نحن و جيل الصحابة
محسن الشامي
1432/12/18 - 2011/11/14 20:32PM
هذه الخطبة للشيخ ابراهيم العجلان وفقه الله بشئ من التصرف مني
إنّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له الهٌ يغفر الذنوبَ ويستُر العيوب احمده سبحانه أسبغ علينا نعمَه ظاهرةً وباطنة، وأشهد أنَّ محمّدًا عبده ورسوله وخليله ومصطفاه، بلَّغ الرسالَةَ، وأدَّى الأمانة ونصَح الأمّة وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزو جل {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}
إخوة الإيمان : ما أجملَ الحديث حينما يكون عن جيل الصحابة وأخبارهم ومواقِفهم فهم نور تستضيء به الأمةُ في دهورها وغبرات أزمانها. أما وإن حديثنا عنهم اليوم فلن يكونَعن مقامات العبودية التي بلغوها ولا عن درجات التقوى التي صعدوها وإنما سنقف مع مشهد قصير من مشاهد التقصير وكيف تكون حالهم بعد الذنب والتفريط في جنب الله فهذا أحدهم يقف في بستان من بساتين المدينة وبالتحديد في أقاصيها بعيداًعن أعين الناس قد لفته الأشجار من كل جانب لم تذكر لنا دواوين السنة شيئاً عنه لا بكنيته ولا باسمه ،وإنما هو من عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. هذا الرجل لم ينفك عن بشريته وإنسانيته فإذا هو أمامَ امرأةً أجنبية قد زانت في عينه هيئتُها وفي لحظةٍ غاب فيها الإيمانُ ومراقبةُ الملكِ الديان وكان ثالثهما الشيطان أزَّتهُ نفسه الأمارةُ بالسوء ففعل هذا الرجل ما شاء أن يفعل إلا أنه لم يزني بها وبعد سكرةالشهوة ولحظةِ انتصار الهوى على التقوى عاد الرجلُ إلى رشده ، وأحسَّ بمرارة جُرمه فأسِف وتحسر وندم واستغفرولازمته هذه الحسرات والتأوهات زمناً ففكر ثم قرر أن يبوح بهذه الحادثة على أحد الصحابة لعله يجد عنده كفارة لذنبه الذي أهمه فذهب إلى عمر فأخبره الخبر فعظَّم عليه صنيعه وفعله ولم يذكر له كفارةثم ذهب إلى أبي بكر فقص عليه أمره فاستعظمه الصديق وأكبره ولم يذكر له كفاره عندها قرر الرجل أن يأتي الى الرحمة المهداة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولسانُ حاله يقول ليصنعَ بي رسولُ الله ما شاء مضى وعلاماتُ الندم تعلو قسماتِ وجهه ، وحرقةُ الذنبِ تغلي في صدره ، حتى وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ـ والحياءُ يلفه والكلمات تتلجلج في حلقه يا رسول الله إني عالجت امرأةً في أقصى المدينة ، وإني أصبت منهامن دونِ أن أمسها فأنا هذا فاقضي فيَّ ما شئت ماذ افعل نبينا صلى الله عليه وسلم بعد سماع خبره ؟ هلشتمه وعنَّفه ؟هل أغلظ له في القول هل أسمعه سلسلةً من العبارات الجارحة ؟ كلالقد اكتفى بالسكوت حتى لكأنه لم يسمع مقالةَ الرجلجلس الرجلُ فلم يُجب بكلمه ورسول الله ينتظر خبرَ السماء فإذا بالروح الأمين يتنزل على قلب سيد المرسلين بقول رب العالمين {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّالْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} فتلاها الرسول صلى الله عليه وسلم على الرجل المغموم المهموم فقام الرجل وقد انتشى من الفرح وغمرته السعادة وهو يقول ألي هذه يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم((هي لك ولمن عمل بهامن أمتي)) ولنامعاشر المسلمين مع هذا الحدث أحاديث ووقفات الوقفة الأولى أن الخطأ والتقصير لازم لكل نفس مهما بلغت من الصلاح والتقى فالإنسان يستمليه الإغراء ويمليه الإغواء ولا يُعني بذلك التهوين من شأن المعصية أوتبريرها بل المقصودكيف يكون التعاملُ معها وكيف يكون الحالُ بعدهاولقد خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته بقوله (والَّذي نفسي بيدِه، لَو لم تُذْنِبوا لذهَبَ اللَّه بكُم، ولجاء بقومٍ يُذْنِبون فيستغفرون الله فيغْفر لهم)فمجتمع الصحابة لم يكن مجتمعاً ملائكياً فهم بشر يعتريهم ما يعتري البشر من الخطأ وهذا نوع من الضعف {وخلق الإنسان ضعيفاً }لكنهم رضي الله عنهم كانت لهم قلوبٌ حية ونفوسٌ زاكية بتعظيم الله وإجلاله فيُزعجهم ألمُ المعصية وتقلقهم حرارةُ الخطيئة وهكذا الإيمان يفعل في أهله وهكذا ينبغي لكل مؤمن أن تكون له نفسٌ لوامة إن ظلم وتعدى وله قلب خفاق بطلب التوبة والأوبة وله لسان لهاج بطلب العفووالمسامحة .
