نزُولُ الغِيْثِ، عبرٌ ودَلَالَاتٌ

عبدالمحسن بن محمد العامر
1447/06/27 - 2025/12/18 19:36PM

الحمدُ للهِ علّامِ الغيوبِ، ومُجري الماءَ في الأرضِ بعدَ المَحْلِ والنُّضوبِ، وأشهدُ ألّا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك لهُ؛ محيي الأرضَ بعدَ اليَبَاسِ والشُّحُوبِ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أَنَارَ اللهُ بهِ القلوبَ، وأَوْضَحَ الدُّرُوبَ، وجعل في رسالتِه كلَّ مصالِحِ الأممِ والشُّعوبِ؛ صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليه، كلَّ شروقٍ وغروبٍ، وما حَمَلَتِ الزُّرُعُ والأشجَارُ منْ ثِمَارٍ وحبوبٍ، وعلى آله وصحبِه الذينَ وقفوا معهُ في الْمِحَنِ والخُطُوبِ، وعلى التّابعينَ ومَنْ تبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الشدائدِ والكروبِ.

أمّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ: أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ تعالى، فبالتقوى تُفْتَحُ البركاتُ، وتُتَنَزَّلُ الرّحمَاتُ، وتُتَّقى السيئاتُ، وتُجتَنَبُ المُحرماتُ؛ "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"

معاشرَ المؤمنينَ: استبشَرَتِ البلادُ، وفَرِحَ العِبَادُ بنزولِ الغَيْثِ، وجريانِ الأوديةِ، وارتواءِ الأَرْضِ، وامتلاءِ الآبارِ، فحصولُ هذه النِّعمِ؛ مِنَّةٌ كبيرةُ مِنَ اللهِ، ومِنْحَةٌ عظيمةٌ مِنَ الرَّبِ الكريمِ، فيها الْعِبَرُ الباهِرَةُ، والدَّلالاتُ القاطِعَةُ، والحِكَمُ البالِغَةُ، ولها أحكامٌ في الشَّريْعَةِ ظاهِرَةٌ.

فالغَيْثُ آيةٌ مِنْ آياتِ اللهِ الكونيَّةِ الفريدَةِ، الدّالةُ على أُلُوهيَّتِهِ، ووحْدَانيَّتِهِ، وربوبيّتِهِ؛ قالَ تعالى: "وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" وقالَ سبحانَه: "  وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ*هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ"

والغَيْثُ نعمَةٌ مِنَ اللهِ، امتنَّ بها على الخلائقِ أجمعينَ، وجعلَ فيها حياتَهم، فحاجتُهم إليها في كلِّ الأحوالِ، والأَزْمَانِ، وفي كلِّ المِهنِ والأعمالِ، فهيَ أعظمُ الأَرْزَاقِ الحِسِّيَةِ، وأجلُّ العطايا المَرْئيَةِ، قالَ تعالى: "أَفَرَءيْتُمُ ٱلْمَاء ٱلَّذِى تَشْرَبُونَ*أَءنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ*لَوْ نَشَاء جَعَلْنَـٰهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ"

وقدْ قَسَّمَ اللهُ نزولَ المطرِ بينَ العبادِ، وصَرَّفهُ بينَ البلادِ، وأنزلَه بِقَدْرٍ مَعلومٍ، وكَمٍّ مَوْزُوْنٍ، قالَ تعالى: "وَإِنْ مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ" وقالَ سبحانَه: "وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا"

ثَبَتَ عنِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: "مَا مِنْ عامٍ بأَمْطَرَ مِنْ عامٍ، ولكنَّ اللهُ يَقْسِمُهُ حَيْثُ شَاءَ، عَامَاً هَاهُنَا وعَاماً هَاهَنا"وقالَ ابنُ القيِّمِ ــ رحمَهُ اللهُ ــ (ثُمَّ تأمَّلْ الحِكْمةَ البَالِغَةَ في إنْزِالِه بَقْدرِ الحَاجَةِ، حتَّى إذا أخذتِ الأرضُ حاجتَها مِنْهُ، وكانَ تَتَابُعُهُ عَليْهَا بَعدَ ذلكَ يَضُرُّهَا، أقْلَعَ عَنْهَا وأَعْقَبَهُ بِالصَّحوِ، فَهُمَا - أعنيْ الصَّحْوَ والتَّغْييمَ - يَعْتَقِبَانِ على العَالَمِ لِمَا فِيْهِ صَلاحُهُ، ولو دامَ أحدُهُمَا كانَ فيهِ فَسادُه، فلو توالتِ الأمْطارُ لأهلكتْ مَا على الأرضِ، ولو زادتْ على الحَاجَةِ أفْسَدَتِ الحُبُوبَ والثِّمارَ، وعَفَّنَتِ الزُّروعَ والخُضْرَواتِ، وأرْخَتِ الأَبْدَانَ، وخَثَّرَتِ الهواءَ، فَحَدَثَتْ ضُروبٌ مِنَ الأَمراضِ، وفَسَدَ أكثَرُ المآكِلِ، وتقَطَّعَتِ المَسَالِكُ والسُّبُلُ، ولو دَامَ الصَّحوُ لَجَفَّتِ الأبدانُ، وغِيضَ الماءُ، وانقطعَ مَعينُ العُيُونِ والآبارِ والأنْهارِ والأودِيةِ، وعَظُمَ الضَّررُ، واحْتَدَمَ الهواءُ، فَيَبُسَ ما على الأرْضِ، وجفَّتِ الأَبْدانُ، وغَلَبَ اليُبْسُ، وأحْدَثَ ذلك ضُرُوبًا مِنَ الأَمْرَاضِ عَسْرَةُ الزَّوَالِ، فاقتضتْ حِكْمَةُ اللَّطيفِ الخبيرِ أنْ عَاقَبَ بينَ الصَّحوِ والمَطَرِ على هذا العالَمِ، فاعْتَدَلَ الأمْرُ، وصَحَّ الهواءُ، ودَفَعَ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا عَادِيَةَ الآخرِ، واستَقَامَ أمْرُ العَالَمِ وصَلَحَ) انتهى كلامُه رحمَهُ الله.

