( نداء إلى المذنبين )
حامد ابراهيم طه
1438/01/21 - 2016/10/22 18:08PM
لمتابعة جديد الخطب نشرف بزيارتكم لموقعنا الرسمى الجديد على هذا الرابط
http://hamidibrahem.com/
الخطبة الأولى ( نداء إلى المذنبين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ) الزمر 53 ، 54
وروى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ».
إخوة الإسلام
قدرنا أن نذنِبَ ونُخطئ، ومشيئةُ اللَّه فينا أن نقصِّرَ ونسيء،
فكلُّ بني آدمَ خَطَّاء، ولَم نكنْ يومًا ملائكةً لا يعْصونَ الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤْمَرون .
بل نحن بشرٌ من البشَر، من أبٍ أذنبَ وأخطأ، ولنفسِه ظلم، ومَن شابه أَبَاهُ فما ظلم.
أنا وأنت يا عبد الله، الضعفُ مغروسٌ فينا، والشَّيطانُ والهوى يستهْوينا.
تضعفُ نفوسُنا ردحًا من العمر، وتعترينا الغفلةُ والغفلاتُ حينًا من الدهر.
أنا وأنت يا عبد الله أصحاب ذنوبٍ وسيّئات ومعاصٍ وخطيئات، ومَن ذا الَّذي يسلمُ من تلك الآفات؟!
مَنِ الَّذِي مَا سَاءَ قَطّْ ،، وَمَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ
ففي الحديث المتقدم في صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ».
فإذا علِمْنا - عباد الله - أنَّنا مُذْنِبون خطَّاؤون، فعليْنا أن نتعلَّم كيف نتعامل مع هذه الذّنوب، عليْنا أن نتعلَّم أدبًا لطيفًا، هو أدبُ المُذْنبين، أو قُل: هو أدبُ المعْصِية.
ولا يذهب - أخي الكريم - فهمُك بعيدًا، فتتوهَّم من هذا التَّهوينَ من شأن المعصية، أو تسويغَها والتَّبرير لها، وإنَّما المراد بيانُ الموقف الشَّرعي، والأدبِ الواجبِ تُجاه هذه المعصية.
وأهمس في أذن كل العصاة مثلي ، وأقول :
أيها العبد الضَّعيف، لا تعصِ الله تعالى، فإذا عصَيتَ اللَّه فاستجْمِع معي هذه الآداب:
أوَّلاً: أخي العاصي - وكلّنا والله ذلك العاصي –
بادر أُخيَّ بعد الخطيئة بالتَّوبة، وأصلح ما أفسدتْه جوارحُك بدوام الاستِغْفار، وهكذا، كلَّما قادك هواك لمعصية، وجرَّتك نفسك الأمَّارة إلى إساءة، فأعقِبْ ذلك بالاستِكانة والأوْبة، والإنابة والتَّوبة،
فهذه المبادرة منك برهانٌ على حياة قلْبِك، وتحرُّك الإيمان بين جنبيْك؛ قال - سبحانه - عن عباده المتَّقين، والموْعودين بجنَّة عرْضها السَّموات والأرض: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].
ثمَّ أبْشِرْ أخي التائب من ذنبِه، فدونك فضائلَ جمَّةً:
يفرح ربُّك بتوْبتك، ويكفِّرُ عنك خطيئتَك، بل ويبدِّلُ سيِّئاتِك حسنات.
يَا مَنْ عَدَا ثُمَّ اعْتَدَى ثُمَّ اقْتَرَفْ ثُمَّ انْتَهَى ثُمَّ ارْعَوَى ثُمَّ اعْتَرَفْ
أَبْشِرْ بِقَوْلِ اللَّهِ فِي آيَاتِهِ إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفْ
بيْد أنَّ التَّوبة أخي التَّائب ليستْ كلِمة تُقال دونما أن يكون لها أثرٌ من حال أو تصديق من فِعال
فالتَّوبة الحقة: انكسار في القلب، وحسرة في الفؤاد.
التوبة الحقة: دمعة في العَيْن ولوعة في الضمير.
