نعمةُ الغيث

أحمد بن ناصر الطيار
1446/04/22 - 2024/10/25 07:20AM

 

الحمد لله الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ, الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى ، فجعله غثاء أحوى, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, الكرم صفةٌ من صفاته، والجودُ من أعظم سِمَاته، والعطاءُ من أجلّ هباته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حبيبُ القلوب، وخليلُ علام الغيوب، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد.

 

فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أن الله قد أحسن إلينا يوم أنْ أنزل علينا من خيراته، وأمدَّنا من بركاته، ورزقنا بالغيث النافع, فرويت الأرض، وارْتسمتِ البسمةُ والبهجةُ على وجوهِ الناس وقلوبهم.

فالماءُ يا عباد الله: عُنصرُ الحياة للحيوان والنبات, {وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون}، والمطر يطيب به الهواء، ويُضفي إلى القلوب الأنس والسعادة.

 

وإنَّ الواجب علينا تجاه هذه النعمة العظيمة: أن نحمد الله عليها, وألا نعصيَه فيجعلها نقمةً كما كانت على بعض الدول, حيث أغرقهم ودمّر بيُوتهم والعياذ بالله.

 

عباد الله: إنّ من السُّنن المشروعة عند نزول المطر: الجمعَ بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وليس الجمع خاصاً بالمطر، بل متى وجدت المشقة والحرج جاز الجمع.

فعن ابن عباس رضي الله عنه قال : «صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا في المدينة، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطرٍ».

فسُئل ابن عباس عن ذلك فقال: «أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ». رواه مسلم

فكل ما فيه حرجٌ على الناس: فيجوز جمع الصلاتين لرفع الحرج عنهم, وهذا من سماحة الإسلام ويُسره.

 ويدخل ذلك المطرُ والوحْلُ, والريحُ الباردةُ الشديدة, وغيرُ ذلك من الأعذار العامة.

وأما مجردُ شِدَّةِ البرد فلا يُبيح الجمع؛ لإمكان تَوَقِّيه بالملابس المناسبة الواقية، والعبرةُ في هذا كله بالحالِّ العامةِ الغالبة، فلا اعتبار بالحالات الفردية.

 

 وعلى هذا: فإذا كان الغالبُ الفقرَ وقلَّةَ الملابس الواقية, فإنه يباح الجمع حينئذ؛ لوجود المقتضي للجمع, وهو الحرج والمشقةُ غيرُ المعتادة.

وقد ضبط الفقهاء الجمع بين المطر: بأنه المطر الذي يبل الثياب بللاً يتأذى به الإنسان، ويَلْحَقُه الحرجُ به.

 

إخوة الإيمان: جاءتِ السنة بالجمع إذا نزل المطر والناس في المسجد, وأما إذا نزل قبل ذهاب الناس للمسجد, فالسنة الصلاة في البيت؛ لِمَا ثبت في الصحيحين: أن ابْن عُمَرَ رضي الله عنه أَذَّنَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ, ثم قال : إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ, ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ, فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ.

فالسنة عند نزول المطر, أو عند صعوبةِ الوصول إلى المسجد؛ لوجود الطين وغيره، أنْ يصلي الناس في بيوتهم، دفعاً للحرج عنهم.

فينبغي إحياءُ هذه السنة بين الناس والعملُ بها، وعدمُ هجرها.

 

وأما من كان يصلّي في بيته, كالمريض والمرأة: فإنه لا يجوز أن يجمع لأجل المطر.

 

واعلموا أنّه لا يشترط نية الجمع عند افتتاح الصلاة الأولى، فلو سلم من صلاة المغرب ثم نزل المطر، فيجوز له الجمع.

 

والجمع لا يُسقط راتبة الصلاة المفروضة, بل يأتي براتبة المغرب ثم بعدها راتبة العشاء على الترتيب, ويأتي براتبة الظهر البعدية بعد صلاة العصر ولا حرج عليه, ولا يدخل في النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر, وذلك لأن هذه السنة لها سبب, والصلوات التي لها سبب لا تدخل في الصلوات المنهي عنها, وإنما النهي عن الصلاة المطلقة, التي يقوم الإنسان ليتطوع بالصلاة في أوقات النهي لغير سبب.

والجمع كذلك لا يُسقط الأذكار التي بعد الصلاة, ويُكتفى فيها بذكر واحد؛ لأن الصلاتين صارت كأنها صلاة واحدة.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه, وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

عباد الله: لقد جاءت السنة المطهرة, بسننٍ قولية وفعليةٍ عند نزول المطر, فمن السنن القولية: قول: اللهم صيباً نافعاً, ومطرنا بفضل الله رحمته, والدعاءُ عند نزول المطر من المواضع التي يُرجى فيها الإجابة .

ومن السنة الفعلية: أن يحسر عن رأسه ليصيبه المطر, فقد حسر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثوبه حتى أصابه من المطر وقال: لأنه حديثُ عهدٍ بربه تعالى. رواه مسلم

 

نسأل الله تعالى أنْ يُبارك فيما رزقنا, وأنْ يُتابع علينا الأمطار والبركات, وأن يجعلها نافعة عامّة, إنه سميع قريب مُجيب.

 

المرفقات

1729829983_نعمةُ الغيث

والسنن المتعلقة بالمطر.pdf

المشاهدات 576 | التعليقات 0