(نار الآخرة (7) طعام أهل النار) للشيخ إبراهيم الحقيل

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) [الزُّمَرِ: 5]، نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ؛ فَهُوَ سُبْحَانُهُ الْحَكِيمُ فِي أَفْعَالِهِ، الرَّحِيمُ بِعِبَادِهِ، الْمُدَبِّرُ لِمَخْلُوقَاتِهِ (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [سَبَأٍ: 3]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَا يُصِيبُ عِبَادَهُ بِبَلَاءٍ إِلَّا مَحَّصَ بِهِ ذُنُوبَهُمْ، وَكَتَبَ أُجُورَهُمْ، مَتَى مَا صَبَرُوا وَاحْتَسَبُوا (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزُّمَرِ: 10]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَخْبَرَ عَنِ الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ؛ تَرْغِيبًا لِأُمَّتِهِ فِيهَا، وَحَضًّا لَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ لَهَا. وَأَخْبَرَ عَنِ النَّارِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ؛ تَرْهِيبًا لِأُمَّتِهِ مِنْهَا، وَتَحْذِيرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِهَا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَخُذُوا مِنْ حَرِّ الدُّنْيَا عِبْرَةً لِحَرِّ الْآخِرَةِ فِي الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ، وَأَعْظَمُ مِنْهُ حَرُّ نَارِ السَّعِيرِ، وَارْجُوا مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْقَائِلِينَ فِي الْآخِرَةِ: (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطُّورِ: 26 - 28].

أَيُّهَا النَّاسُ: فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ذِكْرٌ لِعَذَابِ أَهْلِ النَّارِ مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا؛ لِتُحَاصِرَ الْمُؤْمِنَ الْمَوَاعِظُ فَيَتَذَكَّرَ فِي كُلِّ حِينٍ، وَإِذَا غَفَلَ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَنَبَّهَهُ إِلَى مَا يَسْتَقْبِلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعَمِلَ لَهُ، حَتَّى يُوَافِيَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.

وَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ حَرٌّ شَدِيدٌ، وَعَطَشٌ شَدِيدٌ، وَشَمْسٌ حَارِقَةٌ، يَتَأَذَّى مِنْ حَرَارَتِهَا وَشِدَّتِهَا مَنْ يَتَعَرَّضُ لَهَا. وَلَا يَضِيعُ لِلْمُؤْمِنِ أَجْرُ هَذَا الْأَذَى، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ خُرُوجُهُ وَتَعَرُّضُهُ لِلشَّمْسِ فِي طَاعَةٍ؛ كَالْمَشْيِ لِلْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَأَدَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ وَالِدَيْهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَعَمَلِهِ الَّذِي يُعِفُّهُ وَيُغْنِيهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ -وَهُوَ يُعَالِجُ شِدَّةَ الْحَرِّ- أَنْ يَتَذَكَّرَ نِعَمَ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَيْهِ بِالثِّمَارِ الْيَانِعَةِ الَّتِي يُنْضِجُهَا الْحَرُّ فَيَتَنَعَّمُ بِهَا فِي صَيْفِهِ، وَتُخَفِّفُ عَنْهُ لَهِيبَ حَرِّهِ. وَأَهْلُ النَّارِ لَا يَجِدُونَ إِلَّا طَعَامًا مِنْ نَارٍ، وَشَرَابًا مِنْ نَارٍ، وَلِبَاسًا مِنْ نَارٍ.

وَفِي طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ يَجِبُ أَنْ يَرْهَبَ مِنْهَا قَارِئُ الْقُرْآنِ، وَيَسْتَجِيرَ بِاللَّهِ -تَعَالَى- مِنَ النَّارِ.

