نعمة الهداية ودخول شعبان 1-8-1443

محمد آل مداوي
1443/07/30 - 2022/03/03 10:21AM

إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفُسِنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهُ الأوَّلينَ والآخِرين، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، إمامُ المتَّقين، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياءِ والمرسلين، وارض اللهم عن آلهِ الطاهرين، وصحَابَتِه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

أيها المسلمون: أعظَمُ نِعَمِ اللهِ على عِبَادِه وأَعَزُّها -وإنْ تَعُدُّوا نِعمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها-: نِعمَةُ الهِدايَةِ لهذا الدِّينِ العَظيم.. بفَضْلِه اهتدَى المُهتَدون، وبعَدْلِه ضَلَّ الضالُّون، قال سبحانه: (فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلالَةُ)

والهدايةُ مِنحةٌ منَ الكريمِ لا تُسْدَى لكلِّ أحَد، ولا تتحقَّقُ بالآمالِ والأماني، (بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ) ولا نجاةَ مِنَ العَذابِ ولا وُصولَ إلى السَّعادةِ إلا بها، وهي أجلُّ نِعَمِ اللهِ الواجِبِ شُكْرُها، قالَ جلّ جلاله: (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ)

وطَلَبُ الثباتِ عليها مِنْ أَخَصِّ أدعيةِ الصالحين: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ولا سبيلَ إلى الجنّةِ إلَّا بسلوكِ طريق الهدايةِ، (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)

وأُمِرَ المسلِمُ بأنْ يدعوَ ربَّهُ في كُلِّ صلاةٍ بأنْ يمنحَهُ الهداية، قالَ شيخُ الإسلامِ رحمه الله: "أنفَعُ الدُّعاءِ وأعظمُهُ وأحكمُهُ: دعاءُ الفاتحةِ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) ؛ لأنَّ العبدَ إلى الهُدى أَحْوَجُ منهُ إلى الأكلِ والشرب".

وكانَ النبيُّ r يأمُر أصحابَهُ بالدّعاءِ بالهداية، يقول عليٌّ t: قال لي رسولُ الله r: (قل: اللهمّ اهدني وسدِّدني) رواه مسلم.

وفَتْحُ القلوبِ بيَدِ اللهِ وحدَه، ليسَ للخَلْقِ منها شيءٌ سِوَى بَذْل الأسباب، (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)

وصَوْنُ الجوَارحِ عن المعاصي؛ ثباتٌ بإذنِ اللهِ على الهداية، والسَّعيدُ مَنِ استبَقَ الخيراتِ، ونأَى بنفسِه عمّا يضرُّه ولا ينفعه، وعَمِلَ بوَصيَّةِ النبيِّ r في قَولِه: (احرِصْ على ما ينفعُك، واستعِنْ بالله، ولا تعجَز) رواه ابن ماجه.

وسُنّةُ اللهِ في هذه الحياة: ابتلاءُ مَنْ تمسَّكَ بهذا الدِّينِ لِتَمحِيصِ الصَّادِقِ في الاستقامة، قال سبحانه: (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)

وفي زَمَنِ تنزُّلِ الوَحيِ وملازَمَةِ الصَّحابةِ للنبيِّ r؛ كان عليه الصلاةُ والسلام يخشَى عليهِم مِنَ الفِتن، وينهَاهُم عنِ القُرْبِ منها؛ جاءَ في الصحيحين أنهr قال: (ستكونُ فتنٌ، القاعدُ فيها خيرٌ مِنَ القائم، والقائمُ فيها خيرٌ مِنَ الماشي، والماشي فيها خيرٌ مِنَ السَّاعي، ومَنْ يُشْرِفُ لها تَستشرِفُه، ومَنْ وجَدَ ملجأً أو معاذًا؛ فلْيَعُذْ به).

والإيمانُ باللهِ، وعمَلُ الصَّالحاتِ؛ سببٌ للثباتِ على طَريقِ الهداية، الموصِلِ برحمَةِ اللهِ وكَرَمِهِ؛ إلى دارِ الخُلوِد، والنَّعيمِ المُقيم: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ* دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

بارك اللهُ لنا في القرآنِ والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفِروه، إنه كان للأوَّابين غفورا.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله ربِّ العالمين، أكملَ الدِّين وأتمَّ النعمةَ على المسلمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين. أما بعد عباد الله:

ومِنْ أعظَمِ الهُدَاةِ المُهتَدين، الذين مَنَّ اللهُ عليهِم بالهِدايَةِ واصطفَاهُم لها: أنبياءُ اللهِ ورُسُلُه، (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه)

وقد كانَ أولئكَ الهُدَاة، صلواتُ الله وسلاَمُه عليهم: أفاضِلَ البَشَرِ، وقدوةً في التعبُّدِ للهِ بعلمٍ وحُبٍّ، وإخْلَاصٍ وتقوى، قالَ سبحانه عن إبراهيمَ عليه السلام: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

ومِنْ سُنَّةِ إمامِ المُهتدينَ r: الإكثارُ مِنْ الصيَامِ في شَهْرِ شعبان، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسولُ الله r يصومُ حتى نقولَ: لا يُفطر، ويُفطِر حتى نقول: لا يَصوم، فما رأيتُ رسولَ الله r استكمَلَ صِيامَ شهرٍ إلاَّ رمضان، وما رأيتُه أكثرَ صيامًا منه في شعبان" متفق عليه.

كما ينبغي الحذرُ مِنَ الوُقوعِ في شيءٍ مِنَ البِدَعِ المرتبِطةِ بهذا الشهر، كتخصيصِه بشيءٍ من الأعمالِ غيرِ الصيام، فلم يَكُنِ النبيُّ r يفعلُ ذلك.. ومِنَ البِدَعِ المُحْدَثة: تعظيمُ ليلَةِ النِّصْفِ مِنْ شعبان، وتخصيصُها بشيءٍ مِنَ الذِّكرِ أو القيامِ أو الدُّعاءِ ونحو ذلك، فليس هذا مِنْ هَديِ النبيِّ r ولا مِن فِعْلِ أصحابِه y.

ومَنْ كان عليه شيءٌ مِن رمضانَ الماضي فَلْيُبادِرْ إلى قضائه، فإنَّ أحدَنا لا يَدري ما يَعْرِضُ له.

ألَا فاتقوا اللهَ عبادَ الله، سَلُوا اللهَ الهداية، والثباتَ عليها؛ لأنفُسِكُم وأهليكُم ومَن تُحِبُّون، اتَّبِعوا ما أُنزِلَ عليكم مِنَ الهُدى؛ فمَنِ اتَّبَعَ هُدى الله؛ فلا خَوفٌ عليهم ولا هم يَحزنون.

ثم صلُّوا -رحمكم الله- على مَنْ أمركم اللهُ بالصلاة والسلام عليه فقال جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا).

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ r، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.

اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه وولي عهده على البر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الناصحة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه يا رب العالمين.

اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستقرارها.. اللهم وعُمَّ بالأمن والرخاء والاستقرار جميعَ أوطان المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم احفظ جنودنا المرابطين على الثغور، اللهم قوِّ عزائمهم وسدد سهامهم، واكبت أعداءهم، وانصرهم على القوم الباغين يا رب العالمين.

اللهم يا رب العالمين بلّغنا بمنك وكرمك شهر رمضان، ونحن في أمنٍ وإيمان، وسلامةٍ وإسلام، اللهم اجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانًا واحتسابًا، إنك خير مسؤول وأكرم مأمول.

(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) .. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المرفقات

1646302889_خطبة 1-8-1443 نعمة الهداية شهر شعبان.docx

1646302889_خطبة 1-8-1443 نعمة الهداية شهر شعبان.pdf

المشاهدات 1570 | التعليقات 0