نعمة نزول الغيث
أنشر تؤجر
إِنَّ الحَمدَ للهِ ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه ، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعدُ : فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -﴿ ...وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ... ﴾ [الطلاق: 2- 3].
أَيُّهاَ المُسلِمُونَ: إن مِن طَبِيعَةِ النَّفسِ البَشَرِيَّةِ أَنَّهَا مُحِبَّةٌ لِلخَيرِ ، مُستَكثِرَةٌ مِنهُ مَا استَطَاعَت ، قَالَ الله - تَعَالى - لِنَبِيِّهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: ﴿ قُلْ لَا أَملِكُ لِنَفسِي نَفعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ﴾
وَإِنَّ مِن أَعظَمِ الخَيرِ وَأَكثَرِهِ بَرَكَهً وَنَفعًا ، ذَلِكُمُ الغَيثُ الَّذِي تَحمِلُهُ الرِّيَاحُ عَلَى ثِقَلِهِ وَتَسُوقُهُ ، ثم يُنَزِّلُهُ رَبُّ العَالمِينَ عَلَى مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ ، فِي آيَةٍ مِن أَعظَمِ الآيَاتِ في تَكوِينِهِ وَجَمعِهِ وَتَصرِيفِهِ ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم: 48 - 50]
عباد الله : المَاءُ هُوَ الحَيَاةُ، مِنهُ خُلِقَ كُلُّ حَيٍّ وَبِهِ يَعِيشُ وَيَنمُو، وَهُوَ قِوَامُ الزُّرُوعِ وَالأَنعَامِ بَل وَالأَنفُسِ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30]
أَيُّهَا المؤمنونَ:
نزول الغيث نعمة عظيمة ، ومنحة من الله كبيرة ؛ ولقد ذكرنا الله بهذه النعمة ، ودعانا إلى شكرها ، فقال :( أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ** أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ** لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ ) [الواقعة:68-70]
فلنشكر ربنا تبارك وتعالى على نعمة إنزال الغيث ، لنشكره بقلوبنا وألسنتنا و جوارحنا ، وأن ننسب الفضل له ، فما مطرنا إلا بفضل الله ورحمته .
جاء في صحيح البخاري ومسلم عن زيد الجهني أنه قال : صلى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت بليل ، أي : بعد ليلة ممطرة ، فلما انصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس فقال : ((هل تدرون ماذا قال ربكم ؟)) قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال :(( أصبح من عبادي مؤمن بي و كافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا أو كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب(( .
ومن شكر النعم الاستقامة على دين الله ، وذلك بفعل أَمرِهِ واجتناب نواهييه ، فَإِنَّ الاستِقَامَةَ عَلَى الإِسلامِ هِيَ أَقوَى أَسبَابِ سِعَةِ الرِّزقِ وَأَكثَرُهَا بَرَكَةً وعتاد ، وَبِالشُّكرِ تَدُومُ النِّعَمُ وَتَزدَادُ ، قَالَ – سُبحَانَهُ : ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96] وَقَالَ - تَعَالى -:﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم ، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ تعظيمً لشأنه ، وَأشهدُ أنَّ نبينا مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ الداعي إلى رضوانه ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً.
أَمَّا بَعدُ : لقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعية وأذكارا تقال آناء الليل وأطراف النهار ، منها ما هو مخصوص بحسب الحال والمكان ، وما ذلك إلا ليبقى المسلم دائما متصلا ومتعلقا بربه جل وعلا .
روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: (( اللهم صيبا نافعا )) ، وعندما يتوقف يقول :(( مطرنا بفضل الله ورحمته(( ، وكان إذا نزل المطر وخشي منه الضرر دعا وقال :(( اللهم حولينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر )).
وصح عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال : سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته.
والدليل على أن الرعد يسبح بحمد الله ، قوله تعالى :( وهو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعا وينشئ السحاب الثقال * ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق ............)
ومن السنن المأثورة عند نزول المطر ، أن يحسر الإنسان شيئا من ملابسه حتى يصيب المطر بدنه – أي يكشف عن رأسه أو يديه ، وذلك تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء في صحيح مسلم عن أنس قال : أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر قال : فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا : يا رسول الله ، لم صنعت هذا ؟ قال :( لأنه حديث عهد بربه )
والدعاء – يا عباد الله – عند نزول الغيث مستجاب ، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( ثنتان ما تردان : الدعاء عند النداء وتحت المطر )) حسنه الألباني .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ – وأَكثروا مِنْ اِستغفَارهِ وَتُوبُوا إِلَيهِ، وَاستَقِيمُوا عَلَى مُا يُحِبُّهُ وَحَافِظُوا عَلَى مَا يُرضِيهِ ويُقرِّبُ إليه .
هذا وصلوا وسلموا على أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال ...
المرفقات
1730433321_خطبة عن المطر مختصرة.docx