نَبْشُ الصُدُورِ
يوسف العوض
الخُطْبَةُ الأُولى :
الْحَمْدُ لله عَظِيمِ الْإحْسَانِ، وَاسِعِ الْغُفْرَانِ، خَالَقِ الْإِنْسَانِ، وَمُعَلِّمِ الْبَيَانِ.
وَأَشْهَدُ أَلَا إلَهُ إلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الدَّيَّانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّم عَلَيهِ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ لِهُمْ بِإحْسَانٍ.
( يا أَيِّهَا الَّذِينَ آمنوا اِتَّقَوْا اللَّهَ حَقَّ تقاتِهِ وَلَا تُمَوِّتِنَّ إلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
يا أيّها المؤمنون: لَيْسَ أَريحُ لِقَلْبِ الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ وَلَا أَسَعْدُ لِنَفْسِهِ مِنْ حُسْن الظَّنِّ، فَبِهِ يَسْلَمُ مِنْ أَذَى الْخَوَاطِرِ الْمُقْلِقَةِ الَّتِي تؤذي النَّفْسَ وَتُكْدِّرُ الْبَالَ، وَتُتْعِبُ الْجَسَدَ اِمْتِثَالَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:(إِيَّاكُمْ وَاِلْظَنَّ ؛ فَإِنْ الظَّنّ أَكْذَبُ الْحَديثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تحاسدوا، وَلَا تباغضوا، وَلَا تَدَابِرُوا، وَكَوَّنُوا عِبَادَ اللَّهِ إخوانًا...) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
أيّها المسلمون: تأمّلوا في هذه القصةِ التي رواها الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنْ السِّلَاحِ قَالَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ ..) أيها المؤمنون هذا الحديثُ يُعلمنا أنه لَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ النَّاسِ بِالظَّوَاهِرِ أما َالْبَوَاطِنُ والنوايا وَالْمَقَاصِدُ فأمْرُهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ولذلك ينبغي أَنْ نَسْلُكَ أُمُوراً تُعِينُنا عَلَى إحْسَان الظَّنِّ بالآخرين،وعدمِ اتِهامِهم جُزافاً وَمِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ:
أولا / الدُّعَاءُ: فَإِنّهُ بَابُ كُلِّ خَيْرٍ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَرْزُقَهُ قَلْبًا سَلِيمًا.
ثانيا / إِنْزَالُ النَّفْسِ مَنْزِلَةَ الْغَيْرِ: فَلَوْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدِ مَنَّا عِنْدَ صُدُورِ فَعَلٍّ أَوْ قُوِّلٍ مِنْ أَخِيهِ وَضْع نَفْسهُ مَكَانهُ لحَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى إحْسَانِ الظَّنِّ بالآخرين، وَقَدْ وَجْه اللَّهُ عِبَادهُ لِهَذَا الْمُعَنَّى حِينَ قَالِ سُبْحَانهُ(لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا) .
ثالثا / حَمْلُ الْكَلَاَمِ عَلَى أَحَسَنِ الْمَحَامِلِ: قَالَ عُمَرُ بُنِّ الْخُطَّابِ رَضِيَّ اللَّه عَنهُ( لَا تَظُنّْ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ شَرًّا، وَأَنْتَ تَجَدُّ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْملاً).
رابعا / اِلْتِمَاسُ الْأَعْذَارِ للآخرين: فَعِنْدَ صُدُورِ قَوْلٍ أَوْ فَعَلٍّ يُسَبِّبُ لَكَ ضِيِقًا أَوْ حُزْنًا حَاوَلْ اِلْتِمَاسَ الْأَعْذَارِ، وَاسْتحْضِرْ حَالَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُحَسِنُونَ الظَّنَّ وَيَلْتَمِسُونَ الْمَعَاذِيرَ حَتَّى قَالُوا: (اِلْتَمَسَ لِأَخِيكَ سَبْعِينَ عُذْرًا) .
خامسا / تَجْنِبْ الْحُكْمَ عَلَى النِّيَّاتِ: وَهَذَا مِنْ أَعَظْمِ أَسَبابِ حُسْنِ الظَّنِّ ؛ حَيْثُ يَترُكُ الْعَبْدُ السَّرَائِرَ إِلَى الَّذِي يَعْلَمُهَا وَحْدُهُ سُبْحَانهُ، وَاللَّه لَمْ يَأْمُرْنَا بِشِقِّ الصُّدُورِ .
سادسا/ اِسْتِحْضَارُ آفاتِ سُوءِ الظَّنِّ: فَمِنْ سَاءَ ظَنُّهُ بِالنَّاسِ كَانَ فِي تَعَبِ وَهُمْ لَا يَنْقَضِيَ فَضْلًا عَنْ خَسَارَتِهِ لِكُلُّ مِنْ يُخَالِطُهُ حَتَّى أقْرَبَ النَّاسِ إِلَيْهِ ؛ إِذْ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ الْخَطَأُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ .
الخُطْبَةُ الثَانِيَةُ :
الحَمْدُ للّهِ وكَفَى والَّصَلاةُ والسَلامُ عَلى عَبْدِهِ المُصْطَفى وعَلى آلِه وصَحْبِهِ ومَنْ اقْتَفَى ..
أيّها المُسلمونَ : إِنّ إحْسَانَ الظَّنِّ بِالنَّاسِ يَحْتَاجُ إِلَى كَثِيرٍ مَنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ لِحَمْلِهَا عَلَى ذَلِكَ، خَاصَّةً وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ اِبْنِ آدَم مَجْرَى الدَّمِ، وَلَا يَكَادُ يَفْتُرُ عَنِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّحْرِيشِ بَيْنهُمْ، وَأَعْظِمُ أَسَبَّابِ قَطْع الطَّرِيقِ عَلَى الشَّيْطَانِ هُوَ إحْسَانُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ.
رَزَقَنَا اللَّهُ قَلُوبًا سَلِيمَةً، وَأَعَانَنَا عَلَى إحْسَانِ الظَّنِّ بِإِخْوَانِنَا، وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.