نزل الغيث. وقفات مهمة.

عبد الله بن علي الطريف
1437/02/14 - 2015/11/26 21:20PM
نزول الغيث. وقفات مهمة. 15/2/1437هـ
الحمد لله القائل: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى:28].. خَلَقَ فَسَوَّى، وقَدَّرَ فَهَدَى، وأَخْرَجَ الْمَرْعَى؛ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى.. السماءَ بناها، والأرضَ دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبالَ أرساها.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. الكرم صفة من صفاته، والجود من أعظم سماته، والعطاء من أجلّ هباته، فمن أعظم منه جودًا سبحانه، يَدُه مَلأَى، لا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، بِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ.. وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، حبيبُ قلوبنا، وقرةُ عيوننا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، أما بعد.
أيها الإخوة: اتقوا ربكم واستغفروه.. استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً..
أيها الأحبة: لقد قَحِطت الأرض ويبِست الأشجار، ولفها الغبار، وافتقدت الخضرة والأزهار، وانعدمت نعم البر ولم ينبت فيه الزرع.. ولولا لطف الله بنا ثم وجود مصادر أخرى لإعلاف وسق بهائمنا لهزلت الأنعام وجفت ضروعها، ورأيت الناس في أشد حال وأعظم كرب.. فليس لدينا مصاد متيسرة للشرب والسقي وإنما نعتمد في ذلك كله على الآلات لبعد غور المياه وصعوبة إخراجها..!!
فيا الله ما أشق الحال ويا الله مع أعظم لطفك بنا وجودك علينا.. ولولا ذلك ليئست القلوب.. وأقض مضاجعها الهم.. فاللهم لك الحمد على آلائك ونعمك التي لا تحصى..
وبينما المدركون لشديد الحال في هذا الضيق والكرب.. إذا برحمة الله تنزل، وإذ القلوب تستبشر فقد رَويت الأرض، وجرت الوديان، وكثرت الغدران برحمة الله وفضله. وواللهِ لولا اللهُ ما سُقينا ولا تنعّمنا بما أوتينا..
نعم: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى: 28]. في هذه الآية تذكير بجانب من فضل الله على عباده في الأرض. وبيان حالهم وقد غاب عنهم الغيث، وانقطع عنهم المطر، ووقفوا عاجزين عن سبب الحياة الأول... الماء.... قد أدركهم اليأس والقنوط.. وإذ بالله يسعفهم ويُنزل الغيث، ويسعفُهم بالمطر، وسماه غيثاً لما فيه من الغوث والنجدة، وتلبيةِ حاجة المضطر في الضيق والكربة..
وبهذا الغيث ينشر الله رحمته، فتحيا الأرض، ويخضر اليابس، وينبت البذر، ويترعرع النبات، ويلطف الجو، وتنطلق الحياة، ويدب النشاط، وتنفرج الأسارير، وتتفتح القلوب، وينبض الأمل، ويفيض الرجاء.. وما بين القنوط والرحمة إلا لحظات..! تتفتح فيها أبواب الرحمة؛ فتتفتح أبواب السماء بالماء..
ثم ختم الآية بسمين من أسماءه الحسنى الولي الحميد.. نعم هُوَ الْوَلِيُّ الذي يتولى عباده بأنواع التدبير، ويتولى القيام بمصالح دينهم ودنياهم. وهو الْحَمِيدُ في ولايته وتدبيره، الحميد على ماله من الكمال، والحميد على ما أوصله إلى خلقه من أنواع الإفضال.
أحبتي: وما من حالة جوية تريح الحس والأعصاب، وتُنَدِّي القلبَ والمشاعر، كحالة الغيث بعد الجفاف. وما من مشهد ينفض هموم القلب وتعب النفس كمشهدِ الأرضِ تَتَفَتَحُ بالنبتِ بعدَ الغيثِ، وتَنْتَشِي بالخضرة بعد الموات..
نعم: لقد فرح بهذه النعمة الصغار والكبار، والرجال والنساء، ترى البهجة والسرور في وجوههم، استبشاراً برحمة ربهم.. فانطلقوا فرحين بسياراتهم، إلى أماكن اجتماع السيول ونزول الأمطار زرافات ووحدنا. البشر يعلوا وجوههم والسعد يملأ قلوبهم فلله الحمد رب العالمين..
أيها الأحبة: وبمناسبة نزول الأمطار، هذه بعض الوقفات على وجه الاختصار..
الأولى: في نزول الأمطار وتصريفها بين البلاد، عبرةٌ وعظةٌ لأولي الأبصار، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا. لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا. وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا.) [الفرقان:48-50] إن علينا أن نتذكر بنزول المطر، أن الله تعالى هو وحده القادر على إنزال الغيث، وأن من الخطأ العظيم أن يُنسَب إنزالُ المطر إلى غيره.
