نعمة المطر
أحمد عبدالله
1444/04/30 - 2022/11/24 17:45PM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله،﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾
أما بعد: فإن من نعم الله الجليلة هطولَ الأمطار، وانصباب الغيث المدرار، الذي يرحم الله به العباد والبلاد والشجر والدواب، فتبتسم الأرض ببكاء السماء، وتسعد بهذه النعمة بعد طول غياب وعناء.
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ (الحج: 63)
فالمطر نعمة عظيمة من نعم الله، تنتج عنها نعمٌ أخرى تصلح بها الحياة الدنيا، مما يوجب توحيد الله تعالى وعبادته؛ شكراً لله تعالى.
قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 21 – 22)
وهذه النعمة ليس للإنسان يد في حصولها، بل هي محض تفضل من الرب الكريم، ولو شاء الله تعالى لجعل الماء مالحًا غير صالح للحياة، قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ (الواقعة: 68 – 70)
والمطر مظهر من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده ورأفته بهم، مع كثرة ذنوبهم الموجبة لحجب هذه الرحمة عنهم، قال تبارك وتعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ (الفرقان: 48) وقال سبحانه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ (الشورى: 28)
وقال تعالى:﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (الأعراف: 96)
عباد الله.. إن الله تعالى قد وصف هذه النعمة في كتابه الكريم بالبركة فقال سبحانه: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ﴾ (ق: 9) ووصفها بالطهارة والحياة؛ لحصول ذلك في واقع الخلق، فقال: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾ (الفرقان: 48 - 49).
وقال عز من قائل: ﴿ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ (النحل: 65( وقال: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ (الأنبياء: 30)
أيها الأحبة الكرام، إن الله تعالى بلطفه ورحمته قد أنزل هذه النعمة على عباده ما استقاموا على طاعته بقدر حاجتهم، فلم يجعلها تعالى دائمة الهطول فتفسد عليهم حياتهم، بل إنه تعالى جعل لها مخزنًا تُحفظُ فيه إلى وقت الحاجة وهو باطن الأرض لتستخرج وقت الحاجة إليها، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ (المؤمنون: 18 – 19). وقال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ (الزمر: 21).
أيها الفضلاء، إن هذه النعمة تستحق منا التأمل والنظر، والتفكر في أسبابها وآثارها ونزولها، وما يحتف بها من آيات الله تعالى وقدرته، وعظمته وسعة ملكه، وجوده وكرمه؛ حتى يعظم شكرنا لله تعالى عليها، ويزداد إيماننا به عز وجل؛ ولهذا أمر الله تعالى بهذه العبادة وهي عبادة النظر والتأمل في هذه النعمة وآثارها فقال تعالى: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ (عبس: 24 – 32)
لو فكّر الإنسان - أيها الأحبة - في انقطاع هذه النعمة عنه هل سيعيش بدونها، وهل سيدوم بقاؤه بفقدها؟ قال تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ (الملك: 30(.
عباد الله، إن المطر آية من آيات الله تعالى ، الدالة على قدرته العظيمة التي لا حدّ لها، فمن الذي يستطيع أن يغيث الناس بالمطر فيذهب ظمأهم، ويلطّف أجواءهم؟! من الذي بمقدوره أن يغسل الأرض وما تحويه من حيوان ونبات وجماد، ومن يمكنه أن ينقي الجو ويغسل الكون لا أحد سوى الله جلّ جلاله، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ (الواقعة: 68 – 70)
وحينما ينزل الغيث على الأرض القاحلة الممحلة فيحييها بالنبات والمنظر المشرق، فتصير حية بعد موتها يكون ذلك آية على قدرة الله على إحياء الموتى، فهو آية صغرى تدل على آية كبرى، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ )فصلت: 39).
والمطر دليل على عجز الإنسان وحاجته التي لا يجبرها إلا الله تعالى، فلا ساقي للناس ولا مغيث لهم من شبح الجدب إلا الله، قال سبحانه: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ (الحجر: 22( يعني: ليست خزائنه عندكم، بل الله هو الخازن له ينزله متى يشاء.
والمطر ذكرى تذكِّر من سُقوا بالشكر، وتذكر من مُنِعوها بالتوبة ليستحقوها، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ )الفرقان: 50).
فيا أيها الناس، شكراً لله شكراً على هذه النعمة، فاللهم لك الحمد على هذه النعمة الجزيلة ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ (إبراهيم: 7).
وتذكروا -معشر المسلمين- بهذه الرحمة رحمةَ الله تعالى بنا إذ أغاثنا مع كثرة معاصينا، ولو سُقينا بقدر أعمالنا لما سُقينا، ولكننا قد نُرحم بغيرنا، قال رسول الله: (ولولا البهائم لم يمطروا).
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى..
أيها المسلمون، هناك آداب شرعت للمسلم عند نزول المطر، فمنها: قول: "اللهم صيّبًا نافعًا".
ومنها: التعرض للمطر عند نزوله ليصيب بدنَ الإنسان منه شيء، فعن أنس رضي الله عنه قال: أصابنا ونحن مع رسول الله ﷺ مطر، فحسر رسول الله ﷺ ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله، لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه تعالى).
ومن الآداب: قول: "مطرنا بفضل الله ورحمته"
ومن الآداب: إذا سمع صوت الرعد والصواعق أن يقول كما ثبت عن بعض الصحابة سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته).
ومن الآداب: أنه إذا كثر المطر وخيف ضرره أن يقال:(اللهم حوالينا ولا علينا،اللهم على الآكام والظراب،وبطون الأودية،ومنابت الشجر)
ومن الآداب: استحباب الدعاء عند نزول المطر؛ فإن ذلك من مواطن الإجابة، قال رسول الله ﷺ: (ثنتان ما تردان الدعاء: عند النداء، وتحت المطر).
عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ.
الحمدُ للهِ عددَ ما خلق، والحمدُ لله مِلْءَ ما خلَق، والحمدُ لله عدَدَ ما في الأرضِ والسماءِ، والحمدُ لله مِلْءَ ما في الأرضِ والسماءِ، والحمدُ للهِ عدَدَ ما أحصى كتابُه، والحمدُ لله مِلْءَ ما أحصى كتابُه، والحمدُ للهِ عدَدَ كلِّ شيءٍ، والحمدُ للهِ مِلْءَ كلِّ شيءٍ
اللهم يا رب العالمين يا رحمن يا رحيم، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا، يا رب العالمين أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثًا مُغيثًا، مريئًا مَريعًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل، اللهم اسقِ عبادَك وبهائمك، وانشُرْ رحمتَك، وأحيِ بلدَك الميت، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، اللهم واشفِ مرضانا وعاف مبتلانا، وارحم موتانا وأجب دعاءنا، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، ودمر أعداءك أعداء الملة والدين، اللهم واجعل بلادنا آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح اللهم ولاة الأمور...
يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
﴿رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1669300941_نعمة المطر.doc