الوقفة الثانية : المبادرة بالندم والتوبة إذا حل الذنب ووقعت المعصية ، ففي ندم ذلك الصحابي وأسفِه دليلٌ على حياةقلبه وبرهان على عمق التقوى في صدره فهذه القلوب لو لم تكن عامرة بالإيمان لما ظهر عليها هذا التأسف والندم ولو كانت القلوبَ خربةً خاويةً من الإيمان لما تأثرت واضطربت فالقلوبُ المريضة والميتة مطبوعٌ عليها لا يسري إليهاندمٌ ولا يؤثرُ فيها تذكرفنعوذ بالله من مرض القلوب وقسوتها قال سبحانه عن عباده المتَّقين،: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواأَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّاللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَافَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} فهنيئاً لكل تائب فضائلُ ربه التي تنتظره بأن الله يفرح بتوبة عبده ويكفر عنه خطأه بل ويبدل سيئاته حسنات
الوقفة الثالثة: أثر الرفق في معالجةالأخطاء واللين في إسداء النصيحة فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعاتب الصحابي على خطأه وإنما فتح له باب التفاؤل وترفق وتأنى ووجه ونصح بكلمات ملؤها العطف والرحمة فكان لهذه الكلمات أثرها وهكذا الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نُزع من شيء إلا شانه قال تعالى( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}وفي ذلك درس لكل داعية وناصح أن ينصح لإخوانه وأن يفتح لهم باب التفاؤل بفرح الله بتوبة عبده وأن يلين في أيدي إخوانه ولا يكون فضا عابسا في وجه من أخطأ فكلنا ذو خطأ وتفريط وأن يتجنب النصح للمخطئ أمام الناس
الوقفة الرابعة أن هذا الصحابي بقي في حدود اللمم وهوصغائرالذنوب ومع ذلك لم يستصغرالصحابي ذنبه ولم يهوِّن من شأنه بل بلغ من أسفه وألمه أن يبوح بسره للنبي صلى الله عليه وسلمفعلى الإنسان ان لايتساهل في ارتكاب الصغائر فالإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة فلا تحقرن يا عبدالله من الذنوب صغيرة ولا تنظُرْ إلى صِغَر الخطيئة وانظر إلى عظمِ مَن عصيت فلقد دخلتِ النَّارَ امرأةٌ بسببهرَّة حبستها وربَّ كلمة يتكلَّم بها الرَّجُل ما يلقي لها بالاً تهوي به في قَعْرِ سقرَ نعوذ بالله من سقر وبقدرِ إيمان العبدِ وتقواه وخوفه من ربِّه يهون الذنب في قلبِه أو يعظم اللهم إنا نسألك الهدى .... بارك الله لي ولكم ...
الحمدلله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا اله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي الى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد عباد الله اتقوا الله وأطيعوه وراقبوا أمره ولا تعصوه ومن الوقفات في هذه القصة :أن هذا الصحابي لم يجاهر بمعصيته ولم يحدَّث بها إلا طلباً للكفارة عنهاولقد زاد وكثر في هذا الزمن المفاخرة بالذنب والمجاهرة فيه والتسلي به في المجالس، وقد قال الله تعالى { لاّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنظُلِمَ} .ولقد أصبحت المفاخرة بالذنب عنوان لكل ضائع وملهى لكل شقي وروح لكل غافل ، حيث يتفاخر الرجل ويتحدث أمام الناس ما حدث في ليلته وما ساقته عبرته وما طفئ شهوته، وانها والله لمعصية كبيرة لمن يراها بعين البصيرة وذنب كبير لمن يقف مذهولا عندما يسمع المجاهرة بالذنوب التي تودي للدرك الأسفل من النار استخفافا بأوامر الله تعالى ونواهيه، كأنه لا يلقي لهابالا، وهي بمثابة دعوى للآخرين بارتكاب المعاصي، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم: (( من دعا إلى هُدَى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً' رواه مسلم، والمجاهرة دليل على سوء الخلق وقسوة القلب واستحكام الغفلة من قلب المجاهر في معصية الله سبحانه واستحلال ما حرم الله تعالى ونهى عنه.فالمجاهرة بالمعصية معصية أخرى ، وما ظلم عبدٌ نفسَه بمثلاستعلانه بالآثام ، ومباهاتِه بالحرام .يقول صلَّى الله عليْه وسلَّم((كلّ أمَّتي معافًى إلاَّ المجاهرون، وإنَّ من المجاهَرة أن يَعْمَل الرَّجُل باللَّيل عملاً ثمَّ يُصْبِح وقد سَتَرهالله، فيقول يا فلانُ عمِلْتُ البارحة كذا وكذا وقد باتَ يستُره ربُّه ويصبح يكشِف سِتْرَ الله عنه)) أخرجه البخاري.بل ربَّما كان تستُّر العبدُبمعصيتِه سببًا لعفو الله ومغفرته، اللهم اغفر لنا ذنوبنا جلها ودقها كبيرها وصغيرها علانيتها وسرها اللهم واسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض وصلوا وسلموا
إنّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له الهٌ يغفر الذنوبَ ويستُر العيوب احمده سبحانه أسبغ علينا نعمَه ظاهرةً وباطنة، وأشهد أنَّ محمّدًا عبده ورسوله وخليله ومصطفاه، بلَّغ الرسالَةَ، وأدَّى الأمانة ونصَح الأمّة وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزو جل {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}
إخوة الإيمان : ما أجملَ الحديث حينما يكون عن جيل الصحابة وأخبارهم ومواقِفهم فهم نور تستضيء به الأمةُ في دهورها وغبرات أزمانها. أما وإن حديثنا عنهم اليوم فلن يكونَعن مقامات العبودية التي بلغوها ولا عن درجات التقوى التي صعدوها وإنما سنقف مع مشهد قصير من مشاهد التقصير وكيف تكون حالهم بعد الذنب والتفريط في جنب الله فهذا أحدهم يقف في بستان من بساتين المدينة وبالتحديد في أقاصيها بعيداًعن أعين الناس قد لفته الأشجار من كل جانب لم تذكر لنا دواوين السنة شيئاً عنه لا بكنيته ولا باسمه ،وإنما