وأن نعلم أن في إنزال المطر وإحياء الله للأرض بعد موتها عبرةٌ ودلالةٌ على قدرته تعالى على إحياء الموتى يوم القيامة، قال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [فصلت:39].
الثانية: قال الله تعالى :وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم.. المطر نعمة من نعم الله، تستوجب شكر المنعم سبحانه الذي أنزله علينا، فلولا فضله ورحمته ما سقينا، ولا استمتعنا بما أوتينا وشكر الله بالثناء عليه بألسنتنا، والتحدث بنعمته علينا، وشكر الله بالقيام بطاعته والإنابة إليه، بل والإكثار من شكره سبحانه سبب لحبّه فهو يحب الشاكرين، ويزيد النعم عند شكرها، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7] وقال سبحانه: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف:96] وقال سبحانه: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ. لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الواقعة:68-70]. فاللهم لك الحمد والشكر على آلائك التي لا تعد ولا تحصى، اللهم لو شئت لجعلت ماءنا أجاجاً، ولكن برحمتك جعلته عذباً زلالاً، ولو شئت لجعلته غوراً فمن يأتينا بماء معين.. فلك الحمد والشكر لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك..
ومن شكر الله على إنزال المطر أن يبادر المقصرون والمتلبسون بالأخطاء بالتوبة والاستغفار والإقلاع عن الذنوب عموماً والتي تكون سبباً في منع القطر عن الأمة خصوصاً.. ففي الأمة من ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ.." وما ذكره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في نقص الكيل والوزن هو مثال، فيقاس عليه كلُ ما شباهه، فكل من منع الحق الذي عليه فإنه داخل في هذا الحديث.
ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا. ابن ماجه وحسنه الألباني.
فيا أيها المقصرون والمتهاونون لا تكونوا سبب بلاءٍ للأمة وضيقٍ عليها توبوا وارجعوا إلى بارئكم قبل أن تتخطفكم يد المنون.. أسأل الله تعالى أن يقبضنا صالحين وأن يحشرنا مع النبيين والصدقيين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا.
الثالثة: من السنن النبوية المتعلقة بالمطر أنَّ الرَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا انقطع المطر استسقى فقال: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.. وإِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا.. وكان يَقُولُ إذا جاء المطر: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ.. وإذا نزل المطر وخشي منه الضرَر دعا وقال: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ. رواها البخاري ومسلم.
وجاء في الأثر بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما: أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِى يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، ثُمَّ يَقُولُ إِنَّ هَذَا الْوَعِيدَ لأَهْلِ الأَرْضِ شَدِيدٌ.. رواه البخاري الأدب المفرد والبيهقي وصححه الألباني.
ومن السنن الدعاء عند نزول المطر ،وهو من مواطن استجابة الدعوة، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اثْنَتَانِ مَا تُرَدَّانِ الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ (الأذان) وَتَـحـْتَ الـمَطَرِ" رواه الحاكم وحسنه الألباني.
ومن السنن المأثورة عند نزول المطر، ما رواه أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا.؟ قَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى. رواه مسلم.
أيها لأحبة : ليحرص كلٌ منا على هذه الأذكار والسنن، وعلينا أن نعلّمها أهلنا وأطفالَنا، ونرغبهم في حفظها والعملِ بها.... بارك الله لي ولكم ..
الثانية:
أيها الإخوة: من الأخطاء التهاونُ بالنزول إلى الأودية والشعاب وخوض سيولها لما في ذلك من الأخطار والتعرض للهلاك، ويتناقل الناس في وسائل التواصل عند نزول الأمطار وفاة عدد من الناس بسبب تهاونهم أو مغامرتهم وكم أهدرت المغامرات الرعناء من مال وأهلكت من رجال..
ولنحذر كل الحذر من أذية المسلمين في طرقهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ, وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ" رواه الطبراني حسنه الألباني..
ومما يحسن التذكير به في مثل هذه المناسبة العناية بالبيئة وعدم حرث البراري بالسيارات والدراجات النارية روحة وجيئة بلا هدف، والتفحيط فيها، مما يذهب الطبقة النباتية في البراري القريبة ويحرم الناس من الاستمتاع بجمال الخضرة، وأصحاب المواشي من الرعي فيها، ثم ما يترتب على هذه التصرف العابث من حوادث راح ضحيتها أنفس، أو إصابات بالغة من كسور أو جروح، وربما فقد بعضهم الوعي وبقي ميتا بين الأحياء، وصار خسارة وعالة على أهله ووطنه، وما من بيت من بيوتنا إلا وقد أصيب بشيء من ذلك قل أو كثر إلا ما رحم الله وقليل ما هم..
وعلى الأولياء القيام بمسئولية الرعاية لمن تحت أيديهم ابتداء من الوالي العام بالبلد وانتهاء بالآباء والأمهات، فقد قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.. رواه البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
المشاهدات 1565 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا