نزهة الخاطر بعبادة جبر الخواطر
الشيخ السيد مراد سلامة
نزهة الخاطر بعبادة جبر الخواطر
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد: اعلموا عباد الله أن تطيب الخواطر عبادة من أجل العبادات المنسية في مجتمعاتنا في زمن كثرة فيه الأنانيات والاهتمام بالذات والانهماك في الشهوات ......................... قال سفيان الثورى: "ما رأيتُ عبادةً أجل وأعظم من جبر الخواطر
جبر الخواطر ذلك دأب أولي النهي وترى الجهول بكسرها
يتمتع فاجعل لسانك بلسما فيه الشفا لا مشرطا يدمي القلوب ويوجع
تعريف جبر الخواطر
جبر الخواطر معناه: رفع همه الشخص أو تهوين مصيبته والأخذ بيديه حتي يمر بمصيبته، ورفع همه الشخص قد تكون بالنصيحة أو الابتسامة أو الصدقة، وجبر الخواطر من المعاملات الإسلامية التي يجب أن يتحلى بها كل مسلم وكل شخص عموماً بعيد عن ديانته، ومن يعمل علي جبر الخواطر فهو بالتأكيد شخص شهم ومعدنة أصيل. وقد أجمع اللغويون على أن الخاطر هو القلب، وعدم كسره خلق عظيم، ولو تحققنا فسوف نجد أن أغلب أحكام ديننا قائمة على جبر الخواطر، فنحن نقدم واجب العزاء لجبر خاطر أهل المتوفي، نزور المريض لجبر خاطره، ندفع دية الميت لجبر خاطر أهله حتى السلام والابتسامة ..........................
ثانيا الله تعالى وجبر خواطر عباده :
و اعلموا عباد الله أن جبر الخواطر من أوصاف الله تعالى فمن أسمائه جلل جلاله الجبار قال الله تعالى ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الحشر: 23] هو “الجبار” وهذا الاسم بمعناه الرائع يُطمئنُ القلبَ ويريحُ النفس فهو سُبْحَانَهُ “الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّةِ، والخَيبَةَ والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ”. ([1]) يقول ابن القيم رحمه الله:
كذلك الجبار من أوصافه والجبر في أوصافه نوعان
جبر الضعيف وكل قلب قد غدا ذا كسرة فالجبر منه دان
والثاني جبر القهر بالعز الذي لا ينبغي لسواه من إنسان
معاشر الأحباب: وفي القران الكريم صورا عديدة لجبره جل جلاله للخواطر نذكر منها على سبيل المثال: جبر خاطر يوسف عليه السلام: إخوة الإسلام: لما اجتمع إخوة يوسف عليه السلام على رميه في الجب و أدرك يوسف عليه السلام تلك المؤامرة أراد الله تعال أن يجبر خاطره فاعلمه سبحانه أنه سيلتقي بهم و يخبرهم بفعلتهم قوله تعالى : ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [يوسف: 15]
جبر خاطر أم موسى عليه السلام
لما أمر الله تعالى أم موسى عليه السلام بإلقائه في اليم و هذا أمر غريب و عصيب و مؤلم على قلب الأم جبر الله تعالى خاطرها و أخبرها أنه سيرده عليها و أنه سيجعله من صفوة خلقه المرسلين قال الله تعالى﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: 7]
جبر خاطر النبي صلى الله عليه وسلم :
أحبابي الكرام :و من صور جبر الخواطر الربانية لخير البرية صلى الله عليه وسلم عندما أخرجه قومه من مكة حزن النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره أنه سبحانه سيرده إليها مرة ثانية فقال تعالى : {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }القصص:85 رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أحب مكة التي ولد فيها ونشأ أُخرج منها ظلما، فاحتاج في هذا الموقف الصعب وهذا الفراق الأليم إلى شيء من المواساة والصبر، فأنزل الله تعالى له قرآن مؤكد بقسم؛ أن الذي فرض عليك القرآن وأرسلك رسولا وأمرك بتبليغ شرعه سيردك إلى موطنك مكة عزيزا منتصرا وهذا ما حصل.
جبر خاطر النبي صلى الله عليه وسلم في أمته:
ولقد جبر الله تعالى خاطر النبي صلى الله عليه وسلم في أمته فوعده جل جلاله أنه لن يسوئه في أمته ومثله أيضاً قوله تعالى:﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5] ، وانظر لروعة العطاء المستمر في هذه الآية حتى يصل بالمسلم لحالة الرضا، فهذه الآية رسالة إلى كل مهموم ومغموم، وتسلية لصاحب الحاجة، وفرج لكل من وقع ببلاء وفتنة؛ أن الله يجبر كل قلب لجأ إليه بصدق عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36] الْآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي»، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: " يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ "([2]).
جبر خواطر غير الورثة:
ومن صور جبر الخواطر الربانية في الآيات القرآنية أن جبر خواطر غير الورثة فأمر بالصدقة عليهم اذا حضروا القسمة فقال سبحانه ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 8]
وجبر خواطر النساء في غير ما أية من كتابه ومن ذلك:
قدم ذكر الإناث على الذكور فقال سبحانه ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ [الشورى: 49-50] قال ابن القيم رحمه الله: و تأمل كيف نكر الله الإناث فقال (إناثا) و عرف الذكور فجبر نقص الأنوثة بالتقديم و جبر نقص التأخير للذكور بالتعريف ([3])
ومن ذلك إيجاب المتعة للمطلقة:
و من جبر خواطر المرأة المطلقة أن أوجب لها المتعة فقال سبحانه﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 241] و قال سبحانه ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49]و الحكمة من إيجاب المتعة للمطلقة جبر قسوة الطلاق و تطييب قلوب المطلقات استبقاء للمودة
ثالثا النبي صلى الله عليه وسلم وجبر الخواطر:
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من احرص الناس على جبر خواطر أمته ولنأخذ على ذلك أمثله:
جبر خواطر الفقراء
أحباب الحبيب صلى الله عليه وسلم :عندما جاء فقراء المهاجرين مكسوري الخاطر بسبب فقرهم وان الأغنياء سبقوهم الى الله تعالى بفضل أموالهم فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن جبر خواطرهم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَا، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: «أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ»، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ» " ([4]).
جبر خواطر عمرو بن تغلب ومن معه ممن منعهم العطاء
إخوة الإسلام: ومن جبر النبي صلى الله عليه وسلم للخواطر أنه كان يعطي أقواما ويترك أقواما لما علم من قلوبهم من صدق وقوة إيمان عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ شَيْءٌ فَأَعْطَاهُ نَاسًا وَتَرَكَ نَاسًا وَقَالَ جَرِيرٌ أَعْطَى رِجَالًا وَتَرَكَ رِجَالًا قَالَ فَبَلَغَهُ عَنْ الَّذِينَ تَرَكَ أَنَّهُمْ عَتِبُوا وَقَالُوا قَالَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنِّي أُعْطِي نَاسًا وَأَدَعُ نَاسًا وَأُعْطِي رِجَالًا وَأَدَعُ رِجَالًا قَالَ عَفَّانُ قَالَ ذِي وَذِي وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الَّذِي أُعْطِي أُعْطِي أُنَاسًا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ وَأَكِلُ قَوْمًا إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْغِنَى وَالْخَيْرِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ قَالَ وَكُنْتُ جَالِسًا تِلْقَاءَ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمْرَ النَّعَمِ »([5]) جبر خاطر جابر –رضي الله عنه-لما استشهد والده رضي الله عنمهما معاشر الموحدين: استشهد والد جابر رضي الله عنه و ترك جابرا و لم يترك له مال بل تركه مدينا و ترك له أخوات فاجتمع على جابر رضي الله عنه هم فراق والده و هم الدين و هم الأخوات وشاهده النبي صلى الله عليه وسلم فوجده حزينا فجبر خاطره كما في حديثا طَلْحَةَ بْنِ خِرَاشٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ:لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ ، يَوْمَ أُحُدٍ ، لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ،: فَقَالَ : يَا جَابِرُ ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ؟ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، اسْتُشْهِدَ أَبِي وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا ، قَالَ : أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللهُ بِهِ أَبَاكَ ؟) قَالَ : بَلَى ، يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا ، فَقَالَ : يَا عَبْدِي ، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ ، قَالَ : يَا رَبِّ ، تُحْيِينِي فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً ، فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ : إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يَرْجِعُونَ ، قَا لَ : يَا رَبِّ ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي ، قَالَ : فَأَنْزَلَ اللهُ ، تَعَالَى : (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).أخرجه ابن ماجة ([6]).
جبر النبي صلى الله عليه وسلم لخواطرنا ولم يرنا
معاشر الموحدين: ها هو الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام جبر بخواطرنا نحن الذين نحبه ونشتاق إليه ونتمنى لو كنا إلى جانبه نذود عنه وننافح عن دعوته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ: “السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ووَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا ” قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” بَلْ أَنْتُمْ أَصْحابِي، وَإِخْوَانُنَا لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ “، فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ ” فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ” فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ “. ([7])
الخطبة الثانية
رابعا: جزاء جابروا الخواطر في الدنيا والأخرة:
معاشر الموحدين: إن لجبر الخواطر ثوابا عظيما عن الله تعالى فمن سار بين الناس جابرًا للخواطر .... أدركه الله في جوف المخاطر • تطييب الخواطر من مكارم الأخلاق، وهي صفة من صفات اﻷنبياء والصديقين والصالحين. •تطييب خواطر أهل البلاء من أعظم أسباب الألفة والمحبة بين المسلمين. • تطييب النفوس المنكسرة عبادة جليلة، وقد عده بعض العلماء في أبواب الاعتقاد. الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه أيها الإخوة من سار بين الناس جبرا للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: (صاحب المعروف لا يقع؛ فإن وقع وجد متّكأً) و صاحب و معية الله ليست الجائزة الوحيدة التي تنتظر العابد الجابر للخواطر بل أن رحمة الله سبحانه وتعالى تنتظر كذلك عباده المُحسنين الذين يجبرون الخواطر، حيث يتجاوز الرحمن عن عثرات جابر خواطر عباده المُعْسرين، فالله سبحانه وتعالى لا يضيع أجرَ من أحسن عملاً، فمن كان متسامحاً مع الآخرين رحيماً بهم جابراً خواطرهم يُقَدّر ظروفهم المعيشية، كان الله سبحانه وتعالى رحيماً به متجاوزاً عنه يوم القيامة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا، فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا ". قَالَ: " فَلَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ " ([8]).
خامسا: أبواب جبر الخواطر
أيها الأحباب الحياة مليئة بما يجبر خواطر الأخرين أبواب جبر الخواطر عديدة نذكر منها على سبيل الإجمال • المواساة عند فقد الأحبة. • الاعتذار للآخرين، وقبول اعتذار المعتذرين. • تبادل الهدايا. • الابتسامة. • قضاء حوائج الناس. •زر مريضا وادع له تبعث في نفسه الأمل وتهون عليه رحلة الابتلاء. • فهم النفسيات. • إخفاء الفضل والمنة عند جبر الخواطر. •مد يد العون والمساعدة لإنسان في موقف صعب أو في مشكلة معضلة • إذا رأيت بائعا متجولا في وجه الحر على قدميه يطلب الرزق الحلال فاجبر خاطره واشتري منه •اجبر خاطر اليتامى امسح على رؤوسهم تفقد أحوالهم تكن مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى " وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلًا ([9]) وأخيرا إياكم و كسر الخواطر فإنها ليست عظاما تجبر بل هي أرواح تقهر الدعاء......................
[1] - تفسير أسماء الله للزجاج (ص: 34).
[2] - مسلم 1/ 191 (202)
[3] -التفسير القيم ص 469
[4] - أخرج البخاري (843) و (6329) ، ومسلم (595)
[5] - «مسند أحمد» (34/ 275 ط الرسالة): «وأخرجه البخاري (923) و (3145) و (7535) ، والبيهقي 7/18 من»
[6] -«سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط» (1/ 131):«وأخرجه الترمذي (3256)» (صحيح) انظر حديث رقم: 7905 في صحيح الجامع
[7] - أخرجه مسلم (249)
[8] - مسلم (3/ 1196 رقم 1562)، البخاري (4/ 308 - 309 رقم 2078)، وانظر (3480)
[9] -«مسند أحمد» (37/ 476 ط الرسالة): «وأخرجه البخاري في "الصحيح" (5304) و (6005)»
المرفقات
1629191084_نزهة الخاطر بعبادة جبر الخواطر.pdf