نفحات عرفات والضحايا
راشد بن عبد الرحمن البداح
8 ذو الحجة 1440هـ. الحمدُ لله يُعاقب الأيام، ويُقدرُ الأعمارَ، ويُكورُ النهارَ على الليل، ويُكورُ الليلَ على النهارِ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له. وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، وأنه بلَّغ الرسالةَ وأدى الأمانةَ، وجاهَدَ في الله حقَّ جهاده، فاللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان. أما بعد:
فلنعظِّم شعائرَ اللهِ لننالَ {تَقْوَى الْقُلُوبِ} واعلموا (أن اللهَ تعالى لم يَخلقنا لحاجة منه إلينا ولا ليتكثرَ بنا من قِلة، بل كما قال سبحانه في الضحايا والهدايا {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} ألا ما ألذَّ حلاوةَ هذا الخطابِ؛ فأَضاحيْنا وهَدايانا إنما نَفعُها لنا، وعائدتُها علينا. فلنلجأ إلى اللهِ أن يحييَ قلوبَنا ويزكيَها، ويجعلَ فيها الإيمانَ والحكمةَ)([1]).
ألا لا زِلنا نتفيأُ فضلَ الله علينا في عَشرٍ هي أبركُ أيامِ السنة، وإن مِن العَشر لَيَوماً هو أعظمُها؛ إنه يومُ العتقِ والدنوِّ والمباهاةِ الذي قال عنه النبيُّ e:مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ؛ فَيَقُولُ:مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ([2]).رواه مسلم.
قال ابنُ عبدِ البَر: (وهو يدلُّ على أنهم مغفورٌ لهم؛ لأنه لا يُباهي بأهل الذنوب)([3]).
فلله في هذا اليومِ نفحات، ومن هذه النفحات أن صيامَه يكفِّر صغائرَ الذنوب لسَنتين، سنةٍ مَضت، وسَنةٍ أتت، فكأنه حِفْظٌ للماضي والمستقبل. وهو أفضل من عاشوراء وأكثر تكفيراً؛ لأن صومَه من خصائص شرعنا، فضوعفَ ببركات المصطفىr([4]).
أليس عرضًا مغريًا؟! أليست صفقةً رابحةً لا كالصفقات التي نتسابق عليها في دنيانا؟!
فلنتأهب ولنتفرغ لهذا اليوم الجليل، ليس صومًا فحسب؛بل دعاءً وذكرًا وإحسانًا.
فيا مَن شهدَ عرفةَ حاجًا أو صائماً: إنك ستدعو رَباً عظيماً، بَراً كريماً، لا يَتعاظَمُه ذنبٌ أن يَغفرَه، ولا فَضلٌ أن يعطيَه، فأحسِن ظنَك بربك، وبالِغْ في الإحسان، فإن ربَك عند ظَنك، وعطاءَ اللهِ أعظمُ من أمَلك. ولا تَظنَ بربكَ إلا أنه قَبِلَكَ، وَوهَبَ لك خطأَك، وبيَّضَ صحيفتَك. فأبشِر، وأمِّلْ خيراً، ولا تتحجَّرْ عن نفسك، ولا عن الناسِ من رحمةِ اللهِ واسعاً؛ فإن اللَّهَ قد أجابَ دعاءَ شرِّ خلقِه، إبليسَ حينَ قال: ربِّ أَنظِرني إلى يومِ يُبعثون([5]).
أيُّها المعرِّفُ بعرفةَ غدًا:
ادعُ اللهَ، وألحَّ، وابكِ وأنت مُوقنٌ بالإجابة؛ لعلَّ اللهَ أن يرفعَ بدعائكَ البلاءَ قبلَ أن ينزلَ..ادعُ لأقطارِ المسلمين من أقصاها إلى أقصاها؛ فإن الأمةَ كلَّها في شدةٍ وبلاءٍ، وخُصَّ المستضعفينَ من أصحابِ النوازلِ الكبارِ بمزيدِ الدعاء.
عبادَ الله:
إنَّ يومَ عرفةَ مع عَظمته؛ فإنَّ اليومَ الذي يَليه، وهو يوم النحر أفضلُ وأعظمُ حُرمةً عندَ الله، ولذلك سمَّاه اللهُ يومَ الحجِّ الأكبر.
وفيه لغيرِ الحُجاج شَعيرتان عَظيمتان:
الأولى: شهودُ صلاةِ العيدِ مع المسلمين، ومِن أهلِ العلمِ مَن يَرى وُجوبَها.
الثانية: الأضحيةُ، ذلك القربانُ العظيمُ موقعُه عندَ اللهِ سبحانَه.
ومن الأيامِ الفاضلةِ المعظَّمةِ عند اللهِ أيامُ التشـريقِ الحاديَ عشرَ والثانيَ عشرَ والثالثَ عشرَ. فقد قال رسول الله e: أيامُ التشريق أيامُ أكلٍ وشُربٍ وذِكرٍ لله. رواه مسلم([6]). فلا يجوزُ لنا صومُها، وإنما حَرُمَ صومُها؛ لأن الناسَ أضيافُ اللهِ فيها([7]).
معاشرَ المضحِّين: ذَبحُ الأضاحي قُربةٌ جَليلةٌ تَرفعُ إيمانَ العبدِ درجاتٍ، إذا تحَرَّى فيها شرطَين: الإخلاصَ، ومتابعةَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، ولأجلِ الشرطِ الثاني إليكم مَسائلَ تتعلقُ بالذكاةِ والأضاحي، فإليكمُوها ثمانيةَ أسئلةٍ مع أجوبتِها:
السؤالُ الأولُ: هل تُوجدُ عُيوبٌ، ومع ذلك تُجزئُ في الأضحية؟
الجواب: نَعَمْ؛ كثيرةٌ، ومنها:
- مَقطوعةُ أو مَشرومةُ الأذُن، والأفضلُ سليمةُ الأُذن ([8]).
- مَقطوعُ القَرْن، والأفضلُ سليمُ القَرْن.
- الأضحيةُ بشاة فيها (طُلوع) أي: غدةٌ ظاهرةٌ. والأفضلُ سلامتُها منها.
- الخروفُ المَخصي، بل هذا أفضلُ؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، ولأنه أطيبُ لحمًا.
- أيهما أفضلُ: الأضحيةُ بالأكثرِ لحمًا، وأقلِّ ثمنًا، أو بالأغلى ثمنًا وأقلِّ لحمًا؟
الجواب: الأولُ أفضلُ.
- أيهما أَفْضَلُ: الأضْحِيَّةُ بذكَرَ الضأن أم الْأُنْثَى؟
الجواب: الذكَر أفضلُ. وأن يكونَ أقرنَ أفضلُ([9]).
- لو كنتُ وكيلاً لذبح أضحيةٍ ونَسيتُ تَسميتَه عند الذبح، فما الحكم؟
الجواب: تُجزئُ النيةُ لقوله e:وإنما لكلِّ امرئ ما نوى([10]).
- ما حكمُ كَسر عُنقِ الذبيحةِ بعد ذَبحِها مباشرةً؟الجواب:لا يجوزُ؛لأنه تعذيبٌ لها
- هل تُذبحُ على الجَنبِ الأيمن، أم على الأيسر؟
مَن يَذبح باليُمنى يُضجعها على الأيسر، ومن يَذبح باليُسرى يُضجعها على الأيمن.
- هل يجبُ توجيهُ الذبيحةِ للقِبلة؟ الجوابُ: لا يَجبُ وإنما هو سُنةٌ.
- هل أُمسكَ بأيديِها وأرجلها عند ذَبحها، أو أُبقيها تَرفِس؟
الجواب: الثاني أفضلُ؛ لأن فيه فائدةً في استفراغِ الدم([11]).
____________________________________
اللهم لك صلاتُنا ونسكنُا ومحيانا ومماتُنا، وإليك مآبُنا([12]) فلك الحمدُ على حلمِك بعد علمِك، ولك الحمدُ على عفوِك بعد قدرتِك، ولك الحمدُ على سترِك، وعلى هدايتِك (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ).اللهم إنا عاجزونَ عن شُكرك، فنُحيلُ إلى عِلمِك وفضلِك.
اللهم وفِّق وليَّ أمرِنا ووليَّ عهدِه لهداك، واجعل عمَلَهم في رضاك. وارزقُهم باطنةً صالحةً ناصحةً
اللهم احفظِ الحُجاجَ في نُسكِهم وسَيرِهم. اللهم وهبتَنا مالاً، فَبَذَلنا منه بفضلكَ قُربةً لبعدَ غدٍ. فاللهم اقبَل ضَحايَانا وارزقنا بعدَها تقوى القلوب.
([1]) بتصرف من طريق الهجرتين لابن القيم (ص: 222)
([3])التمهيد لابن عبد البر (1 / 120)
([4]) بدائع الفوائد لابن القيم (6 / 37)
([5])فتح الباري لابن حجر ( 11/168)
([7])مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للمناوي ( 6 /377 )
([8])مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (25/ 40)
([9])ابن حجر في فتح الباري (10/ 11)
([10])مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (25/ 162)
([11])الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع (15/ 94 و 96 و 97 )
([12])سنن الترمذي (3520) أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيةَ عرفة في الموقف.
المرفقات
عرفات-والأضاحي
عرفات-والأضاحي