نزرعها .. لننعم بها
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة ... يقول الله سبحانه وتعالى ( وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْـضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) في الأرض بقاع مختلفة متلاصقات قريب بعضها من بعض، أرض طيبة، وأرض سَبْخَة، تُنْبتُ هذه، وهذه إلى جنبها لا تُنْبت ( وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ ) أي بساتين كثيرة من أشجار العنب ( وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَان ٍ وفي هذه القطع المتجاورة أنواع الزروع والحبوب والنخيل والرطب، منها ما يَنْبُت منه من أصل واحد شجرتان فأكثر، ومنها ما ينبت منه شجرة واحدة ( يُسْقَى بمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ) الكل يسقى بماء واحد، والتربة واحدة، ولكنَّ الثمار مختلفات الطعوم ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون َ) علامات باهرة ظاهرة، لمن عقل وتَدَبَّر.
أيها المسلون ... إن الواجب على الإنسان أن ينظر إلى نعم الله في هذا الكون فيتأملها، ويشكر الله عليها، وأن يعرف أن وراء هذه النعم مُنْعِم وخالق ورزَّاق هو الله عز وجل ( فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا*، فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا* وَعِنَبًا وَقَضْبًا* وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً* وَحَدَائِقَ غُلْبًا* وَفَاكِهَةً وَأَبًّا* مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ ).
فالمزارع يزرع الأرض ويغرس الأشجار، فنأكل من ثمارها ونستظل بظلها، والفلاح يحرث الأرض، ويبذر الحب، وهو معتمد على ربه، متوكل عليه، فإذا بالحبة تنمو بقدرة الله سبحانه وتعالى فتصبح شجرة لها جذور، وساق، وسنابل، من الذي جعل الحبة حبات؟ إنه الله رب الأرض والسماوات.
لذلك فنحن مطالبون بضرورة المحافظة على الأرض وزراعتها، لأنها ثروة عظيمة، فديننا الإسلامي حثنا على عمارة الكون وزراعة الأشجار، ويجب ألا ندع مساحة جرداء بدون زراعة، كما يجب علينا المحافظة على الأشجار والحدائق العامة، وعدم الاعتداء عليها بقطعها وقلعها، فهي عنوان حضارة الأمم.
ولقد حث النبي ﷺ على زراعة الأشجار من زيتون وأعناب ونخيل وغيرها، فغرس الشجر من أعظم الأعمال الصالحة، قال رسول الله ﷺ ( ما مِنْ مسلِمٍ يغرِسُ غرْسًا إلَّا كان ما أُكِلَ منْهُ لَهُ صَدَقَةً ، وما سُرِقَ منه صدَقَةٌ ، وما أكلَ السبُعُ فهوَ لَهُ صدَقَةٌ ، وما أكَلَتِ الطيورُ فهو لَهُ صدقَةٌ ، ولا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ ).
وكان أبو الدرداء رضي الله عنه وهو يغرسُ غرساً بدمشق، فمرَّ عليه رجل، فقال له: أتفعلُ هذا، وأنت صاحبُ رسول الله ﷺ؟ فقال أبو الدرداء: لا تَعْجَلْ عَلَيَّ، سمعتُ رسول الله ﷺ يقول ( مَنْ غَرَسَ غَرْساً، لم يأكُلْ منه آدميٌّ، ولا خلقٌ من خَلْقِ الله، إلا كانَ له به صَدَقَة ).
وغرس النخل – يا عباد الله - من الأعمال الصالحة التي تنفع صاحبها بعد موته، قال رسول الله ﷺ ( سبعٌ يجري للعبدِ أجرُهُنَّ وَهوَ في قبرِهِ بعدَ موتِهِ من علَّمَ علمًا أو كرَى نَهَرًا أو حفرَ بئرًا أو غرسَ نخلًا أو بنَى مسجدًا أو ورَّثَ مُصحفًا أو ترَكَ ولدًا يستغفرُ لَهُ بعدَ موتِهِ ).
وديننا الإسلامي يحثّ المسلمين على عمارة الأرض وغرس الأشجار حتى عند قيام الساعة، قال رسول الله ﷺ ( إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا »، «نخلة صغيرة أو شتلة».
فهذه وصية نبيكم ﷺ، فأحيوا هذه الوصية، بالعمل والجد.
سائلا المولى أن يوفق إلى كل خير.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... إن الأمم الراقية هي الأمم التي تستغل أرضها بالزراعة والتشجير، فلا تدع شبراً واحداً غير مستغل، فالزراعة دعامة الاقتصاد الوطني، فمنها نأكل الخبز والطعام، ونلبس الملابس، ونشرب العصائر، ونستخرج الزيوت، ونقضي الأوقات السعيدة في الحدائق والغابات، لذلك يجب على المسلمين أن يشكروا الله سبحانه وتعالي على ما أولاهم من فضله وخيره، تقديراً لهذه الخيرات المحيطة بنا، واعترافاً بمِنَنِه، وطلباً للمزيد من برّه وخيره، فقد وعد سبحانه وتعالى الشاكرين على شكرهم، حيث قال سبحانه وتعالي: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) وقال تعالى ( أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ).
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا *** فَإِنَّ الذُّنُوبَ تُزِيلُ النِّعَمْ
وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَادِ *** فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ
وبعد شكر الله ... نشكر أمانة المنطقة الشرقية على تلك الحملة العظيمة بعنوان ( نزرعها.. لننعم بها ) التي تهدف في مرحلتها الأولى لغرس 50 ألف شجرة، إيمانًا منها بأهمية زراعة الأشجار ودورها البيئي في تلطيف وتنقية الهواء، وزيادة الرقعة الخضراء بمدن المنطقة الشرقية، وتحسين المشهد الحضري. والتي شارك فيها أبناء وبنات الوطن حفظهم الله ورعاهم لتعزيز المشاركة الاجتماعية. وإني أدعو نفسي وإياكم إلى الانضمام إلى هذه الحملة المباركة بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، فإن علينا أن نستثمر طاقاتنا وطاقة أولادنا وأهلينا في عمارة الأرض وتزيينها بالأشجار والنباتات، لأن الأرض من أهم عناصر الرقي والتقدم والحضارة، وليكن شعارنا: نزرع ولا نقطع.
عباد الله ... إن ما نشاهده من تصرفات بعض الناس من قطع للأشجار أو إتلافها أثناء تواجدهم في المتنزهات، لهو سلوك سلبي حاربه الإسلام وعده من باب الإفساد في الأرض، فقطع الأشجار لمجرد العبث والاعتداء عليها بغير حق ينافي مأمورية الاستخلاف في الأرض وإعمارها، فقال تعالى ( وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) وكان الصِّدِّيقُ رضي الله عنه يقول في وصيَّةِ الجيشِ الَّذي وجَّههُ إلى الشَّامِ: لا تُغرِقَنَّ نَخلًا ولا تَحرِقَنَّها، ولا تعقِروا بهيمةً ولا شجَرَةً مُثمرَةً. هذا في الحرب، فالاهتمام بالشجر والنخل ورعايتها في الأوقات العادية مطلوب على كل مسلم ومسلمة.
وصلى الله على نبينا محمد