نظرة فاحصة لموسم الحج بعد تمامه.
عبد الله بن علي الطريف
1436/12/19 - 2015/10/02 04:29AM
نظرة فاحصة لموسم الحج بعد تمامه.18/12/1436هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] أيها الإخوة: لقد ودعنا موسماً من مواسمِ الخير عظيم.. موسمٌ زاخرٌ بالفرص مليءٌ بالمنح.. وهكذا سنةُ الله في خلقه يمنحُ الفرصَ ويزجى المنحَ وينوعها: فمنها ما هو سنوي، ومنها ما هو أسبوعي، ومنها ما هو يومي، ومنها الطويل ومنها القصير وهكذا يصرف اللهُ تعالى الكونَ ويهيئُ الفرصَ كما يشاءُ ويريد.
أحبتي: لقد حظي أناسٌ من عباد الله بالوفادة إلى بيته الكريم؛ فتقلبوا في تلك العرصاتِ المكرمة، والمشاعرِ المقدسة وحازوا لقب الوفادة على الله حين لقبهم به رسوله صلى الله عليه وسلم بها عندما قال: «وَفْدُ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: الْحَاجُّ، وَالْمُعْتَمِرُ، وَالْغَازِي» رواه ابن حبان وهو صحيح فهنيئا لمن حاز هذه الوفادة وخُص بهذا الاصطفاء فأتم نسكه.
ولقد كان في بلاد الله َأْقَوَامٌ من المؤمنين ما سَاَرَ الحَجِيجُ مَسِيْراً، وَلاَ قَطَعُوْا وَادِيًا، ولا سَلَكُوا طَرِيقًا، ولا أَنْفَقُوا نَفَقَتاً إلا وهم معهم. حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ (سواء كان العذرُ جسدياً أو مادياً أو نظامياً) فهؤلاء حازوا أجر النية وهم على خير كثير إن شاء الله. وربما وفقهم الله لأعمالٍ صالحة أدركوا فيها كثيراً مما فاتهم بحضور موسم الحج.
ومن المؤمنين رجالٌ حداهم الشوق وأقض مضاجعهم الوجد؛ حتى أخرجهم إلى الديار المقدسة، ولم يكن لديه تصريح ومع ذلك وصلوا. وهؤلاء أخطأوا الطريق وإن وصلوا.. وربما فاتتهم فرصَ خير في الحج مهمة كالوقوف قبل غروب الشمس في عرفة وحضور المباهاة، وربما تجوزوا في بعض الواجبات وعملوا بعض المحظورات..
نقول لهؤلاء: خصوصاً من سبق له أن أدى الفريضة، وربما كرر الحج نافلة ما شاء الله له من المرات نقول له: ليتك لم تفعل واكتفيت بما أُتِيح لك. ورُخِصَ لك فيه. فهناك من الأعمالِ الجليلة والفرصِ السهلةِ العظيمة لكسب المغفرة ما لا يخطر لك ببال.. ولا يحدُه مقال وربما أنك بسفرِك المختلس هذا لم تعمله مع سهولته.. ومن الناس من مر عليه موسم الحج مرور الكرام، فلم تهفوا نفسه لحج ولم يتمنى مرافقة الحجيج فهذا لا عليه ولا له..
وبعد أيها الإخوة: فضلُ الله واسع وعطاؤه متواصل وبره لا ينقطع.. فلقد شرعَ لنا سبحانه فرصاً للخير كثيرة تكون سبباً في مغفرة الذنوب ورفعة الدرجات ولقد خص الذاكرين بأجور عظيمة ومنحٍ جزيلة لم يُعْط أحدٌ من العاملين مثلها.. من ذلك: أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ. هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ.. يُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا وَيَحْمَدُ عَشْرًا وَيُكَبِّرُ عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ، وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ، وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَذَلِكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ، قال الراوي: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ.. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ.؟ قَالَ: يَأْتِي أَحَدَكُمْ يَعْنِي الشَّيْطَانَ فِي مَنَامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ، وَيَأْتِيهِ فِي صَلَاتِهِ فَيُذَكِّرُهُ حَاجَةً قَبْلَ أَنْ يَقُولَهَا. رواه أبو داود وغيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضيَ اللهُ عَنْهُما وصححه الألباني.
وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ» رواه النسائي بالكبرى والطبراني وابن حبان عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ » رواه الترمذي وصححه الألباني عَنْ أَنَسٍ.
وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ: تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ" أي في الكثرة والعظمة مثل زبد البحر وهو ما يعلو على وجهه عند هيجانه وتموجه.رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مُسْنِدًا النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم إِلَى صَدْرِي قَالَ: فَقَالَ: مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ. رواه أحمد وصححه الألباني.
وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلَاثًا، غُفِرَت ذُنُوْبُه وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ» رواه الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال الألباني صحيح لغيره. قال أبو نعيم الأصبهاني: هذا يدل على أَنَّ بعضَ الكبائرِ تُغفرُ ببعضِ العملِ الصالحِ وضابطُه الذنوب التي لا توجب على مرتكبها حكما في نفس ولا مال، ووجه الدلالة منه انه مثل بالفرار من الزحف، وهو من الكبائر فدل على ان ما كان مثله أو دونه يغفر إذا كان مثل الفرار من الزحف؛ فإنه لا يوجب على مرتكبه حكما في نفس ولا مال.. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ: حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ" رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا وَحِينَ يُمْسِي عَشْرًا أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رواه الطبراني عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وحسنه الألباني
أيها الإخوة: هذا نزرٌ يسيرٌ من فرصِ الخير العظيمة مما قل جهده وغلى في أجره فأين نحن من ذلك كله.. أسأل الله بمنه وكرمه أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ....
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه وأشهد أن محمد عبده ورسوله المؤيد ببرهانه صلى الله عليه وأصحابه وإخوانه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70،71] أيها الإخوة: لقد انقضى موسم الحج هذا العام، وشهد فيه أناسٌ من المؤمنين منافعَ لهم. منافعُ دنيوية وأخروية, وفي كلِ موسمٍ تَجِدُ دروسٌ وتَظْهَرُ للمتأملِ عِبَر..
ومن الدروس المستفادة أنَّ الأمة رأت قاصيها ودانيها الوجه الرحيم المشفق لرجال أمن بلادنا، والذي ظهر جلياً بحسن تعاملهم، ولقد رأيت شيئاً منها على أرض الواقع، وشهدَ العالمُ كلُه عبرَ وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الكثير منها، نعم: لقد رأوا مواقف أبهرتهم خصوصاً الذين اعتادوا من الجندِ الصلفَ والتغطرس وقلة الطاعة لله، وبهذا استطاع رجالُ أمننا أنْ يُظهروا للعالمِ كلِه قُدرتَنا على الضبطِ الأمني المبني بعد توفيق الله على الرحمة والرفق بعباد الله خصوصاً وفدُ الرحمن حجاج بيته الحرام..
واستطاع رجالُ الأمنِ بعد توفيقِ الله رسمَ لوحةٍ مشرقةٍ لشعبِ هذه البلاد وقيادته لن تنسى ولن تغيبَ عن ذاكرةِ من عايشها.. وكونُ هذا التعاملُ الجميلُ يكون سمة هذا الموسم، ووصية القيادة اقتداءً بخلق المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوجيهه؛ فلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا". رواه مسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وهذا بلا شك يبعث في نفوسنا الأملَ بمستقبلٍ سعيدٍ، ويؤكد فيما لا يدع مجالاً للشك أن هذه البلاد وأهلها هم الأجدر بحمل رسالة هذا الدين.. ورعاية الحرمين الشريفين وجميع مقدساته كما كانت مَهْدَهُ الأول..
ثم ما تبذله حكومة بلادنا من مليارات لعمارةِ هذه المقدسات ورعايتِها ورعايةِ قاصديِها إيماناً منها بأنها تخدمُ دينَ اللهِ وأهلَه.. تقدمها بلا مَنٍ ولا أذى، مع ما مَنَّ الله به عليها من صفاءِ العقيدة يجعل حكومة هذه البلاد المؤهل الوحيد لرعاية الحرمين والمشاعر المقدسة وإن قال السفهاءُ ما قالوا فالحق أبلجٌ لا يتلجج..
أيها الإخوة: من شكر النعمة أن نسعد بما تم من إنجازات كبيرة لبلادنا، في الحج وغيره، ونسعى لتحقيق المزيد؛ فعمر الإنسان والأمم يقدر بما حققوه من إنجاز.. ونحذر من التسخط والعيب واللمز لأنفسنا وجهود بلادنا فمن الكوارث على الفرد والأسرة والمجتمع أن نرى التقصير ونضخمه ونغمض العين عن الخير ونغمطه..
جعلنا الله هداة مهتدين ومن أنصار الحق والدين..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] أيها الإخوة: لقد ودعنا موسماً من مواسمِ الخير عظيم.. موسمٌ زاخرٌ بالفرص مليءٌ بالمنح.. وهكذا سنةُ الله في خلقه يمنحُ الفرصَ ويزجى المنحَ وينوعها: فمنها ما هو سنوي، ومنها ما هو أسبوعي، ومنها ما هو يومي، ومنها الطويل ومنها القصير وهكذا يصرف اللهُ تعالى الكونَ ويهيئُ الفرصَ كما يشاءُ ويريد.
أحبتي: لقد حظي أناسٌ من عباد الله بالوفادة إلى بيته الكريم؛ فتقلبوا في تلك العرصاتِ المكرمة، والمشاعرِ المقدسة وحازوا لقب الوفادة على الله حين لقبهم به رسوله صلى الله عليه وسلم بها عندما قال: «وَفْدُ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: الْحَاجُّ، وَالْمُعْتَمِرُ، وَالْغَازِي» رواه ابن حبان وهو صحيح فهنيئا لمن حاز هذه الوفادة وخُص بهذا الاصطفاء فأتم نسكه.
ولقد كان في بلاد الله َأْقَوَامٌ من المؤمنين ما سَاَرَ الحَجِيجُ مَسِيْراً، وَلاَ قَطَعُوْا وَادِيًا، ولا سَلَكُوا طَرِيقًا، ولا أَنْفَقُوا نَفَقَتاً إلا وهم معهم. حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ (سواء كان العذرُ جسدياً أو مادياً أو نظامياً) فهؤلاء حازوا أجر النية وهم على خير كثير إن شاء الله. وربما وفقهم الله لأعمالٍ صالحة أدركوا فيها كثيراً مما فاتهم بحضور موسم الحج.
ومن المؤمنين رجالٌ حداهم الشوق وأقض مضاجعهم الوجد؛ حتى أخرجهم إلى الديار المقدسة، ولم يكن لديه تصريح ومع ذلك وصلوا. وهؤلاء أخطأوا الطريق وإن وصلوا.. وربما فاتتهم فرصَ خير في الحج مهمة كالوقوف قبل غروب الشمس في عرفة وحضور المباهاة، وربما تجوزوا في بعض الواجبات وعملوا بعض المحظورات..
نقول لهؤلاء: خصوصاً من سبق له أن أدى الفريضة، وربما كرر الحج نافلة ما شاء الله له من المرات نقول له: ليتك لم تفعل واكتفيت بما أُتِيح لك. ورُخِصَ لك فيه. فهناك من الأعمالِ الجليلة والفرصِ السهلةِ العظيمة لكسب المغفرة ما لا يخطر لك ببال.. ولا يحدُه مقال وربما أنك بسفرِك المختلس هذا لم تعمله مع سهولته.. ومن الناس من مر عليه موسم الحج مرور الكرام، فلم تهفوا نفسه لحج ولم يتمنى مرافقة الحجيج فهذا لا عليه ولا له..
وبعد أيها الإخوة: فضلُ الله واسع وعطاؤه متواصل وبره لا ينقطع.. فلقد شرعَ لنا سبحانه فرصاً للخير كثيرة تكون سبباً في مغفرة الذنوب ورفعة الدرجات ولقد خص الذاكرين بأجور عظيمة ومنحٍ جزيلة لم يُعْط أحدٌ من العاملين مثلها.. من ذلك: أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ. هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ.. يُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا وَيَحْمَدُ عَشْرًا وَيُكَبِّرُ عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ، وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ، وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَذَلِكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ، قال الراوي: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ.. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ.؟ قَالَ: يَأْتِي أَحَدَكُمْ يَعْنِي الشَّيْطَانَ فِي مَنَامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ، وَيَأْتِيهِ فِي صَلَاتِهِ فَيُذَكِّرُهُ حَاجَةً قَبْلَ أَنْ يَقُولَهَا. رواه أبو داود وغيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضيَ اللهُ عَنْهُما وصححه الألباني.
وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ» رواه النسائي بالكبرى والطبراني وابن حبان عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ » رواه الترمذي وصححه الألباني عَنْ أَنَسٍ.
وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ: تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ" أي في الكثرة والعظمة مثل زبد البحر وهو ما يعلو على وجهه عند هيجانه وتموجه.رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مُسْنِدًا النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم إِلَى صَدْرِي قَالَ: فَقَالَ: مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ. رواه أحمد وصححه الألباني.
وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلَاثًا، غُفِرَت ذُنُوْبُه وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ» رواه الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال الألباني صحيح لغيره. قال أبو نعيم الأصبهاني: هذا يدل على أَنَّ بعضَ الكبائرِ تُغفرُ ببعضِ العملِ الصالحِ وضابطُه الذنوب التي لا توجب على مرتكبها حكما في نفس ولا مال، ووجه الدلالة منه انه مثل بالفرار من الزحف، وهو من الكبائر فدل على ان ما كان مثله أو دونه يغفر إذا كان مثل الفرار من الزحف؛ فإنه لا يوجب على مرتكبه حكما في نفس ولا مال.. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ: حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ" رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا وَحِينَ يُمْسِي عَشْرًا أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رواه الطبراني عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وحسنه الألباني
أيها الإخوة: هذا نزرٌ يسيرٌ من فرصِ الخير العظيمة مما قل جهده وغلى في أجره فأين نحن من ذلك كله.. أسأل الله بمنه وكرمه أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ....
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه وأشهد أن محمد عبده ورسوله المؤيد ببرهانه صلى الله عليه وأصحابه وإخوانه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70،71] أيها الإخوة: لقد انقضى موسم الحج هذا العام، وشهد فيه أناسٌ من المؤمنين منافعَ لهم. منافعُ دنيوية وأخروية, وفي كلِ موسمٍ تَجِدُ دروسٌ وتَظْهَرُ للمتأملِ عِبَر..
ومن الدروس المستفادة أنَّ الأمة رأت قاصيها ودانيها الوجه الرحيم المشفق لرجال أمن بلادنا، والذي ظهر جلياً بحسن تعاملهم، ولقد رأيت شيئاً منها على أرض الواقع، وشهدَ العالمُ كلُه عبرَ وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الكثير منها، نعم: لقد رأوا مواقف أبهرتهم خصوصاً الذين اعتادوا من الجندِ الصلفَ والتغطرس وقلة الطاعة لله، وبهذا استطاع رجالُ أمننا أنْ يُظهروا للعالمِ كلِه قُدرتَنا على الضبطِ الأمني المبني بعد توفيق الله على الرحمة والرفق بعباد الله خصوصاً وفدُ الرحمن حجاج بيته الحرام..
واستطاع رجالُ الأمنِ بعد توفيقِ الله رسمَ لوحةٍ مشرقةٍ لشعبِ هذه البلاد وقيادته لن تنسى ولن تغيبَ عن ذاكرةِ من عايشها.. وكونُ هذا التعاملُ الجميلُ يكون سمة هذا الموسم، ووصية القيادة اقتداءً بخلق المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوجيهه؛ فلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا". رواه مسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وهذا بلا شك يبعث في نفوسنا الأملَ بمستقبلٍ سعيدٍ، ويؤكد فيما لا يدع مجالاً للشك أن هذه البلاد وأهلها هم الأجدر بحمل رسالة هذا الدين.. ورعاية الحرمين الشريفين وجميع مقدساته كما كانت مَهْدَهُ الأول..
ثم ما تبذله حكومة بلادنا من مليارات لعمارةِ هذه المقدسات ورعايتِها ورعايةِ قاصديِها إيماناً منها بأنها تخدمُ دينَ اللهِ وأهلَه.. تقدمها بلا مَنٍ ولا أذى، مع ما مَنَّ الله به عليها من صفاءِ العقيدة يجعل حكومة هذه البلاد المؤهل الوحيد لرعاية الحرمين والمشاعر المقدسة وإن قال السفهاءُ ما قالوا فالحق أبلجٌ لا يتلجج..
أيها الإخوة: من شكر النعمة أن نسعد بما تم من إنجازات كبيرة لبلادنا، في الحج وغيره، ونسعى لتحقيق المزيد؛ فعمر الإنسان والأمم يقدر بما حققوه من إنجاز.. ونحذر من التسخط والعيب واللمز لأنفسنا وجهود بلادنا فمن الكوارث على الفرد والأسرة والمجتمع أن نرى التقصير ونضخمه ونغمض العين عن الخير ونغمطه..
جعلنا الله هداة مهتدين ومن أنصار الحق والدين..
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق