نِعْمَةُ الأَمْنِ وَالاسْتِقَرَارِ 17 شَوَّال 1445هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1445/10/15 - 2024/04/24 19:42PM

الْحَمْدُ لِلَّـهِ الْمَلِكِ الْحَقِّ المُبِينِ؛ خَالِقِ الْخَلْقِ، وَمَالِكِ الْمُلْكِ، وَمُدَبِّرِ الْأَمْرِ، لَا يَقَعُ شَيْءٌ إِلَّا بِعِلْمِهِ، وَلَا يُقْضَى شَأْنٌ إِلَّا بِحُكْمِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ دَلَّنَا عَلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَحَذَّرَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَعَلَّمَنَا أَحْكَامَ الدِّينِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَالْزَمُوا عِبَادَتَهُ، وَاحْذَرُوا مَعْصِيَتَهُ، وَاصْبِرُوا عَلَى ابْتِلَائِهِ، وَتَعَوَّذُوا بِهِ مِنَ الْفِتَنِ، ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا، وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَنَا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ وُقُوعِ الْفِتَنِ الَّتِي تَشْغَلُ عَنِ الْعَمَلِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدِ امْتَنَّ عَلَى قُرَيْشٍ بِنِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقَابِلُوا تِلْكَ النِّعْمَةَ بِعِبَادَةِ الْمُنْعِمِ بِهَا، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}، فالْأَمْنُ وَالِاسْتِقْرَارُ ضَرُورَتَانِ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَيَاةِ، تَصْلُحُ بِهِمَا الْأَحْوَالُ، وَيَنْمُو الْعُمْرَانُ، وَتُقَامُ الشَّعَائِرُ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَجِدُ هَنَاءً فِي عَيْشِهِ، وَطُمَأْنِينَةً فِي نَفْسِهِ إِلَّا بِأَمْنٍ وَاسْتِقْرَارٍ؛ فَالْخَوْفُ يُنَغِّصُ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ، وَالِاضْطِرَابُ وَالتَّشْرِيدُ يَسْلُبُهُ مُقَوِّمَاتِ عَيْشِهِ.

إِنَّ بِالْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ تُعْمَرُ الْأَرْضُ، وَيُقَامُ فِيهَا دِينُ اللَّـهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ الَّتِي تُسَبِّبُ الْخَوْفَ وَالِاضْطِرَابَ، وَتَسْلُبُ الْأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ؛ تَحُولُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الْعِبَادَةِ، وَتُمَكِّنُ لِلْكُفْرِ وَأَهْلِهِ فِي الْأَرْضِ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّـهِ﴾،  وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَتَاهُ رَجُلاَنِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا: إِنَّ النَّاسَ صَنَعُوا وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ، وَصَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ : يَمْنَعُنِي أَنَّ اللهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي، فَقَالَا: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾، فَقَالَ: قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَكَانَ الدِّينُ لِلَّـهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّـهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ الْأَمْنَ فِي الْأَوْطَانِ وَالصِّحَّةِ فِي الْأَبْدَانِ نِعْمَةٌ لا يُقَدِّرُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَلَنْ يُحِسُّوا بِهَا حَقًّا إِلَّا إِذَا فَقَدُوهَا، عَن عبيدِ الله بنِ مِحْصَن رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ.

إِنَّ قُوَّةَ الدَّوْلَةِ قُوَّةٌ لِشَعْبِهَا وَاسْتِقْرَارٌ لِحَيَاتِهِمْ، وَضَعْفُ الدَّوْلَةِ وَعَدَمُ أَمْنِهَا ضَيَاعٌ لِلنَّاسِ، وَالشَّوَاهِدُ عَنَّا لَيْسَتْ بِبَعِيدٍ، فبِالْأَمْنِ تُقَامُ الشَّعَائِرُ، وَتُعْمَرُ المَسَاجِدُ، وَيَأْمَنُ السَّبِيلُ؛ وَكُتُبُ التَّارِيخِ مَمْلُوءَةٌ بِأَخْبَارِ تَعَطُّلِ المَسَاجِدِ بِسَبَبِ الْفِتَنِ الَّتِي أُشْعِلَتْ بَيْنَ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَلمَّا دَخَلَ التَّتَرُ بَغْدَادَ فَأَثَارُوا فِيهَا الرُّعْبَ وَالْهَلَعَ، وَأَعْمَلُوا السُّيُوفَ فِي أَهْلِهَا تَعَطَّلَتِ الْجُمَعُ وَالْجَمَاعَاتُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.

فَبِالْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ يَزْدَهِرُ الْعُمْرَانُ، وَتُبْدِعُ الْعُقُولُ، وَتَنْتَشِرُ المَعَارِفُ وَالْعُلُومُ، وَأَقْوَى سَبَبٍ يُعِيقُ ذَلِكَ وَيُوقِفُهُ الْخَوْفُ وَالِاضْطِرَابُ؛ لِأَنَّ الْعُقُولَ المُبْدِعَةَ، وَالْأَيَادِيَ النَّاجِحَةَ تُفَارِقُ الْبُلْدَانَ المُضْطَرِبَةَ إِلَى حَيْثُ الْأَمْنُ وَالِاسْتِقْرَارُ، فَلَا يَبْقَى إِلَّا أَهْلُ الْحَرْبِ يُثِيرُونَ الذُّعْرَ فِي النَّاسِ.

وَكَانَ مِنْ مَكْرِ المُسْتَعْمِرِينَ لِبِلَادِ المسْلِمِينَ أَنَّهُمْ أَشْعَلُوا الْخِلَافَاتِ وأَذَكَوُا النِّزَاعَ بَيْنَهُمْ، فَاسْتَغَلُّوا الْخِلَافَ المَذْهَبِيَّ أَوِ الِاخْتِلَافَ الْعِرْقِيَّ لِإِثَارَةِ الْفِتَنِ، وَنَشْرِ الِاضْطِرَابَاتِ، وَمُصَادَرَةِ الْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ.  

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ أَمْنَنَا فِي هَذِهِ البِلَادِ مُسْتَهْدَفٌ مِنْ قِبَلِ الْكُفَّارِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَصَارَى، أَوِ الْفرَقِ الضَّالَّةِ مِنَ الرَّوَافِضِ وَشِبْهِهِمْ أَوْ مِنَ الْجَمَاعَاتِ الْحِزْبِيَّةِ التِي تَعْمَلُ لِصَالِحِ الْغَرْبِ وَالشَّرْقِ لِزَعْزَعَةِ بِلادِنَا، وَإِثَارَةِ الْفِتَنِ وَالنِّزَاعَاتِ، وَإِنَّ مِنْ طُرُقُهِمْ إِثَارَةَ الْحِقْدِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ، وَالتَّشْكِيكِ فِي الْعُلَمَاءِ الْمُخْلِصِينَ، بِأَنَّهُمْ عُلَمَاءُ سَلاطِينَ أَوْ يُفْتُونَ لِلْحَاكِمِ بِمَا يُرِيدُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الدِّعَايَاتِ الْمُغْرِضَةِ التِي هَدَفُهَا هَدْمُ الاسْتِقْرَارِ وَزَعْزَعَةُ الْبِلَادِ، لِيَسْهُلَ عَلَى الْمُحْتَلِّ الغَاشِمِ وَالعَدُوِّ الْقَرِيبِ الْجِاثَمِ السَّيْطَرَةُ عَلَى بِلَادِنَا وَنَهْبِ خَيْرَاتِنَا، فَهَلْ نَحْنُ وَاعُونَ لِمَا يُرَادَ بِنَا ؟

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِوُلاةِ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ، قَلَّ أَنْ يَخْلُوَ كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ الْعَقِيدَةِ مِنْ تَقْرِيرِهِ وَشَرْحِهِ وَبَيَانِهِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِبَالِغِ أَهَمِّيَّتِهِ وَعَظِيمِ شَأْنِهِ، إِذْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُمْ تَنْتَظِمُ مَصَالِحُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَعاً، وَبِالافْتِيَاتِ عَلَيْهِمْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا فَسَادُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.

وَقَدْ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الإِسْلامِ أَنُّهُ لا دِينَ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ وَلا جَمَاعَةَ إِلَّا بِإِمَامَةٍ، وَلا إِمَامَةَ إِلَّا بِسَمْعٍ وَطَاعَة، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ احْتِرَامٌ وَتَقْدِير، وَسَمْعٌ وَطَاعَةٌ، فَمَا الْهَدَفُ إِذَنْ مِنْ تَوْلِيَتِه؟

يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الأُمَرَاءِ: هُمْ يَلُونَ مِنْ أُمُورِنَا خَمْساً: الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ وَالْعِيدَ وَالثُّغُورَ وَالْحُدُودَ، وَاللهِ لا يَسْتَقِيمُ الدُّينُ إِلَّا بِهِمْ وَإِنْ جَارُوا وَظَلَمُوا، وَاللهِ لَمَا يُصْلِحُ اللهُ بِهِمْ أَكْثَرُ مِمَّا يُفْسِدُونَ، مَعَ أَنَّ طَاعَتَهُمْ وَاللهِ لِغِبْطَةٌ وَإِنَّ فُرْقَتَهُمْ لَكُفْرٌ ا.هـ.

وَلَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ يُولُونَ هَذَا الأَمْرَ اهْتِمَامًا خَاصًّا، لا سِيِّمَا عِنْدَ ظُهُورِ بَوَادِرِ الْفِتْنَةِ، نَظَرًا لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْجَهْلِ بِهِ أَوْ إِغْفَالِهِ مِنَ الْفَسَادِ الْعَرِيضِ فِي الْعِبَادِ وَالْبِلادِ، وَالْعُدُولِ عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى وَالرَّشَاد.

وَاهْتِمَامُ السَّلَفِ بِهَذَا الأَمْرِ تَحْمِلُهُ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ نُقِلَتْ إِلَيْنَا عَنْهُمْ، مِنْ أَبْلَغِهَا وَأَجَلِّهَا مَا قَامَ بِهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ رَحِمَهُ اللهُ، حَيْثَ كَانَ مِثَالًا لِلسُّنَّةِ فِي مُعَامَلَةِ الْوُلاةِ .

فَفِي عَصْرِهِ تَبَنَّى الْوُلاةُ أَحَدَ الْمَذَاهِبِ الْفِكْرِيَّةِ السَّيِّئَةِ، وَحَمَلُوا النَّاسَ عَلَيْهِ بِالْقُوَّةِ وَالسَّيْفِ، وَأُرِيقَتْ دِمَاءُ جَمٍّ غَفِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِسَبَبِ ذَلِكَ ، وَفُرِضَ الْقَوْلُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَلَى الأُمَّةِ وَقُرِّرَ ذَلِكَ فِي كَتَاتِيبِ الصِّبْيَانِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الطَّامَّاتِ وَالْعَظَائِمِ، وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَالإِمَامُ أَحْمَدُ لا يَنْزَعُهُ هَوَى وَلا تَسْتَجِيشُهُ الْعَوَاطِفُ، بَلْ ثَبَتَ  عَلَى السُّنَّةِ، لِأَنَّهَا خَيْرٌ وَأَهْدَى، فَأَمَرَ بِطَاعَةِ وَلِىِّ الأَمْرِ وَجَمَعَ الْعَامَّةَ عَلَيْهِ، وَوقَفَ كَالْجَبَلِ الشَّامِخِ فِي وَجْهِ مَنْ أَرَادَ مُخَالَفَةَ الْمَنْهَجِ النَّبَوِيِّ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفُرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتُّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاحْذَرُوا الْفِتَنَ التِي إِذَا حَلَّتْ عَصَفَتْ بِالْبِلادِ وَالْعِبَادِ.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ مُقَوِّمَاتِ الْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ لُزُومَ الْجَمَاعَةِ، وَالنَّهْيُ عَنْ شَقِّ عَصَا المُسْلِمِينَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا أَخْبَرَ عَنْ زَمَنِ الْفِتَنِ، وَكَثْرَةِ دُعَاةِ جَهَنَّمَ، سَأَلَهُ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَمَّا يَفْعَلُ إِنْ أَدْرَكَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا) قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ (أَدُّوا إِلَيْهِم حَقهم وسلوا الله حقكم)، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

حَمَى اللهُ تَعَالَى بِلَادَنَا وَبِلَادَ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ، وَأَدَامَ عَلَيْنَا وَعَلَى المُسْلِمِينَ الْأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْالُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي الدِّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْالُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِنِا وِدُنْيَانَا وَأَهَالِينَا وَأَمْوَالِنَا، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنْ بَينِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شِمَائِلِنَا وَمِنْ فَوْقِنَا، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا، اللَّهُمَّ إنا نَعَوذُ بِكِ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاء، اللَّهُمَّ إنا نَعَوذُ بك مِنْ زَوالِ نِعمتِك وتَحوُّلِ عَافِيتِك وفُجْأَةِ نِقمَتِك وجَميعِ سَخطِكِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ احْفَظْ إِمَامَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ، وَسَدِّدْ خُطَاهُمَا وَأَصْلِحَ بِطَانَتَهُمْ وَأَعْوَانَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

المرفقات

1713976954_نِعْمَةُ الأَمْنِ وَالاسْتِقَرَارِ 17 شوال 1445هـ.pdf

المشاهدات 3444 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا