نِعْمَة اَلْوَحْدَةِ وَالْأَمْنِ وَاجْتِمَاعِ اَلْكَلِمَةِ
سعود المغيص
اَلْخُطْبَةُ اَلْأُولَى :
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدَ عِبَادِ اَللَّهِ :
اتَّقوا اللهَ تعالى، واعلموا أنَّ مَحَبَّةَ اَلْوَطَنِ وَالِانْتِمَاءِ لِلْبَلَدِ ؛ أَمْرٌ غَرِيزِيٌّ وَطَبِيعَةُ طَبْعِ اَللَّهِ اَلنُّفُوسَ عَلَيْهَا ، وَهَذَا اَلْمَيْلُ لِلْوَطَنِ أَمْر طَبِيعِيٍّ لَا مَحْذُور فِيهِ ، إِذَا لَمْ يَتَعَارَضْ مَعَ اَلْوَلَاءِ لِلدِّينِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، أَوْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عَصَبِيَّةً أَوْ قَدَحٍ وَسِبَابٍ . وَلَا مَانِعَ أَنْ يَنْتَسِبَ اَلْإِنْسَانُ لِوَطَنِهِ ، فَقَدْ اِشْتَهَرَ فِي اَلصَّحَابَةِ بِلَالْ اَلْحَبَشِي وَصُهَيْبْ اَلرُّومِيِّ وَسَلْمَانْ اَلْفَارِسِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ عَلَى وَلَائِهِمْ لِلدِّينِ .
وَفِي اَلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَدْ اِقْتَرَنَ حُبُّ اَلْأَرْضِ بِحُبِّ اَلنَّفْسِ فِي اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ ، قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَلَوْ أَنَا كُتُبُنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلُ مِنْهُمْ ) ، وَقَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُبَيِّنُ عِظَمَ اَلتَّهْجِيرِ مِنْ اَلْوَطَنِ ( لَا يَنْهَاكُمْ اَللَّهُ عَنْ اَلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي اَلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبِرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنْ اَللَّهُ يُحِبُّ اَلْمُقْسِطِينَ ) . وَفِي قِصَّةِ اَلْمَلَأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ : ( قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَقَدْ أَخْرَجَنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ) . وَلَمَّا كَانَ اَلْخُرُوجُ مِنْ اَلْوَطَنِ شَدِيدًا عَلَى اَلنَّفْسِ فَقَدْ كَانَ مِنْ فَضَائِلِ اَلْمُهَاجِرِينَ أَنَّهُمْ ضَحَّوْا بِأَوْطَانِهِمْ هِجْرَةً فِي سَبِيلِ اَللَّهِ ، فَتَرَكُوا مَكَّةَ وَهَاجَرُوا إِلَى اَلْحَبَشَةِ ، ثُمَّ هَاجَرُوا إِلَى اَلْمَدِينَةِ .
وَأَمَّا رَسُولُ اَلْهُدَى صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ يُحِبُّهُ ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهْ بْنْ عَدِي بْنْ حَمْرَاءَ قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا عَلَى اَلْحَزُورَة فَقَالَ : ( وَاَللَّهُ ، إِنَّكَ لِخَيْرِ أَرْضِ اَللَّهِ ، وَأُحِبُّ أَرْضُ اَللَّهِ إِلَى اَللَّهِ ، وَلَوْلَا أَنِّي أَخْرَجَتْ مِنْكَ مَا خَرَجَتْ ) وَلَمَّا اِتَّخَذَ اَلْمَدِينَةَ وَطَنًا ؛ دَعَا رَبُّهُ أَنْ يَغْرِسَ حُبُّهَا فِي قَلْبِهِ ، فَقَالَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اَللَّهُمَّ حَبَّبَ إِلَيْنَا اَلْمَدِينَةُ كَحُبِّنَا مَكَّة أَوْ أَشَدَّ ) وَصَارَتْ اَلْمَدِينَةُ وَطَنَهُ اَلثَّانِيَ اَلْمَحْبُوبَ إِلَى قَلْبِهِ ، وَجَعْلَ اَللَّهِ مِنْ عُقُوبَةِ اَلزَّانِي اَلْبِكْرِ بَعْدُ جِلْدِهِ اَلتَّغْرِيبِ وَالْإِبْعَادِ عَنْ وَطَنِهِ سَنَةً كَامِلَةً .
عِبَادِ اَللَّهِ : ِنِعَمِ عَظِيمَةٌ أَنْعَمَ اَللَّهُ بِهَا عَلَيْنَا فِي بَلَدِنَا هَذَا ، وَحَقُّهُ عَلَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ فِي شُكْرِهِا ، لِتَحَفُظِ اَلنِّعَمِ وَتَزْدَادُ ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لِشَدِيدٍ ) مِنْ ذَلِكَ نِعْمَةَ اِجْتِمَاعِ اَلْكَلِمَةِ ، فَبَعْدَ أَنْ كَانَتْ اَلْجَزِيرَةُ قَبَائِلَ مُتَنَاحِرَةً ، أَصْبَحَتْ وَاحَةُ مَحَبَّةٍ وَسَلَامٍ ، يَجْتَمِعَ أَهْلَهَا عَلَى اَلْأُخُوَّةِ اَلدِّينِيَّةِ ، وَتَلَاشَتْ مَظَاهِرُ اَلْعَصَبِيَّةِ وَالثَّارَاتْ اَلْقَبَلِيَّةَ . وَمِنْ ذَلِكَ نِعْمَةَ اَلْأَمْنِ ؛ وَدَوْلَتِنَا , أَعَزَّهَا الْلَهْ بِالْإِسْلَامِ , تَبْذُلَ جُهُودًا كَبِيرَةً وَكَثِيرَةً فِي سَبِيلِ جَمْعِ كَلِمَةٍ اَلْمُسْلِمِينَ ، وَتَوْحِيدَ صَفِّهِمْ .
فَبَعْدَ أَنْ كَانَ اَلنَّاسُ فِي خَوْفٍ ، وَتُغْلِقَ أَبْوَابُ اَلْبَلَدِ مَعَ غُرُوبِ اَلشَّمْسِ ، وَلَمْ يَكَدْ يُسَلِّمُ أَحَدٌ مِنْ اَللُّصُوصِ وَقِطَاعِ اَلطُّرُقِ حَتَّى حُجَّاجِ بَيْتِ اَللَّهِ اَلْحَرَامِ ؛ أَصْبَحَتْ هَذِهِ اَلْجَزِيرَةِ آمِنَةً مُطَمْئِنَةً ، يُسَافِرَ اَلْمَرْءُ بِسَيَّارَتِهِ مِنْ شَرْقهَا إِلَى غَرْبِهَا ، وَمِنْ شَمَالِهَا إِلَى جَنُوبِهَا ، فِي اَللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَمَعَهُ مَالُهُ وَأَهْلُهُ ، وَهُوَ آمِنٌ لَا يَخَافُ إِلَّا اَللَّهُ .
اَللَّهُمَّ اِحْفَظْ عَلَى بِلَادِنَا عَقِيدَتَهَا وَقِيَادَتَهَا وَأَمْنَهَا وَاسْتِقْرَارَهَا يَاذَالْجَلَالْ وَالْإِكْرَامُ . .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ..
اَلْخُطْبَةُ اَلثَّانِيَةُ :
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدَ عِبَادِ اَللَّهِ :
إِنَّ حَقِيقَةَ اَلْوَطَنِيَّةِ وَالْمُوَاطَنَةِ اَلصَّالِحَةِ أَنْ يَقُومَ كُلُّ فَرْدٍ بِوَاجِبِهِ بِإِخْلَاصٍ وَأَمَانَةٍ وَصِدْقٍ ، واحْتِرَامُ أَنْظِمَةِ اَلْوَطَنِ ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى أَمْنِهِ وَمُرَافِقِهِ وَمَوَارِدِهِ ، وَالْحِرْصُ عَلَى مُكْتَسَبَاتِهِ وَعَوَامِلِ بِنَائِهِ ، وَالْحَذَرُ مِنْ كُلِّ مَا يُؤَدِّي إِلَى نَقْصِهِ .
لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْتَسِبَ إِلَى هَذَا اَلْوَطَنِ مَنْ يَسْعَى فِي اَلْإِفْسَادِ وَالتَّخْرِيبِ ، وَالتَّدْمِيرُ وَالتَّفْجِيرُ وَالْجَرَائِمُ عَلَى اِخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا أَوْ فِي فَسَادِ عَقَائِدِ أَهْلِ اَلْوَطَنِ وَأَخْلَاقِهِمْ ، عَنْ طَرِيقِ اَلْقَنَوَاتِ وُوَاسَائْلْ اَلتَّوَاصُل اَلْمُخْتَلِفَة ، اَلَّتِي تَبُثُّ اَلشُّبُهَاتُ ، وَتُثِيرَ اَلشَّهَوَاتُ أَوْ فِي اِسْتِغْلَالِ مُقَدَّرَاتِ اَلْوَطَنِ وَأَهْلِهِ بِنَهْبِ اَلْمَالِ اَلْعَامِّ بِغَيْرَ حَقٍّ ، أَوْ اِسْتِغْلَالِ حَاجَةِ اَلنَّاسِ بِاحْتِكَارِ اَلسِّلَعِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي اَلْأَسْعَارِ جَشَعًا فِي اَلْأَرْبَاحِ اَلطَّائِلَةِ .
خِتَامًا : هَمْسَةٌ فِي أُذُنِ اَلشَّبَابِ ، إِلَى كُلِّ شَابٍّ يَنْتَسِبُ إِلَى هَذِهِ اَلْأَرْضِ اَلطَّيِّبَةِ أَدْعُوهُ أَنْ يَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ اَلْإِسْلَامِ فِي هَذِهِ اَلْمُنَاسَبَةِ وَفِي غَيْرِهَا ، لَا يَكُونُ حُبُّ اَلْوَطَنِ بِالْفَوْضَى وَالتَّفَحِيطْ وَالتَّهَوُّرُ ، أَوْ اَلْإِخْلَالِ بِالْأَمْنِ أَوْ بِالِاعْتِدَاءِ عَلَى اَلْآمِنِينَ أَوْ اَلتَّعَدِّي عَلَى اَلْمُمْتَلَكَاتِ .
اَللَّهُمَّ اِحْفَظْ بِلَادَنَا مِنْ كُلِّ سُوءِ وَكْرُوَهْ اَللَّهُمَّ اِحْفَظْهَا مِنْ كَيْدِ اَلْكَائِدِينَ وَحِقْدِ اَلْحَاقِدِينَ وَشَرِّ اَلْأَشْرَارِ وَحَسَدِ اَلْحَاسِدِينَ يَا قَوِيُّ يَاعُزَيْزْ
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ والْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالْمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ، وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُمَا سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْبًا عَلَى أَعْدَائِكَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاقْمَعْ رَايَةَ الْبِدْعَةِ، اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ انْصُرْ الْمُجَاهِدِينَ الْمُرَابِطِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا .
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ».
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم و الأموات
اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المشاهدات 973 | التعليقات 3
شبيب القحطاني
عضو نشط
جزاك الله خيرا
آمين واياكم
سعود المغيص
اللَّهُمَّ احفَظْ علَيْنَا أمْنَنَا وعقيدَتَنَا ورخاءَنَا واجتمَاعَ كلمتِنَا
تعديل التعليق