التَّوبة الصادقة: ندم على ما فات، وعزمٌ على مجافاة الذَّنب فيما هو آت، وردٌّ لحقوق البريات؛ قال وقوله الحق : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ﴾ [التحريم: 8].
ثانيًا: أخي المذنب - وكلّنا والله ذاك الرَّجل - لا تَسْتَصْغِرِ الذَّنب، ولا تُهوِّن من شأن المعصية؛ فلا تدري، فلعلَّ ما احتقرتَه يكون سببًا لشقائك في الآخرة، وقديمًا قال بلال بن سعد: لا تنظُرْ إلى صِغَر الخطيئة، وانظر إلى عظم مَن عصيت. فاعلم أنه :
♦ دخلتِ النَّارَ امرأةٌ بسبب هرَّة حبستها.
♦ ورجلٌ مُجاهد، كُبَّ في النار على وجهه، من أجل شملة أخذَها.
♦ وربَّ كلمة يتكلَّم بها الرَّجُل ما يلقي لها بالاً، تهوي به في قَعْرِ سقرَ سبعين خريفا ، نعوذ بالله من سقر.
فبقدرِ إيمان العبدِ وتقواه، وخوفه من ربِّه ومولاه، يهون الذنب في قلبِه أو يعظم، قال ابن مسعود - رضي الله عنْه كما في صحيح البخاري -:
« إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ » .
فَقَالَ بِهِ هَكَذَا قَالَ أَبُو شِهَابٍ بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ ).
ولذا حذَّرنا النَّاصح لأمَّته - صلَّى الله عليه وسلَّم - من استحقارِ الذنوب وتهوينها، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ». وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلاً كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاَةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَاداً فَأَجَّجُوا نَاراً وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا.) ؛ رواه الإمام أحمد،
فاستعْظِم - أخي المذنب - ذنبَك، واستشعر شناعة خطيئتك، واجعل هذا الذَّنبَ أمامَ عينيْك، واجعل حسناتِك خلْفَ ظهرك، لتبقى بعد ذلك سبَّاقًا للخيرات، ومبادرًا للطَّاعات.
خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى
وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى
لا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً إِنَّ الجِبَالَ مِنَ الحَصَى
ثالثًا: أخي المقصّر - وكلنا وربي مقصِّر - إيَّاك ثمَّ إيَّاك من المجاهرة بالمعاصي، فما ظلمَ عبدٌ نفسه، بمثل استعلانه واستعلائه بالإثم والآثام، وقد دلَّتْ نصوص الوحيين على أنَّ المعاصي الخفيَّة أخفُّ جرمًا وإثمًا من المعاصي المستعلنة؛ ففي محكم التَّنزيل يقول الله سبحانه: ﴿ لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ﴾ [النساء: 148]، وفي صحيح البخاري أن ((أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ »
بل ربَّما كان تستُّر العبدُ بمعصيتِه سببًا لعفو الله ومغفرته ، ففي صحيح البخاري (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِى مَعَ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ ، فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ
« إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ . حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ . فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ )
فتذكَّر أخي المذنب، أنَّ جهارَك بالمعاصي نوعٌ من المنكر تُعاقَب الأمَّةُ عليه إن لم تغيِّره أو تنكره، فلا تكُنْ سببًا لاستِنْزال العقوبات على أمَّتك من حيث لا تشعر.
رابعًا: يا مَن بُلي بالذنب - وكلّنا ذاك المبتَلى – احذر - رعاك الله - أن يكونَ ذنبُك من السيئات المضاعفَة، والخطيئات المتعدِّية، تذكَّر أخي المبارك أنَّ السيّئة تعظم في حالات:
♦ فتعظم إذا كانت في مكانٍ شريف، كحرم الله؛ قال تعالى : ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25].
♦ وتعظم إذا كانت في زمن فاضل؛ قال تعالى عن الأشهُر الحرم: ﴿ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36].
♦ وتعظم السيّئة أيضًا إذا صدرت ممَّن هو قدوة للنَّاس، ومحلٌّ للتأسِّي به؛ قال تعالى :﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾ [الأحزاب: 30].
