نتائج اختبارات الدنيا.. ونتائج اختبارات الآخرة

عبدالرحمن محمد صالح الحمد
1445/11/22 - 2024/05/30 10:16AM

 

أيها المسلمون:

بعد أيام قلائل سوف ينتظر الطلابُ نتائج امتحاناتهم، بين الآمال والمخاوف، والترقب والحذر، وهذا الانتظار للنتائج يذكرنا بانتظار النتيجة الكبرى، لكل إنسان يوم العرض على الله، فالإنسان ما دام حيًا فهو في امتحان، ولكن هذا الامتحان لا يحده زمان ولا مكان؛ وإذا كان الاهتمام بنتيجة اختبار الأبناء واردة، فكذلك نتيجة الاختبار في الآخرة يجب أن نهتم بها.

تصور أيها المسلم الكريم، الناسَ وهم على أرض المحشر، ينتظرون الفصل والقضاء، والأمر مجهول، والمصير إلى إحدى الدارين فلا ثالث لهما؛ إن الناس يخرجون من قبورهم حفاةً بلا أحذية، وعراة بلا ملابس، وغرلًا، (لم يختتنوا) الرجال والنساء، الأغنياء والفقراء، الكبار والصغار، الرؤساء والمرؤوسون، روى الإمام أحمد ‘ عن عائشة ڤ أنها ذكرت النار فبكت، فقال رسول الله ﷺ: (ما يبكيك؟) قالت: ذكرت النار فبكيتُ فهل تذكرون أهليكم يومَ القيامة؟ فقال رسول الله ﷺ: (أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحدًا: عند الميزان حتی يعلم أيخفُّ میزانه أو يثقل، وعند الكتاب حين يقول: هاؤم اقرؤوا كتابيه، حتى يعلم أين يقعُ كتابه أفي يمينه، أم في شماله، أم من وراء ظهره، وعند الصراط إذا وُضع بين يدي جهنم).

وعندما سمعت عائشة ڤ رسول الله ﷺ يقول: (یحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلًا)؛ قالت: يا رسول الله الرجال والنساء جميعًا، ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: (يا عائشة، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض) رواه البخاري ومسلم.

وقد ذكر بعض العلماء: أن أهل الجنة إذا وافوا الموقف يكونون عراةً ثم يلبسون من ثياب الجنة.

وروى البخاري أن النبي ﷺ قال: (إن أول الخلائق يکسی یوم القيامة إبراهيم الخليل). قال بعض المحققين:

يحتمل أن يكون الذين ألقوه في النار جردوه، ونزعوا ثيابه أمام أعين الناس، فجوزي بکسوته يوم القيامة أول الناس على رؤوس الأشهاد).

وهكذا معشر المسلمين: فانتظار نتائج امتحان الأبناء، يذكّر المسلم ساعة تطاير الصحف، والناس بين آخذ كتابه بيمينه، أو بشماله، أو من وراء ظهره، كما جاء في الحديث.

إن انقسام الطلاب إلى فريقين بعد إعلان النتائج بين الفرح بالنجاح، والحزن بسبب الإخفاق، بين الراحة والهناء، بين الربح والخسران، والقلق والاطمئنان، ليذكر بانقسام الناس بعد تطاير الصحف إلى فرح مسرور، مستبشر هانئ، ناس كل آلام الدنيا قائل من شدة الفرح: ﮋ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) ﮊ [ الحاقة: ۱۹-۲۰ ]، وإلى شقي متألم نادم حزين، يقول إذا تناول كتابه:

ﮋ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) ﮊ [ الحاقة: 25-29 ].

إن الله ۵ يذكر لنا مصير كل فريق، وما ينتظره في الآخرة؛ قال تعالى عن الفائز الذي يأخذ كتابه بيمينه:

ﮋ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)  ﮊ [ الحاقة: ٢١_٢٤ ].

وقال عن الفريق الذي يأخذ كتابه بشماله نسأل الله العافية:

ﮋ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) ﮊ [الحاقة: ۳۰-۳۲ ].

أيها المسلمون:

إن اللحظات التي نمر بها، ولا نستغلها بالطاعة والعمل الصالح، تعدُّ اختبارًا، وامتحانًا فما أجمل أن يجتهد الإنسان على قدر استطاعته؛ ليجتاز ذلك الاختبار بنجاح وكفاءة ! إن كل شيء في حياتنا اختبارٌ لنا، حتى النية في الصدر وما يسر الضمير.

قال الله - تعالى -: ﮋ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﮊ [الملك: ٢ ]، أي: (ليختبركم).

كم من إنسان تنقص ميزان حسناته ابتسامةٌ لن تضره فرط بها ولم يفكر في نتائجها! وكم من إنسان يقع في خسارة كبيرة؛ بسبب كلمة تفوّه بها لم يفكر في نتائجها، أو بسبب ظلم وقع منه! ألم تدخل النار امرأة بسبب هرة حبستها؟! فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.

ألا فليجتهد كلُّ إنسان في اختبار، تكون نتيجته بين يدي الله - تعالى - وعلى رؤوس الخلائق أجمعين، يشهدها الأنبياء والمرسلون، والبشر أجمعون الأولون والآخرون، فإما أن يقال: سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، أو يقال: شقي فلان بن فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا.

قال الله - تعالى -: ﮋ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)   ﮊ [ الزمر: 68-70 ].

أيها المسلمون:

لو لم يكن سوى انتظار النتيجة في الآخرة لكفى حزنًا، فكيف إذا كان الفوز بعدها هو الفوز الحقيقي كما قال الله - تعالى -: ﮋ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﮊ [ التوبة: ۷۲ ]، والخسارة في الآخرة هي الخسارة الحقيقية. 

قال الله - تعالى -: ﮋ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُﭼ  [ الزمر: ١٥ ].

فاجتهد أيها المسلم الكريم؛ لتحقيق الفوز في الآخرة، وتأكد أن النتائج قد تكون قريبة فما بين الإنسان وبينها سوى توقف نَفَسه.

أسئلة ذلك الامتحان معروفة ومعلومة لكل أحد، أسئلة عن الأصول الثلاثة:

من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟

فأما المؤمن فإن إجاباته تكون صحيحة يقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد ﷺ، وأما الكافر والمنافق فسوف يقول: هاه هاه لا أدري. كما جاء ذلك في الحديث الصحيح.

أيام ذلك الاختبار تمتد وتمتد إلى آخر أيام الإنسان، فما دام على قيد الحياة فإنه تحت الاختبار، فالحياة كلها ابتلاء، وامتحان، واختبار.

وأسباب النجاح والتفوق تكون بالصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على قضاء الله ۵ المؤلم، وتكون بالصلاة فرضها ونقلها، وتكون بتفويض الأمر لله ۵ وشكر نعمه.

قال الله - تعالى-: ﮋ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَﮊ [ البقرة: ١٥٣ ].

وقال الله - تعالى -: ﮋ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﮊ [ البقرة: ١٥٥_١٥٦ ].

وإذا كانت درجات النجاح في الدنيا متفاوتة، فإنها في الآخرة متفاوتة أيضًا، وأعظمها ما ذكره الله - جل وعلا - بقوله: ﮋ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ  ﮊ [ البقرة: ١٥٧ ].

قال عمر بن الخطاب ﭬ: نعم العدلان ونعمت العلاوة: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة)، فهذان العدلان، (وأولئك هم المهتدون) فهذه العلاوة فهؤلاء أعطوا ثوابهم وزيد عليه أيضًا.

والهدف من الامتحان الأخروي، والغرض منه، ليتضح الصادقُ من الكاذب، والمؤمنُ من المنافق. كما قال الله ۵: ﮋ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﮊ [ العنكبوت: ٣ ]، وقال: ﮋ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ﮊ [ العنكبوت: ١١ ].

المرفقات

1717053359_نتائج اختبارات الدنيا.. واختبارات الآخرة.docx

المشاهدات 763 | التعليقات 0