نفحات العشر المباركة

عبدالله محمد الطوالة
1445/11/29 - 2024/06/06 10:13AM

إنَّ الحمدَ للهِ، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا، وسيئات أعمالنا، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له, ومَن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ, وأشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ ﷺ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}..

أَمَّا بَعْدُ؛ فإنَّ خَيْرَ الحَديثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وكلُّ محدثةٍ بدعةٌ، وَكُلُّ بدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وكلُّ ضَلَالَةٍ في النَّار..

معاشر المؤمنين الكرام: من حكمة اللهِ البالغة، ومشيئتهِ النافذة، أنه سبحانه يخلقُ ما يشاءُ ويختار، فقد خلقَ سمواتٍ كثيرة، لكنهُ اختارَ منها السابعة، وخلقَ جناناً كثيرة، واختارَ منها الفردوسَ الأعلى، وخلقَ كائناتٍ ومخلوقاتٍ كثيرة، واختارَ منهم بني آدم وفضلهم على كثيرٍ ممن خلق تفضيلا، وخلقَ بشراً كثيرين، واختارَ منهم المؤمنين، واختارَ من المؤمنين الأنبياء، واختارَ من الأنبياء الرسل، واختارَ من الرسل أولي العزم، واختارَ منهم محمداً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وخلقَ ملائكةً كراماً لا يحصَى عددهم، واختارَ منهم جبرائيل وميكائيل واسرافيل، وخلق أجراماً وكواكب كثيرة، واختارَ منها الأرض، واختارَ من الأرض مكة المكرمة، واختارَ من مكة بيته العتيق، ثم إن الله جلّ وعلا خلقَ الزمان قروناً وشهوراً وأياماً وليالي وساعات، واختارَ من القرون قرنُ محمدٍ ﷺ، ومن الشهور شهرُ رمضان، ومن الأيام عشرُ ذي الحجة، ومن الليالي ليلةَ القدر، ومن الساعات ساعةُ الجمعة، وكل هذا من حكمة الله وكرمه وفضلهِ على عباده..

كما أنّ من فضل الله وكرمهِ على عباده المسلمين أنّهم يعيشونَ بركةً عجيبةً  في كل أمورهم وأحوالهم، فالمسلمُ مباركٌ في أعماله وطاعاتهِ، مباركٌ في أوقاته ولحظاتهِ، مباركٌ في علاقاته وتعاملاتهِ..

تأملوا أيها المباركون؛ فالطاعة فيها بركةٌ عجيبة: {مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}، وإنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، ويكتبُ له بها رضوانه، والحرفُ الواحدُ من تلاوة القرآنِ بعشر حسنات؛ والصلاةُ بعشر صلوات، وما من عبدٍ مُسلمٍ يُصلِّي للهِ تعالى في كلِّ يومٍ ثِنْتي عشرةَ ركعةً تطوُّعًا غيرَ فريضةٍ إلا بنى اللهُ تعالى له بيتًا في الجنَّةِ، ورمضانُ بعشرة أشهر، ومَن صَامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا، والمؤمن في ظل صدقته يوم القيامة، ومن قال سبحان الله وبحمده غُرست له نخلةٌ في الجنة، ومن حجَّ فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب..

كما أن المسلم يعيش البركة في تعاملاته؛ فبالتعامل الحسن يدرك الإنسان درجة الصائم القائم، ويجاور الرسول الأكرم ﷺ في الجنة، ويحظى ببيت في أعلى الجنة.. والمسلم كذلك يعيشُ البركةَ في أوقاته ولحظاته، وأعظمُ ذلك هذه العشرُ المباركة؛ إذ أن لها مكانةً عظيمةً عند الله تعالى، تدل على محبته لها وتعظيمهِ إياها، فهي عشرٌ مباركات، كثيرةُ الحسنات، عاليةُ الدرجات، متنوعةُ الفضائل والخيرات.. بل هيَ بنصّ الحديثِ الصحيحِ أفضلُ أيامِ الدنيا وأحبّها إلى الله تعالى، وفي صحيح البخاري أنّ النبيِّ ﷺ قال: "ما مِن أيّام العملُ الصّالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام"، يعني أيّامَ العشر، قالوا: يا رسولَ الله، ولا الجهادُ في سبيل الله؟! قال: "ولا الجهادُ في سبيل الله، إلاّ رجلٌ خرج بنفسه ومالِه ثمّ لم يرجِع من ذلك بشيء".. وروي عن أنس بن مالك أنه قال: (كل يوم منها بألف يوم)..

ومن فضائلها: أنّ فيها يوم عرفة، يوم الدعاء والمرحمة، وما رُئي الشيطان أصغرَ ولا أحقرَ ولا أدحرَ منه في يوم عرفة، لما يرى من كثرة تنزل الرحمات، كما أن صومهُ تطوعاً لغير الحاج يكفرُ ذنوبَ سنتين..

ومن فضائل هذه العشر المباركة: أنّ فيها يوم النحر، وهو كما في الحديث الصحيح: "أفضَلُ الأيامِ عندَ اللهِ، لاشتماله لمعظم أعمالِ الحج من رميٍ وذبحٍ وحلقٍ وطواف...

ومن فضائل هذه الأيامِ المباركة أنَّ العباداتِ كلِها تجتمعُ فيها ولا تجتمعُ في غيرها.. كما أنّ مما يدلُ على عظيم فضلِها أنّ الله تعالى أقسمَ بها في كتابه الكريم فقال: {وَلَيالٍ عَشْرٍ}..

إنها يا عباد الله: فرصةٌ من أعظم الفرص، فمن عزمً على اغتنامِها بالأعمال الصّالحة، فليعلم أنه ما من عملٍ أفضلَ ولا أحبَّ إلى الله من الذكر، ففي الحديث الصحيح أنّ النبي ﷺ قال: "ما من أيَّامٍ أعظَمُ عندَ اللهِ ولا أحَبُّ إليه العَمَلُ فيهِنَّ من هذه الأيَّامِ العَشْرِ، فأكْثِروا فيهِنَّ من التَّهْليلِ والتَّكْبيرِ والتَّحْميدِ".. وقوله "فأكثروا"، دليلٌ على أنّ المسلم مُطالبٌ بأن يُضاعِفَ جُهدهُ وأن يُكثرَ من الذكر قدرَ ما يستطيع؛ خصوصاً التسبيحَ والتهليلَ والتكبيرَ والتحميد..

فالذكر يا عباد الله: هو خَيرُ مَا شُغِلَت بِهِ الأَوقَاتُ، واستُثمِرت فيهِ الطاقَات، وَمَا رُتِّبَ عَلَيه مِنَ الْأُجُورِ والفضائل لَا يُحْصِيهِ إِلَّا ربُّ الأرضِ والسموات.. ومَنْ تأمَّلَ الْقُرْآنَ الكريمَ وَجَدَ أَنَّ الأمر بِكَثْرَةِ الذِكْرِ قد تَكَرَّرَ فِيه كثيراً.. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}، وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.. وقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}..

ومما يدل على فضل الذكرِ أنهُ قُرِنَ بأفضل الأعمال، فقد قُرن بالصلاة، قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ}، وقرن بصلاة الجمعة، قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ}، وقرن بالصومِ، قال تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ}، وقرن بالحجُّ، قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}، وقرن بالجهاد، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}..

ومن فضائل الذكر أنه لا يتقيدُ بزمان ولا بمكان، ولا بقِبلة، قال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَى عِبَادِهِ فَرِيضَةً إِلَّا جَعَلَ لَهَا حَدًّا مَعْلُومًا، ثُمَّ عَذَرَ أَهْلَهَا إن عجزوا، إلا الذِّكْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَلَمْ يَعْذُرْ أَحَدًا فِي تَرْكِهِ، إِلَّا مَغْلُوبًا عَلَى تَرْكِهِ، فَقَالَ: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}.. ومن فضائل الذكر أنه خير الأعمال وأزكاها، ففي الحديث الصحيح، أن النبي ﷺ قال: «ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم مِنْ أَنْ تلقَوْا عدوَّكُمْ فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: "بلى يا رسول الله"! قال: «ذكر الله عز وجل».. وفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ المتفق عليه: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ  كُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ"، ووالله لو لم يكن للذكر إلا هذه الميزة, لكفَت ورجَحَت.. وغنيٌّ عن القول أنّ الدعاءَ والاستغفار وتلاوةَ القرآنِ ومدارسة العلم، ومناجاةُ الرحمنِ والتفكر في خلق الله، والتحدث بنعمة الله، ومحاسبة النفس.. كُلُها داخِلةٌ في الذكر..  

إذا عُلِمَ هذا يا عباد الله: فإِنَّ شَرَفَ الذِّكرِ وَعُلُوَّ مَنزِلَتِهِ، وَعَظِيمَ فَضلِهِ، وَشِدَّةِ حَاجَةُ المسلمِ إِلَيهِ، مَعَ سُهُولَتِهِ وَيُسرِهِ، وَكثرةِ أَجورِهِ، كُلُّ ذلكَ مما يَحثُ المسلم ويحفزُه أَنْ يَكُونَ مِنَ الذَّاكِرِينَ اللهَ تَعَالى كَثِيرًا، وأن لا يكون من الغَافِلِينَ المفرطين..  

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.. 

بارك الله ...

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله ...

أما بعدُ: فاتقوا الله عبادَ الله وكونوا من أهل الخشية والمراقبة، فهم الذين ينتفعون بالذكرى والموعظة، قال جل وعلا: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ}..

معاشر المؤمنين الكرام: لئن كان الذكر هو أفضلُ ما يعملُ في هذه العشر، فإنّ من أفضل ما يُعمل فيها أيضاَ: المحافظةُ على السنن الرواتب، والإكثارُ من النوافل، فهي سببٌ مباشرٌ لنيل محبة الله، في الحديث القدسي الصحيح: "وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ"..

