نعمة الفراغ

بندر بن عبدالله الرشود
1438/10/19 - 2017/07/13 18:15PM

نعمة الفراغ 

المقدمة 

ان الحمدلله ..... اما بعد

 

فإن من النعم العظيمة التي غفل الناس عن مكانتها، وجهل كثير من الشباب أهميتها وعظم مسئوليتها هي نعمة الفراغ ..

فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) رواه البخاري

 

والفراغ انما يراد به هنا هو عدم الإنشغال بهموم الدنيا ، والتي من أعظمها هم الرزق والمعاش ..

فإن الإنسان إذا خلا ذهنه من هم العيش وتحصيله ، لم يكن لديه أيُّ شيءٍ يشَغلَهُ بعدُ ؛ إلا أن يستمتع بما هو فيه من النعيم أو يتزود لآخرته ..

ولهذا ذم الله تعالى حب الدنيا واللهَثَ خلف شهواتها وزينتها لأنها تشغل عن الآخرة فقال سبحانه ( كل بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة )

وقال تعالى ( ‏المال والبنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) 

والايات في هذا الباب كثيرة

 

وإنما يكون حب الدنيا مذموما إذا كان مشغلا عن التزود بالأعمال الصالحة فضلاً عن القيام بالفرائض والواجبات ..

وأما من جمع بين زينة الدنيا وتزود من الصالحات فتراه مستكثرا من الحسنات سابقا الى الخيرات مع ما هو فيه من شغل الدنيا والاستمتاع بزينتها فهذا ممن تم له حظه في الدنيا والآخرة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

 

( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة )

 

وجاء في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهل الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، ..فقال عليه الصلاة والسلام ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) رواه مسلم

 

وقد أحسن بعض من أنعم الله عليه بالمال حين فرغ بعض ولده لطلب العلم وحبب اليهم الدعوة الى الله تعالى وكفاهم هم العيش ونغص الدنيا وبذل لهم الأموال الطائلة لتحقيق تلك الغايات العظيمة والمنازل الشريفة ، فاستعاض فيهم ما قصر هو فيه ، وحقق بهم ما لم يبلغه بسبب انشغاله ، فجدير لهذا أن يرى ثمرة كده وتعبه ولو في بعض ولده ، وأن يجمع بين حظ العاجلة ونعيم الآخرة .

 

وأعجب العجب ممن لا يكفيه ماله هم عيشه حتى تراه يكد في تنميته ليل نهار ولا يعرف للراحة والتلذذ بالعيش طعماً فضلا عن أن يجتهد في عمل الصالحات .

 

والمقصود عباد الله أن الله عزوجل متى أنعم على عبده بنعمة الفراغ وكفاه هم العيش كان من اللائق به أن يجعل لنفسه حظاً يتزود فيه لآخرته .

 

ونعمة الفراغ ظاهرة اليوم بجلاء في حياة أبناء المسلمين ، فقد كان الشباب بل والصغار قديما يعملون مع أهليهم وأبائهم في تحصيل لقمة العيش ولم يكن هناك برنامج حكومي  ينتظم حياتهم ؛ يبدأ من الدراسة المنتظمة حتى ينتهي بهم الى أعمالهم ووظائفهم  - كما هو الحال اليوم - فضلا عن أوقات الإجازات الطويلة التي ينعم بها أبناء اليوم ولم يعرف طعمها أبناء الأمس .

 

والناظر بإمعان في حال ابنائنا اليوم مع نعمة الفراغ  لا سيما اوقات الاجازات يرى ان كثيرا مِنْهُم لم يقدرها حق قدرها حتى أضاعوا نهارهم في النوم وعمروا لياليهم بالسهر في اللهو والعبث .. فكيف بمن عمر إجازته فيما يغضب الله تعالى من تضييع للصلوات ونظر للمحرمات ..

 

وحينئذ يتبين جلياً قولُ النبي صلى الله عليه وسلم حين قال ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ) فذكر انهم كثير  ووصف حالهم بأنهم مغبونون في هذه النعمة ..

والغبن هو ان تبيع شيئا نفيساً بثمن بخس ؛ وكذلك هي نعمة الفراغ فإنها كنز يباع باللهو والعبث، والمغبون هو من فاته الخير الكثير ، وقد يوصف بالغبن من خسر خسرانا مبينا حتى أصابته الحسرة والندم.

 

فكيف اذا أعقبَ هذا الغبنَ عقابٌ يضاف اليه ؛ فكيف ستكون حسرة هذا المغبونِ وندمُه !

قال صلى الله عليه وسلم ( لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع وذكر منها : عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه )

فياخسارة المغبونين في شبابهم وصحتهم وفراغ أعمارهم وياحسرة من فرط في اوقاته وأيامه واضاعها في اللهو والعبث ..

 

اقول ما تسمعون ..

 

 

 

الخطبة الثانية

مقدمة

 

عباد الله وحيث تبين مقدار هذه النعمة العظيمة ومدى تفريط الكثير من الناس فيها فإن الواجب عباد الله هو استغلال هذه النعمة فيما ينفع العبد في دينه أو دنياه

 

وإن خير ما تبذل فيه الأوقات النفيسة هو حفظ كتاب الله تعالى ثم حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبالأمس القريب انتشر مقطع لشابين يافعين لم يتجاوزا السابعة عشرة من اعمارهما وقد أتما حفظ الكتب الثمانية عشر التي جمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتب الصحاح والسنن والمسانيد وزوائدها وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

 

فإن رأى الأباء في أبنائهم ميلاً وقبولاً لطلب العلم الشرعي وجهوهم له وشجعوهم عليه وبذلوا لهم الأموال الكافية لتحصيله .. 

فإن طلب العلم هو أفضل النوافل بعد الفرائض كما قال الإمام الشافعي بل كما قال الأئمة الأربعة رحمة الله عليهم جميعا . 

 

وإن رأوا منهم عدم قبول لطلب العلم الشرعي وجهوهم لما ينفعهم من علوم الدنيا رجاء أن ينفعوا أمتهم ودينهم وينافسوا بهم أهل الصناعات والاختراعات، ومن صحت له نيته في هذا لم يعدم الأجر ان شاء الله تعالى.

 

وأما أن تَمُرَّ الإجازةُ هكذا سبهللا؛ من دون فائدة دينية ولا دنيوية ؛ فليس هناك من وصف يوصف به هذا الحال أبلغ من وصفه عليه الصلاة والسلام حين وصف ذلك بالغبن .. وما أعظمه من غبن .

 

  فالله الله عباد الله أحسنوا توجيه أبناءكم في استغلال هذه الإجازة ، فان كل خير تعلمونه لهم فهو لكم ولهم ، وضد ذلك بضده .. فإن أولادكم من كسبكم ورعيتكم وقد قال عليه الصلاة والسلام ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )

 

هذا وصلوا رحمكم الله ....

 

المشاهدات 2911 | التعليقات 0