نعمة الستر
عمر الدهيشي
عباد الله.. الستر يعني تغطية العيوب وإخفاء الهنات،وستر المساوئ،وقد اتصف الله تعالى بهذه الصفة الجليلة،ومن أسمائه جل وعلا الستير ففي الحديث عن أبي يعلى بن أمية رضي الله عنه مرفوعاً (إن الله عز وجل حليم،حيي،ستير،يحب الحياء والستر)رواه أبو داود والنسائي وأحمد ، قال الإمام السندي : معناه أنه عز وجل تارك للقبائح، ساتر للعيوب والفضائح،يحب الحياء والستر من العبد،ليكون متخلقاً بأخلاقه تعالى.أ.هـ فالستر خلق رباني كريم وهدي نبوي جليل ربى النبي ﷺ صحابته وأمته عليه ففي الحديث (لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا ، فإني أحب أن أخرج إليهم ، وأنا سليم الصدر )رواه الإمام أحمد.
عباد الله.. الفطر السليمة والنفوس الكريمة تقدر هذه النعمة قدرها،وتحافظ عليها من التهاون بها أو المساومة عليها،فالستر على الناس والتستر منهم أصل وقاعدة للمسلم ،ومنهج حياة يسير عليها يقول ﷺ (كل أمتي معافى إلا المجاهرين)رواه البخاري ومسلم ولما رأى عليه الصلاة والسلام أحد الصحابة كاشفاً عن فخذه قال ﷺ : (غط فخذك فإنها عورة) رواه الترمذي.
عباد الله.. أصحاب الذوق الرفيع والشمائل العالية يحافظون على ظواهرهم ويعتنون بلباسهم فهو عنوان بواطنهم ودليل وعيهم،فيسترون كل ما يخرم مروءتهم فضلاً عما يجب ستره قال ﷺ : (إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً لا يُرى من جلده شيء استحياءً منه )الحديث رواه البخاري وقال ﷺ : (إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم) رواه الترمذي سيما المرأة المسلمة في لباسها وحجابها كي تحافظ على كرامتها وتصون مجتمعها، فقد ورد التوجيه المباشر الخاص بالنساء للنبي ﷺ في قوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) وهن اللاتي يكن فوق الثياب من ملحفة وخمار ورداء ونحوه يغطين بها وجوههن وصدورهن (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) مما يدل على وجود أذية إن لم يحتجبن وظهرنا بكامل زينتهن،فالحجاب الساتر حاسم لمطامع الطامعين وحافظ من كيد الفاسقين.
عباد الله..نحن في زمن كثرت فيه الملهيات وطمت فيه الشهوات، والمسلم في مد وجزر مع نفسه تدعوه النفس الأمارة بالسوء وتنهاه النفس اللوامة،فهو يمشي ويسير وربما يكبو ويتعثر،فمن غلبته نفسه الأمارة وقارف معصية أو عمل سيئة فليتبعها كفارة وندما واستغفارا ويستتر بستر الله تعالى فعن أبي الشعثاء قال: كان شرحبيل بن السمط على جيش قال: فقال:إنكم نزلتم أرضاً فيها نساء وشراب،فمن أصاب منكم حداً فليأتنا حتى نطهره،فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فكتب إليه : (لا أم لك تأمر قوماً ستر الله عليهم أن يهتكوا ستر الله عليهم) وإياك والمجاهرة والتفوه بقلت وفعلت وصنعت تهاوناً أو تعاظماً أو تفاخراً فقد تعرض نفسك الطرد من عفو الله تعالى ومغفرته قال ﷺ : ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين،وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملاً ثم يصبح قدر ستره ربه فيقول: يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذ ، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه)رواه البخاري ومسلم.
عباد الله..الإسلام لم يفرض على المسلم العصمة والسلامة من المعصية صغيرة كانت أم كبيرة إلا أنه وجهه الطريقة الأسلم والسبيل الأحكم في تعامله مع تقصيره، أو تقصير غيره بعمل الصالحات والحث على ارتداء لباس الستر فقد جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله ! إني عالجت امرأة في أقصى المدينة . وإني أصبت منها ما دون أن أمسها . فأنا هذا . فاقض في ما شئت . فقال له عمر : لقد سترك الله ، لو سترت نفسك . قال فلم يرد النبي ﷺ. فقام الرجل فانطلق . فأتبعه النبي ﷺ رجلا دعاه ، وتلا عليه هذه الآية : (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفى من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) فقال رجل من القوم : يا نبي الله ! هذا له خاصة ؟ قال " بل للناس كافة ". رواه مسلم، وقال ﷺ : (لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) رواه مسلم.واحذر من تتبع العورات وجمع السقطات، وهتك أستار المسلمين بدعوى النصيحة أو بحجة المصلحة فقد قال ﷺ : (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتَّبع الله عورته،ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)رواه أبو داود والمنذري . وقد قيل: من سمع بفاحشة فأفشاها كان فيها كالذي بدأها. أعوذ بالله من الشيطان (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون) أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على خاتم النبيين أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى
عباد الله.. التخلق بخلق الستر وإفشاؤه والتواصي به يطفأ نار الفساد المتأججة في المجتمع ويختفي تحته كثير من أمراض المجتمع ثم لا تنتشر،حيث يُغلَّبُ حسن الظن بالله تعالى وبالناس، فيفضي ذلك إلى المحبة والتعاطف بين الناس وبث روح الجسد الواحد. ومحل الستر هو الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس معروفاً بالأذى والفساد،فأما المعروف بذلك فيستحب ألا يستر عليه لأن الستر على أمثاله يطمعهم في الإيذاء والفساد.