وَمِنْ أَشْهَرِ أَطْعِمَةِ أَهْلِ النَّارِ -أَجَارَنَا اللَّهُ -تَعَالَى- مِنْهَا وَوَالِدِينَا وَالْمُسْلِمِينَ- الزَّقُّومُ، وَهُوَ طَعَامٌ خَبِيثٌ مُنْتِنٌ كَرِيهٌ يَغْلِي نَارًا فَيَحْرِقُ جَوْفَ آكِلِهِ وَأَمْعَاءَهُ، وَهُوَ ثَمَرَةُ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ فِي النَّارِ فَتَصْلَى بِهَا لِتَكُونَ طَعَامًا لِأَهْلِهَا (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) [الدُّخَانِ: 43 - 46]. وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- مَا أَعَدَّ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ لَذِيذِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ قَالَ –سُبْحَانَهُ-: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) [الصَّافَّاتِ: 62 - 68]. وَفِي مَقَامٍ ثَالِثٍ قَالَ سُبْحَانَهُ: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) [الْوَاقِعَةِ: 51 - 56]. قَالَ قَتَادَةُ: "ذُكِرَتْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، فَافْتَتَنَ بِهَا أَهْلُ الضَّلَالَةِ، وَقَالُوا: صَاحِبُكُمْ يُنْبِئُكُمْ أَنَّ فِي النَّارِ شَجَرَةً، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) غُذِّيَتْ مِنَ النَّارِ، وَمِنْهَا خُلِقَتْ".

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَمَّا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَجَرَةَ الزَّقُّومِ تَخْوِيفًا لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ تَدْرُونَ مَا شَجَرَةُ الزَّقُّومِ الَّتِي يُخَوِّفُكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: عَجْوَةُ يَثْرِبَ بِالزُّبْدِ، وَاللَّهِ لَئِنِ اسْتَمْكَنَّا مِنْهَا لَنَتَزَقَّمَنَّهَا تَزَقُّمًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ)، وَأَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) الْآيَةَ.

وَمَعْنَى الْآيَةِ: إِنَّمَا أَخْبَرْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ اخْتِبَارًا تَخْتَبِرُ بِهِ النَّاسَ، مَنْ يُصَدِّقُ مِنْهُمْ مِمَّنْ يُكَذِّبُ؛ كَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) [الْإِسْرَاءِ:60].

وَيَكْشِفُ بَشَاعَةَ الزَّقُّومِ وَخُبْثَهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي الْأَرْضِ، لَأَمَرَّتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعِيشَتَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ طَعَامُهُ، وَلَيْسَ لَهُ طَعَامٌ غَيْرُهُ؟!" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ).

وَمِنْ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ: الْغِسْلِينُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ) [الْحَاقَّةِ: 35 - 37]. وَهُوَ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الْحَرَارَةِ، وَنَتَنِ الرِّيحِ، وَقُبْحِ الطَّعْمِ وَمَرَارَتِهِ، لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ الذَّمِيمَ إِلَّا الْخَاطِئُونَ الَّذِينَ أَخْطَأُوا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَسَلَكُوا سُبُلَ الْجَحِيمِ؛ فَلِذَلِكَ اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ.

وَمِنْ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ: مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- بِقَوْلِهِ: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا * إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا) [الْمُزَّمِّلِ: 11-13]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "يَنْشَبُ فِي الْحَلْقِ فَلَا يَدْخُلُ وَلَا يَخْرُجُ".

وَمِنْ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ: الضَّرِيعِ (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) [الْغَاشِيَةِ: 6- 7]، أَيْ: يُطْعَمُونَ طَعَامَ إِيلَامٍ وَتَعْذِيبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ لَهُمْ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ أَلَمًا، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الطَّعَامِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَسُدَّ جُوعَ صَاحِبِهِ وَيُزِيلَ عَنْهُ أَلَمَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَسْمَنَ بَدَنُهُ مِنَ الْهُزَالِ، وَهَذَا الطَّعَامُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، بَلْ هُوَ طَعَامٌ فِي غَايَةِ الْمَرَارَةِ وَالنَّتَنِ وَالْخِسَّةِ. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.

وَالْمُعَذَّبُونَ طَبَقَاتٌ: فَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الزَّقُّومِ، وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الْغِلْسِينِ، وَمِنْهُمْ أَكَلَةُ الضَّرِيعِ.

نَعُوذُ بِاللَّهِ -تَعَالَى- مِنَ النَّارِ وَمِمَّا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ النَّجَاةَ مِنْهَا، اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) [الْفُرْقَانِ: 65- 66].

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آلِ عِمْرَانَ: 131 - 132].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ فَوَائِدِ الصَّيْفِ وَشِدَّةِ الْحَرِّ إِنْضَاجُ الثِّمَارِ وَكَثْرَتُهَا وَتَنَوُّعُهَا؛ فَيَسْتَمْتِعُ النَّاسُ بِهَا، وَالثِّمَارُ الطَّيِّبَةُ تُخَفِّفُ سِيَاطَ الشَّمْسِ الْمُحْرِقَةِ، وَالسَّمُومِ اللَّافِحَةِ.

وَأَهْلُ النَّارِ يَطْلُبُونَ الطَّعَامَ وَلَا يَجِدُونَهُ (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) [الْأَعْرَافِ: 50- 51]، فَحِينَ يَبْلُغُ مِنْهُمُ الْعَذَابُ كُلَّ مَبْلَغٍ، وَحِينَ يَمَسُّهُمُ الْجُوعُ الْمُفْرِطُ وَالظَّمَأُ الْمُوجِعُ يَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ، وَيَطْلُبُونَ إِفَاضَةَ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ عَلَيْهِمْ. فَلَا يُجَابُ طَلَبُهُمْ، وَلَا يُخَفَّفُ عَذَابُهُمْ.

هَذَا؛ وَقَدْ كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وَيَعْتَبِرُونَ بِآيَاتِهِ، وَيَتَأَثَّرُونَ بِمَوَاعِظِهِ، فَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. وَلَرُبَّمَا مَنَعَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ وَلَذَتِهِ تَذَكُّرُ أَطْعِمَةِ أَهْلِ النَّارِ. عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: "أُتِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِعَشَائِهِ، وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَرَأَ: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا) فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي، حَتَّى رُفِعَ طَعَامُهُ وَمَا تَعَشَّى وَإِنَّهُ لَصَائِمٌ".

وَقَرَأَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَيْلَةً عِنْدَ إِفْطَارِهِ: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ) فَبَقِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَطْعَمُ. وَقَالَ عَطَاءٌ السُّلَمِيُّ: "إِنَّنِي إِذَا ذَكَرْتُ جَهَنَّمَ مَا يُسِيغُنِي طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ". وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَقُولُ: "الْخَوْفُ يَمْنَعُنِي مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَا أَشْتَهِيهِ".

فَلْنَعْتَبِرْ -عِبَادَ اللَّهِ- بِمَا يَمُرُّ بِنَا مِنْ مَوْجَةِ حَرٍّ، وَلْنَحْتَسِبِ الْأَجْرَ فِيهَا، وَنَجْتَهِدْ فِي الطَّاعَاتِ الَّتِي تُنْجِي مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَنُحَاذِرِ الْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ سَبَبُهَا. وَإِنَّنَا إِذَا كُنَّا نُخَفِّفُ شِدَّةَ الصَّيْفِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، وَبِأَجْهِزَةِ التَّبْرِيدِ فِي بُيُوتِنَا، وَبِالتَّلَذُّذِ بِثِمَارِ النَّخِيلِ وَالْفَوَاكِهِ بِأَنْوَاعِهَا فَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ يُمْنَعُونَ ذَلِكَ (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) [سَبَأٍ: 54]، (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا) [النَّبَأِ: 24 - 26].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...


المرفقات

الآخرة-7

الآخرة-7

الآخرة-7-مشكولة

الآخرة-7-مشكولة

المشاهدات 1515 | التعليقات 2

موضوع نافع وأسلوب ماتع .. جزاكم الله خيرا وكتب أجركم ورفع في الدارين قدركم وحرم على النار جلودكم. فضيلة الشيخ: إبراهيم الحقيل


جزاك الله خيرا

وين الروابط