نُـــــــــــــــــــــــــــــــــذُرٌ وَرَبِّـــــــــــــــــــــــــــــــكَ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1441/10/26 - 2020/06/18 04:39AM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ وآلهِ وصحبهِ والتابعينَ بإحسانٍ. أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا اللهَ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.

كَانَ النَّاسُ بَعْدَ الْحِجْرِ المنزليِّ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: رَجُلٌ يَقُولُ: مَلَلْنَا، وَآخَر يَقُولُ: انْتَفَعْنا. فَأَيُّ الرَّجُلَيْنِ أَنْتَ؟

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.

إلَّا فلنَسْألْ أَنْفُسَنَا: مَاذَا غَيَّرْنا، حَتَّى يُغَيِّرَ اللَّهُ مَا بِنَا؟

وَحِينَمَا كُنَّا فِي الْحَجْرِ المنزليِّ: هَلْ تَغَيَّرَ كَسَلُنا فِي الْعِبَادَةِ إِلَى نَشَاطٍ؟

هَل اقْتَرَبْنَا مِنْ رَبِّنَا بِبُيوتِنا، أَمْ أَنَّ الْحَالَ قَبْلَ الْحَجْرِ وَبَعْدَه سِيَّانُ؟!

رَبُّنَا ومُرَبِّيْنا بِالنِّعَمِ ومُخوِّفُنا بالنِّقَمِ يَقُولُ: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}

فَهَلِ اعْتَبَرْنَا فأبصَرْنا هَذِهِ الْبَلَايَا الَّتِي تَحُلُّ بِنَا مِنَ الْغَلَاءِ والضرائبِ الْمُضَافَةِ، وَتَرَاكُمِ الفواتيرِ وَالْغَرَامَاتِ، وَأَمْرَاضٍ لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِنَا؛ وكُورُونا مُتَكَرِّرَةٍ، وسرطاناتٍ متشكِّلةٍ، بَلْ وَكَثْرَةِ وَفيَاتِ مِنْ حَوَادِثَ سُرْعَةٍ وجوالاتٍ.

هَل قدَّرْنا هَذَا الِاسْتِنْفَارَ الْعَامَّ بِالْعَالِم، فعيونُنا السَّاهِرَةُ تَرْقُبُ عَلَى الحُدُودِ، وعيوننا السَّاهِرَة تَرَقَّبُ بالمستشفياتِ وَعِنْدَ التفتيشاتِ.

لَا يُقَالُ هَذَا تشاؤمًا، لَكِنَّهَا إنذارَاتٌ مِنْ رَبِّنَا ليخوِّفَنا: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} أَي: لَا نُرسِلُها إِلَّا تَخْوِيفاً، كالمقدِّمةِ لِنُزُولِ عَذَابٍ عاجلٍ([1]).

والعَجِيْبُ أَنَّهُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ آيَةُ أُخْرَى أَخْوَفُ مِنْهَا، إلَّا وَهِيَ: {..وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} فَمَنْ لَمْ يخَفْ مِنَ الْآيَاتِ المُرسَلاتِ كَانَ مِنَ الطُّغَاة الْعُتَاةِ، ويَكبُرُ طُغْيَانُه بِحَسَبِ خُلُوِّ قَلْبِهِ مِنْ خَوْفِ رَبِّ البرِيَّاتِ.

ثمَّ هَا نَحْنُ سَنَشْهَدُ الْكُسُوفَ صَبَاحَ الْأَحَدِ تَزامُنًا مَعَ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الْحَجْرِ!

فَهَل أَخَافَنَا ذَلِك، فَزَادَنا قُرْباً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَمِ اسْتَوْلَتْ عَلَيْنَا الْغَفْلَةُ؟!

نُذُرٌ وربِّك بالمصائبِ تُنذِرُ

 

وخَنَادِقُ الباغِينَ حَولَكَ تُحفَرُ

 

وَإنَّ مِنْ عَلَامَةِ صِدْق اللُّجوءِ إلَى اللَّهِ أدَاءُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ جَمَاعَةً ولوْ بوقْتٍ قَصِيْرٍ، بإخباتٍ وَخَوْفٍ، وَتَضَرُّعٍ وتَبتُّلٍ، وَعَدَمُ تَفْوِيتِهَا بِنَوْمٍ أَوْ كَسِلٍ.

وَإِنَّ أمْراً إنْ نَحْنُ التَزَمْنَاه؛ فَإِنَّ اللَّهَ وَعَدَ أَنْ يَكْشِفَ مَا نَزَلَ بِنَا مِنْ نَقْصٍ فِي الْأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ: إنَّه الِاسْتِغْفَارُ إذَا رَدَّدْنَاه كثيرًا بتَضرُّع.

{وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]

ومَا ألْهَمَ اللهُ عَبْداً الاستِغفَارَ وهوَ يُريدُ أنْ يُعذِّبَه:

لوْ لَمْ تُرِدْ نَيلَ مَا أَرْجُوْ وأطلُبُهُ *** مِنْ جُودِ كَفَّيْكَ مَا عَلَّمْتَنِي الطَلَبَا

فَيَا مَنْ أنْهَكَهُ وَهْمُ الْمَرَضِ: أَكْثِرْ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ.

وَيَا مَنْ كبَّلَتْهُ الدُّيُونُ: أَكْثِرْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ.

يَا مَنْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ: الْجَأْ إلَى مَنْ هُوَ أَرْحَمُ بِكَ مِنْ أُمِّكَ، وَاسْتَغْفِرْهُ  إِنَّهُ  كَانَ تَوابًا.

