{نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}

عبدالله محمد الطوالة
1437/10/17 - 2016/07/22 05:59AM
أحبتي في الله : هذه خطبة العيد .. أختصرتها وتصرفت فيها بما تيسر .. ولعل فيها ما يناسب الحال ..


الحمد لله .. العلي العظيم ، العزيز الحكيم ، الجواد البر الرحيم ، خلق كل شيء فقدره تقديراً ، وأنزل شرعا حكيما فيسره تيسيرا .. والحمد لله الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً وتدبيراً ، نحمده بجميع محامده حمداً كثيراً .. وهو الحكيم العليم ..
اللهم لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث ، أو خاصة أو عامة ، أو سراً أو علانية ، لك الحمد بالإسلام ، ولك الحمد بالقرآن ، ولك الحمد بالإيمان ، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة ، بسطت رزقنا ، وكبت عدونا ، وأظهرت أمننا ، وجمعت فرقتنا ، ومن كل ما سألناك يا ربنا أعطيتنا ، فلك الحمد كثيراً كما تنعم كثيراً ، ولك الشكر كثيرً كما تعطي كثيراً ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولا رب سواه ، إله عظيم .. لم يزل علياً كبيراً ، سميعاً بصيراً، لطيفاً خبيراً، عفواً غفوراً ..
وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبدالله ورسوله .. بعثه الله بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الحق بإذنه وسراجاً منيراً .. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك وخليلك محمد بن عبدالله ما تعاقب الليل والنهار ، وصل عليه ما غردت الأطيار ، وأورقت الأشجار ، وأينعت الثمار ، وتتابعت الأعصار ، وسلم تسليماً مزيداً كثيراً ..
أما بعد .. فيا معاشر المسلمين اتقوا الله واشكروه على نعم مترادفة تترى ، وآلاء لا تعد ولا تحصى ، أحمدوه على أن هداكم إلى هذه الشريعة الغراء ، والحنيفية السمحاء ، شرع قويم صاغه لنا أحكم الحاكمين ، ونقله لنا نبينا الرسول الأمين ، وسار على نهجه سلف كريم ، فلإن أفتخرت الأمم بعز آباءها أو بملك أجدادها ، فلأمة الإسلام أن تفتخر بإسلامها .. لأمة الإسلام أن تفتخر وتعتز بربٍ خلقها واصطفاها وهداها ، وبرسول علمها وزكاها ، وبكتاب معجز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. وبسنة سنها من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .. صلى الله عليه وسلم .. ألا فلترفعي رأسك يا أمة الإسلام ، فلم تعرف الأمم في غابرها وحاضرها .. أمة كأمة الإسلام .. ، حكمت بالعدل ، ونشرت الخير ، ونصرت الحق ، وقمعت الباطل {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} نعم عباد الله .. هذه هي شريعتكم الغراء .. شِرعة ربانية خالدة ، لا تكدرها الدلاء ، ولا يدنسها الأعداء ، شريعة كتب الله لها الظهور: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} .. وكتب لأتباعها النصر والظفر فقال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .. وقال تعالى : {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} ..
فمهما وضعت في سبيلها العراقيل ، ومهما كاد لها الباطل وتكالب عليها من حدب وصوب .. فسينتهي كل ذلك إلى الوعد الذي وعده الله لرسله ، ووعد الله لا يخلف ولا يتخلف عن موعده .. ولو قامت قوى الأرض كلها في طريقه ، وهذا الوعد سنة من سنن الله الكونية ، سنة ماضية في طريقها .. كما تمضي النجوم والمجرات في مداراتها بكل دقة وانتظام .. {يرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ..
فلا تيأسي يا أمة الإسلام ، فإن النصر قادم ، وإن الفرج قريب .. فعن تميم الداري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزاً يعز الله به الإسلام ، وذلاً يذل به الكفر)) .. وعن ثوبان رضي الله عنه قال قال الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها))
أيها الأحبة : لقد كان من هديه الدائم صلى الله عليه وسلم أن يبشر أمته (( بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والتمكين في الأرض)) .. بل إنه يأمرها بذلك .. فيقول : ((بشروا ولا تنفروا )) ..
ليس ذلك وحسب ، بل لقد كان من هديه وفعله اليقين بنصر الله والثقة بوعده ولو في أصعب المواقف وأحلكها ، ألم يقل الله تعالى عن يوم الأحزاب .. {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا*هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} .. وفي هذه الساعات الرهيبة والرسول مع أصحابه يسهم في حفر الخندق وبهم من الخوف والجوع والبرد ما الله به عليم ، كان النبي يستشرف النصر من قريب ويراه رأي العين ، من بين خلجات الصخور وضرب المعاول وهي تحفر الخندق ، ثم يصيح في أصحابه .. الله أكبر أعطيت مفاتيح بصرى .. الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام .. الله أكبر أعطيت مفاتيح صنعاء .. الله أكبر .. فما أحوج الأمة في هذه الأيام لبث روح الأمل في نفوسها ، فإذا كان رسول الله يبشر أصحابه ويذكرهم بوعد الله مع ما في قلوبهم من الإيمان والرضى ، فكيف بعصرنا هذا فنحن أحوج ما نكون إلى هذه المبشرات ، وتذكير الناس بوعد الله ووعد رسوله حتى لا يدب اليأس إلى نفوسها فتخور عن العمل .. ووالله الذي لا إله غيره أن هذا الدين لمنصور ، وسيظهر لا محالة ، بعز عزيز أو بذل ذليل ، وما يحصل من قتل وتشريد ، وإيذاء وتسلط وإذلال لإخواننا المسلمين في كثير من البقاع إنما هو ابتلاء من الله وتمحيص للصف {لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} .. ليظهر الخبيث خبيثاً .. مهتوك الستر ، ويبقى الطيب طيباً ، فواح الشذى .. لا يضره شيء مهما تكالب العِدى .. {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) ..
فأمّة أخرجت الصديق والفاروق الذين دُمدمت على أيديهما أعظم إمبراطوريتين في ذلك التاريخ .. أمّة أخرجت عثمان وعلي .. وبقية العشرة المبشرين بالجنة .. أمّة أخرجت أمثال خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة .. وغيرهم من عظماء القادة .. أمّة أخرجت الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز .. والخليفة المجاهد الحاج هارون الرشيد ، أمّة أخرجت المعتصم فاتح عمورية ، وأبا القاسم فاتح الهند ، وموسى بن نصير فاتح المغرب ، وطارق بن زياد فاتح الأندلس ، وعبد الرحمن الداخل فاتح الأندلس ، والظاهر بيبرس قاهر الصليبيين ، ومحمد الفاتح فاتح القسطنطينية ، والسلطان سليمان القانوني فاتح بلغراد وبلاد المجر .. وغيرهم وغيرهم ألوف من القمم الشوامخ ، والأسود الضواري .. أمّة أخرجت كل هؤلاء العظماء ولا زالت وستظل تخرج وتخرج .. مصداق ذلك قول من لا ينطق عن الهوى القائل : " أمتي كالغيث لا يدري أوله خير أم آخره" .. وهو أقوى شاهد على أن المستقبل لهذه الأمّة .. ولا أدل على ذلك .. مَمَا نُشَاهِدُهُ مِنْ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَانْتِشَارِهِ رَغْمَ ضَعْفِ المُسْلِمِينَ وَتَفَرُّقِهِمْ .. وَمَا نُشَاهِدُهُ مِنْ كَثْرَةِ الدَّاخِلِينَ في دين الله أفواجا .. وَلِذَا قَالَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ..
ألا فألحي يا أمة الإسلام واستمسكي بالدين القويم ، واعتصمي بحبل الله جميعاً ولا تتفرقي ، ولا يقتل بعضك بعضاً ، ولا يسفك بعضك دماء بعض ، حققي التوحيد في أقوالك وأعمالك ، واجتنبي مظان الشرك ومسالكه ومهالكه ، إجمعي الكلمة ، وارأبي الصدع ، وسدي الثغرات ، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ..
بارك الله ..


المشاهدات 1997 | التعليقات 0