرها؟ تقول: إنا لله و إنا إليه راجعون!! فمن علِم أنه لله عبد، وأنه إليه راجع؛ فليعلم أنه موقوف، ومن علِم أنه موقوف؛ فليعلم أنه مسئول، فليُعِدَّ للسؤال جوابا.

فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة؛ تحسن فيما بقي يُغفرْ لكَ ما مضى؛ فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخِذتَ بما مضى وما بقي، والأعمالُ بالخواتيم.

على أن انقضاء أي عام لا ينبغي أن يورث فرحا ولا ندما ... فالاشتغال بالندم على الوقت الفائت تضييع للوقت الحاضر... وإنما هو العزم على التدارك، والجد في العمل، وإصلاح الخلل.

وفي الحديث الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الناس خير؟ فقال: " من طال عمره وحسن عمله". (الترمذي وأحمد..)

ومن العبر كذلك: أنه في كل عام يتساقط من ركاب قافلة الحياة من شاء الله ليعيش البقية أتراح فقدهم، وينضم إليها ركاب جدد ليعيش البقية أفراح لحقهم... وبين أفراح وأتراح، وحلاوة ومرارة، يسير البعض في القافلة لاهيا في أفراحه، غافلا عن كونه سيسقط يوما ما فيحزن عليه..

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) } [المنافقون: 9 - 11]

عباد الله:

هل تتذكرون صالات المطارات؟

كم فيها من جالس براحة واطمئنان مستريح البال؛ قد قضى حاجاته وأعد حقائبه واستعد لسفره.

وكم فيها من  لاهث ملهوف يجري هنا وهناك ليكمل ما نقصه، ويعد ما أغفله.

وكم آخذ بيده من أمور تغضب الله، وكم آكل وشارب ونائم وغافل ولاه..

حتى إذا نادى منادي رحلة الواحد منهم ترك أكله وشربه ونومه ولهوه وغفلته ومعصيته وأقبل للركوب؛ فأسعدهم ذاك المستعد بالزاد والمزاد، وأشقاهم ذاك اللاهث بلا زاد ولا استعداد.

وهل هذا إلا مثل مُصَغّر من هذه الحياة؟ (ينظر: صور وخواطر ص14)

يقول ابن الجوزي رحمه الله: " وا عَجَبًا من موجود لا يفهم معنى الوجود؛ فإن فهم، لم يعمل بمقتضى فهمه!! يعلم أن العمر قصير، وهو يضيعه بالنوم والبطالة والحديث الفارغ وطلب اللذات، وإنما أيامه أيام عمل لا زمان فراغ". (صيد الخاطر ص422)

بارك الله لي ولكم..

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

ففي صحيح البخاري (7068) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال - لما شكوا له ما يلقونه من الحجاج بن يوسف -: «اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم» سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.

وقد بيّن ذلك ابن مسعود رضي الله عنه بقوله: "لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة؛ لست أعني رخاء من العيش يصيبه، ولا مالاً يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علمًا من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فعند ذلك يهلكون" ا. ه (فتح الباري لابن حجر (13/ 21)

ولذا فإن من الواجب أن يتواصى الناس فيما بينهم على التزام السنن وترك المعاصي والبدع:

ومن ذلك ما ينتشر هذه الأيام من القول بأن صحائف الأعمال تطوى في نهاية العام والصواب أنها تطوى بموت الإنسان و تنشر يوم القيامة 

وكذلك ما يُتداول من أن الأعمال ترفع في آخر العام؛ وإنما الوارد عن النبي صلى الله عليه و سلم قوله عن شهر شعبان: (( وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ))..

وجاء رفعها في كل اثنين وخميس، وفي صلاتي الفجر و المغرب .

والتهاني بالعام الجديد غير مأثورة عن السلف، كما أن طلب الصفح والعفو مطلوب في كل زمان ولا يختص بنهاية عام أو بدايته

وليس في الإسلام احتفال برأس السنة الهجرية " أو " ذكرى الهجرة النبوية" و ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) . 

المشاهدات 1122 | التعليقات 0