نصيبا مفروضا
عوض القحطاني
1436/02/19 - 2014/12/11 06:54AM
نصيبا مفروضا 20-2-1436هـ الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ أيها المسلمون موضوع خطبتنا لهذا اليوم عن أمر من أهم الأمور فقد طلب مني بعض الإخوة أن نتحدث عن هذا الأمر وهو ما يتعلق بالمواريث حق المرأة فيما قسمه الله للمرأة قد حدد الله تعالى ميراث النساء في كتابه الكريم وتولى القسمة سبحانه بنفسه مما لا يجعل لأحد عذراً بعدم العدل فالله تعالى هو أعدل العادلين وأحكم الحاكمين فحرمان الزوجات من ميراث أزواجهن، وكذلك حرمان البنات من ميراث آبائهن من فعل الجاهلية،والله جل في علاه جعل للزوجات ميراثاً، لقوله تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ كذلك جعل للبنات نصيباً من ميراث آبائهن، فقال تعالى:﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾إن المرأة عندنا نحن المسلمين تعيش مكرمة معظمة، وهي صغيرة يقوم الأب والأم برعايتها وكفالتها وتعليمها، وأما بعد زواجها فيقوم الزوج برعايتها وكفايتها، وأما وهي أم فالابن كذلك يقوم بكفالتها وحمايتها، بل إن الإسلام حث المسلمين على رعاية الأرملة، وجعل كفالتها من الجهاد في سبيل الله ، هذا هو دين الإسلام الذي أنصف المرأة فأعطاها نصيبها، قال تعالى:﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً﴾ ومما يقع الناس فيه من أخطاء أنه إذا توفي الأب أخذ الوكالة الأخ الأكبر أو أحد الأقارب من الأعمام أو غيرهم فيأكلون أموال اليتامى ظلما وعدوانا والله تعالى يقول ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾ ثم إنه من تأمل الآيات الثلاث الواردة في تفصيل أنصبة الورثة رأى أنها جميعا ختمت بصفة العلم ففي الآية الأولى: ((فريضة من الله إنَّ الله كان عليما حكيما)) وفي الآية الثانية: ((وصية من الله والله عليم حليم)) وفي الآية الثالثة: ((يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم ) عباد الله: لا مجال في توزيع أنصبة الميراث للمجاملة ولا للواسطة ولا للرأي ولا للهوى إنها شريعة الله وحكمة الله تولى الله قسمة المواريث منعا للنفوس الضعيفة المفتونة بالمال أن تتلاعب بمال الورثة ومنعا الاختلاف تولى الله قسمة المواري حتى يرضى المؤمن ويطمأن إذا علم حينما يقل نصيبه من الإرث أنه من عند أحكم الحاكمين فيرضى (ومن أحسن من الله حكما لقوم يؤمنون( ومن أعظم صور العدل في الميراث تصافي القلوب بين الورثة فكل قد رضي بنصيبه الذي فرضه الله لهإن أسباب جرمان المرأة من ميراثها الذي فرضه الله لها كثيرة منها 1/طمع بعض الورثة في ميراث المرأة وهذا الطمع إما لعدم علم المرأة بنصيبها، وإما لضعفها وحاجتها للرجل، فإذا طالبت بحقها حصل لها من اللوم والتعنيف والمعاملة السيئة ما يجبرها على السكوت 2/التأخر في تقسيم المال وهذا يحدث كثيراً، وقد يكون ذلك التأخير إما بسبب تهاون الورثة، أو بسبب تشعب تركة الميت وكثرة أملاكه وتفرقها في أماكن مختلفة، وبالتالي لا تعرف المرأة كم نصيبها وربما تأخر حصولها على نصيبها سنوات عديدة ، وبعض الناس يؤخرون قسمة التركة، فتمضي الأشهر والسنوات والتركة لم تقسم وقد يوجد قُصَّر يعيشون فقراً ويتكففون الناس ويأخذون من أموال الزكوات والصدقات، وهذا لا يجوز، بل يجب إعطاء القُصَّر حقَّهم ويحرم أكل شيء من أموالهم؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}{النساء:10}. ويتولى ولي القصَّر إدارة أموالهم بالمعروف ووصيهم بعد وفاة أبيهم وصيه، فإن لم يكن فالحاكم. . 3/التقاليد والعادات القبلية ، فالبعض يعتبرون أخذ المرأة ميراثها عيب وعار عليها وربما قطعت وهجرت لهذا السبب. 5/ ومن الأمور الهامة أنه يجب على الوكيل والولي أن يتقي الله فيمن ولاه الله من هؤلاء القصَّر، وأن يعمل على تنمية أموالهم بالطرق الشرعية التي يستطيعها، إما بشراء عقار لهم يؤجر وينفعهم، وإما بجعله في يد ثقة ينميه لهم، وإما أن يساهم به في شيء مأمون كالأراضي أو غير ذلك حتى تحصل لهم الفائدة، وعليه أن يحذر من المتاجرة بأموالهم فيما يعود عليهم بالضرر، وخاصة في المعاملات التي يغلب على ظنه الخسارة فيها.6/ بعض الأوصياء يتصرفون في التركة ويقسمونها حسب وجهة نظرهم الشخصيةوالواجب أن يتحرى الوصي في توزيع التركة بما يرضي الله ويحقق العدل كما امر الله به في كتابه العزيز ، كما يجب على الوصي المبادرة إلى توزيع تركة الميت بعد إحصائها، وتسديد الديون التي عليه، والنظر إلى الأموال التي له في ذمم الناس، فيجمعها ويحصيها فإذا تم جمع وإحصاء كل ماله، يتم إخبار الورثة، ويبادر بتنفيذ وصيته إن كانت هناك وصية، ثم يقوم بتوزيع الميراث على المستحقين له ولا يؤخر ذلك لأنه يؤدّي إلى وقوع المشاكل والخلافات والشحناء.عباد الله: وعلى الوصي أن يتقي الله في الوصية ويقوم بإعطاء كل وارثٍ حقّه سواء أكان ذكراً أو أنثى، لاسيما إذا طالب المستحقون للميراث بحقهم فلا يجوز تأخيره مهما كانت الأحوال والأعذار والمبررات إذا كان الورثة بالغين راشدين.وأما إذا رضي الورثة ببقاء التركة على ما هي عليه وترك نصيبهم بأيدي الوصي فلا حرج عليهم في ذلك، لكن على الوصي حصر إرث كل شخص من المستحقين للميراث ومعرفة مقداره وإخباره به لئلا تختلط الحقوق وتضيع ، ومن المظلم حرمان المرأة من الميراث لكن بطريق غير مباشر كأن يكون بعض الورثة يستثمرون الإرث فيماطلون في القسمة فتتضرر المرأة غير العاملة و المحتاجة عند تأخر القسمة. ومن الأخطاء أنه بعد تقسيم التركة أنها لا تنقل لملاكها فالقسمة لا تعني الانتهاء من التركة بل لابد من إعطاء كل ذي صاحب حق حقه. عباد الله: أن الميراث وما خلفه الميت ينبغي أن يجمع الأسرة ولا يفرقها ويقويها ولا يضعفها الواجب أن لا يغلبهم حب المال فيقدموه على حبهم لأهلهم وإخوانهم وأخواتهم. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ....
أقول ما تسمعون
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:أيها المسلمون إن الواجب على كل مسلم أن يتقي الله تعالى وليعلم كل مسلم أنه لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يحْرِم النساء من ميراثهنّ الشرعي الذي حدده الله تعالى ورسولهr وقد توعد الله تعالى في كتابه الكريم من لا يلتزم بقسمة الميراث قال سبحانه: ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ * تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ عباد الله ومن الأمور التي يغفل عنها بعض الناس أن بعض الآباء يخص بعض أبناءه أو بناته بشيء من ماله في حال حياته فيفضل بعضهم على بعض أو يعطي بعضهم ويحرم البعض لأي سبب كان عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ ) تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ، فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ)وفي رواية قَالَ )rأَلَكَ بَنُونَ سِوَاهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ( إن العدل بين الأبناء واجب في العطية والهبة حتى فالحديث وما دون ذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ) أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى ابْنِي بِصَدَقَةٍ، فَاشْهَدْ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَعْطَيْتَهُمْ كَمَا أَعْطَيْتَهُ ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ )
فاتقوا الله عباد الله واعطوا كل ذي صاحب حق حقه واعلموا أنما الدنيا متاع زائل وا عند الله خير وأبقى
هذا وصلُّوا وسلِّموا علىخيرِ خَلقِ الله محمّد بن عبد الله، فقد أُمِرتُم بذلك في كتابِ الله؛ حيث قالسبحانه قولاً كريمًا: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُواتَسْلِيمًا).