نِعْمَ المالُ الصالحُ-29-10-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبدالعزيزالتويجري
محمد بن سامر
نِعْمَ المالُ الصالحُ-29-10-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبد العزيز التويجري
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) المالُ زينةُ الحياةِ الدنيا وبهجتُها، المالُ نفعٌ وجمالٌ، المالُ صيانةُ النفسِ، وقوةُ العينِ، واستغناءٌ عن الناسِ، المالُ في الغربةِ وطنٌ، والآمالُ متعلقةٌ بالأموالِ.
إذا كنتَ ذا ثروةٍ من غِنًى*فأنتَ المسوّدُ في العالمِ
لم يذمَ اللهُ المالَ والغنى على الإطلاقِ، بلْ مدحَ اللهُ المالَ وسـَمَّاه خيرًا: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا) أي مالًا.
وأمرَ اللهُ وحثَّ على طلبِ العيشِ والتَكَسُّبِ، (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ)، (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ).
قالَ الرسولُ-عليه وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-: "نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ".
وكَانَ من دعاءِ النَّبِيِّ-عليه وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-: "اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى".
وكانَ عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ-رضي اللهُ عنه-يقول: "حَبَّذا المالُ أصونُ به عِرْضي، وأُقْرِضُه ربي فيضاعفُهُ لي، ثم قرأَ قولَه-تعالى-: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافًا كَثِيرَةً)".
قالَ ابنُ عباسٍ-رضي اللهُ عنهما-في قولِه-عزَّ وجلَّ: (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ): "أي مالًا إلى مالِكم"، وكانَ-رضي اللهُ عنه يقول: "قَدْ يَشْرُفُ الوضيعُ بالمالِ".
دعني أَصُنْ حُرَّ وجهي عن إذالتِه*
وإِنْ تَغَرَّبْتُ عنْ أهلي وعن وَلَدِي
قالوا: نَأَيْتَ عنِ الإخوانِ قلتُ لهم: *
ما لي أخٌ غيرَ ما تُطوَى عليهِ يَدِي
السعيُ في الأرضِ عزٌ للنفسِ، واستغناءٌ عن الخَلْقِ، (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ).
كان ربيعةُ بنُ الوَرْدِ-رحمَهُ اللهُ-مُوسِرًا، وكانَ له ابنُ عمٍ مُعْسِرًا، وكثيرًا ما يشكو إليه الحاجةَ، ويعطفُ عليه ربيعةُ، فلمَّا كَثَّرَ عليه كتبَ إليهِ:
إِذا المَرءُ لَم يَطلُب مَعاشًا لِنَفسِهِ*
شَكا الفَقرَ أَو لامَ الصَديقَ فَأَكثَرا
وَصارَ عَلى الأَدْنَيْنَ كَلًّا وَأَوشَكَتْ*
صِلاتُ ذَوي القُربى لَهُ أَنْ تَنَكَّرا
وَما طالِبُ الحاجاتِ مِن كُلِّ وِجهَةٍ*
مِنَ الناسِ إِلّا مَن أَجَدَّ وَشَمَّرا
فَسِر في بِلادِ اللَهِ وَالتَمِسِ الغِنى*
تَعِش ذا يَسارٍ أَو تَموتَ فَتُعْذَرا
لقدْ سوى اللهُ بينَ درجةِ المجاهدينَ والمكتسبينَ، المالُ الحلالُ للنفقةِ على النفسِ وعلى العيالِ، وللإحسانِ والإفضالِ، (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).
قالَ سفيانُ-رحمه اللهُ-: "عليكم بعملِ الأبطالِ، الاكتسابِ من الحلالِ، والإنفاقِ على العيالِ".
و"كان عمر-رضي اللهُ عنه-إذا نظرَ إلى فتًى وأعجبَه، سألَ: هل له حِرفةٌ؟ فإنْ قالوا: لا، سقطَ من عينِهِ". وكانَ يقولُ: "مكسبةٌ فيها دناءةٌ خيرٌ من مسألةِ الناسِ".
وخيرُ مَالِك مَا نفعَك، فلا خيرَ فيمنْ لا يصونُ بالمالِ عِرضَه، ويحمي به مروءَتَه، ويصلُ به رَحِمَه، وخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ، وكَفَى بِالْمَرء إثمًا أَنْ يُضَيِّع منْ يَعُولُ.
سُئلَ الحسنُ-رضي اللهَ عنه-عنِ رجلٍ آتاه اللهُ مالًا فأنفقَ على أهلِه ما لو أنفقَ دونَه لكفى، فقالَ: "وَسِّعْ على نفسِك وعلى عيالِك كما وَسَّعَ اللهُ عليك، فإنَّ اللهَ قدْ أدَّبَ عبادَه أحسنَ تأديبٍ فقالَ: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ)، وما عَذَّبَ اللهُ قومًا وَسَّعَ عليهم فشكروه، ولا غَفَرَ لقومٍ ضَيَّقَ عليهم فكفروه.
إنما نهى اللهُ عن التبذيرِ والإسرافِ، (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا*إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ)".
قالَ أبو بكرٍ-رضي اللهُ عنه-: "إني لأُبْغِضُ أهلَ بيتٍ يُنفقونَ رِزقَ أيامٍ في يومٍ واحدٍ".
وما وَقعَ تبذيرٌ في كثيرٍ إلّا هدَمَه، ولا دخلَ تدبيرٌ في قليلٍ إلا ثـَمَّرَه.
قالَ النبيُ-عليه وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-لكعبٍ: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ".
فإصلاحُ المالِ حُسْنُ التدبيرِ فيه، فلا مالَ لأخرقٍ، ولا جودَ مع تبذيرٍ، ولا بخلَ مع اقتصادٍ.
التدبيرُ يُثْمِرُ التيسيرَ، والتبذيرُ يُبَدِّدُ الكثيرَ، حُسْنُ التدبيرِ مَعَ الكفافِ، أكفى مِنَ الكثيرِ مَعَ الإسرافِ، وليس في السَرَفِ شَرَفٌ.
التدبيرُ نصفُ الكَسْبِ، وعليكَ مِنَ المالِ بما يَعُولُك ولا تَعُولُه، (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)، فلا منعَ ولا إسرافَ، ولا بُخلَ ولا إِتلافَ، (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا).
وإنَّ مِنَ المفارقاتِ والعجائبِ ألا تُعَظَّمَ النفوسُ، ولا يُحْتَرَمَ الأشخاصُ إلا بما لديهم من مالٍ أو منصبٍ أوجاهٍ فحسبْ.
ما الناسُ إلا مع الدنيا وصاحبِها*
فحيثُما انقلبتْ يومًا به انقلبوا
يعظّمـــون أخــا الدنيا فإنْ وثبــتْ*
يومًا عليه بما لا يشتهي وثبوا
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمينَ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فحِيَازَةَ الْمَالِ الْعَظِيمِ لَا تَضُرُّ صَاحِبَهَا إِذَا أَخَذَهَا مِنْ وَجْهٍ حَلَالٍ، وَنَمَّاهَا بِالْحَلَالِ، وَأَنْفَقَهَا فِيمَا يُرْضِي اللَّهَ، "كَانَ أَبُو طَلْحَةَ-رضي اللهُ عنهُ-أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ-بستانًا-، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ-عليهِ وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ".
وكانَ أبو بكرٍ الصديقُ، وعثمانُ بنُ عفانَ، والزبيرُ بنُ العوَامِ، وعبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ مِنْ أثرياءِ المهاجرينَ، وأغنياءِ الصحابةِ-رضي اللهُ عنهم-، وكانت أموالُـهم في أيديهم ولم تكنْ في قلوبِهم.
وَإِنَّمَا تَكُونُ مَغَبَّةُ الْمَالِ إِذَا كَانَ مِنَ الِاتِّجَارِ بِالْحَرَامِ، أَوْ مُخْتَلَسًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ كَسَبَه مِنْ غِشٍ أو خديعةٍ أو رِشْوةٍ، أو كَنَزَهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يُؤَدِّ حَقَّ اللَّهِ-تَعَالَى-، أَوْ صَرَفَهُ فِيمَا يُغْضِبُ الله-تعالى-، "وأَيُّمَا لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ".
فَمَنْ لم يُحْسِنْ أخذَ المالَ وصرْفَه أَهْلَكَه، فهو كالحيةِ لـمْسُها ليّنٌ وسـُمُها قاتلٌ، "ولاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ".
وقدْ "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ-عليه وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ".
والرِشْوَةُ: كُلُّ مالٍ دُفِعَ ليُبْتاَعَ به من ذي جاهٍ عَونًا على ما لا يجوزُ، والمُرتَشِي هو قابِضُه، والرَّاشي هو دَافِعُه، والرائشُ هو الّذِي يتوسّطُ بينهما، فأما لو دفعَ أحدٌ شيئًا مِنِ المالِ إلى أحدٍ ليوصِلَ إليه حقَّه، أو ليعينَه في أخذ حقِّه من ظالمٍ، أو ليدفَعَ عنه ضَرَرًا، فليس برِشْوةٍ، بل هو جائزٌ، واللهُ أعلمُ.
رُوِيَ: "أنَّ ابنَ مسعودٍ-رضي اللهُ عنه-أُخِذَ بشيءٍ في الحَبشَةِ، فأَعطى دينارينِ حتى خُلِّي سبيلُه".
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللهم أصلحْ لنا ديننَا ودنيانا وآخرتَنا، واجعلِ الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً لنا منْ كلِّ شرٍ، اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ، اللهم يا شافي اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ والـمسالـمينَ، اللَّهُمَّ اِكْفِنَا والمسلمينَ بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأَغْنِنـَا بفضلِكَ عَمَّنْ سِواكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ ورَحْـمَتِكَ فإنَّهُ لا يـَمْلِكُها إلا أنتَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلنا وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهم إنَّا والمسلمينَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.
اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمين.
المرفقات
1684438588_نِعْمَ المالُ الصالحُ-29-10-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبد العزيز التويجري.docx
1684438589_نِعْمَ المالُ الصالحُ-29-10-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبد العزيز التويجري.pdf