♦ وتعظم السيِّئة أيضًا: إذا ضعف داعيها: ((فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ - قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ - وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ».رواه مسلم
فإغواء المسلمين وإضلالهم، وزرع الشُّبه في صدورهم، أو الشهوات في نفوسهم - خطيئات متعدِّية، وسيئات مضاعفة، وقد توعَّد الله فاعليها، بقوله: ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [النحل: 25].
ومن المعاصي المتعدية: أن يسنَّ العاصي في الإسلام سنَّة سيّئة، فهذا المسكين له وِزْرُه وذنبه، ووِزْر مَن عمل بعده من غير أن ينقُص من أوزارِهم شيئًا، كما صحَّ بهذا الخبر عن سيّد البشر - صلَّى الله عليه وسلَّم. ففي صحيح مسلم
« مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ».
خامسًا: أخي الخطاء – وكلُّنا وايم الله خطَّاء - استدفع هذه الخطايا بفعل الحسنات، والإكثار منها، لا يقعدنَّك الشيطان عن الطاعة، بسبب أنك مُذنب.
تصور معي - يا عبد الله - هذا الموقف، ثم انظر فضْل الله بعد ذلك على عباده، (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ - قَالَ - فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً دَعَاهُ وَتَلاَ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ (أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً قَالَ « بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً ». رواه مسلم
أيها المسلمون
وكلَّما كانت الحسنة من جنس السيّئة كان ذلك أبلغ في التَّكفير والإذهاب، فإنْ كانت السيّئة من خطايا اللّسان، فليكثر العبد من طاعة الله بلسانه، وإن كانتْ خطيئته سماعَ حرام، فليشنِّف سمعه بالذكر والقرآن. قال شيخ الإسلام: وينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات؛ فإنَّه أبلغ في المحو.
سادسًا: يا مَن آلمه ذنبُه، وأقلقتْه خطيئته، لا تقنط من رحمة الله، ولا تيئس من رَوْح الله؛ قال الله الغفور الرحيم : ﴿ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]،
فاسمع يا مَن استكثر ذنوبَه، واستثقلَ معاصيه، اسمع لنداء الملك الكريم الغنيّ يناديك فيقول كما في سنن الترمذي : (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ
« قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً »
وهذا ذنبٌ تكاد السموات يتفطَّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدًّا، حينما زعم النَّصارى أنَّ عيسى ابن الله، ومع ذلك يناديهم ربهم، ويحضهم على التوبة، ويعدهم بالمغفرة فيقول: ﴿ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 74].
وهذا شيخ كبير هرم، قد احدودبَ ظهرُه، وابيضَّ شعره، وسقط حاجباه على عينيه، يجرّ خطواته نحو المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد علاه الأسى، وامتلأ قلبه من الرَّجاء، فيقف على رأس النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم –
فيقول: يا رسول الله، شيخ غدرَ وفَجر، ولم يدع حاجةً ولا داجة، إلاَّ اقتطفها بيمينه، لو قُسمت ذنوبُه بين أهل الأرض لأوبقتهم، فهل له من توبة؟ فقال النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أسلمتَ؟)) قال: أمَّا أنا فأشهد أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله،، فقال له النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فإنَّ الله غافر لك ما كنت كذلك، ومبدِّل سيّئاتِك حسنات))، فقال: يا رسول الله، وغدراتي وفجراتي، فقال: ((وغدراتك وفجراتك))، فأدبر الرَّجُل وهو يُكبِّر ويهلِّل من شدة الفرَح حتَّى توارى عن أعين النَّاس ). تفسير ابن أبي حاتم
وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( نداء إلى المذنبين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكم يتمنَّى كلٌّ منَّا أن يترك ويطلِّق هذه المعاصي، وأن يملأ يومه وعمره بحياة طاهرة نقيَّة، لا معاصيَ تكدِّرها، ولا خطيئات تنغصها، ولكن التمني وحده لا يكفي ، بل عليه أن يأخذ بالأسباب
فهناك بعض الأسباب التي - تُعين العبد - بعد توفيق الله تعالى - على ترْك المعاصي وهجرانها، من أهمّها:
♦ أن يتذكَّر العبدُ شؤْمَ المعصية وقبح الذَّنب، فما من شرٍّ يَحصل في نفس العبد وفي دنيا النَّاس، إلاَّ وسبَبه الذّنوب والمعاصي؛ قال تعالى : ﴿ ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].
