نقد السلفية .. أين الخطأ؟! إبراهيم محمد صديق

احمد ابوبكر
1435/08/04 - 2014/06/02 06:15AM
مابين الفينة والأخرى تتجدَّدُ الخطابات النقدية للمنهج السلفي, ومع كل قضيةٍ تثير جدلًا في المجتمع ويشارك فيها المنهج السلفي؛ يظهر الصوت المنادي بإقصاء هذا المنهج، بل يصلُ الأمر إلى التهكُّم به ولمزه والإشارة إلى أنه منهجٌ قائمٌ على الاستعباد والكهنوتية، وهذا الأمر لايخفى على المطلع على مواقع التواصل الاجتماعي والملتقيات الفكرية والشبكات الثقافية، واللافت للنظر أنه لايكاد يصدر خطأٌ من عالمٍ سَلَفي إلا وتنشطُ مواقع التواصل في النَّيل من المنهج السلفي, وغالبًا ما يصاحب هذا الهجوم الكثير من الهمز واللمز بدولٍ تبنت المنهج السلفي ودعمته، أو بمراكز وهيئاتٍ قامت على هذا المنهج، ولا يخفى على القارئ أن هذه القضية هي قضية جوهرية؛ إذ أنَّ المنهج السلفي أحد مناهج التّعامل مع نصوص الشريعة، فالمناهج في الأخذ من الشريعة والاستنباط من نصوصها قد تعددت، فهناك المدرسة العقلانية ومنهج التأويل ومنهج التفويض ومنهج الأخذ بالباطن وتحريف النصوص, والمنهج السلفيُّ منهجٌ من هذه المناهج، فالقضية جوهريّة في الدين وفي غاية الأهمية، ولذلك يجب علينا أن نتلمَّس مواضع الخطأ ونضع أيدينا على الجرح حتى نكون على بصيرة. فهل الخطأ من السلفي؟! أم أن خطابات النقد تفتقر إلى المصداقية والرد العلمي؟! وما موقع هذه الأخطاء الفادحة من بعض السلفيين؟! وقبل أن أبدأ في البيان وحتى لا يتناقض كلامي الحالي بالذي سيأتي أودُّ أن أنوِّه إلى أنني لا أقصد بكلامي كل من ينتقد المنهج السلفي؛ بل يجب أن نضع الناقد في ميزان العقل والمنطق، ونحاكمه بالحجة والبرهان لابمجرد العاطفة، فهناك نقاد من داخل صف المنهج وممن تربى بين أحضانه فهذا مسَلِّمٌ بأصول المنهج وإنما يختلف في بعض القضايا، بل حتى هؤلاء الذين ينتقدون من الداخل إذا تأملت في حالهم تجد أنهم يتفاوتون؛ فبعضهم ينتقد بعد أن تشَرَّب بعضَ الأفكار العلمانية والليبرالية دون أن يشعر، وبعضهم تبيَّن له بعض مواضع النقص والخلل وأحبَّ أن يكمله، أما النقاد من خارج المنهج فيتفاوتون كذلك، ومن الحيف أن نعاملهم كلهم معاملة واحدة فهناك المناوئ والباحث عن الحق والعدوُّ المتربّص أو من يركب الموجة الناقدة باعتبارها موضة، والمهم في هذا أن نعلم أن النّقاد يتفاوتون ولايجب أن نعامل أفكارهم بدرجة واحدة. كما أحبُّ أن أنبّه إلى أنني حينما أذكرُ السّلفي فإنما أقصد به العلماء والمشايخ والدعاة من أصحابِ هذا المنهج لا العامّة؛ لأن الأنظار متجهة إليهم، ولأنهم هم من تصدّروا وبرزوا للناس، وإذا قلت أصحاب الخطاب النقدي فأعني البعض لا الكل كما بينت.

أولًا ما السلفية؟
في البداية يجب أن نعرف محور موضوعنا هذا وهو (السلفية) ، فالسلفية منهجٌ وطريقة في امتثال هذا الدين، والسلفية تعني الرجوع إلى السلف من الصحابة والتابعين والأخذ بفهمهم، ومن أهم مايميزهم هو أنهم يرجعون إلى الكتاب والسنة ويرون التسليم لها ولايقدمون عليها هوى أو ذوقًا أورأيًا، ولاتضع قيودًا أو عراقيل أمام هذا التسليم للنص، ويستعينون على فهم الكتاب والسنة بفهوم السلف، على اعتبار أنهم أكثر منَّا فهمًا وأعلم باللغة وهي الأداة لفهم الدين، وتلتزم السلفيّة بالدعوة إلى الله ونبذ الإلحاد والتشكّك والالتزام بحكم الله، إذًا هو منهجٌ واضحة معالمه،بيّنة حدوده لجميع الناس، قد يمتثله بعضُهم كليًّا وقد يمتثله آخرون جزئيًّا ولكنه يبقى منهجًا من المناهج من انتهجه كان سلفيًّا بغضّ النظر عن دولته أوعرقه أو توجهاته السياسية ، وبناءً عليه فإن عموم المسلمين سلفيون، فالأصل في المسلم اتباع الدليل والاستسلام له وتعظيمه والدعوة إلى تطبيقه.
أين الخطأ ؟!

هذه الصورة المشوّهة للسلفية والتي تُظهرها بعض وسائل الإعلام وتنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي وهذا الهجوم العنيف للسلفية ياترى ما أسبابه؟ إذا أردنا أن نُجيب عن هذا السؤال يجبُ أن نحلل المسألة ونفصل بين أجزائها حتى نعرفَ الخطأ ومن ثَمَّ نسعى إلى معالجتها ويجب أن نعرف أن أية ظاهرة اجتماعية كهذه من المستحيل أن يكون الخطأ فيها من جهة واحدة فقط، فالظواهر هي نتيجة أسباب وظروف تداخلت فكونت هذه الظاهرة. وحين التّمحيص وتفكيك أجزاء المسألة نجد أن الخطأ من الجانبين، من جانب بعض من يُمثّلُ السّلفية وخاصّة العلماء والمشايخ وأخصُّ منهم من له حضورٌ كبيرٌ في ساحات مواقع التواصل وكذلك من جانب بعض النقّاد، ومن يُمثِّل السلفية يتحمّل الخطأ أكثر من غيره لأنه هو يُمثل منهجًا ثم يسيء إليه وإن كان دون قصد، فالمنهجُ الذي يتبعه منهجٌ عظيم يجب عليه أن يحافظ على مكانته ويمثّله بالشكل الصحيح ويبرزه للناس بالصورة المشرقة ، وحينما يقعُ السلفي في خطأٍ فهو ليس كالخطأ الذي يرتكبه أي عامي؛ خاصة مع الانفتاح الهائل في عالم الاتصالات وتقنية المعلومات حيث إن الخطأ قد يعبر الآفاق ويصل إلى أكبر شريحةٍ ممكنة وهذا مالم يكن متوفرًا في السابق فكانت الأخطاء تموت عند أصحابها، وحينما نُمرّر النظر إلى السلفيين في عصرنا الحالي فإننا نجدُ بعضهم يرتكبُ جملةً من الأخطاء وهي التي من أجلها تُقام هذه الحملة ضدّ السلفية، ولا أزعم أن الكلّ يقع في هذه الأخطاء ولا أن الواحد منهم يقع في كل الأخطاء؛ بل ربما عند الواحد خطأ وخطآن ، وعند الآخر أخطاء غير التي عند الأول، ويجب أن أقول في هذا الموضع إن الخطاب الدعوي والوعظي ومعاملة بعض الدعاة والعلماء تحتاج إلى مراجعة ومجالسة مع النفس، وذلك حتى لانُحمَّل هذا المنهج العظيم هذه الأخطاء الشنيعة والتي هي قطعا ليست من المنهج. وفي هذا المقال المختصر لا نستطيع أن نسلط الضوء على أخطاء بعض أتباع السلفية والتي تُنسب إلى السلفية وتُلحق بها الضرر، وربما نرى من يبسط القول في ذلك والذي يُهمّنا هنا هو بيانُ الخطاب النقدي ضد السلفية لنرى إلى أي مدى أصابت تلك الخطابات .

لماذا الإجحاف؟! الخطاباتُ النقدية ضدّ السلفية خطاباتٌ مأزومةٌ غير موضوعية وتتجاوز غالبًا موضوعَ المشكلة إلى مواضع أخرى، وفي تلك الخطابات نرى من الإجحاف مالا يرتضيه أصحاب تلك الخطابات إذا قرؤوها باتزانٍ، وأصحاب النقد يرتكبون العديد من الأخطاء وليست أية أخطاء؛ بل هي أخطاءٌ منهجية في كيفية النقد، وسنسلط الضوء في هذا المقال على بعض ما اتصفت به تلك الخطابات النقدية لنرى أين أخطأت؟ من الأخطاء:
أولا: التهجّم على المنهجِ السلفي بسببِ أخطاءِ أتباع المنهج، وعدم التّفريق بين الأخطاء الشّخصية والتي هي عن اجتهاداتٍ شخصية وبين المنهج، وهذا أكبر خطأٍ يرتكبه نقّاد المنهج السلفي، فعند أيِّ خطأ يرتكبُه أحد أتـباع المنهج تتحوّل الملتقيات الثقافية ومواقع التواصل إلى ساحاتٍ مشتعلة بالردود على السّلفية والتهكّم بها، وهذا خطأٌ منهجي لا يرتكبه عاقل؛ فأيُّ منهجٍ في الدنيا لا يتحمّل الأخطاء الفرديّة التي يقعُ فيها أتباعُها وذلك أنَّهم في ذلك الخطأِ لا يُمثِّلون المنهج ولا يتبعونه، فالمنهج قِـيم ومُثل وتعاليم ينبغي التمسّك بها، والخروج عنها ليس من تعاليم المنهج فلا يتحمله. وهذا الخطأ في الحقيقة يبيّن لنا مقدار الحقد الذي يملكُه بعضُهم تجاه المنهج السلفي فيظل يبحث عن أي خطأٍ ليلصقه بالمنهج وإن كان في ذلك قد جانبَ المنهج السّليم في النقد. وينبغي أن نعلم جيّدًا أن السّلفية منهجٌ لاجماعة؛ فليس ثمَّ ممثلٌ رسمي لها ولاناطقٌ رسمي من أتباعها يكون كلامه هو الفَيصل في فَهم المنهج، وكون الشخص يتكلَّمُ باسم السّلفية وينتسب إليها لايعني أنّه يمثّل السلفية؛ فهو يمثلها فيما يصيب ويوافق فيه المنهج، أما أخطاؤه فيتحمّلها شخصيّا، فالمنهج لا يتحمل أخطاء الأشخاص بل خطأ شخص لا يتحمله الآخر فكيف يُحمّلون المنهج بأكمله أخطاءً فردية؟! ومن هنا يجب أن نفهم أن الصورة المكوّنة لدى الكثيرين عن السّلفية هي خاطئة في الأساس، فليست السلفيةُ جماعة محددة إذا أخطأ بعض أفرادها أخطأت السلفية، وإذا أصاب أفرادها أصابت هي أيضا, وهذا المفهوم ضروريٌّ جدًّا بل هو يحلُّ أغلب المشكلات الفكريّة عند نقّاد المنهج السلفي وهو الموضوع الأهم الذي يخفى على الكثيرين فيحكمون على المنهج بناء على تصرفات أفراد.
ثانيا: التعدّي على الذوات؛ وهذه سمةٌ يتسم بها ضعاف النفوس وتُبين أن بعضهم همّه النّيل من المنهج بالنيل من أتباعه، فتراهُ حينما يناقشُ خطأ وقع فيه بعضُ أتباع السلفية يتجاوزُ الخطأَ إلى التهكّم بالذوات، والطامّة الكبرى حينما يُعمّمُ ذلك فيقول (كلّ أصحاب اللحى وكل أصحاب الثّياب القصيرة هكذا) وهذا الإنسان لايفتقدُ المنهج في النقد فحسب؛ بل يفتقر إلى الأخلاق العامة في التعامل مع الناس، وفي الحقيقة يجب أن نسلّط الضوء بشكل أكبر على هذه الظّاهرة -أو أشبه بالظاهرة- في وقتنا الحالي وهي أن الملتزم يحرمُ عليه أشياء كثيرة هي في الدين مباحات، فلا يمتلك سيارة جيدة ولا بيتًا فاخرا إلا ويتكلّم فيه الناس، وينبغي أن يعلم هؤلاء أن الرهبانية لاتوجد في ديننا وربما نرجع إلى هذه الظاهرة بموضوعٍ مستقل.
ثالثا: التعميم؛ فالخطاب النقدي يعيش حالة فوضوية في التعميم فخطأٌ واحد كافٍ لشتم المنهج وجميع من ينتهجُ هذا المنهج وكافٍ ليغطي على جميع حسنات ذلك الشخص؛ فإذا أصدر عالمٌ مثلا فتوى فيها تشديد ليس من الدين تجد بعضهم يعمّم هذا على الجميع فيقول ( كل العلماء متشدوون) فلغة التعميم غير مستساغة وغير صائبة، بل حينما يبحثُ الإنسان برويّةٍ واتزان يجد أن نسبة من يرتكبُ الأخطاء من مجموعِ العلماء والدعاة هي نسبة ضئيلة، فالمخطئ واحدٌ أو اثنان، وغالبًا في الفتاوى الشاذّة والمتشددة ينفردُ عالمٌ واحد أو عالمان، ولكن بعض الخطابات النقدية تعمّم حتى تجعل هذا الرأي هو رأي الجميع فتُشنِّع عليهم كلهم.

رابعا: الطعنُ بما لا يوجب ذلك؛ فليس كل ما ينتقده الناسُ هو في الحقيقة خطأ، بل تجد أن الناس قد يتفق أغلبهم على ذمّ أمرٍ ما وكلهم مخطئون وعلى الأقل يكون ذلك الأمر من الأمور التي تقبل وجهات النظر، وهذا كثير في الخطابات النقدية للسلفية وعلمائها؛ من ذلك مثلا قولُهم أن العلماء علماء سلطة فلا ينصحون السلطة الحاكمة ولا يُنكرون على أخطائها أو يَقولون أنَّ العلماء مُنصرفون عن همومِ النّاس ومشكلاتهم الاجتماعية ولا يسعون في عمل إصلاحاتٍ تمسُّ الوضع العام وغيرها من التهم التي فيها إجحاف وتُرمى جزافا، فعدمُ علمنا بالإنكار والمساعي الإصلاحية لا يعني عدم وجودِ هذه الجهود والنّصيحة، والإنكاُر في الأساس تكون سرًّا؛ فهذا اتهامٌ دون علمٍ وبينة، ولْـتشاهد الشيخ محمد مختار الشنقيطي وهو يُبين حقيقة إنكارِ العلماء، والخطاباتِ المرسلة إلى السلطة في أي منكر يرونه والمقطع موجود على اليوتيوب، وحتى إن صحّ عن بعضهم أنه لا ينكر فليس ثمّ أمرٌ يدعو إلى الطعن فيه، فالإنكار درجاتٌ وربما هو غير مستطيع، القصد أن هذه الأمور ليست هي مدعاة إلى الطعن وأعلى درجاتها أن ينصح الإنسان سرًّا وحتى لو يُطالبُ علنًا يجب أن لا يكون ذلك طعنا في الشخص. وأخيرا: فإن النقد أساس البناء، والنقد الموجّه إذا كان للسلفيين فيجب أن يقبلوه ويفرحوا به وهذا مما يزيد البناء قوة؛ لكن لايوجه اللوم على السلفية كمنهجٍ إلا أن تخالف المنهج في أصوله فهذا باب آخر وموضوع غير موضوعنا هذا، ويجب أن يعرف المنتقد أن النقد هدفه البناء لا الهدم، وأنه منهجٌ له حدوده وأخلاقياته ولا يجوز للناقد أن يتجاوزها. أسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المصدر : الاسلام اليوم
المشاهدات 1321 | التعليقات 1

هذه القضايا الكبرى لا يعالجها إلا الاعتدال والتوازن :
و الحق أنّ طريقة السلف أو بالأحرى المنهج السلفي ظُلمَ مرّتين :
ظُلم من الخصوم .. لأنهم ما فهموه وما تذوقوه ! ، أو فهموه حق الفهم ، فعلموا أنه يتصادم مع أهوائهم وشهواتهم وشبهاتهم فعادَوه و تركوه ! .
كما ظُلم من كثير ممن ينتسب إليه من الجفاة المميّعين والغلاة المتشدّدين . . فهمًا وتطبيقًا !
و أعتقد أنّ الخصومة بين المنهج السلفي و أعدائه لا تزيده إلا صلابة وقوّة .. والتاريخ يشهد !
أما الخصومة بين المنتسبين إليه من الغلاة المتشدّدين الذين أدخلوا في المنهج ما ليس بمنهج و الجفاة المميّعين الذين قضوا على صلابة ومتانة المنهج: فهذا الذي يخلط الأمور و يقصم الظهور .. والواقع أكبر دليل !
ولا يعيش المنهج السلفي و يقوى إلا مع مدرسة الاعتدال و التوازن !.

وهذه أيضًا صار فيها خلاف .. فإلى الله العظيم المشتكى !!