نعمة الامان
محمود الطائي
1434/08/16 - 2013/06/25 21:43PM
عباد الله ... ان الحديث عن نعم الله تعالى ، وكيفية تعامل المسلم معها ، حديث تحبه النفوس المؤمنة، وتطمئن له الأفئدة الشاكرة ، المتعلقة بالمنعم سبحانه، وهذا ديدن الكرماء، فإن الكريم إذا أكرمته ملكته، فكيف وإذا كان المكرم أكرم الأكرمين ، سبحانه وتعالى.
وإن من أجلِّ النعم وأعظمها بل وكثير من النعم تقوم عليها، وتؤدى من خلالها ، هذه النعمة لا يعرف قدرها وعظم شأنها إلا من ذاق مرارة فقدانها .
انها نعمة الأمن والأمان ، واكثر من يعرف هذه النعمة وقيمتها والعيش معها ومن دونها ، نحن ، هذه النعمة العظيمة التي ذكرها الباري سبحانه وتعالى بشأنها في آيات كثيرة وفي مواضع متعددة من كتابه الكريم، حيث جعله سبحانه مطلب ابينا إبراهيم عليه السلام : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ )
فقد جعله الله تعالى صفة دائمة لبيته الحرام فقال: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ) ، وقال سبحانه: ( أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ )
، ولا شكَّ أنه بالأمن تستقر الحياة، ويأمن الناس على حياتهم ، ويستقيم معاشهم، ويأمنوا على أموالهم وأعراضهم ويتوجهون إلى العلم والعمل، والتحصيل والإنتاج في سائر مناحي الحياة، لذلك كله جعل الإسلام الأمن من أهم المقاصد الشرعية التي يسعى إليها، فكان غاية عظمى وهدفًا أسمى، لا يجوز بأي وسيلة من الوسائل خدشه، فضلًا عن التعرض له وزعزعته.
عن سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ ، عَنْ أَبِيهِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)
وقال المناوي رحمه الله :
" يعني : من جمع الله له بين عافية بدنه ، وأمن قلبه حيث توجه ، وكفاف عيشه بقوت يومه ، وسلامة أهله ، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها ، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها ، بأن يصرفها في طاعة المنعم ، لا في معصية ، ولا يفتر عن ذكره .
وقال الحجاج بن يوسف لخريم الناعم : مالنعمة؟ قال : الأمن ، فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش.
وسبحان الله من المحن تأتي المنح والله محنة فقدان الأمن اصبحت منحة لبعض الناس فكم من شارد تائه أعاده فقدان الأمن الى الله جل وعلا ، كم من تارك للصلاة اصبح من روّاد المساجد كم جاهل بكتاب الله اصبح اليوم يعلم كيف يتلو كتاب ربه ويعلمه لغيره ، كم من اناس اعرضوا عن المحرمات بسبب فقدان الامن والامان ، نحن اليوم علمنا قدر هذه النعمة وكل واحد منا يزور بلدا من البلدان اول مايراه هو نعمة الامن عليهم التي لايشعر بها اصحابها
اللهم ارزقنا الامن والامان لبلادنا ولسائر بلاد المسلمين
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
قال العلماء هي مكة كانت آمنة من الغارات مطمئنة لا يحتاج إلى الانتقال عنها لضيق أو خوف يأتيها رزقها رغدا واسعا من كل مكان فكفرت بأنعم الله بما ذا كفرت وماهي نعمة الله كذبت النبي صلى الله عليه وسلم فما كان الجزاء { فأذاقها الله لباس الجوع } فقحطوا سبع سنين { والخوف } بسرايا النبي صلى الله عليه وسلم
فالامن مرهون بشكر النعم فهم كان الاولى بهم ان يؤمنوا بعد نعمة الله عليهم عندما انجا بيته من ابرهة وهم ينظرون ، ولكنهم كذبوا فأذاقهم لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون
( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظالِمُون﴾
فالغرض الرئيس من هذا المثل بيان أن التزام شرع الله هو الأساس الذي تُحفظ به البلاد، وتستقر به المجتمعات، وأن الإعراض عنه يؤدي بها إلى الهلاك والزوال، ومصداق ذلك قوله عز وجل: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} وقوله سبحانه أيضاً: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} ولا يغرنك في هذا الصدد ما تراه من استقرار الأمم، وازدهار الدول التي لا تطبق شرع الله، ولا تقيم له وزناً، فإنها في حقيقة أمرها إنما هي تمر بالمرحلة الأولى التي ذكرت هذا المثل، وهي مرحلة الأمن والطمأنينة؛ لينظر الله ماذا عساها تعمل، وماذا عساها تصنع، والعبرة بالخواتيم والنهايات،
{بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر}
فكم من امة عظيمة اغترت بأمنها وامانها فأتاها العذاب من حيث لم تحتسب وقذف في قلوب اهلها الرعب ، بعد ان جاءتها النذر واقيمت على اهلها الحجة اتاها امر الله ليلا او نهارا فجَعَلْت حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ
( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ )
عباد الله ان الأمن هو حسي ومعنوي
فألأمن المعنوي هو الأمن الحقيقي الدائم الذي لا يخالطه خوف ، قال الله تعالى عن اهل الجنة ( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ما أجمل هذه البشرى، وما ألذّ هذا الوعد، وما أبرده على القلوب المشتاقة إلى نعيم الله،وانت تبشر يوم المحشر بالامن والامان ومن حولك الناس بلغت قلوبهم الحناجر فأي امن اعظم من هذا الامن
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ
اللهم اجعلنا من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا
ولكن كيف ينال هذا الأمن؟ ولمن هو؟ الجواب في قولهتعالى {... فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.
وقد فسّر النبي صلى الله عليه وسلم الظلمالوارد في هذه الآية بأنه الشرك.
وقال ابن سعدي رحمه الله في تفسير الآية: قال الله تعالى فاصلا بين الفريقين، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا}، أي: يخلطوا {إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}،الأمن من المخاوف, والعذاب والشقاء، والهداية إلى الصراط المستقيم فإن كانوا لميلبسوا إيمانهم بظلم مطلقاً لا بشرك ولا بمعاصي؛ حصل لهم الأمن التام والهداية التامة، وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنهم يعملون السيئات؛ حصل لهمأصل الهداية وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها.
بخلاف الأمن الحسي الخالي من الهداية الذي يسعى له المبطلون من دعاة السوء ،فهو ليس بأمن في الحقيقة إذ لم يصاحبه هداية، بلصاحبه قلق رغم توفّر المتاع ، وكثرة النعم ، وزوال موجبات الخوف، فحالهم كحال الذينقال الله فيهم: {وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ
إنهم يعيشون هماً وغمًا لا يدرون كيف يأتي، ولا كيف يذهب، يتجرّعون غصص الذلّ والمهانة، يحسبون كل صيحة عليهم، ترعبهم سطوة الطاغوت .
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ
فأن موجبات الأمان ان نعبد الله على بصيرة وان نستقيم على طريقه ونشكره على نعمه وندعوه بالسراء والضراء ونذكره حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ حين ذلك ننعم بالأمن والامان الحقيقيين في الدنيا والاخرة
وإن من أجلِّ النعم وأعظمها بل وكثير من النعم تقوم عليها، وتؤدى من خلالها ، هذه النعمة لا يعرف قدرها وعظم شأنها إلا من ذاق مرارة فقدانها .
انها نعمة الأمن والأمان ، واكثر من يعرف هذه النعمة وقيمتها والعيش معها ومن دونها ، نحن ، هذه النعمة العظيمة التي ذكرها الباري سبحانه وتعالى بشأنها في آيات كثيرة وفي مواضع متعددة من كتابه الكريم، حيث جعله سبحانه مطلب ابينا إبراهيم عليه السلام : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ )
فقد جعله الله تعالى صفة دائمة لبيته الحرام فقال: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ) ، وقال سبحانه: ( أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ )
، ولا شكَّ أنه بالأمن تستقر الحياة، ويأمن الناس على حياتهم ، ويستقيم معاشهم، ويأمنوا على أموالهم وأعراضهم ويتوجهون إلى العلم والعمل، والتحصيل والإنتاج في سائر مناحي الحياة، لذلك كله جعل الإسلام الأمن من أهم المقاصد الشرعية التي يسعى إليها، فكان غاية عظمى وهدفًا أسمى، لا يجوز بأي وسيلة من الوسائل خدشه، فضلًا عن التعرض له وزعزعته.
عن سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ ، عَنْ أَبِيهِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)
وقال المناوي رحمه الله :
" يعني : من جمع الله له بين عافية بدنه ، وأمن قلبه حيث توجه ، وكفاف عيشه بقوت يومه ، وسلامة أهله ، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها ، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها ، بأن يصرفها في طاعة المنعم ، لا في معصية ، ولا يفتر عن ذكره .
وقال الحجاج بن يوسف لخريم الناعم : مالنعمة؟ قال : الأمن ، فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش.
وسبحان الله من المحن تأتي المنح والله محنة فقدان الأمن اصبحت منحة لبعض الناس فكم من شارد تائه أعاده فقدان الأمن الى الله جل وعلا ، كم من تارك للصلاة اصبح من روّاد المساجد كم جاهل بكتاب الله اصبح اليوم يعلم كيف يتلو كتاب ربه ويعلمه لغيره ، كم من اناس اعرضوا عن المحرمات بسبب فقدان الامن والامان ، نحن اليوم علمنا قدر هذه النعمة وكل واحد منا يزور بلدا من البلدان اول مايراه هو نعمة الامن عليهم التي لايشعر بها اصحابها
اللهم ارزقنا الامن والامان لبلادنا ولسائر بلاد المسلمين
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
قال العلماء هي مكة كانت آمنة من الغارات مطمئنة لا يحتاج إلى الانتقال عنها لضيق أو خوف يأتيها رزقها رغدا واسعا من كل مكان فكفرت بأنعم الله بما ذا كفرت وماهي نعمة الله كذبت النبي صلى الله عليه وسلم فما كان الجزاء { فأذاقها الله لباس الجوع } فقحطوا سبع سنين { والخوف } بسرايا النبي صلى الله عليه وسلم
فالامن مرهون بشكر النعم فهم كان الاولى بهم ان يؤمنوا بعد نعمة الله عليهم عندما انجا بيته من ابرهة وهم ينظرون ، ولكنهم كذبوا فأذاقهم لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون
( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظالِمُون﴾
فالغرض الرئيس من هذا المثل بيان أن التزام شرع الله هو الأساس الذي تُحفظ به البلاد، وتستقر به المجتمعات، وأن الإعراض عنه يؤدي بها إلى الهلاك والزوال، ومصداق ذلك قوله عز وجل: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} وقوله سبحانه أيضاً: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} ولا يغرنك في هذا الصدد ما تراه من استقرار الأمم، وازدهار الدول التي لا تطبق شرع الله، ولا تقيم له وزناً، فإنها في حقيقة أمرها إنما هي تمر بالمرحلة الأولى التي ذكرت هذا المثل، وهي مرحلة الأمن والطمأنينة؛ لينظر الله ماذا عساها تعمل، وماذا عساها تصنع، والعبرة بالخواتيم والنهايات،
{بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر}
فكم من امة عظيمة اغترت بأمنها وامانها فأتاها العذاب من حيث لم تحتسب وقذف في قلوب اهلها الرعب ، بعد ان جاءتها النذر واقيمت على اهلها الحجة اتاها امر الله ليلا او نهارا فجَعَلْت حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ
( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ )
عباد الله ان الأمن هو حسي ومعنوي
فألأمن المعنوي هو الأمن الحقيقي الدائم الذي لا يخالطه خوف ، قال الله تعالى عن اهل الجنة ( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ما أجمل هذه البشرى، وما ألذّ هذا الوعد، وما أبرده على القلوب المشتاقة إلى نعيم الله،وانت تبشر يوم المحشر بالامن والامان ومن حولك الناس بلغت قلوبهم الحناجر فأي امن اعظم من هذا الامن
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ
اللهم اجعلنا من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا
ولكن كيف ينال هذا الأمن؟ ولمن هو؟ الجواب في قولهتعالى {... فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.
وقد فسّر النبي صلى الله عليه وسلم الظلمالوارد في هذه الآية بأنه الشرك.
وقال ابن سعدي رحمه الله في تفسير الآية: قال الله تعالى فاصلا بين الفريقين، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا}، أي: يخلطوا {إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}،الأمن من المخاوف, والعذاب والشقاء، والهداية إلى الصراط المستقيم فإن كانوا لميلبسوا إيمانهم بظلم مطلقاً لا بشرك ولا بمعاصي؛ حصل لهم الأمن التام والهداية التامة، وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنهم يعملون السيئات؛ حصل لهمأصل الهداية وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها.
بخلاف الأمن الحسي الخالي من الهداية الذي يسعى له المبطلون من دعاة السوء ،فهو ليس بأمن في الحقيقة إذ لم يصاحبه هداية، بلصاحبه قلق رغم توفّر المتاع ، وكثرة النعم ، وزوال موجبات الخوف، فحالهم كحال الذينقال الله فيهم: {وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ
إنهم يعيشون هماً وغمًا لا يدرون كيف يأتي، ولا كيف يذهب، يتجرّعون غصص الذلّ والمهانة، يحسبون كل صيحة عليهم، ترعبهم سطوة الطاغوت .
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ
فأن موجبات الأمان ان نعبد الله على بصيرة وان نستقيم على طريقه ونشكره على نعمه وندعوه بالسراء والضراء ونذكره حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ حين ذلك ننعم بالأمن والامان الحقيقيين في الدنيا والاخرة
رشيد بن ابراهيم بوعافية
جزاك الله كل خير . حقًّا الأمن والأمان نعمةٌ من الله وقُودُها الشُّكر على أوسع ما تدلُّ عليه الكلمة من معاني بالقلب واللسان و الجارحة ! . شكر الله لك :
تعديل التعليق