نعمة الأمن باجتماع الكلمة وطاعة ولي الأمر

الحمد لله الذي بنِعْمَتِهِ كَثَّرَنا بعدَ القِلَّة، وأغنَانا بعدَ العَيْلَة، وجَمَعَنا بعدَ الفُرْقَة، وقوَّانَا بعدَ الضَّعْف، وآمَنَنا بعدَ الخَوْف، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِراً. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. إخوة الإيمان والعقيدة ... يقول الله U ]وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ[ إن المتأمل لدعاء أبينا إبراهيم عليه السلام يجعله يقف مع الترتيب اللفظي لدعائه مبهوراً، ذلك أن نعمة الأمن من أعظم نعم الله التي يجب أن نذكرها ونُذكِّر بها، وهي أعظم من نعمة الرزق؛ ولذلك قُدمت عليها في دعاء إبراهيم عليه السلام. ونعمة الأمن كذلك أعظم من نعمة الصحة، ذلك أن المرض ألم جسدي يجد الإنسان معه من يداويه ويطعمه ويواسيه فيَصِحُ بإذن الله، أما من فقد الأمن فلا طعم مع فقده لطعام يأكله، أو شربة يشربها وهو متوجسٌ قلِقٌ من قصف، أو خائفٌ من مداهمة، أو مذعورٌ من مطاردة، أو ملهوفٌ ضاع ماله وأهله، وأي لذة لخائف في غفوة نوم يغفوها تتخللها يقظة وسْنَانٍ هلع، وأي علم وتعليم يكون وسط أجواء محفوفة بالمخاطر ينتفع به. فلا حياة هنية لمن فقد الأمن واستولى عليه الخوف، فالضرر الحاصل من الخوف أشد من الضرر الحاصل من فقد الرزق وألم الجَسَد. أيها الإخوة: إن وقفات التأمل والمراجعة للواقع الذي نعيشه من النعم المتعددة مقروناً بالتأمل بما صح عن النبي ﷺ يجعل المسلم يعرف أسرارها، ويستضيء بأنوارها، فتنشرح نفسه، وتحلوا الحياة بعينيه، ويتفتق بيانه بآيات الحمد والثناء على المنعم المنان بما أعطى من نعم لا حدود لها، قال رسول الله ﷺ (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها). إنها كلماتٌ يسيرة، حوت معنى الحياة الحقة، والاستقرار الدائم، بل إنها كلمات ترسم للمرء صورة الحياة بكل تفاصيلها.. حلوها ومرها.. وسهلها وصعبها، فماذا في الدنيا ينشده الإنسان أكثر من مأوى آمن، وعافية في البدن، وتوفر في القوت يسد الجوعة، فمن اجتمعت له تلك الثلاث حاز الدنيا كلها بين يديه بمتعها. أمن المرء في سربه أيها الأحبة: مطلبُ الفرد والمجتمعات على حدِّ سواء، وهو الهدف المرتقب لكل المجتمعات بلا استثناء على اختلاف مشاربه، فما قيمة حياة يتوجس فيها الفرد ويخاف من أن يكون عُرضة لنهبِ الناهبين، وجشعِ الطامعين، يتوجس في الصباح الدوائر، ويبيت الليل مشغول الخاطر، إذا أصبح حمل همّ المساء، وإذا أمسى حمل همّ الصباح. إن إصباح المرء المسلم آمنًا في سربه لهو من أوائل بشائر يومه وغده، وما صحّة البدن وقُوت اليوم إلا مرحلة تالية لأمنه في نفسه ومجتمعه، ولأجل هذا كان لزاماً علينا أن نقدر حقيقة الأمن الذي نعيشه، وأن نستحضره نصب أعيننا بين الحين والآخر، حتى لا نكون مع كثرة الإمساس له فاقدي الإحساس به، ولاسيما حينما نطالع يمنةً ويسرة لنرى بعض الأقطار الملتهبة بالصراع، والتي يطحن بعضها بعضاً من داخلها، أو بما هو أدهى وأمر من خلال سطوة البغاة عليها واجتياح العدوان المسلّح لها، استباحةً لأرضها، وقطعاً لحرماتها. اللهم احفظ بلادنا بحفظك واجمع كلمتنا ووحد صفوفنا، تحت قيادتنا، واكفنا شر الفرقة إنك جواد كريم.. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا.   الحمد لله رب العالمين ... معاشر المؤمنين ... اتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن نعمة الأمن الذي نعيشه، ووحدة الصف التي تسود بلادنا، واجتماع الكلمة تحت قيادة واحدة، هو بفضل الله تعالى أولاً، ثم هو نتيجة لتحقيق عبادة الله تعالى وتوحيده، والسمع والطاعة لولي الأمر الشرعي، وله آثار كثيرة، وتأتي في سلسلة آثار الالتزام بالشرع، عقيدة وسلوكاً، ومن أبرز ذلك. ما ذكره سماحة المفتي حفظة الله بأن لاجتماع الكلمة والسمع والطاعة لولي الأمر فوائد كثيرة عظيمة ذكر منها: أنها سبب للخلوص من الفتن والمصائب، ولما أخبر النبي ﷺ عن الشر الذي يقع في آخر الزمان؛ قال آمراً أحد أصحابه (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ). ومنها حصول بركة الخير بالاجتماع يقول الله تعالى ]وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ[ ويخاطب النبي ﷺ الأنصار، فيقول لهم (أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَمُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي) ومن آثار الاجتماع على ولي واحد.. قوة المؤمنين، ورعب عدوهم منهم، فإن الأمة إذا اجتمعت كانت قوة لا تغلب، وإذا نظر الأعداء إليها فوجدوها قوة متماسكة منتظمة، بعضها يشد أزر بعض، ويقوي بعضها بعضا، ويعين بعضها بعضا، وينصح بعضها بعضا، وأصبحت قوة لا تغلب، فتتحقق القوة للدولة فلا يتمكن منها الأعداء، نغيض بإذن الله عدو الله إبليس الذي يسبب التحريش بيننا. حَمَى اللَّهُ بِلَادَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَوَفَّقَ وُلَاتَنَا لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، وَجَعَلَهُمْ مَعَاوِلَ حَقٍّ تَهْدِمُ بَنْيَانَ الْبَاطِلِ، وَمَنَارَاتِ هُدًى تُطْفِئُ ظُلُمَاتِ الْبَاطِلِ. هَذَا، وَصَلُّوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى الْهَادِي الْبَشِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ قَوْلاً كَرِيمًا ]إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[.
المرفقات

1631845397_نعمة الأمن باجتماع الكلمة وطاعة ولي الأمر.docx

1631845402_نعمة الأمن باجتماع الكلمة وطاعة ولي الأمر.pdf

المشاهدات 894 | التعليقات 0