نَـــفَـــحَــــاتُ العَـــشْــــــــر

راشد بن عبد الرحمن البداح
1443/09/20 - 2022/04/21 15:28PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعدُ:

 فما أعظمَ فضلَ اللهِ علينا، وما أجلَ كرَمَه –سبحانَه- فها قدْ أقبلَتْ نفحاتُ خيرِ لياليْ السنةِ على الإطلاقِ، حيثُ بدأتْ بغروبِ شمسِ الأمسِ. فالشهرُ ذهبَ مُعظمُهُ وبقيَ أعظمُه. ففيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ، أي: ثلاثًا وثمانينَ سنةً وزيادةً. ساعتُها تُعادلُ ثمانَ سنواتٍ، ودقيقتُها تُعادلُ شهرينِ. وثانيَتُها تُعادِلُ يومًا.

وقد (كانَ النبيُ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يَخُصُ العشرَ الأواخرَ من رمضانَ بستةِ أعمالٍ لا يَعملُها في بقيةِ الشهرِ:

1.                 كانَ e يُحيِي الليلَ كلَه.

2.                  كانَ يوقظُ أهلَه للصلاةِ في لياليْ العشرِ دونَ غيرِها من اللياليْ.

3.               كانَ e يَشدُ المئزرَ؛ باعتزالِهِ النساءَ ليتفرغَ لطلبِ ليلةِ القدرِ لقولِه تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}.

4.                تأخيرُه للفطورِ إلى السحورِ، وهذا خاصٌ بهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-.

5.                اغتسالُه بينَ العشاءَين. قالَ ابنُ جريرٍ: كانوا يَستحِبونَ أن يَغتسلُوا كلَ ليلةٍ من لياليْ العشرِ الأواخرِ.

6.               الاعتكافُ؛ ليَطلُبَ فيها ليلةَ القدرِ .. وهذا الاعتكافُ هو الخلوةُ الشرعيةُ)([1]).

(وأما العملُ في ليلةِ القدرِ؛ فإنما هوَ إحياؤُها بالتهجدِ فيها، والصلاةِ، وبالدعاءِ. قال سفيانُ الثوريُ: الدعاءُ في تلك الليلةِ أحبُ إليَّ من الصلاةِ. ومرادُه أن كثرةَ الدعاءِ أفضلُ من الصلاةِ التي لا يُكثَرُ فيها الدعاءُ، وإن قرأَ ودعا كانَ حَسنًا.

وقد كان النبيُ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يقرأُ قراءةً مرتلةً، لا يمرُ بآيةٍ فيها رحمةٌ إلا سألَ، ولا بآيةٍ فيها عذابٌ إلا تعوّذَ، فيَجمعُ بين الصلاةِ، والقراءةِ، والدعاءِ، والتفكرِ. وهذا أفضلُ الأعمالِ، وأكملُها)([2]).

وإحياءُ ليلةِ القدرِ بالصلاةِ هو الأصلُ، وذلك ينقسمُ إلى أربعةِ أقسامٍ:

1.      إحياؤُها كلُها بالصلاةِ، وهو الذيْ كانَ يفعلُه النبيُ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-.

2.     الصلاةُ أولَ الليلِ وآخرَه، وهو الذي نفعلُه بالتراويحِ والقيامِ.

3.   الاقتصارُ على قيامِ آخرِ الليلِ.

4.    لمن لم يستطِعْ فليقُمْ أولَ الليلِ، وفي كلٍ خيرٌ، لكنَّ هديَ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بإحياءِ الليلِ كلِهِ أفضلُ لمن قدِرَ عليهِ.

وفي العشرِ يَطيبُ الدعاءُ، والتذللُ والانطراحُ والإلحاحُ بينَ يديِ اللهِ بالدعاءِ (واللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ) بلْ ويُحبُ البكاءَ أو التباكيَ عندَ الدعاءِ: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}[الإسراء109] ومع الدعاءِ والذكرِ خفاءٌ وخوفٌ: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}[الأعراف55] {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً}[الأعراف205] (فخَصَ الدعاءَ بالخُفْيَةِ، وخَصَ الذكرَ بالخِيْفَةِ)([3]).
 