هو من عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. هذا الرجل لم ينفك عن بشريته وإنسانيته فإذا هو أمامَ امرأةً أجنبية قد زانت في عينه هيئتُها وفي لحظةٍ غاب فيها الإيمانُ ومراقبةُ الملكِ الديان وكان ثالثهما الشيطان أزَّتهُ نفسه الأمارةُ بالسوء ففعل هذا الرجل ما شاء أن يفعل إلا أنه لم يزني بها وبعد سكرةالشهوة ولحظةِ انتصار الهوى على التقوى عاد الرجلُ إلى رشده ، وأحسَّ بمرارة جُرمه فأسِف وتحسر وندم واستغفرولازمته هذه الحسرات والتأوهات زمناً ففكر ثم قرر أن يبوح بهذه الحادثة على أحد الصحابة لعله يجد عنده كفارة لذنبه الذي أهمه فذهب إلى عمر فأخبره الخبر فعظَّم عليه صنيعه وفعله ولم يذكر له كفارةثم ذهب إلى أبي بكر فقص عليه أمره فاستعظمه الصديق وأكبره ولم يذكر له كفاره عندها قرر الرجل أن يأتي الى الرحمة المهداة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولسانُ حاله يقول ليصنعَ بي رسولُ الله ما شاء مضى وعلاماتُ الندم تعلو قسماتِ وجهه ، وحرقةُ الذنبِ تغلي في صدره ، حتى وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ـ والحياءُ يلفه والكلمات تتلجلج في حلقه يا رسول الله إني عالجت امرأةً في أقصى المدينة ، وإني أصبت منهامن دونِ أن أمسها فأنا هذا فاقضي فيَّ ما شئت ماذ افعل نبينا صلى الله عليه وسلم بعد سماع خبره ؟ هلشتمه وعنَّفه ؟هل أغلظ له في القول هل أسمعه سلسلةً من العبارات الجارحة ؟ كلالقد اكتفى بالسكوت حتى لكأنه لم يسمع مقالةَ الرجلجلس الرجلُ فلم يُجب بكلمه ورسول الله ينتظر خبرَ السماء فإذا بالروح الأمين يتنزل على قلب سيد المرسلين بقول رب العالمين {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّالْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} فتلاها الرسول صلى الله عليه وسلم على الرجل المغموم المهموم فقام الرجل وقد انتشى من الفرح وغمرته السعادة وهو يقول ألي هذه يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم((هي لك ولمن عمل بهامن أمتي)) ولنامعاشر المسلمين مع هذا الحدث أحاديث ووقفات الوقفة الأولى أن الخطأ والتقصير لازم لكل نفس مهما بلغت من الصلاح والتقى فالإنسان يستمليه الإغراء ويمليه الإغواء ولا يُعني بذلك التهوين من شأن المعصية أوتبريرها بل المقصودكيف يكون التعاملُ معها وكيف يكون الحالُ بعدهاولقد خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته بقوله (والَّذي نفسي بيدِه، لَو لم تُذْنِبوا لذهَبَ اللَّه بكُم، ولجاء بقومٍ يُذْنِبون فيستغفرون الله فيغْفر لهم)فمجتمع الصحابة لم يكن مجتمعاً ملائكياً فهم بشر يعتريهم ما يعتري البشر من الخطأ وهذا نوع من الضعف {وخلق الإنسان ضعيفاً }لكنهم رضي الله عنهم كانت لهم قلوبٌ حية ونفوسٌ زاكية بتعظيم الله وإجلاله فيُزعجهم ألمُ المعصية وتقلقهم حرارةُ الخطيئة وهكذا الإيمان يفعل في أهله وهكذا ينبغي لكل مؤمن أن تكون له نفسٌ لوامة إن ظلم وتعدى وله قلب خفاق بطلب التوبة والأوبة وله لسان لهاج بطلب العفووالمسامحة .
