نفحات العشر

الخطيب المفوه
1432/09/18 - 2011/08/18 22:08PM
نفحات العشر
د . سعد الدريهم
جامع أبي عبيدة بحي الشفا
بالرياض

إِنَّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله ؛ فَلا مُضلَّ له ، ومن يضلل ؛ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .
أيها الأحبة في الله، تمر الأيام سراعاً ، وكلها من عمرك وعمري ، فما نفرح بانقضائه اليوم سنأسف عليه غداً ، إلا أن نكون قد عمرناه بطاعة أو عمل صالح مبرور ، ويزداد أسف الإنسان على أيامه عندما تكون أياماً مباركة محفوفة بالخيرات والبركات كأيام هذا الشهر الكريم المبارك ، نسأل الله أن يجعلنا من المقبولين فيه ، وأن يبارك لنا في بقيته ..
مضى من شهرنا أيها الجمع الكريم ، ثلثاه وبقي لنا إن أمد الله في مدتنا ثلثُه الأخير ، وهي عشره الأخيرة ، وهي ولا ريب خير أيام وليالي العام ، وفيها الليلة الموعودة ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، والمحروم من حرم خيرها ، ولم يرفع بهذه العشرِ رأساً ، بل جعلها كغيرها ، بل ربما زاد فتوره وإعراضه عن الصالحات فيها ، وانشغل بكل أمر سوى الإذعانِ لربه والإخبات ، ولا تسل عن حسراته إذا انصرمت أيامه ، وانقضت مدته.
إننا أيها الأحبة في الله ، وإن فرطنا في سالف أيام هذا الشهر ولياليه ، فيجب علينا ألا نُغلب على عشره الأخيرة ، والأعمال بالخواتيم ، ومن قام فيها بما يحب الرب ويرضى ، فلا ريب أنه قد كسب شهره وأقامه على نفسه شاهد خير وبر .. فأروا الله في هذه العشر من أنفسكم الجد والاجتهاد ، فقد كان نبيكم محمد ه يعطي النفس حظوظها من الراحة والاستجمام ثلثي هذا الشهر ، ولكن إذا دخلت العشر شد مئزره وأيقظ أهله وجد واجتهد ؛ فالعزيمةَ العزيمةَ أيها الموفقون ؛ فاليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل ، وصاحب الحبور من أخذ من يومه لغده ، وكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها ..
وعليكم أيها الأحبة ، وأنتم تحيون هذه الليالي بسنن الهدى ، وإن من سنن الهدى في هذه العشر سنةَ الاعتكاف ، وهي لزوم بيت من بيوت الله ولو لمدة قصيرةٍ للتفرغ لعمل الصالحات ، وحريٌّ بالمحب ألا يخرج من هذه الدنيا إلا وقد أخذ بنصيبه من هذه السنة العظيمة التي لزمها النبي > في هذه العشر حتى توفَّاه ربُّه ، وأخذ بسنته من بعده نساؤه وصحابته ، وإن من أخذ بهذا الهدي القويم وأحضر القصد السليم والنية الخالصة، لا ريب أنه سيرى من كرامة الله ما لا خطر له توفيقاً وتثبيـتاً وهـدايـةً لكل خـير ، â z`ƒÏ%©!$#ur (#rßyg»y_ $uZŠÏù öNåk¨]tƒÏöks]s9 $uZn=ç7ß 4 ¨bÎ)ur ©!$# yìyJs9 tûüÏZÅ¡ósßJø9$# ÇÏÒÈ á [العنكبوت: 69] ، فيا من يشكو المرض واعتلال الصحة وتغيرَّ الأحوال ، ويا من يكتوي بنار الدين وقلة ذات اليد ، ويا من يشكو من مجانبة التوفيق له ، عليكم بالخلوة بربكم واطراح حاجاتكم بين يديه ، وستجدون رباً قريباً كريماً ، وكم لله من منن على عباده لا يحيطون بها علماً .
كل أيها الأحبة، تداعبه الأمنيات باصطناع الصالح من العمل، وتمضي الأيام ولا نتاج لتلك الأمنيات لأكثرنا ، وما ذاك أيها الموفقون ، إلا لأننا فقدنا العونَ والتأييد من الله الجليل ؛ فالعبد إذا لم يكن له رائد من توفيق الله سبحانه وتعالى ؛ فأول من يجني عليه اجتهاده ؛ فأنت أيها العبد وإن ملكت علو الهمة وسلامة القصد تحتاج إلى سؤال الله سبحانه وتعالى العون ؛ فألظ أيها المحب ، بطلب الله التوفيق والمعونة ، وما أجمل أن يكون الله معك توفيقاً وتسديداً . . كم نحن في حاجة ربنا أيها المحب ، في شأننا كله ؟ وكم نحن في حاجة إلى عونه ؟ فالله نسأل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته إنه جواد كريم ..
وهنا أيها الجمع ، أمر يغيب عن كثير من الناس ، وهو بذل الدراهم صدقة وإحساناً على المحتاجين ، حيث يرى الكثير أن ذلك خاص بأصحاب الدثور ومن يملكون النقود ، وما درى أن درهماً واحداً عند الله سبق ألف درهم ، فمن أنفق عن قلة ذات يدٍ فله منزلة عند الله سبحانه وتعالى ، فلا تحرم نفسك أيها المحب ، فضل الله فابذل ولو دريهمات قليلة ، وتحر في بذلك أهل الحاجة والفاقة ، ولو كانت في القرابة فهي صدقة وصلة، وأنت تبذل هذه الدراهم تذكر أن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة ، ولا يغب عنك كذلك أن صدقة السر تطفئ غضب الرب سبحانه وتعالى ، وعندما تضع دراهمك في يدي ذوي الحاجة يتوجه الملك الموكل بالدعاء لك بأن يخلف الله عليك دراهمك ، وهو ولا ريب دعاء مقبول ، ولتتوخ أيها الموفق الرفق حال إعطائك ، ولتكن منشرح الصدر طلق المحيا؛ لتكون الصدقة منك صدقتين ، « وتبسمك في وجه أخيك صدقة »، كما قال حبيبك محمد > .. ورائد كل ذلك أيها المحب ، الرحمة بالمؤمنين ، ولا ريب أن ذلك الخلق ، وهو الرحمة بعباد الله المؤمنين يورث عظائم الأجور ؛ فإذا غُفر لامرأة بغي برحمتها حيواناً بهيماً ، فكيف من يجعل من ذلك الخلق موجهاً لعباد الله ، قال الغزالي رحمه الله تعالى : « لئن كانت الرحمة بالبهائم تغفر ذنوب البغايا ؛ فإن الرحمة بالبشر تصنع العجائب ».
ولو توسعنا في الدلالة وجعلناها أشمل مما هي عليه عندنا ؛ لا ريب أننا خطونا خطوات في سلم الديانة ولحُزنا قرباتٍ لن نعدم أجورها إن شاء ربنا ؛ فلو تصدقنا أيها الجمع الكريم ، على من أساء إلينا بإساءته ، وجعلناه في حل لكنا في رفعة من الخير ، وهذا وربي هو الذي رفع ذلك الصحابي ، وجعله يتبوأ الجنان ، وهو بين بني الإنسان .. لنجعل القلوب منا أيها الأحبة ، طاهرة من أدرانها ، نقية من أقذارها ؛ لكي تكون واعية لمراد ربها.
ولا يغيبن عنا ونحن في هذه الأيام المباركات التوجهُ إلى الله كلياً دعاء وذكراً ؛ فالأبواب مفتحة والنفوس مقبلة ، والرب مستبشر بمن عاد فأناب..
فالله أسأل ألا يحرمنا الأجر والمثوبة ، وأن يجعل ما قدمنا وما أخرنا مغفوراً لنا بفضله وكرمه وجوده العظيم .
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبيناً محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه. اللهم صل وسلم وبارك وأنعم عليه، وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد:
أيها الأحبة في الله، أيُّها الأَحِبَّةُ في اللهِ، كانَ السَّلفُ الصَّالِحُ يَجتهدُونَ في إِتْمَامِ العَمَلِ وَإِكْمَالِهِ وَإِتْقَانِهِ، ثمَُّ بَعدَ ذَلِكَ يَهْتَمُّونَ بِقَبُولِهِ وَيَخَافُونَ مِن رَدِّهِ، كَمَا قَالَ تعالى : â tûïÏ%©!$#ur tbqè?÷sム!$tB (#qs?#uä öNåkæ5qè=è%¨r î's#Å_ur öNåk¨Xr& 4n<Î) öNÍkÍh5u tbqãèÅ_ºu ÇÏÉÈ á[المؤمنون:60]، وبعضُ النَّاسِ اليومَ علَى عَكْسِ هَذَا؛ فَمنهم من لا يُتِمُّ العملَ، فقد رأَينا من يَنشطُونَ في أوَّلِ الشَّهرِ وَيَفترُونَ في آخِرِه، حتَّى رُبَّما يَكسَلونَ عَنِ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ، وهؤلاء لا يستفِيدونَ مِن رَمضَانَ، ولا يتغيَّرُ حَالُهم عمَّا كانُوا عليه قبلَه من الإِسَاءَةِ والعِصيانِ، والذي تفوتُه المغفرةُ في رَمضانَ يَكُونُ مَحرُوماً غَايَةَ الحِرمَانِ، فَقد صَعِدَ النبيُّ ج المنبرَ فقال: $آمينَ آمينَ آمينَ #، فقِيلَ لَهُ في ذَلكَ، فقالَ: $ إنّ جِبريلَ أَتَاني فَقَالَ: $مَن أدرَكَ شهرَ رَمضانَ فَلمْ يُغْفَرْ لَه؛ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ؛ فَأَبعدَه اللهُ، قُل: آمِينَ، فقلتُ: آمينَ #.
ومنهم مَن يَسهرُ الليلَ على لَغوِ الكَلاَمِ أَو جَمَعِ الحُطَامِ، وينامُ النَّهارَ عن أداءِ الصَّلَوَاتِ في أوقَاتِها معَ الجماعاتِ معَ الأَمنِ من عِقَابِ الله. نسألُ اللهَ السَّلاَمةَ مِن الحِرمَانِ.
فأَكثِرُوا أيها الأحبة، من التوبةِ والاستغفَارِ في هَذه الأَيَّامِ وفي أيامِ العَشرِ خاصةً، لتَختمُوا بذلك شهرَكم، وتستدركُوا به تقصيرَكم، فَإنَّ الاستغفارَ خِتَامُ الأعمالِ الصَّالحةِ كلِّها، فتُختمُ به الصَّلاةُ والحجُّ وشهرُ رمضان وقيامُ الليل، وتُختم به المجالسُ، واللهُ قد أَمر بالاستغفار، ووعد المستغفرين بالمغفرةِ إذا كانَ استغفارُهم صادِقاً ولم يكن استغفَاراً باللسان فقط.
ثم اعلموا أن الله جل وعلا أمركم بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن يتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام، والمسلمين اللهم أعز الإسلام، والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر الكافرين يا أرحم الرحمين.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم ارفع كربتهم، اللهم فرج همهم، اللهم اكشف غمهم، يا أرحم الراحمين. اللهم دمر أعداءك اليهود ومن شايعهم، اللهم دمر أعداءك اليهود ومن شايعهم، اللهم أرنا فيهم يوما عجيبا يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم أعط نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى.
عباد الله، اذكروا الله ذكرًا كثيرًا وسبحوه بكرة وأصيلا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المشاهدات 1835 | التعليقات 0