الحمدُ للهِ الداعِيْ إلى جَنتهِ، وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ،أما بعدُ:

فيا أيُها الصائمونَ: اعرفُوا شرفَ زمانِكم؛ فإنه يجتمعُ ما بينَ المغربِ والفجرِ أوقاتٌ فاضلةٌ وأحوالٌ شريفةٌ: جوفُ الليلِ، والأسحارُ، ودبرُ الأذانِ، وأحوالُ السجودِ، وعندَ تلاوةِ القرآنِ، وختامُ مجالسِ الذكرِ، كلُها نفحاتٌ تجتمعُ في أيامِكم هذهِ. فلا تَدَعُوا الدعاءَ فيهنَّ.

ومن لطيفِ التدبراتِ جملةٌ ضمنَ آياتِ الصيام في قولِ اللهِ -عز وجلَ-: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}. قالَ ابنُ عباسٍ: لما أباحَ اللهُ –تعالى- المباشرةَ في لياليْ الصيامِ، أمَرَ مع ذلكَ بطلبِ ليلةِ القدرِ؛ لئلا يشتغِلَ المسلمونَ عن طلبِها بالاستمتاعِ المباحِ([4]).

معاشرَ الصائِمِينَ: تذكرُوا فضلَ اللهِ علينا، بتحوُّل الأحوالِ لأحسنِ حالٍ من رمضانَ الفائتِ إلى رمضانَ الحاضرِ. ففي رمضانَ الفائتِ اقتضتِ المصلحةُ: ألا تطويلَ بالتراويحِ والقيامِ، ولا تبكيرَ للجمعةِ، ولا عمرةَ ولا اعتكافَ، ولا مُكثَ بالمساجدِ، ولا تفطيرَ للصوامِ، ولا سقيَ للماءِ، ولا تقاربَ، ولا طيرانَ إلا نَزْرٌ. فأبدلَ اللهُ ذلكَ كلَه، فعادَ –بحمدِ اللهِ- كلُ شيءٍ لوضعِهِ الطبيعِي، وامتلأَ الحرمانِ الشريفانِ بعدَما كانا خاليَينِ؛ لأنَ الدولةَ -وفقَها اللهُ- ترقبُ منذ ثلاثةِ رمضاناتٍ الوضعَ الصحيَ.

·    فاللهمَ أعنَّا على أنْ نشكُرَكَ على لُطفِكَ في بلائِكَ، وأن علمتَنا سبيلَ دفعهِ، ورفعهِ.

·    اللهمَ إنا عاجِزونَ عن شُكركَ، فنُحيلُ إلى علمِكَ وفضلِكَ.

·    سبحانَكَ ربَنا ما عبدناكَ حقَ عبادتِكَ. سبحانَك ما قَدَرناكَ حقَ قدرِكَ.

·    (اللهم إن ذنوبَنا قد عظُمتْ، وإنها صغيرةٌ في جنبِ عفوِك، فاعفُ عنا يا عفوُ.

·   اللهم ارضَ عنا، فإن لم ترضَ عنا فاعفُ عنا)([5]).

·    اللهمَ باركْ في أوقاتِنا وأقواتِنا، وحسِّنْ أخلاقَنا، وبارِكْ أرزاقَنا.

·    اللهم تفضَّل بقبولِ صيامِنا وقيامِنا، واعفُ عن تقصيرِنا وآثامِنا

·    اللهم ارحمْنا ولا تَحرِمنا. يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ.

·    اللَّهُمُّ وَآمِنْ ديارَنَا، وَاِجْمَعْ عَلَى الْهُدَى شُؤُونَنَا، وَاِقْضِ اللَّهُمَّ دُيونَنَا وَاشْفِ مَرْضَاَنَا، وَارْحَمْ مَوتَانَا.

·    اللهم آمِنّا في أوطانِنا، وأيِّدْ بالحقِ إمامَنا ووليَ عهدِه، وأعزَّهم بطاعتِك، وأعزَّ بهم دينَك، واجزِهم خيرًا على المكرُمةِ بالإجازةِ لمنسوبِي المدارسِ.

·    اللهم احفظْ جنودَنا وحدودَنا.

·   اللَّهُمَّ صَلِّ وسلمْ عَلَى مُحَمَّدٍ.



([1])لطائف المعارف لابن رجب (ص: 184 - 189)
([2])لطائف المعارف لابن رجب (ص: 204)
([3])بدائع الفوائد (3/ 10)
([4]) بمعناه من تفسير الطبري (3  / 508)
([5])لطائف المعارف لابن رجب (ص: 206)

المرفقات

1650554606_نفحات العشر.docx

1650554609_نفحات العشر.pdf

المشاهدات 1150 | التعليقات 0