(نعيم الجنة) خطبة قديمة ومؤثرة للشيخ صالح آل طالب بتصرف مناسبة لرمضان

عبدالرحمن اللهيبي
1436/09/16 - 2015/07/03 02:58AM
الحمد لله ذي الفضل والعطايا، له وافر الحمد وأزكى التحايا، وهو المؤمَّلُ لمغفرة الذنوب والخطايا، جعل العاقبة الحسنى لمن آمن به ورشد, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوا أحد، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدالله ورسوله، بشَّر أمته بالجنة وأنذرهم النار، وتجافى عن هذه الدار طمعًا في دار القرار، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار, وصحبه الأخيار, والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم..
أما بعد، أيها الصائمون:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعملِ للدار الآخرة، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور؛ {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ } فالمُوفَقُ منا من جدَّ وشمِّر، وفي شهر المنائح والخيرات سعى واستبشر؛ ليحظى بالجنة, وبالجنة يظفر.
أيها الصائمون: من خاف مقام ربه, فله بشَارةٌ من ربه, جنَّةُ الخلد دارُ السلام، {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}
إن الحديثَ عن الجنَّة - أيها الصائمون – في شهر تفتح فيه أبواب الجنان, فرياقٌ وسلوان وتشويق وإيمان، فعند العمل الصالح تهفو القلوبُ إلى موْعودِها، وتُرتجي الجنات من معبودها، فالجنة مَوْعُود رب العالمين، وجائزته للمتقين العامِلين، هي محط رحال العابدين، ومنازل الأنبياء المقربين وسُكْنَى الأصفياء المتقين ومستقرُّ الأولياء الصالحين.
الجنَّة: هي الميعاد، ونعيمها يفوق الوصفَ والخيال، في الصحيحين عن النبي  : ((مَوْضِعُ سَوْطٍ في الجنَّة خيرٌ من الدنيا وما فيها)).
وفي الصحيحين أن النبي - - قال: ((إنَّ أول زمرةٍ يدخلون الجنَّة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكبٍ دريٍ في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك وأزواجهم الحور العين، على خَلْقِ رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعًا في السماء)).
في الجنَّة يُلقِي المؤمنُ عنه العناء، ويستريح من الوعثاء، وينفض عنه الهموم والأحزان, ويحمد الله على هذا المستقر، {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}
الجنَّةُ منزَّهةٌ عن كل المنغِّصات والمكدرات، {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا}.
أسمعتم ماذا قال ربكم {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} إنه وعد من الله للمتقين الأبرار والله لا يخلف الميعاد
إنَّ الجنَّة يا مسلمون لا خطر لها على قلب بشر، هي وربِّ الكعبة نورٌ يتلألأ، نُزع من قلوب أهلها الشحناء والبغضاء ووساوس الصدر، {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: قال الله تعالى: ((أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر، فاقرؤوا إنَّ شئتم {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} رواه البخاري ومسلم.
جناتُ عدنٍ ، عرش الرحمن سقفها، والمسك والزعفران تُرْبَتُهَا، واللؤلؤ والياقوت والجوهر حصباؤها، والذهب والفضة لَبِنَاتُهَا، غرفٌ من فوقها غرفٌ مبنية تجري من تحتها الأنهار.
وإن أردت المزيد فاسمع ما يلقاه المؤمنون العاملون ، {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا )) إلى أن قال الله تعالى: ((إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا}
فإن سألت عن الأزواج فالحور العين, {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} ، عُرُبًا متحببات لأزواجهن أبكارا، {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} ، لو اطَّلعت إحداهن على الدنيا لملأت ما بين السماء والأرض ريحًا وعطرًا، ولطمس نورُها وضياؤها ضياء الشمس، ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها، أنشأهن الله على أجمل خلقة، {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ}
في الجنة يجمع الله شمل المؤمنين ويؤانسهم بأهليهم، {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} ، {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}
في الجنة سرورٌ دائم وبقاءٌ أبدي وسعادة لا شقاء فيها، {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ }
هذا وإن سألت عن يوم المزيد وزيارة العزيز الحميد ورؤية وجهه المنزَّه عن التمثيل والتشبيه فإليك ما تواترَ عن الصادق المصدوق  من رواية جرير وصهيب وأنس وأبي هريرة وأبي موسى وأبي سعيد - رضي الله عنهم أجمعين - فاستمع يوم ينادي المنادي: "يا أهل الجنة إنَّ ربكم تبارك وتعالى يَسْتَزِيرَكُم، فحيَّ على زيارته، فيقولون سمعًا وطاعةً، وينهضون إلى الزيارة مُبَادِرِين، فإذا بالنجائبِ قد أُعدَّت لهم، فيستوون على ظهورها مُسْرِعِين، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأَفْيَحِ الذي جُعِلَ لهم مَوْعِدًا وجُمعوا هناك، فلم يُغَادر الداعي منهم أحدًا, أَمَر الربُّ تبارك وتعالى بكرسيه فنُصب هناك، ثم نصبت له منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم على كثبان المسك، وليس فيهم دني، ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا، حتى إذا استقرت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم، نادى المنادي: يا أهل الجنة إنَّ لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟! ألم يبيض وجوهنا؟! ويثقِّل موازيننا؟! ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟! فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نورٌ أشرقت له الجنة.. فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبَّار جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة سلامٌ عليكم، فلا تُردُّ التحية بأحسن من قولهم: "اللهمَّ أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، فيتجلَّى لهم الربُّ تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة، فيكون أول ما يسمعون منه: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟! فهذا يوم المزيد،
فيجتمعون على كلمة واحدة أن: قد رضينا، فارضَ عنَّا، فيقول: يا أهل الجنة، إني لو لم أرضَ عنكم لم أسكنْكم جنتي، هذا يوم المزيد فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليك، فيكشف الرب جل وعلا الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره وينسون كل نعيم عاينوه، ولولا أن الله سبحانه قضى ألا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في هذا المجلس أحدٌ إلا حاضره ربه محاضرة، حتى إنه ليقول: يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته بالدنيا، فيقول: يا ربِّ ألم تغفر لي، فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه".
اللهمَّ إنَّا نسألك لذَّةَ النظرِ إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضرَّاء مضرة ولا فتنة مضلَّة.







الحمد لله جعل الجنَّاتِ لعباده المؤمنين نزلاً، وعدد لهم طرق الخير وأبواب الطاعات ليتخذوا منها إلى تلك الجنات سبلاً، وجعل انقضاء الحياة الفانية دونها أجلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا غنى لنا طرفة عين عن فضله ورحمته، ولا مطمع لنا في الجنة إلا بعفوه ومغفرته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخليلُه ومصطفاه، صلَّى الله وسَلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، أيها المسلمون:
فتلك عبارات ليست إلا إشارات، وإلا فإن حقيقة الجنة أعظم, والله تعالى أكرم، فهل من مشمرٍ إلى الجنَّة؟! قولوا: نحن المشمِّرون إنَّ شاء الله، فهي والله الحياة! ألا فبؤسًا لمن آثر الحياةَ الدنيا ، فَبَاع جنَّة الخلد بعيشٍ زائل، إنَّ أضحكت الدنيا قليلا أبكت كثيرًا، وإن سرَّت يومًا أحزنت شهورًا، أَوَّلُها مخاوف وآخِرُها مَتَالِف، فيا بؤس قومٍ سلكوا في تحصيل الدنيا كل طريق من حلال أو حرام كأنَّما خُلقوا لها! بؤسًا لقومٍ نسوا الآخرة وأهملوها، وتركوا أوامر الله وأضاعوها، غدًا يُقال لهم: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ}
فيا عجبًا ممن آثر الفاني على الباقي! وإنما يظهر الغبن ويعظم الندم يوم القيامة حين تظهر الحسرة والندامة إذا حُشر المتقون إلى الرحمن وفدا، وسيق المجرمون إلى جهنم وردا. عباد الله ها أنتم في زمن الحرث والعمل ، وإنما الدنيا صبر ساعة ثم إلى الله المنقلب، فأَرُوا الله من أَنفسِكُم خيرا، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ، فالله تعالى يناديكم: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} فهَلُمُّوا إلى الجنَّة والرضوان، وكونوا كمن وصف الرحمن: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}
وإنَّ في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدَّها الله لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وصلَّى بالليل والناس نيام.
وها هو شهر رمضان موسم التوبة والإنابة، وموطن الدعاء والإجابة، شهر الصلاة والصيام والصدقة وصلة الأرحام، تزودوا من الصالحات واستكثروا من الحسنات حتى يُقال لكم غدًا في الدار الآخرة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24].
قدِّموا لأنفسكم، فإن في الناس الفقراء والمساكين، وأصحاب الديون العاجزين والغارمين، واليتامى والأيامى، ومن غيَّبَتهُم السجون، ومن يتكففون العيش ومن يتعففون، كلهم بحاجة إلى صدقاتكم وزكواتكم.{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} فاللهمَّ اجعلنا من أهل الجنَّة , اللهمَّ إنَّا نسألك رضاك والجنَّة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهمَّ اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
هذا وصلُّوا وسلموا على خير البريَّة وأزكى البشرية رسول الله محمد بن عبدالله، اللهمَّ صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، اللهمَّ أوردنا حوضه، واحشرنا في زمرته، وارزقنا مرافقته في الجنَّة.
اللهمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين اللهم من أراد بلادنا وديننا وأمننا بسوء... اللهمَّ انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهمَّ انصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهمَّ أصلح أحوال المسلمين، اللهمَّ آمنهم وأرخص أسعارهم واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
المشاهدات 5147 | التعليقات 0