الوقفة الثانية : المبادرة بالندم والتوبة إذا حل الذنب ووقعت المعصية ، ففي ندم ذلك الصحابي وأسفِه دليلٌ على حياةقلبه وبرهان على عمق التقوى في صدره فهذه القلوب لو لم تكن عامرة بالإيمان لما ظهر عليها هذا التأسف والندم ولو كانت القلوبَ خربةً خاويةً من الإيمان لما تأثرت واضطربت فالقلوبُ المريضة والميتة مطبوعٌ عليها لا يسري إليهاندمٌ ولا يؤثرُ فيها تذكرفنعوذ بالله من مرض القلوب وقسوتها قال سبحانه عن عباده المتَّقين،: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواأَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّاللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَافَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} فهنيئاً لكل تائب فضائلُ ربه التي تنتظره بأن الله يفرح بتوبة عبده ويكفر عنه خطأه بل ويبدل سيئاته حسنات
الوقفة الثالثة: أثر الرفق في معالجةالأخطاء واللين في إسداء النصيحة فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعاتب الصحابي على خطأه وإنما فتح له باب التفاؤل وترفق وتأنى ووجه ونصح بكلمات ملؤها العطف والرحمة فكان لهذه الكلمات أثرها وهكذا الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نُزع من شيء إلا شانه قال تعالى( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}وفي ذلك درس لكل داعية وناصح أن ينصح لإخوانه وأن يفتح لهم باب التفاؤل بفرح الله بتوبة عبده وأن يلين في أيدي إخوانه ولا يكون فضا عابسا في وجه من أخطأ فكلنا ذو خطأ وتفريط وأن يتجنب النصح للمخطئ أمام الناس
الوقفة الرابعة أن هذا الصحابي بقي في حدود اللمم وهوصغائرالذنوب ومع ذلك لم يستصغرالصحابي ذنبه ولم يهوِّن من شأنه بل بلغ من أسفه وألمه أن يبوح بسره للنبي صلى الله عليه وسلمفعلى الإنسان ان لايتساهل في ارتكاب الصغائر فالإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة فلا تحقرن يا عبدالله من الذنوب صغيرة ولا تنظُرْ إلى صِغَر الخطيئة وانظر إلى عظمِ مَن عصيت فلقد دخلتِ النَّارَ امرأةٌ بسببهرَّة حبستها وربَّ كلمة يتكلَّم بها الرَّجُل ما يلقي لها بالاً تهوي به في قَعْرِ سقرَ نعوذ بالله من سقر وبقدرِ إيمان العبدِ وتقواه وخوفه من ربِّه يهون الذنب في قلبِه أو يعظم اللهم إنا نسألك الهدى .... بارك الله لي ولكم ...
الحمدلله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا اله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمد عبده ورسوله الداعي الى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد عباد الله اتقوا الله وأطيعوه وراقبوا أمره ولا تعصوه ومن الوقفات في هذه القصة :أن هذا الصحابي لم يجاهر بمعصيته ولم يحدَّث بها إلا طلباً للكفارة عنهاولقد زاد وكثر في هذا الزمن المفاخرة بالذنب والمجاهرة فيه والتسلي به في المجالس، وقد قال الله تعالى { لاّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنظُلِمَ} .ولقد أصبحت المفاخرة بالذنب عنوان لكل ضائع وملهى لكل شقي وروح لكل غافل ، حيث يتفاخر الرجل ويتحدث أمام الناس ما حدث في ليلته وما ساقته عبرته وما طفئ شهوته، وانها والله لمعصية كبيرة لمن يراها بعين البصيرة وذنب كبير لمن يقف مذهولا عندما يسمع المجاهرة بالذنوب التي تودي للدرك الأسفل من النار استخفافا بأوامر الله تعالى ونواهيه، كأنه لا يلقي لهابالا، وهي بمثابة دعوى للآخرين بارتكاب المعاصي، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم: (( من دعا إلى هُدَى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً' رواه مسلم، والمجاهرة دليل على سوء الخلق وقسوة القلب واستحكام الغفلة من قلب المجاهر في معصية الله سبحانه واستحلال ما حرم الله تعالى ونهى عنه.فالمجاهرة بالمعصية معصية أخرى ، وما ظلم عبدٌ نفسَه بمثلاستعلانه بالآثام ، ومباهاتِه بالحرام .يقول صلَّى الله عليْه وسلَّم((كلّ أمَّتي معافًى إلاَّ المجاهرون، وإنَّ من المجاهَرة أن يَعْمَل الرَّجُل باللَّيل عملاً ثمَّ يُصْبِح وقد سَتَرهالله، فيقول يا فلانُ عمِلْتُ البارحة كذا وكذا وقد باتَ يستُره ربُّه ويصبح يكشِف سِتْرَ الله عنه)) أخرجه البخاري.بل ربَّما كان تستُّر العبدُبمعصيتِه سببًا لعفو الله ومغفرته، اللهم اغفر لنا ذنوبنا جلها ودقها كبيرها وصغيرها علانيتها وسرها اللهم واسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض وصلوا وسلموا