ومن أفضل الأعمالِ في هذه الأيام المباركة: الإكثارُ من الصدقة، إذ الصدقةُ في هذه الأيام أفضلُ من الصدقة في رمضان..

ومن أفضل الأعمالِ المشروعة فيها: الصيام، فمن صامَ يوماً في سبيل اللهِ باعدَ اللهُ به بينه وبين النار سبعينِ خريفاً.. فكيف بصيام هذه الأيامِ المباركة..

ومِن أعظمِ القُرُبات التي يَتقرَّبُ بها المسلم إلى ربِّه في خِتام هذه الأيام المباركة الأضاحي، فشأنُ الأضحيةِ عند اللهِ عظيم، فقد ثبتَ أنّ للمضحي بكل شعرةٍ حسنة، وحذّر المصطفى ﷺ القادر من تركها، فقال: "من وجد سعةً ولم يضحي فلا يقربنَّ مُصلانا"..

وينبغي للمضحّيَ أنّ لا يأخذَ مِن شعره وأظفاره أو جِلده شيءٌ، ابتداءً من دخول شهر ذي الحِجّة وحتّى يذبحَ أضحيتَه، ففي صحيح مسلم: أن النبيّ ﷺ قال: "إذا رأيتُم هلالَ ذي الحجة وأرادَ أحدكم أن يضحّيَ فلا يأخذ من شعرِه وأظفاره شيئًا حتى يضحّي"..

أما أفضل ما يُفعل في هذه العشر المباركة: فهو حجُّ بيت الله الحرام، ففي صحيح البخاري، قال ﷺ:  "العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ"..

إنها يا عباد الله: أيامٌ معدودات، لكنها مباركات.. العملُ الصالحُ فيهنّ أيَّاً كان نوعهُ فهو أفضلُ منهُ في غيرها، والملاحظُ أنها تقعُ في آخر العام.. لكأنها تعويضٌ للمفرطين والمقصرين؛ ليتداركوا أخطائهم، وليعوضوا ما فاتهم، وليتذكر العبد بنهاية سنتهِ نهايةَ عُمره، فيعزمَ على استثمار ما بقيَ له من حياته، فهذه الدنيا لن تبقى إلى الأبد، ولن يخلَّد فيها أحد..

وحريٌ بكل عَاقِلِ أَنَّ يُجَاهِدَ نَفسَهُ في استثمارِ فُرصِها الثَّمِينةَ، فالأَعمَارَ تُطوى سِراعاً، والأوقاتُ تَمرُّ تِباعاً.. وَمع كُلّ يَومٍ يَمضِي فإنَّ العمرَ ينقص، والأجلَ يَقتَرِبُ، وَالجِسمُ يَضعُفُ, وَالصِحَّةُ تَتراجع، والفرصُ تقل، َفلنَتَّقِ اللهَ فيما بقي من أعمارنا، ولنَجتَهِدَ فِيها بمَا نَستَطِيعُهُ مِنَ الخَيرِات، ولنَتَقَرَّبَ إِلى اللهِ بما نَقدِرُ عَلَيهِ من الصالحات، ولنكثر من الذكر والدعاء والمناجاة، فالمغبونُ حقّاً من فاتتهُ هذه الفُرَص، وفرَّط فيها.. والمحرومُ صدقاً مَن دعَته دواعي الخير فأعرضَ عنها ولم يغتنمها.. والخسارةُ كل الخسارة أن يُهدِر العبدُ أفضلَ أوقاتِ الدنيا في اللهو والغفلة، ثم يتحسرُ ويندمُ حين لا ينفعُ الندم: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ}.. {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}..

وأجدها فرصة سانحة أن اوصي من أراد الحج بتقوى الله عز وجل، والتفقه في أحكام الحج، وأوصيه بالرفق والسكينة وحُسن الخلق، وليحذر من مضايقة إخوانه الحجاج, فقد كان النبيّ ﷺ ينهى أصحابه عن ذلك وَيَقُولُ لهم: «أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ».. وفي صحيح البخاري ومسلم قال ﷺ: "من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفث ولم يفسُق رجع من ذنوبه كيوم ولدَته أمُّه"..

كما أوصيهِ بأن يأخذَ بأسباب الوقايةِ والسلامة، كشربِ المياهِ بكثرة، وحملِ المظلةِ عند اشتدادِ حرارةِ الشمس، وارتداءِ الكمّامةِ عند الزحام، والعنايةِ بالنظافةِ عُموماً، واتباعِ إرشادات السّلامة.. تقبل الله من الجميع صالح أعمالهم، ويسر لهم أداء نسكهم..

ويا بن آدم عش ما شئت فإنك ميت، أحبب من شئت فإنك مفارقه، اعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..

اللهم صل على محمد...

 

 



المشاهدات 1252 | التعليقات 0