نسائم رمضان لاحت في الأفق
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( نسائم رمضان لاحت في الأفق ) 25/8/1439
أما بعد فيا أيها الناس : كلما اقتربت أيام الخير ، سبقها نسيمها ، معانقا للقلوب المرهفة التي تشتاق للقياها ، وها نحن نستنشق نسائم رمضان قد علت في الأفق ، وخالطت القلوب ، فالقلوب ترتعش شوقا لهذا الشهر الكريم .
عباد الله : الجمعة القادمة ستكون من رمضان بلا شك ، وهذه آخر جمعة قبل رمضان ، فلابد من الحديث عن ترتيب الأوراق قبل رمضان وفي أثنائه ، ها نحن نرى الناس قد انقضت على المحلات التجارية التي قد استعد أصحابها بكل متطلبات الأكل في رمضان ، وقد امتلأت مخازن وثلاجات البيوت بكل ما اشتهت النفوس ، وقد غفل البعض عن متطلبات النفوس والأرواح في شهر رمضان ، وهي أهم مما استعدوا له ، فالأكل والشرب في سائر السنة ، ولكن رمضان أيام معدودات ، إذا مضت لا تعود إلا في العام القادم ولربما تعود وأنت مفقود .
معاشر المسلمين : كل من عرف قيمة شيء استعد له، ورمضان كلنا نعرف قيمته وفضله ، فهل استعدينا له ، إن لرمضان نسائمَ يشمها كل من اشتاق له ، ولهذا تغرس في قلبه حب الطاعة والعمل الصالح ، وتجعله يتباعد عن المعصية والمنكر ، فتجد المؤمن يجلس مع نفسه مرتبا لساعات يومه وليلته ، حريصا ألا يفوت منها ثانية إلا في عمل صالح .
إن المؤمن في هذه الأيام يملك نفسا مرهفة ، يحدوها الشوق ، ويقود بها الأمل ، لأنه يعلم ماذا يحمل رمضان من أدوات الفلاح .
أيها الناس : قبل رمضان لنعلم أن من حولنا صنفين من الخلق يؤثرون علينا ، وتأثيرهم قد يكون خيرا أو شرا ، لنكن على حذر ممن يسرقون منا رمضان ، إذا وضع المسلم أمام ناظريه قاعدة يسير عليها ، وهي أن رمضان للطاعة فقط ، فإنه لا يلتفت لكل الملهيات من حوله ، ولقد كثر حولنا أهل الشهوات الذين قال الله فيهم ( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ) فليكن شهرنا شهرا لا لهو فيه ولا لعب ، فلا للأفلام ولا للسينما ولا للمباريات ، ولا للسفريات للنزهة ، ولا للأسواق ، ولا للاستراحات ، ولا لإضاعة الوقت في غير طاعة ، ليكن شعارنا في رمضان ( لن يسبقني إلى الله أحد )
ولو قال قائل : لم هذا التشديد ، والله قد أحل المباحات والترويح عن النفس ، والجواب : أن رمضان غال على نفوس المؤمنين كل ثانية فيه لها قدر عظيم عند الله ، والمؤمنون يعلمون أن السعادة التي ينشدها كل أحد هي في الطاعة وليست في المباحات ، فلذة الصوم تفوق كل لذة مباحة فضلا عن المحرمة ، وكذا لذة النفقة والصدقة ، ولذة قيام الليل ، فمن وصل لهذه الدرجة أنه يتلذذ بالعبادة ، فإن شهوات الدنيا كلها لا تفتنه ولا تصرفه عن طاعة ربه ، كما قال بعض السلف : نحن في لذة لو يعلم بها أبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف ، وكما قال الآخر : مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أحسن مافيها ، قيل وما أحسن ما فيها قال حب الله .
فلنحرص على أن نتذوق السعادة من خلال الطاعة ، فالبعض يبحث عن السعادة الدنيوية في شهوات الدنيا وملاذها الحلال والحرام منها ، ولم يجربوا البحث عنها في طاعة الله ، فسعادة الدنيا والآخرة في طاعة الله كما قال سبحانه ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) والحياة الطيبة هي السعيدة .
اللهم أذقنا لذة طاعتك ومحبتك يا رب العالمين .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس : لقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان ، فقد أخرج النسائي في سننه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أتاكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، فرض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم "
هكذا كان نبيكم صلوات الله وسلامه عليه يبشر اصحابه برمضان حاضا لهم على التزود من العمل الصالح ومتسابقين فيه لنيل خيراته خصوصا ليلة القدر ، فلا تملوا عبدالله من تذكير أنفسكم ومن حولكم بفضل رمضان ، فإن هذا من التناصح في الخير ، والتعاون على البر والتقوى .
أيها المسلمون : لذة الإنفاق أعظم اللذات ، حتى قيل إن لذة الإعطاء أعظم من لذة الأخذ ، فتفقدوا أقاربكم وجيرانكم ، أشركوهم في طعامكم ، أطعموا الطعام في رمضان فهو من خير القرب إلى الله ، ومن أسباب دخول الجنان عأـ.
إن المؤمن الفطن الذي يجعل له جدولا يرتب فيه العمل الصالح ويضرب فيه من كل خير بسهم ، من الآن وليس إذا دخل رمضان ، اجعل لك في الخير نية حاضرة ، فلعلك لا تبلغ رمضان فينالك أجر النية الصالحة .
عباد الله : من أول ليلة من رمضان ، اجعل لك وردا من القرآن تقرؤوه كل يوم وليلة ، ووردا من الذكر في كل يوم وليلة ، ومبلغا من المال محددا في كل يوم وليلة ، لا يذهب عليك رمضان في النوم في النهار واللهو في الليل ، فتكون من المحرومين ,
اللهم بلغنا رمضان ومن علينا فيه بصالح الأعمال