نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ 26 رَجَب 1444هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1444/07/24 - 2023/02/15 19:10PM

 نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ 26 رَجَب 1444هـ

الْحَمْدُ للهِ الذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا بِالإِيمَانِ، وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا بِشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَجَعَلَ سِيَرَ الأَوَّلِينَ عِبْرَةً لِأُولِي الْأَفْهَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً تَشْفِي الْقُلُوبَ مِنْ لَظَى الأَوَام، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ صَلَاًة دَائِمَةً بِبَقَاءِ اللَّيَالِي الأَيَّام.

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ كَانَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَطْلَعِ الْقَرْنِ الثَّانِي عَشَرَ الْهِجْرِيِّ قَدِ ارْتَكَسُوا فِي الشِّرْكِ وَارْتَدُّوا إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ وَانْطَفَأَ فِي نُفُوسِهِمْ نُورُ الْهُدَى، لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ وَاسْتِعْلَاءِ ذَوِي الْأَهْوَاءِ وَالضَّلَالِ، فَنَبَذُوا كِتَابَ اللهِ تَعَالَى وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَعَدَلُوا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَالْأَشْجَارَ وَالْأَحْجَارَ وَعَكَفُوا عَلَى قُبُورِ الصَّالِحِين، وَاسْتَمَرُّوا عَلَى هَذَا رَدْحًا مِنَ الزَّمَنِ، حَتَى قَيَّضَ اللهُ لَهُمْ عَالِمًا أَنَارَ اللهُ بِهِ الطَّريِقَ، وَأَزَالَ اللهُ بِهِ الْبِدَعَ وَالْخُرَافَات، وَالشِّرْكَ وَالضَّلَالات.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ الشَّيْخُ مُـحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وُلِدَ سَنَةَ 1115 هـ فِي بَلْدَةِ الْعُيَيْنَةَ الْوَاقِعَةَ شَمَالَ الرِّيَاضِ، وَنَشَأَ فِي حِجْر أَبِيهِ وَظَهَرَتْ عَلَيْهِ عَلامَاتُ النَّجَابَةِ وَالْفِطْنَةِ فِي صِغَرِهِ، فَحَفِظَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ قَبْلَ الْعَاشِرَةِ وَبَلَغَ الاحْتِلَامِ قَبْلَ إِتْمَامِ الاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، قَالَ أَبُوهُ: رَأَيْتُهُ أَهْلًا لِلصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ، وَزَوَّجْتُهُ فِي ذَلِكَ الْعَام.

دَرَسَ عَلَى وَالِدِه الْفِقْهَ الْحَنْبَلِيَّ وَالتَّفْسِيرَ وَالحْدِيثَ، وَكَانَ كَثِيرَ الاعْتِنَاءِ بِكُتُبِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ القَيِّم رَحِمَهُمَا اللهُ.

رَحَلَ إِلَى مَكَّةَ قَاصِدًا حَجَّ بَيْتِ الله الْحَرَامِ، ثُمَّ زَارَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَالْتَقَى هُنَاكَ بِعُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَاسْتَفَادَ مِنْهُمْ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى الْبَصْرَةِ فَأَقَامَ فِيهَا مُدَّةً دَرَسَ الْعِلْمَ فِيهَا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نَجْدٍ مُرُورًا بِالأَحْسَاءِ، وَفِي رِحْلَتِهِ الطَّوِيلَةِ هَذِه رَأَى بِثَاقِبِ نَظَرِهِ مَا بِالْأَقْطَارِ التِي زَارَهَا مِنَ الْعَقَائِدِ الضَّالَّةِ وَالْعَادَاتِ الْفَاسِدَةِ، فَصَمَّمَ عَلَى الْقِيَامِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ وَنَبْذِ الشِّركِيات.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: ابْتَدَأَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ دَعْوَتَهُ فِي بَلْدَةِ حُرَيْـمِلاءَ حَيْثُ كَانَ يُقِيمُ أَبُوهُ الذِي, تُوُفِّيَ سَنَةَ (1153), وَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الضَّلَالِ إِنْكَارَ الشَّيْخِ لِمَظَاهِرِ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ, وَاجْتِمَاعَ طُلَّابِ الْعِلْمِ مِنْ أَقْطَارِ نَجْدٍ حَوْلَهُ، قَامُوا بِإِيذَائِهِ وَتَحْرِيضِ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَأَغْرَوْا بِهِ بَعْضَ الْفُسَّاقِ حَتَّى هَمُّوا بِقَتْلِه فِي إِحْدَى اللَّيَالِي, وَلَكِنَّ اللهُ حَمَاهُ مِنْهُمْ، فَذَهَبَ إِلَى الْعُيَيْنَةِ، وَكَانَ أَمِيرُهَا عُثْمَانَ بْنَ مَعْمَّرٍ رَحِمَهُ اللهُ, فَأَكْرَمَ الشَّيْخَ وَنَاصَرَهُ وَقَامَ مَعَهُ وَأَعَانَهُ، وَحَصَلَ خَيْرٌ كَثِيرٌ مِنْ نَشْرٍ لِلتَّوْحِيدِ والسُّنَّةِ وَإِزَالَةٍ لِمَظَاهِرِ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِةِ.

ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الشَّرِّ حَرَّضُوا عَلَى الشَّيْخِ أَمِيرَ الأَحْسَاءِ ابْنِ عِرِيعِر حِينَذَاكَ وَكَانَ قَوِيًّا شِرِّيرَاً ، فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَعْمَّرٍ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِ الشَّيْخِ أَوْ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْعُيَيْنَةِ، فَخَافَهُ ابْنُ مَعْمَّرٍ وَأَخْبَرَ الشَّيْخَ بِكِتَابِ أَمِيرِ الأَحْسَاءِ وَأَنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلَى مُقَاوَمَتِهِ،  فَمَا كَانَ مِنَ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللهُ إِلَّا أَنْ خَرَجَ إِلَى الدِّرْعِيَّةِ وَكَانَتْ مَقَرَّ أُسْرَةِ آلِ سُعُود رَحِمَهُمُ اللهُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَلَمَّا وَصَلَ الشَّيْخُ إِلَى الدِّرْعِيَّةِ قَصَدَ تِلْمِيذًا لَهُ كَانَ قَدْ دَرَسَ عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ فِي حُرَيْمَلاء, اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ سُوَيلِمْ رَحِمَهُ اللهُ، فَنَزَلَ عِنْدَهُ بَعْضَ الْوَقْتِ، فَتَسَامَعَ وُجُهَاءُ الدِّرْعِيَّةِ بِالشَّيْخِ رَحِمَهُ اللهُ فَقَابَلُوهُ، وَلَمَّا اطَّلَعُوا عَلَى دَعْوَتِهِ أَرَادُوا أَنْ يُشِيرُوا عَلَى الأَمِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ سُعُودٍ رَحِمَهُ اللهُ, بِنُصْرَتِهِ فَهَابُوهُ، فَأَتَوْا إِلَى زَوْجَتِهِ مُوضي بِنْتِ سُلْطَان رَحِمَهَا اللهُ وَكَانَتْ امْرَأَةً صَالِحَةً عَاقِلَةً، وَأَتَوْا كَذَلِكَ أَخَاهُ ثِنِيَّانَ بْنَ سُعُودٍ فَأَخْبَرُوهُمَا بِمَكَانِ الشَّيْخِ وَوَصَفُوا لَهُمَا مَا كَانَ الشَّيْخُ يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ فَاتَّبَعَا دَعْوَةَ الشَّيْخِ وَقَرَّرَا نُصْرَتَهُ.