إلا أنه ينبغي -عباد الله- أن لا يغتر العبد بستر الله تعالى عليه وستر الناس فيتمادى في العصيان ومخالفة الرحمن فإن الله تعالى يمهل ولا يهمل ويرسل النذر ليتوب المذنب ويؤب الشارد قبل أن يحل العقاب أو تظهر الفضيحة ،يروى أنهم أتوا إلى عمر رضي الله عنه برجل قد سرق فقال هذا السارق : أستحلفك بالله أن تعفو عني فإنها أول مرة ، فقال عمر رضي الله عنه : كذبت ليست هي المرة الأولى فأراد الرجل أن تثار الظنون حول عمر فقال له : أكنت تعلم الغيب ؟ فقال عمر رضي الله عنه : لا ، ولكني علمت أن الله لا يفضح عبده من أول مرة ، فقطعت يد الرجل فتبعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : أستحلفك بالله أهي أول مرة ؟فقال : والله إنها هي الحادية والعشرون.هذا وصلوا..
المشاهدات 9649 | التعليقات 6
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فجزاكم الله خيرا.
وهذا تنسيق للخطبة مع تصرف وحذف لبعض الأحاديث الضعيفة بالرجوع إلى موقع(الدرر السنية)وإعادة صياغة للفقرة بعد الحذف، فإن كان صواب فمن الله وحده، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والله المستعان.
المرفقات
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/7/1/4/نعمة%20الستر%20-29-1-1433هـ-عمر%20الدهيشي-الملتقى-بتصرف.doc
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/7/1/4/نعمة%20الستر%20-29-1-1433هـ-عمر%20الدهيشي-الملتقى-بتصرف.doc
أخي منصور أشكرك على دعواتك المباركات وأسأل الله لي ولكم التوفيق والتسديد.
أخي (محب لأمة الإسلام) أشكرك على اجتهادك وحرصك ولي بعض الوقفات مع تعليقك واجتهادك:
أولاً: يحرص الخطيب على إيراد أحاديث غير مشهورة بعد أن يتأكد من صحتها ، مع وجود أحاديث أخرى صحيحة صالحة للاستشهاد لأمور: 1/ لظهور الشاهد فيها أكثر من غيرها. 2/لمناسبتها للكلام السابق واللاحق. 3/رغبة في إحياء الأحاديث الصحيحة غير المشتهرة،ففي بعض الاستشهادات لمسائل معينة لا تطرق الآذان إلا أحاديث مكررة يستحضرها المتلقي والمستمع قبل ذكرها.
ثانياً: حديث ابن مسعود وفيه قوله عليه الصلاة والسلام (لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم..)الحديث رواه الإمام أحمد وقال محقق المسند -أحمد شاكر- : إسناده حسن (5/286) وأخرجه أبو داود (4860) والبيهقي في السنن (8/166) والبغوي في شرح السنة (3571) وله شواهد بأسانيد حسان عند أبي داود بلفظ (إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم) من حديث أبي أمامة ، وقوله صلى الله عليه وسلم (إنك إذا اتبعت عورات الناس أفسدتهم)من حديث معاوية رضي الله عنه.
ثالثاً: حديث (إياكم والتعري)رواه الترمذي ح(2800) وحسنه السيوطي في الجامع الصغير (2911) وله شاهد من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وفيه (فالله أحق أن يستحيا منه من الناس) حسنه الترمذي وصححه الحافظ في الفتح.
والخطبة المنبرية ليست محلاً صالحاً للإسهاب في تخريج الحديث ومن حكم عليه بالصحة أو غيرها..
وختاماً.. أشكرك أيها الأخ المحب على حرصك واجتهادك وأسأل الله لي ولكم التوفيق والتسديد في القول والعمل.
ما أجمل هذا النقاش العلمي
شكر الله للمتحاورين
وشكر الله لك يا شيخ عمر على تفاعلك مع الملتقى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فأشكر لكل من رد على ما كتبت.
اﻻختلاف هو ما يميز كل شخص عن اﻵخر وهو سنة ربانية قال تعالى:" وﻻ يزالون مختلفين" ولكن يجمله الحب والود واﻷخوة الصادقة في الله، وما أنا إﻻ كالصدى لما تكتبون، وورقة من شجرتكم المباركة، وما دام اﻷمر كذلك، فلا يضركم أو يضيركم ما أقوم به، ﻷنني حفظت حقكم اﻷدبي بذكر اسمكم أمانة ووفاء ﻷنكم أخي الكاتب اﻷصلي للخطبة، ثم برأتكم من أي خطأ في التغيير بقولي (بتصرف) حماية لجنابكم ورعاية لشخصكم، أو عد ما قمتُ به خطبة جديدة لها مصدر واحد هو خطبتكم المباركة، وأشكر لك توضيحك ﻷخيك الصغير محب، وأشهد الله على محبتكم جميعا والله يتوﻻنا وإياكم بحفظه ورعايته.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاكم الله خيرا
منصور الفرشوطي
خطبة جدا رائعة وفقك الله لكل خير ونفع الله بك الدين ياشيخ عمر
تعديل التعليق