وفي سُنَّةِ اللهِ في تَكْوينِ السَّحابِ، وإنْشائِه، وسَوْقِهِ؛ حِكْمَةٌ في فِعْلِ الأَسْبَابِ، وجَرَيَانِ السُّننِ الكُوْنيّةِ على ما قدَّرَ اللهُ، قَالَ تعالى: " اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُون" فَلوْ شَاءَ رَبُّنَا لَنَزَّلَ المَطَرَ بَدونِ هَذِهِ الأَسْبَابِ، ولكنْ كانَ ذلكَ لحِكمٍ، مِنْهَا: أنْ نَتَعَلَّمَ اتخاذَ الأَسْبَابِ، ولِنُؤمِنَ بِسُنَنِ اللهِ الكونيَّةِ الّتي لا تَتَغَيَّرُ ولا تَتَبَدَّلُ، وفي هذا مَصْلَحَةٌ لِلْعِبَادِ ليَتَعلَّمُوها؛ لِتَدْبِيْرِ حياتِهِم، وسياسَةِ دُنياهُم، وتَنْظِيْمِ مَصَالِحِهم، ولو لَمْ يُجْري اللهُ تلكَ السُّنَنِ والأسبابِ، لَشَقِيَتْ على الخَلْقِ حياتُهم، وعَسُرَتْ، واضطربتْ، وساءَتْ مَعِيْشَتُهُم.

والغَيْثُ عَطَاءٌ مِنَ اللهِ وَحْدَه، لا يَقْدِرُ عليهِ غيرُهُ سبحانَه، ولا يَمْنَعُهٌ أَحَدٌ دونَ اللهِ تعالى، ولا يَسْتغني عَنْهُ غَنيٌّ مِهما كانَ غِناهُ، قالَ تعالى: "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ" وعنِ المُغِيْرةَ بنِ شُعْبَةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: " اللهم لا مَانِعَ لِما أعْطَيْتَ، ولَا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ، ولَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ" رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ. 

ونزولُ المطرِ أمرٌ غيبيٌّ استأثرَ اللهُ بِعِلْمِه فلا يعْلمُهُ إلا هوَ وحدَهُ؛ قالَ تعالى: "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ" وقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "مِفْتَاحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ: لا يَعْلَمُ أَحَدٌ ما يَكونُ في غَدٍ، ولَا يَعْلَمُ أَحَدٌ ما يَكونُ في الأرْحَامِ، ولَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وما تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وما يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ المَطَرُ" رواه البخاريُّ عنْ عبدِاللهِ بنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما.

أمّا توقّعاتُ أحوالِ الطَّقسِ، والتنبّؤُ بهطولِ الأَمْطَارِ؛ فهذِه عِلْمٌ ظَنِّيٌّ، يُصيْبُ ويخطئُ، ولا يجوزُ الجزمُ بها، ولا اعتقادُ صحّتِها مئةً بالمئةِ، وهذه التَّوقُعاتُ تَستَنِدُ إلى أَمْرٍ حِسيٍّ، وهوَ تَكَيُّفُ الجَوِّ؛ لأنَّ الجَوَّ يَتَكَيَّفُ على صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ تُعْرَفُ بِالمَوازِينِ الدَّقِيْقَةِ عِنْدَ أهلِ الاخْتِصَاصِ؛ فَيَكُوْنُ الجَوُّ صَالِحَاً لأنْ يُمْطِرَ، أوْ لا يُمْطِر.

