نفع الناس
مبارك العشوان 1
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ ... وَرَسُولُهُ... أمَّا بَعْدُ... مُسلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: أَخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ. )
نَفْعُ النَّاسِ، وَالإِحْسَانُ إِلَيهِمْ؛ وَقَضَاءُ حَوَائِجِهم، وَالتَّيْسِيرُ عَلَيهِمْ، وَتَنْفِيسُ كُرُبَاتِهِمْ؛ عِبَادَةٌ مِنْ أَجَلِّ العِبَادَاتِ؛ جَاءَ الشَّرعُ بِهَا، وَحَثَّ عَلَيهَا، وَأَوْفَى الجَزَاءَ لِأَهْلِهَا.
نَفْعُ النَّاسِ ـ عِبَادَ اللهِ ـ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ؛ وَجَّهَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ إليهَا؛ فَقَالَ: ( كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ). أخرجه البخاري ومسلم.
وَفِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارٍّ، أَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الْكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قَالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا الأَبْنِيَةِ وَسَقَوْا الرِّكَابَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ. )
نَفْعُ النَّاسِ مَكْرُمَةٌ مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ؛ تَخَلَّقَ بِهَا الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ: { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } القصص 23 - 24
وَرَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؛ فِي بَدْءِ الوَحْيِ؛ حَدِيثًا؛ وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ وَاللهِ مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ،... الخ الحديث.
وَكَمَا أنَّ نَفْعَ النَّاسِ خُلُقٌ كَرِيمٌ؛ فَهُوَ كَذَلِكَ سَبَبٌ لِلنَّصْرِ وَالنَّجَاةِ؛ يَقُولُ شَيخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: عِنْ هَذَا الحَدِيثِ: فَاسْتَدَلَّتْ بِعَقْلِهَا عَلَى أنَّ مَنْ جَعَلَ اللهُ فِيهِ هَذِهِ المَحَاسِنِ وَالمَكَارِمِ التِي جَعَلَهَا مِنْ أعْظَمِ أسْبَابِ السَّعَادَةِ لَمْ تَكُنْ مِنْ سُنَّةِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ أنْ يُخْزِيَهُ؛ بَلْ يُكْرِمُهُ وَيُعَظِّمُهُ... الخ
نَفْعُ النَّاسِ ـ عِبَادَ اللهِ ـ والإِحْسَانُ إِلَيهِمْ سَبَبٌ لِسَعَادَةِ المُحْسِنِ؛ وَقَدْ تَحَدَّثَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ عَنْ أَسْبَابِ شَرْحِ الصُّدُورِ؛ فقال: وَمِنْهَا: الْإِحْسَانُ إِلَى الْخَلْقِ وَنَفْعُهُمْ بِمَا يُمْكِنُهُ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ، وَالنَّفْعِ بِالْبَدَنِ وَأَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ، فَإِنَّ الْكَرِيمَ الْمُحْسِنَ أَشْرَحُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَطْيَبُهُمْ نَفْسًا، وَأَنْعَمُهُمْ قَلْبًا، وَالْبَخِيلُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِحْسَانٌ أَضْيَقُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَنْكَدُهُمْ عَيْشًا، وَأَعْظَمُهُمْ همًّا وَغَمًّا... الخ
جَعَلَنِي اللهُ وإيَّاكُمْ مِنَ المُحْسِنِينَ فِي عِبَادَتِهِ، المُحْسِنِينَ لِعِبَادِهِ، وَبَارَكَ لِي وَلَكُمْ... وَأقُولُ مَا تَسْمَعُونَ...
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ... أمَّا بَعدُ: فَلْتَحْرِصْ أَخِي المُسْلِمُ عَلَى هَذَا العَمَلَ الجَلِيلَ؛ إِنْ كُنْتَ صَاحِبَ عِلْمٍ؛ فَأَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ بِعِلْمِكَ اللهَ اللهَ فِي تَعْلِيمِهِم، وَنَشْرِ العِلْمِ بَيْنَهُمْ، وَرَفْعِ الجَهْلِ عَنْهُمْ، خَاصَّةً فِيمَا تَمَسُّ حَاجَتُهُمْ إِلِيهِ مِنْ مَسَائِلِ العَقِيدَةِ، وَالعِبَادَاتِ وَالمُعَامَلَاتِ.
اللهَ اللهَ فِي أَمْرِ النَّاسِ بِالمَعْرُوفِ، ونَهْيِهِمْ عَنِ المُنْكَرِ، وَالتَّرَفُقِ بِهِمْ، وَالصَّبْرِ عَلَيهِمْ.
وَإنْ كُنْتَ مِنْ أهْلِ الجَاهِ وَالمَكَانَةِ؛ فَلْتَبْذُلُهُ لِلنَّاسِ؛ فِي شَفَاعَةٍ حَسَنَةٍ، وَحَلِّ مُشْكِلَةٍ، وَإِصْلَاحٍ بَينَ النَّاسِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيـرٍ مِنْ نَجْـوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْـرُوفٍ أَوْ إِصْـلَاحٍ بَيْنَ النَّـاسِ وَمَنْ يَفْعَـلْ ذَلِكَ ابْتِغَـاءَ مَرْضَـاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيـهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء 114
وَإِنْ كُنْتَ مِمَّنْ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ بِالمَالِ؛ فَلْتُوَسِّعْ بِهِ عَلَى مُحْتَاجٍ، وَلْتُنَفِّسْ بِهِ كُرْبَةَ مَكْرُوبٍ؛ إِنْ كَانَ لَكَ عَلَى النَّاسِ دُيُونٌ فَاقْبَلْ مِنْ مُوسِرِهِمْ، وَأَنْظِرْ مُعْسِرَهُم، أَوْ تَجَاوَزْ عَنْهُ، قَالَ تَعَالَى: { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } البقرة 280
ثُمَّ صَلوا رَحِمَكُمُ اللهُ وَسَلِّمُوا... اللهُمَّ أعِزَّ الإسْلَامَ...
اللهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا ... عِبَادَ اللهِ: اذكُرُوا اللهَ ...