نعمة الأمن

محمد بن إبراهيم النعيم
1439/01/01 - 2017/09/21 20:03PM

الخطبة الأولى

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فإن نعم الله على الخلق كثيرة لا تعد ولا تحصى، قال تعالى ) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار(.

 وإن أعظم تلكم النعم وأشملها نفعا بعد الإيمان: نعمة الأمن؛ التي هي ضرورة من ضرورات الحياة، لا تستقيم الحياة إلا بوجوده.

 ولقد جاء ذكر الأمن في القرآن الكريم مقرونا بالطعام الذي لا حياة للإنسان ولا بقاء له بدونه وذلك في معرض امتنانه جلَّ وعلا على عباده؛ حيث قال في سورة قريش ) فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف(.  

فتأملوا كيف جعل الله عز وجل الأمن ضمن المنن التي امتن بها على عباده؛ لعلمه الكامل سبحانه وتعالى بعظم شأنه وضرورة الناس إليه، فلن يتمتع معافى بعافية وهو غير آمن، ولن ينعم آكل طعام بطعامه وهو غير آمن، ولن تنام عين غير آمنة.

 ففي رحاب الأمن وظله يأمن الناس على أنفسهم ودينهم وأعراضهم وأموالهم، فهو أصل من أصول الحياة البشرية وضرورة من ضرورياته.

لمّا أكمل خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بناء بيت الله الحرام، سأل الله عز وجل أن يحل الأمن في هذا البلد فقال )رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات( [البقرة: 126]. فتأملوا في هذه الدعوة حيث دعا لأهل البيت بأمرين: أن يجعله آمنا، وأن يرزقهم من الثمرات، فبدأ بالأمن قبل كل شيء؛ لأن الأمن إذا تحقق حصل به الخير كله؛ ولذلك عندما استتب الأمن في البلد الحرام ذَّكر الله عز وجل أهل قريش بهذه النعمة؛ ليشكروه عليها وليعبدوه في ظلالها فقال تعالى )أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه من كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون( [القصص: 57].

ولقد كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بصفته ولي المسلمين وحاكمهم يسأل الله عز وجل أن يحل الأمن في ديار المسلمين، حيث ثبت عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا رأى الهلال قال: "اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام هلال خير ورشد، ربي وربك الله".

 فانظر كيف قدم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الأمن قبل الإيمان للدلالة على أهمية هذه النعمة في حياة الناس أجمعين؛ ولذلك ثبت عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" رواه الترمذي.

 

ولقد عني الإسلام أشد العناية باستتباب الأمن في المجتمعات التي يحكمها، فشرع الأوامر والنواهي، وشرع الحدود والتعزيرات الرادعة؛ ليأمن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.

ولذلك كان من المهام الأساسية لولي أمر المسلمين توفير الضرورات الخمس لرعاياه، وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

 ولقد شدد الإسلام على إثم قتل النفس بغير حق، واعتبر ذلك من أكبر الكبائر، حيث روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-  قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" رواه الترمذي والنسائي.

كما أن من دخل من غير المسلمين في ديار المسلمين بإذن الإمام ضمن له الإمام هذه الضرورات الخمس؛ لذلك جاء الشرع بالنهي عن ظلم الذمي الذي يعيش في ديار المسلمين، حيث قال –صلى الله عليه وسلم-  :" ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة" رواه أبو داود.

 ويوم قامت بلادنا بتحكيم الشريعة الإسلامية أمن كافة الناس على حقوقهم، وأصبحت هذه الديار محط أنظار العالم وحلمهم للعيش فيها ولله الحمد.

أيها الأخوة في الله: إن المرء إذا ابتعد عن العلم الصحيح وعن العلماء الراسخين ولم يتبين له رؤية واضحة فقد يختلط عليه الصواب بالخطأ والحق بالباطل وسوء الاستدلال بالنصوص الشرعية ليوظفها حسب هواه، وهذا ما وقع فيه بعض عناصر الفئة الضالة ممن حمل أفكارا تكفيرية استقاها وتعلمها من الشبكة العنكبوتية – الإنترنت- وما أداركم ما الإنترنت.

لقد انتشر استخدام الإنترنت في أوساط الناس، بل استخدمها الصغير والكبير، والجاهل والمتعلم، فمن الناس من أحسن استخدام هذه التقنية، وسخرها في طلب العلم والتزود من المعرفة والتسلية البريئة، ومن الناس من أساء استخدامها وجعلها وسيلة لإفساد عقله ودينه من حيث لا يشعر.

ومن مخاطر هذه التقنية  الحضارية أقصد شبكة الإنترنت أنها حطمت كل الضوابط والحواجز الموضوعة لحماية العقائد والثقافات والقيم، فقد غزت الأوطان والدور، وفتحت كل الأبواب لطغيان ثقافات وافدة وعادات فاسدة، فأصبحت هذه الشبكة عالم المسموح والممكن، فبإمكان المرء أن يفعل ويشاهد ما يشاء وقت ما يشاء وكيفما يشاء.

ولقد أدمن كثير من الناس على مقابلة شاشة الإنترنت لساعات طوال كل يوم، يقلب ناظريه في شتى المواقع التي فيها الغث والسمين، وبات الكثير يستقي منها ثقافته الدينية فاستغنى بزعمه عن سؤال العلماء ولم يتثبت مما يكتب في تلك المواقع المشبوهة.

والمشكلة الأخرى، أن كثيرا من الآباء لا يعرف خطر هذه الشبكة وأثرها السلبي على الناشئة، فهي تزخر بمواقع تروج للعقائد الباطلة والأفكار المضللة والمواقع الجنسية التي تدعو إلى الرذيلة، وبمواقع تعلم كيفية إثارة القلاقل وصناعة القنابل.

ولقد نشرت في بعض الجرائد بأن عدد المواقع الإلكترونية التي تنشر الفكر التكفيري أكثر من ألف موقع، كلها تصدّر الفكر التكفيري من أقصى الدنيا إلى أقصاها، وكثير من هذه المواقع تثير الفتنة وترغب في المنهج التكفيري، وذلك من خلال الطعن في العلماء والتشكيك في الثوابت وإثارة العواطف باستخدام صور من معاناة المسلمين لإقناع المتلقي بأن الحل يكمن في التكفير والتفجير وتأييد أعمال الفئة الضالة في الداخل والخارج.

وقد أفاد العديد ممن وقع في يد رجال الأمن من الفئة الضالة أنهم تلقوا أفكارهم وسعوا لبثها عن طريق شبكة الإنترنت.

فلذلك ينبغي على الآباء مراقبة أبنائهم، فإذا كان العلماء يحذرون من الصحبة السيئة وأن الصاحب ساحب، فإن شبكة الإنترنت هي من أقوى العوامل المؤثرة على أخلاق أبنائنا وأفكارهم، فلننتقي لهم المواقع المباحة وغير المضرة، ولنراقب تلك المواقع كي نبقى آمنين في دورنا وأوطاننا.

فإذا لم تتظافر الجهود في محاربة كل ما من شأنه الإضرار بمصالح المسلمين، ومحاربة الأفكار الدخيلة على تعاليم الإسلام، فلن ننعم بعبادة ولن ننعم بأمن، ومتى اختل الأمن في بلد فلن يستفاد من طاقاته وثرواته ولا جامعاته.

نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا أمننا واستقرارنا وأن يكبت عدونا. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ولي المتقين أحمده حمد الشاكرين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين  والآخرين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله بعثه رحمة للعالمين صلى الله  وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى أصحابه  الغر الميامين والتابعين ومن تبعتهم بإحسان إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم تكونوا من المفلحين.

 أيها الأخوة في الله

 إن الأمن في الوطن نعمة من الله عظمى، ذكّر الله بها عباده، فهي من أجلّ نعم الله على عباده بعد نعمة الإسلام، فلذا يجب أن نكون يدا واحدة على كل مجرم أثيم يحاول خلخلة هذا الأمن وينشر الفوضى في المجتمع.

فالأمن نعمة كبرى ومنة من الله عظمى، إذا اختفت أو فقدت فسدت الحياة، وشقيت الأمم وساءت الأحوال وتغيرت النعم بأضدادها، فحل الخوف بدل الأمن، والجوع بدل رغد العيش، والفوضى بدل اجتماع الكلمة، والظلم والعدوان بدل العدل والرحمة.

 وإذا أردتم التأكد من صدق ذلك فانظروا إلى العراق ما حل بها، وكيف انتكس حال أهلها ودب الذعر في أوساط الناس وانعدم الأمن فيهم، فبات الرجل لا يأمن على نفسه ولا عرضه ولا ممتلكاته، يبحث عن سلاح ليدافع به عن نفسه.

فشكر الله على نعمة هذا الأمن يكون بالدوام على الطاعات والبعد عن المحرمات، فإن الله قد منّ على بلادنا بنعمة الأمن حتى صارت مضرب الأمثال بين الدول في الأمن والاستقرار، وأن من يحاول أن يعبث بأمن هذه البلاد واستقرارها يسيء إلى نفسه والى دينه، ويساهم من حيث يدري أو لا يدري إلى إجهاض النشاطات الدعوية في كافة بلاد العالم، ويزيد أصابع الاتهام نحو الإسلام وأهله بوصف الإسلام والتمسك به هو محضن لتيارات متطرفة، وهدفهم في ذلك هو نفي الإسلام عن مركز التوجيه وإبعاده عن التأثير في صناعة القرار، واستئصاله من مناهج التعليم ومؤسساته ليصبح شأنا خاصا بين العبد وربه.

أيها الأخوة في الله

 يجب علينا تجنب الخلط بين الإسلام الحق ومفاهيم التنطع والغلو، فلا يؤخذ الصالحون بجريرة الغالين والمتنطعين، يجب التفريق بين القلة الشاذة والسواد الأعظم المستقيم.

إن مواجهو الغلو وأهله من أصحاب الفكر المنحرف لا تكون بالتنفير من الدين وأهله، وإخراج أهل الصلاح بصورة منفّرة كما يفعل أهل الفكر العلماني في حواراتهم الصحفية.

نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين.

اللهم إنا نعوذ بك من كل عمل يخزينا ومن كل أمل يلهينا ومن كل فقر ينسينا ومن كل غنى يطغينا. اللهم أعز هذا الدين وسنة نبيك الأمين وعبادك الصالحين. اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا محاربته واجتنابه. اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك. اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. اللهم أشغل أوقاتنا بطاعتك واصرفنا عن معصيتك. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين كيدا فاجعل كيده في نحره. اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرج المسلمين منهم سالمين. اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان اللهم كن معهم ولا تكن عليهم وانصرهم على من بغى عليهم. ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

                                       

                                                                   15/7/1429هـ

 

المشاهدات 1034 | التعليقات 0