وقدْ شاءَ اللهُ وقدَّرَ أنَّ النَّباتاتِ المُختلِفَةَ،والأشجارَ المتنوِّعَةَ؛ طَعْمَاً، ولونَاً، وشَكْلاً؛ لا تَخرُجُ إلا بِمَاءِ الأمطارِ، ووابلِ السَّماءِ، وغَيْثِ الغمامِ، ومَهما حاوَلَ البشرُ فِعْلَ شيءٍ مِنْ ذلكَ، فإنَّ محاوَلاتِهم تبقى ضعيفةً مَحدُودَةً في أرضٍ صغيرةٍ ضَيِّقةٍ؛ ويُعَدُّ صَنيعُهم مِنْ قَبِيْلِ الزِّراعَةِ والفِلاحَةِ ليسَ إلّا ، وهذا دليلٌ على قُدْرَةِ اللهِ، وَوَحْدَانِيَّتِه سُبحانَه؛ قالَ تعالى: "أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ "

وفي حياةِ الأرضِ بالمَطَرِ، واخْضِرَارِهَا، وزُهُوِّها، وعَوْدَتِها إلى جَمالِها ونضارَتِها؛ دليلٌ على البَعْثِ والنُّشورِ، والقيامِ مِنَ القبورِ عِندَ النَّفخِ في الصُّورِ؛ قالَ تعالى: "وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير" وقالَ سبحانَهُ: "فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"

باركَ اللهُ لي ولكم بالكتابِ والسُّنّةِ، ونفَعنا بما صرّفَ فيهما مِنَ العِبَرِ والحِكْمَةِ.

أقولُ قولي هذا، وأستَغفِرُ اللهَ لي ولكم إنَّه كانَ غَفَّاراً.

الخطبَةُ الثَّانيةُ:

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتنانِه، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيماً لشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه.

أما بعد: فيا عِبادَ اللهِ؛ اتقوا اللهَ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون"

معاشرَ المؤمنين: في مَنظَرِ السحابِ العِظَامِ، وسماعِ الرُّعودِ والصَّواعِقِ، ورؤيةِ البُروقِ الخاطِفَةِ؛ تَرْسِيْخُ الخوفِ مِنَ اللهِ، فَقَدْ عذَّبَ اللهُ أقواماً بالمَطرِ كَقومِ نوحٍِ وعادٍ، وكانَ نبيّنا عليه الصلاةُ والسلامُ يَتَغَيّرُ حَالُهٌ، ويشتدُّ عليه الأمرُ إذا رأى السحابَ مقبلاً؛ قالتْ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها: "كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا رَأَى مَخِيْلَةً في السَّمَاءِ، أقْبَلَ وأَدْبَرَ، ودَخَلَ وخَرَجَ، وتَغَيَّرَ وجْهُهُ، فَإِذَا أمْطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عنْه، فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذلكَ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما أدْرِي لَعَلَّهُ كما قالَ قَوْمٌ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ}" رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ.

ونزولُ المَطَرِ يؤكِّدُ لِلْعِبادِ أنَّ معَ العُسْرِ يُسْرٌ، وأنَّ معَ الضِّيْقِ فَرَجَا، قالَ تَعالى: "وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد" قالَ ابنُ كثيرٍ:  أي: مِنْ بَعْدِ إيَاسِ النَّاسِ مِنْ نُزُولِ المَطَرِ؛ يُنْزِلُهُ عَليْهمْ في وَقتِ حَاجَتِهم وِفَقْرِهِمْ إليه) وقالَ تعالى: (وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) قالَ القرطبيُّ: (وإنْ كانوا مِنْ قَبْلِ أنْ يَنْزِلَ عَليهمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِيْنَ؛ أيْ: يَائِسِيْنَ مُكْتَئِبِيْنَ قَدْ ظَهَرَ الحُزْنُ عَليْهمْ لاحْتِبَاسِ المَطَرِ عَنْهُم) وقَالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "وأنَّ الفرَجَ مع الكرْبِ، وأنَّ مع العُسرِ يُسراً" رواهُ التّرمذيُّ عن ابن عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما، وصحّحَهُ الألبانيُّ.

 

وبعدُ عبادَ اللهِ: المطرُ رَحْمَةٌ، وآثارهُ رَحْمَةٌ؛ قالَ تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" وقالَ سبحانَه:" فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا"

فالغَيْثُ رَحْمَةٌ يَرحمُ اللهُ تَعالى بِها العِبَادَ والبِلادَ، والبَهَائمَ والطِّيرَ والحَشَراتِ، ويُحْيي بِهِ اللهُ تَعالى الأرضَ بَعدَ مَوتِها، فَتَهْتَزُّ بِالغَيْثِ المُبَارَكِ بَعدَ سُكُونِها، وتَخْضَرُّ بَعْدَ اصفرَارِهَا، وتُثْمِرُ بَعدَ جَدْبِهَا، فتَنْتَفِعُ بِذَلكَ كلُّ المَخْلُوقَاتِ في البرِّ والبَحْرِ.

اللهمَ إنّا نحمَدُكَ ونَشْكُرُكَ على ما أفضتَ علينا مِنْ نِعَمِكَ العظيمَةِ، وآلائكَ الجَسِيمَةِ، ومِنْ نِعمَةِ الغيثِ المباركِ؛ الذي أرْوى الأرضَ، وأجرى الأوديةَ، ونسألُكَ اللهمَّ؛ أنْ تَجعلَهُ متبوعاً بالغيثِ والنّباتِ، وزُهوِّ الأَرْضِ، وزِينَتِها ياذا الجلالِ والإكرامِ.

هذا وصلّوا وسلموا ..

 

المرفقات

1766075747_نزُولُ الغِيْثِ، عبرٌ ودَلَالَاتٍ.docx

المشاهدات 464 | التعليقات 0