وثَمَّتَ سُؤَالٌ مُهِمٌّ ومُلِحٌّ: مَا أَفْضَلُ دُعَاءٍ لِلِاسْتِغْفَارِ؟

وَالْجَوَاب:خُذْهُ مِنْ سُؤَالِ أَفْضَلِ رَجُلٍ فِي الْأُمَةِ،وَمِنْ جَوَابِ أَفْضَلِ رَسُولٍ.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَبا بَكْرٍ -رضيَ اللَّهُ عنهُ- قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ e: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي [وفي بَيتِي] قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

فَكُرْبَةُ كُورُونَا تُنَادِيكَ: حَقِّقْ تَوْحِيدَكِ.

تُعَلِّمُنا أَنَّ مَا أَصَابَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَنَا، وَمَا أَخْطَأَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَنَا، وَلْنَوِقِنْ  أَنَّ  الْحَافِظَ  هُوَ  اللهُ، وَلْنَسْأَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

فَالْمَرَضُ لَا يَنْتَقِلُ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ، وَلَا يَقْوَى  الْبَدَنُ  فَيُقَاوِمَ الْمَرَضَ إِلَّا بِالله، وَلَا يَضْعُفُ الْبَدَنُ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْمَرَضِ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ‏

فَهُنَاكَ مَنِ احْتَرَزَ وَأُصِيبَ، وَهُنَاكَ مَنِ اِسْتَهْتَرَ وَلَمْ يُصَبْ، وَهُنَاكَ مَنْ مَكَثَ شُهورَاً  ثُمَّ ذَهَبَ  لِعَمَلِهِ وَأُصِيبَ. نَجَاتُكَ وَإصَابَتُكَ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَحْدَهُ.

وَعَدَمُ  إصَابَتِكَ بالفايْرُوسِ لَيْسَتْ بُطولَةً أحرَزْتَها، وَإصَابَتُكَ لَيْسَتْ عَيْبًا تَتَوَارَى بِهِ مِنَ القَومِ.

فَكُفُّوا عنْ لَوْمِ الْمُدُنِ وَالْمُحَافَظَاتِ الَّتِي يَتَزَايَدُ أَعْدَادُ إصَابَاتِهِمْ، وَكُفُّوْا عَنْ  لَوْمِ  الْمُصَابِينَ، وَعَوَائِلِهِمْ؛ فَفِيهِمْ مِنَ الْهَمِّ مَا يَكْفِيهِم.

كُورُونَا تَقُولُ: حَقِّقْ تَوْحِيدَكِ، وَخُذْ بِكُلِّ الْاِحْتِيَاطَاتِ الْمُمْكِنَةِ. وَلَيْسَ تَارِكُ الاحْتِيَاطَاتِ بِمُتَوَكِّلٍ، وَلَا تُفَرِّطْ بِالْاِحْترَازَاتِ بَعْدَ فَكِّ الْحَظْرِ الْكَامِلِ، فَغَلْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْكَ  قَدْ تَعِيْشُهَا بَاقِيَ عُمُرِكَ حَسْرَاتٍ. لِنَعُدْ بِحَذَرٍ، وَلَوْ فُكَّ الْحَظْرُ.

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ نَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ، وَنَحْنُ أَعْظُمُ إيمَانًا وَتَوْحِيدًا.

اللهم افرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فيهِ.

  • اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَرَى مَكَانَنا ، وَتَسْمَعُ كَلَامَنا ، وَتَعْلَمُ سِرَّنا وَعَلَانِيَتَنا ، ولَا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِنا ، نَحْنُ البؤساءُ الْفُقَرَاءُ ، الْمُسْتَغِيثُونَ الْمُسْتَجِيرُونَ ، الْوَجِلُونَ الْمُشْفِقُونَ ، الْمُقِرُّونَ الْمُعْتَرِفُون بِذُنوبِهِمْ .
  • اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنا بِدُعَائِكَ أشَقِياءَ، وَكُنْ بِنا رَءُوفًا رَحِيمًا، يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ. إنْ لَمْ يَكُنْ بِكِ غَضِبٌ عَلَيْنَا فَلاَ نُبَالِي غَيْرَ أَنْ عَافِيَتَك أَوْسَعُ لَنَا .
  • اللهم إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ .
  • اللهم وَلَا تَجْعَلْنَا آيِسَيْنَ ، وَلَا تُهْلِكُنَا بِالسِّنِينَ .
  • اللهم ارْحَمْنَا وَقَدْ غرَّنا طُولُ إِمْهَالِكَ، وأطمَعَنا دَوَامُ إِفْضَالِكَ ، فَمَدَدْنَا أَيْدِيَنَا لَكَرِيمِ نَوَالِكَ .
  • اللهم أَرْخِصْ أسعارَنا، وَآمِنْ دِيَارَنَا، وَحَسِّنْ أَخْلَاقَنَا، ويسِّرْ أَرْزَاقَنَا، وَوَفِّقْ وُلاتَنا، وَارْحَمْ أمواتَنا ، وَاجْمَعْ عَلَى الْهُدَى شُؤونَنا ، وَاقْضِ اللَّهُمّ دُيونَنا .
  • اللهم وَفِّقْ إمَامَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ بِتَوْفِيقِكَ ، وَسَدِّدْ أمراءَهم ووزراءَهم ، وَاحْفَظْ أبْطَالَ الصِّحَّةِ وَأبْطَالَ الْحُدُودِ واجزِهِم عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ .

([1])تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (2/ 674)

المرفقات

نذُرٌ-وربك

نذُرٌ-وربك

نذُرٌ-وربك-2

نذُرٌ-وربك-2

المشاهدات 1000 | التعليقات 0