واعلموا أنه ما زالت نعمةٌ عن عبد إلاَّ بسبب ذنب اقترفه، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ ) وما أجمل قول القائل :
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ وَصُنْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ العِبَادِ فَرَبُّ العِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ
♦ ومما يُعين على ترك الخطايا: استشعارك بمراقبة الله تعالى لك، واطلاعه على كل الأحوال.
فيا مَن زيَّنت له نفسه عصيانَ الله، ويا مَن أزَّه هواه نحو الحرام أزًّا، قِفْ وسَل نفسك: أين الله؟ هل يراني؟ هل يطَّلع على حالي؟ تذكَّر أنَّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السَّماء.
قال تعالى : (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (16) ) لقمان
فتذكَّر أنَّ الله يعلم السّرَّ وأخفى. وتذكَّر أنَّ من أسرَّ القول ومَن جهر سواء في علم الله تعالى.
املأ قلبك - أخي المبارك - من معاني المراقبة لله وتعظيمه، فهو - بإذن الله - صمامُ أمان، يَقيك من أشواك المعاصي وأوْحال السيّئات.
♦ وممَّا يُعين على هجران المعاصي: محاسبة النَّفس على كلّ تقصير، ولوْمها في كلّ حقير، فاجلس - أخي - مع نفسك وحاسبها، واخْلُ بها وعاتبها، تذكَّر فيها شريط خطاياك، واستذْكِر فيها حقوقًا ضيَّعتَها، وحدودًا جاوزْتَها، ورضي الله عن الملهم الفاروق حين قال: "حاسبوا أنفُسَكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوها قبل أن تُوزنوا".
يمكنك أخي متابعة واستكمال بقية هذه الخطبة وغيرها من الخطب المميزة من خلال موقعنا الرسمي على الرابط التالي
http://hamidibrahem.com/
http://hamidibrahem.com/
الخطبة الأولى ( نداء إلى المذنبين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ) الزمر 53 ، 54
وروى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ».
إخوة الإسلام
قدرنا أن نذنِبَ ونُخطئ، ومشيئةُ اللَّه فينا أن نقصِّرَ ونسيء،
فكلُّ بني آدمَ خَطَّاء، ولَم نكنْ يومًا ملائكةً لا يعْصونَ الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤْمَرون .
بل نحن بشرٌ من البشَر، من أبٍ أذنبَ وأخطأ، ولنفسِه ظلم، ومَن شابه أَبَاهُ فما ظلم.
أنا وأنت يا عبد الله، الضعفُ مغروسٌ فينا، والشَّيطانُ والهوى يستهْوينا.
تضعفُ نفوسُنا ردحًا من العمر، وتعترينا الغفلةُ والغفلاتُ حينًا من الدهر.
أنا وأنت يا عبد الله أصحاب ذنوبٍ وسيّئات ومعاصٍ وخطيئات، ومَن ذا الَّذي يسلمُ من تلك الآفات؟!
مَنِ الَّذِي مَا سَاءَ قَطّْ ،، وَمَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ
ففي الحديث المتقدم في صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ».
فإذا علِمْنا - عباد الله - أنَّنا مُذْنِبون خطَّاؤون، فعليْنا أن نتعلَّم كيف نتعامل مع هذه الذّنوب، عليْنا أن نتعلَّم أدبًا لطيفًا، هو أدبُ المُذْنبين، أو قُل: هو أدبُ المعْصِية.
ولا يذهب - أخي الكريم - فهمُك بعيدًا، فتتوهَّم من هذا التَّهوينَ من شأن المعصية، أو تسويغَها والتَّبرير لها، وإنَّما المراد بيانُ الموقف الشَّرعي، والأدبِ الواجبِ تُجاه هذه المعصية.
وأهمس في أذن كل العصاة مثلي ، وأقول :
أيها العبد الضَّعيف، لا تعصِ الله تعالى، فإذا عصَيتَ اللَّه فاستجْمِع معي هذه الآداب:
أوَّلاً: أخي العاصي - وكلّنا والله ذلك العاصي –
بادر أُخيَّ بعد الخطيئة بالتَّوبة، وأصلح ما أفسدتْه جوارحُك بدوام الاستِغْفار، وهكذا، كلَّما قادك هواك لمعصية، وجرَّتك نفسك الأمَّارة إلى إساءة، فأعقِبْ ذلك بالاستِكانة والأوْبة، والإنابة والتَّوبة،
فهذه المبادرة منك برهانٌ على حياة قلْبِك، وتحرُّك الإيمان بين جنبيْك؛ قال - سبحانه - عن عباده المتَّقين، والموْعودين بجنَّة عرْضها السَّموات والأرض: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].
ثمَّ أبْشِرْ أخي التائب من ذنبِه، فدونك فضائلَ جمَّةً:
يفرح ربُّك بتوْبتك، ويكفِّرُ عنك خطيئتَك، بل ويبدِّلُ سيِّئاتِك حسنات.
يَا مَنْ عَدَا ثُمَّ اعْتَدَى ثُمَّ اقْتَرَفْ ثُمَّ انْتَهَى ثُمَّ ارْعَوَى ثُمَّ اعْتَرَفْ
أَبْشِرْ بِقَوْلِ اللَّهِ فِي آيَاتِهِ إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفْ
بيْد أنَّ التَّوبة أخي التَّائب ليستْ كلِمة تُقال دونما أن يكون لها أثرٌ من حال أو تصديق من فِعال
فالتَّوبة الحقة: انكسار في القلب، وحسرة في الفؤاد.
التوبة الحقة: دمعة في العَيْن ولوعة في الضمير.
التَّوبة الصادقة: ندم على ما فات، وعزمٌ على مجافاة الذَّنب فيما هو آت، وردٌّ لحقوق البريات؛ قال وقوله الحق : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ﴾ [التحريم: 8].
ثانيًا: أخي المذنب - وكلّنا والله ذاك الرَّجل - لا تَسْتَصْغِرِ الذَّنب، ولا تُهوِّن من شأن المعصية؛ فلا تدري، فلعلَّ ما احتقرتَه يكون سببًا لشقائك في الآخرة، وقديمًا قال بلال بن سعد: لا تنظُرْ إلى صِغَر الخطيئة، وانظر إلى عظم مَن عصيت. فاعلم أنه :
♦ دخلتِ النَّارَ امرأةٌ بسبب هرَّة حبستها.
♦ ورجلٌ مُجاهد، كُبَّ في النار على وجهه، من أجل شملة أخذَها.
♦ وربَّ كلمة يتكلَّم بها الرَّجُل ما يلقي لها بالاً، تهوي به في قَعْرِ سقرَ سبعين خريفا ، نعوذ بالله من سقر.
فبقدرِ إيمان العبدِ وتقواه، وخوفه من ربِّه ومولاه، يهون الذنب في قلبِه أو يعظم، قال ابن مسعود - رضي الله عنْه كما في صحيح البخاري -:
« إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ » .
فَقَالَ بِهِ هَكَذَا قَالَ أَبُو شِهَابٍ بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ ).
ولذا حذَّرنا النَّاصح لأمَّته - صلَّى الله عليه وسلَّم - من استحقارِ الذنوب وتهوينها، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ
« إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ». وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلاً كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاَةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَاداً فَأَجَّجُوا نَاراً وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا.) ؛ رواه الإمام أحمد،
فاستعْظِم - أخي المذنب - ذنبَك، واستشعر شناعة خطيئتك، واجعل هذا الذَّنبَ أمامَ عينيْك، واجعل حسناتِك خلْفَ ظهرك، لتبقى بعد ذلك سبَّاقًا للخيرات، ومبادرًا للطَّاعات.
خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى
وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى
لا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً إِنَّ الجِبَالَ مِنَ الحَصَى
ثالثًا: أخي المقصّر - وكلنا وربي مقصِّر - إيَّاك ثمَّ إيَّاك من المجاهرة بالمعاصي، فما ظلمَ عبدٌ نفسه، بمثل استعلانه واستعلائه بالإثم والآثام، وقد دلَّتْ نصوص الوحيين على أنَّ المعاصي الخفيَّة أخفُّ جرمًا وإثمًا من المعاصي المستعلنة؛ ففي محكم التَّنزيل يقول الله سبحانه: ﴿ لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ﴾ [النساء: 148]، وفي صحيح البخاري أن ((أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ »
بل ربَّما كان تستُّر العبدُ بمعصيتِه سببًا لعفو الله ومغفرته ، ففي صحيح البخاري (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِى مَعَ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ ، فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ
« إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ . حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ . فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ )
فتذكَّر أخي المذنب، أنَّ جهارَك بالمعاصي نوعٌ من المنكر تُعاقَب الأمَّةُ عليه إن لم تغيِّره أو تنكره، فلا تكُنْ سببًا لاستِنْزال العقوبات على أمَّتك من حيث لا تشعر.
رابعًا: يا مَن بُلي بالذنب - وكلّنا ذاك المبتَلى – احذر - رعاك الله - أن يكونَ ذنبُك من السيئات المضاعفَة، والخطيئات المتعدِّية، تذكَّر أخي المبارك أنَّ السيّئة تعظم في حالات:
♦ فتعظم إذا كانت في مكانٍ شريف، كحرم الله؛ قال تعالى : ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25].
♦ وتعظم إذا كانت في زمن فاضل؛ قال تعالى عن الأشهُر الحرم: ﴿ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36].
♦ وتعظم السيّئة أيضًا إذا صدرت ممَّن هو قدوة للنَّاس، ومحلٌّ للتأسِّي به؛ قال تعالى :﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾ [الأحزاب: 30].
♦ وتعظم السيِّئة أيضًا: إذا ضعف داعيها: ((فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ - قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ - وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ».رواه مسلم
فإغواء المسلمين وإضلالهم، وزرع الشُّبه في صدورهم، أو الشهوات في نفوسهم - خطيئات متعدِّية، وسيئات مضاعفة، وقد توعَّد الله فاعليها، بقوله: ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [النحل: 25].
ومن المعاصي المتعدية: أن يسنَّ العاصي في الإسلام سنَّة سيّئة، فهذا المسكين له وِزْرُه وذنبه، ووِزْر مَن عمل بعده من غير أن ينقُص من أوزارِهم شيئًا، كما صحَّ بهذا الخبر عن سيّد البشر - صلَّى الله عليه وسلَّم. ففي صحيح مسلم
« مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ».
خامسًا: أخي الخطاء – وكلُّنا وايم الله خطَّاء - استدفع هذه الخطايا بفعل الحسنات، والإكثار منها، لا يقعدنَّك الشيطان عن الطاعة، بسبب أنك مُذنب.
تصور معي - يا عبد الله - هذا الموقف، ثم انظر فضْل الله بعد ذلك على عباده، (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ - قَالَ - فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً دَعَاهُ وَتَلاَ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ (أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً قَالَ « بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً ». رواه مسلم
أيها المسلمون
وكلَّما كانت الحسنة من جنس السيّئة كان ذلك أبلغ في التَّكفير والإذهاب، فإنْ كانت السيّئة من خطايا اللّسان، فليكثر العبد من طاعة الله بلسانه، وإن كانتْ خطيئته سماعَ حرام، فليشنِّف سمعه بالذكر والقرآن. قال شيخ الإسلام: وينبغي أن تكون الحسنات من جنس السيئات؛ فإنَّه أبلغ في المحو.
سادسًا: يا مَن آلمه ذنبُه، وأقلقتْه خطيئته، لا تقنط من رحمة الله، ولا تيئس من رَوْح الله؛ قال الله الغفور الرحيم : ﴿ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]،
فاسمع يا مَن استكثر ذنوبَه، واستثقلَ معاصيه، اسمع لنداء الملك الكريم الغنيّ يناديك فيقول كما في سنن الترمذي : (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ
« قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً »
وهذا ذنبٌ تكاد السموات يتفطَّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدًّا، حينما زعم النَّصارى أنَّ عيسى ابن الله، ومع ذلك يناديهم ربهم، ويحضهم على التوبة، ويعدهم بالمغفرة فيقول: ﴿ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 74].
وهذا شيخ كبير هرم، قد احدودبَ ظهرُه، وابيضَّ شعره، وسقط حاجباه على عينيه، يجرّ خطواته نحو المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد علاه الأسى، وامتلأ قلبه من الرَّجاء، فيقف على رأس النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم –
فيقول: يا رسول الله، شيخ غدرَ وفَجر، ولم يدع حاجةً ولا داجة، إلاَّ اقتطفها بيمينه، لو قُسمت ذنوبُه بين أهل الأرض لأوبقتهم، فهل له من توبة؟ فقال النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أسلمتَ؟)) قال: أمَّا أنا فأشهد أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله،، فقال له النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فإنَّ الله غافر لك ما كنت كذلك، ومبدِّل سيّئاتِك حسنات))، فقال: يا رسول الله، وغدراتي وفجراتي، فقال: ((وغدراتك وفجراتك))، فأدبر الرَّجُل وهو يُكبِّر ويهلِّل من شدة الفرَح حتَّى توارى عن أعين النَّاس ). تفسير ابن أبي حاتم
وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( نداء إلى المذنبين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكم يتمنَّى كلٌّ منَّا أن يترك ويطلِّق هذه المعاصي، وأن يملأ يومه وعمره بحياة طاهرة نقيَّة، لا معاصيَ تكدِّرها، ولا خطيئات تنغصها، ولكن التمني وحده لا يكفي ، بل عليه أن يأخذ بالأسباب
فهناك بعض الأسباب التي - تُعين العبد - بعد توفيق الله تعالى - على ترْك المعاصي وهجرانها، من أهمّها:
♦ أن يتذكَّر العبدُ شؤْمَ المعصية وقبح الذَّنب، فما من شرٍّ يَحصل في نفس العبد وفي دنيا النَّاس، إلاَّ وسبَبه الذّنوب والمعاصي؛ قال تعالى : ﴿ ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].
واعلموا أنه ما زالت نعمةٌ عن عبد إلاَّ بسبب ذنب اقترفه، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ ) وما أجمل قول القائل :
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ وَصُنْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ العِبَادِ فَرَبُّ العِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ
♦ ومما يُعين على ترك الخطايا: استشعارك بمراقبة الله تعالى لك، واطلاعه على كل الأحوال.
فيا مَن زيَّنت له نفسه عصيانَ الله، ويا مَن أزَّه هواه نحو الحرام أزًّا، قِفْ وسَل نفسك: أين الله؟ هل يراني؟ هل يطَّلع على حالي؟ تذكَّر أنَّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السَّماء.
قال تعالى : (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (16) ) لقمان
فتذكَّر أنَّ الله يعلم السّرَّ وأخفى. وتذكَّر أنَّ من أسرَّ القول ومَن جهر سواء في علم الله تعالى.
املأ قلبك - أخي المبارك - من معاني المراقبة لله وتعظيمه، فهو - بإذن الله - صمامُ أمان، يَقيك من أشواك المعاصي وأوْحال السيّئات.
♦ وممَّا يُعين على هجران المعاصي: محاسبة النَّفس على كلّ تقصير، ولوْمها في كلّ حقير، فاجلس - أخي - مع نفسك وحاسبها، واخْلُ بها وعاتبها، تذكَّر فيها شريط خطاياك، واستذْكِر فيها حقوقًا ضيَّعتَها، وحدودًا جاوزْتَها، ورضي الله عن الملهم الفاروق حين قال: "حاسبوا أنفُسَكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوها قبل أن تُوزنوا".
يمكنك أخي متابعة واستكمال بقية هذه الخطبة وغيرها من الخطب المميزة من خلال موقعنا الرسمي على الرابط التالي
http://hamidibrahem.com/