فَلَمَّا دَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ سُعُودٍ عَلَى زَوْجَتِهِ أَخْبَرَتْهُ بِمَكَانِ الشَّيْخِ وَقَالَتْ لَهُ: هَذَا الرَّجُلُ سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكَ وَهُوَ غَنِيمَةٌ فَاغْتَنِمْ مَا خَصَّكَ اللهُ بِهِ، فَأَعْجَبَهُ قَوْلُهَا، ثُمَّ دَخَلَ كَذَلِكَ عَلَى أَخِيِه ثِنِيَّانَ وَأَخِيهِمَا مِشَارِي فَأَشَارَا عَلَيْهِ بِمُسَاعَدَتِهِ وَنُصْرَتِهِ فَقَبِلَ كَلامَهُم، ثُمَّ إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُرْسِلَ إِلَى الشَّيْخِ لِيَأْتِيَ فَقَالُوا لَهُ: لا، بَلْ سِرْ أَنْتَ إِلَيْهِ بِنَفْسِكَ فِي مَكَانِهِ وَأَظْهِرْ تَعْظِيمَهُ وَالاحْتِفَاءَ بِهِ، فَذَهَبَ الأَمِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ سُعُودٍ إِلَى مَكَانِ الشَّيْخِ وَرَحَّبَ بِهِ وَأَبْدَى غَايَةَ الْإِكْرَامِ وَالتَّبْجِيلِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِمَّا يَمْنَعُ بِهِ نِسَاءَهُ وَأَوْلادَهُ، وَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ بِبِلَادٍ خَيْرٍ مِنْ بِلَادِكَ وَأَبْشِرْ بِالْعِزَّةِ وَالْمَنَعَةِ! فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: وَأَنَا أُبَشِّرُكَ بِالْعِزَّةِ وَالتَّمْكِينِ، وَهَذِهِ كَلِمَةُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِهَا وَنَصَرَهَا مَلَكَ بِهَا الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَأَوَّلُ مَا دَعَتْ إِلَيْهِ الرُّسُلُ، وَأَنْتَ تَرَى نَجْدًا وَأَقْطَارَهَا أَطْبَقَتْ عَلَى الشِّرْكِ وَالْجَهْلِ وَالْفُرْقَةِ وَقِتَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا, فَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ إِمَامَاً يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَذُرِّيَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ .

وَهَكَذَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ابْتَدَأَتْ صَفْحَةٌ جَدِيدَةٌ مِنْ حَيَاةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالأَمِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ سُعُودٍ رَحِمَهُمَا اللهُ، بَلْ صَفْحَةٌ جَدِيدَةٌ لِلْجَزِيرَةِ وَالْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ, الذِي رَحِمَهُ اللهُ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ الْمُبَارَكَةِ التِي جَدَّدَ اللهُ بِهَا مَا انْدَرَسَ مِنَ الدِّينِ، وَللهِ الْمِنَّةُ. 

وَفِي هَذِهِ الْحِقْبَةِ مِنَ الزَّمَنِ قَلَّتْ الْمَشَاكِلُ فِي مُجْتَمَعِ الْجَزِيرَةِ، فَانْعَدَمَتِ السَّرِقَاتُ وَشُرْبُ الْخُمُورِ، وَأَصْبَحَتِ الطُّرُقُ أَكْثَرَ أَمْنًا وَأَمَانًا، وَهَذَا بِفَضْلِ اللهِ ثُمَّ بهَذِهِ الدَّعْوَةِ التِي سَارَتْ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّة، وَسَانَدَهَا وُلَاةُ أَمْرِ مُخْلِصُونَ مِنْ أُسْرَةِ آلِ سُعُودٍ، وَلَا زَالُوا عَلَى ذَلِكَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا بِفَضْلِ اللهِ وِمِنَّتِه.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ثُمَّ إِنَّ الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللهُ تَفَرَّغَ لِلْعِلْمِ وَالتَّأْلِيفِ وَتَدْرِيسِ الطُّلَّابِ، وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ الأَمِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ سُعُودٍ رَحِمَهُ اللهُ ثُمَّ خَلَفَهُ ابْنَهُ سُعُودٌ الذِي كَانَ أَحَدَ تَلامِيذِ الشَّيْخِ، فَسَارَ عَلَى طَرِيقَةِ أَبِيهِ وَاسْتَمَرَّ الْخَيْرُ وَالْعِلْمُ وَانْتِشَارُ السُّنَّةِ وَانْقِمَاعُ الْبِدْعَةِ، وَفِي عَامِ 1206 هـ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ فِي الْعُيَيْنَة، بَعْدَ أَنْ أَلَمَّ بِهِ مَرَضٌ  كَانَتْ وَفَاتُهُ مِنْهُ، وَكَانَ بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ نَحْوَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَتُوِفِّيَ وَلَمْ يُخَلِّفْ مَالًا يُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مُتَقَلِّلًا مِنَ الدُّنْيَا زَاهِدًا مُتَعَفِّفًا مُقْبِلًا عَلَى الآخِرَةِ، وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ قَائِمًا يَتَهَجَّدُ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَرَحِمَهُ اللهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً وَجَزَاهُ اللهُ عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ وَرَفَعَ دَرَجَتَهُ فِي عِلِّيِّيـْنَ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْأَمْرَ كَمَا سَمِعْتِمْ حَيْثُ نَشَأَتْ هَذِهِ الدَّوْلَةُ السُّعُودِيَّةُ : الأُولَى ثُمَّ الثَّانِيَةُ, وانتهاء بِالدَّوْلَةِ السُّعُودِيَّةِ الثَّالِثَةِ عَلَى يَدِ الْمَلِكِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَحِمَهُ اللهُ، وَقَدْ أُسِّسَتْ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَحْكِيمِ شَرْعِ اللهِ، وَحِفْظِ شَعَائِرِ الدِّينِ وَنَشْرِ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ، وَهَكَذَا سَارَ أَبْنَاؤُهُ رَحِمَهُمُ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ ابْتَدَاءً بِالْمَلِكِ سُعُودِ وَانْتِهَاءً بِالْمَلِكَ سَلْمَانَ حَفِظَهُ اللهُ.

وَهَذَا مِنْ مِنَّةِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ، وَمِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَى هَذِهِ الدَّوْلَةِ وَأَهْلِهَا اْلِعَنَايَةُ الْعَظِيمَةُ الْمُتَنَوِّعَةُ بِكِتَابِ اللهِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ طِبَاعَةً وَنَشْرًا وَتَعْلِيمًا، فَكَمْ مِنْ مَدَارِسِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ فِي طُولِ الْبِلَادِ وَعَرْضِهَا لِلْبَنَينَ وَالْبَنَاتِ، وَكَمْ مِنْ جَمْعِيَّاتِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ فِي الْمُدِنِ وَالْمُحَافَظَاتِ التِي تَقُومُ عَلَى مِئَاتِ حَلْقَاتِ التَّحْفِيظِ لِلْبَنِينَ وَدُورِ التَّحْفِيظِ لِلْبَنَاتِ، وَإِنَّهَا لَنِعْمَةٌ كَبِيرَةٌ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُدِيمَهَا وَيَرْزَقَنَا شُكْرَهَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ مِنَ النِّعَمِ التِي يَجِبُ شُكْرُ اللهِ عَلَيْهَا: مَا نَحْنُ فِيهِ بِتَوْفِيقِ اللهِ لِهَذِهِ الدَّوْلَةِ مِنْ نِعْمَةِ الْأَمْنِ وَالاسْتِقْرَارِ وَاجْتِمَاع ِالْكَلِمَةِ وَوَحْدَةِ الصَّفِّ، التِي أَرْسَتْهَا الدَّوْلَةُ السُّعُودِيَّةُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الْمُبَارَكَةِ ، بَعْدَ قُرُونٍ مِنَ التَّشَتُّتِ وَالْفُرْقَةِ، وَمَنْ قَرَأَ التَّارِيخَ عَرَفَ ذَلِكَ, وَلِذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى وَتَثْبِيتِ هَذِهِ النِّعْمَةِ السَّعْيَ الدَّائِمَ  وَالتَّأْكِيدَ عَلَى لُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامِهِمْ وَمُحَارَبَةِ الانْتِمَاءَاتِ الْحِزْبِيَّةِ, وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْكَبِيرَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}، وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، وَمَنْ أَرَادَ بُحْبُحَةَ الْجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ) رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِم.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى هَذِهِ الْبِلَادِ حُكَّامًا وَمَحْكُومِينَ عِنَايَةُ الدَّوْلَةِ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَالْمَشَاعِرِ الْمُقَدَّسَةِ وَقَاصِدِيهَا مِنْ ضُيُوفِ الرَّحْمَنِ وَتَأْمِينِ السُّبُلِ لَهُمْ، فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ وُلاةَ أَمْرِ هَذِهِ الدَّوْلَةِ وَرِجَالَهَا الْمُخْلِصِينَ لِمَا بَذَلُوهُ فِي بِنَاءِ هَذَا الْكَيَانِ الْعَظِيمِ.

وأَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّه وَكَرَمِهِ أَنْ يَرْزُقَنَا خَشْيَتَهُ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالعَمَلَ الصَّالِحَ الذِي يُرْضِيهِ عَنَّا, اللهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَميعِ سَخَطِكَ، رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ, وَصَلِّ اللهمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

المرفقات

1676477426_نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ 26 رَجَب 1444هـ.doc

المشاهدات 1456 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا