ناب السناب
أحمد عبدالعزيز الشاوي
الحمد لله الذي يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبونوأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحاط بكل شيء علماً وهو خبير بما تعملون وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بشّر وأنذر وحذر وقال: إنكم ستفتنون، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق وبه يعدلونوسلم تسليماً كثيراً، أما بعد.
فاتق الله يا أخي المسلم أينما كنت، وكيفما كنت، فمن اتقى الله نجا.
في بلاد الغرب ودول الكفر عقول تفكر، وأمة تبدع ومصانع تنتج وتقدم حضاري ورقي اقتصادي، لكنهم أمة كالأنعام بل هم أضل سبيلاً، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون. إنهم أمة تعيش في ماخور كبير، ونظرة إلى مايعيشونه من التدهور الأخلاقي والانحلال الاجتماعي والفساد الاقتصادي تكفي للحكم على المصير البائس الذي تدلف إليه أمم الكفر في ظل الجاهلية المعاصرة.
إنهم أمة تتفتح عبقرياتهم عن إبداعات في عالم الصناعات والتقنيات ففي كل لحظة يخرج إلى العالم مخترع جديد، وبرامج حديثة تساهم في خدمة الإنسان، وقضاء حوائجه وتسهيل أموره.
إن كثيراً من المخترعات والبرامج تحمل في طياتها الداء والدواء، والأمة الواعية تعرف من أين تؤكل الكتف وتستطيع أن تتعامل مع حضارة الغير دون مساس بالعقيدة وإخلال بالأخلاق وزعزعة للمبادئ والقيم.
إن كثيراً من المخترعات والبرامج أبدعها قوم لم يعيروا القيم والأخلاق أي اهتمام، إنهم قوم لم يرجوا لله وقاراً، حضارتهم لا تطمئن لنور الله، وكفرت وبدلت نعمة الله.
في حضارتهم يتعاون الكل على تحطيم الحواجز الأخلاقية وعلى إفساد الضوابط الفطرية في النفس الإنسانية وعلى تزيين الشهوات البهيمية وعلى إهاجة السعار الجنسي بشتى الوسائل وعلى تمجيد هذه الشهوات وتمجيد العري العاطفي والجسدي.
لقد ساهمت العقول الكافرة في خدمة البشرية عبر صناعاتها وإبداعاتها وهي منتجات تحوي الداء والدواء، وفي ثناياها نار ونور وثمارها بر أو فجور، وتركت للأمم أسلوب التعامل معها، بما يملي عليها دينها وأخلاقها ومبادئها. فأمم أخذت بجناح الداء واحترقت بنار هذه الإبداعات، وأخرى أخذت منها جناح الدواء واستضاءت بنورها.
في عالم اليوم غزينا بمنتج غربي اقتحم بيوتنا وانتهك خصوصيتنا وأغرى نساءنا وحرض بناتنا وشتت أسرنا ورفع من شأن التافهين وجعل فئة من الناس تستسمن بالورم
تطبيق يصل مستخدموه إلى مئة مليون تتراوح اعمارهم مابين الثامنة عشرة وألأربعة والعشرين يرسلون من خلاله يوميا مايقارب سبعمائة مليون صورة ومقطع معظمها تفاهات وانحلال تصب في عقول الأجيال لتنشيء جيلا تافها تائها ..
تطبيق السناب شات واحد من التطبيقات التي غشيت عالم الكبار والصغار والرجال والنساء والعقلاء والسفهاء .. إنه لا أحد ينكر ما لهذه التطبيقات من أثر في خدمة البشر، فكم قربت من مسافات، وقضيت بها من حاجات، لاننكر أنها وسيلة ترفيه وترويح تدخل السرور بمحتواها المباح ، وتساهم في نشر الأفكار الهادفة والمفاهيم الصحيحة .. هي مصدر ثقافة ومعلومات .. هي وسيلة دعوة وتوجيهات لكن في الوقت ذاته كم كانت سبباً في مآس ورزايا، حينما أسيء استخدامها وتطور نظامها.
هذه التطبيقات نعمة حينما يحسن الناس استخدامها ويتقون سهامها.وهي نقمة حينما تصبح في يد السفهاء والمراهقين يتحدثون بها في القيل والقال والكلام الهزال.
صار هذه التطبيق نقمة حينمانشأت من خلاله علاقات محرمة وقام سوق الابتزاز وعبر رسائله كشف الناس عن خصوصياتهم وعبروا عن أخلاقهم ورسموا واقعهم بمافيه من أخطاء وتجاوزات
تطبيق أسهم في معايشة بناتنا ونسائنا وشبابنا لحياة كثير من المشاهير اليومية بدون تحفظ، ومن تأمل في بعض مايطرحه هؤلاء يدرك حجم خطورة متابعة النساء والشباب لهؤلاء عبر هذا التطبيق ، فالمثالية التي يتقمصها بعض هؤلاء من خلال التطبيق تجعل بعض المخدوعين والمخدوعات يتعلق بهؤلاء وربما يسعى لمحاولة الوصول لهم والتقرب منهم ومتابعتهم والافتخار بمعرفتهم والتصوير معهم ، وهذا يعني قبول كل مايصوره هؤلاء وذلك ينطوي على مخاطر جمة قد لاندرك خطرها على المدى القريب
الزوجة التي تعيش مع زوج جاف لايعرف للعاطفة مسلكاً كيف سيكون حالها وهي تعيش مع حياة رجل ( مستظرف) يعرض واقعه المزور من خلال هذا التطبيق
كم من فتاة تعيش حالة حرمان من عاطفة أو مال أو اهتمامفيفتح لها هذا التطبيق باب المقارنات و يجد الشيطان وقتها بيئة خصبة لخلق جوانب سلبية تنعكس على حياة الزوجة بزوجها و البنت بأخيها و الأم بأبنائها
تطبيق عمل على سلب عقول محارمنا و نسائنا وأصبح التقصير والإهمال واضحاً وبازدياد داخل البيوتوأصبحت مشاهدة حكاياتهم أصلا ومهام بيوتهن الأخرى فرعا
تطبيق أسهم في ازدراء نعمة الله واحتقار الموجود منها حينما يرى المتابع مشاهد من الحياة المترفة التي يعيشها مشاهير هذا التطبيق والتي وصلوها بنا وبدعمنا وصاروا بها يفاخرون
تطبيق صار منبرا لمن لايخاف الله ولايقدره حق قدره يُنشر فيه ومن باب إضحاك الآخرين واستجلاب إعجاب الساذجين مافيه انتهاك لحدود الله وتعد على حرمات الله وسخريةٌبالمسلمين وإثارةٌ للنعرات القبلية وسخريةٌ بالعادات والتقاليد المرعية ودعوةٌللفجور والتحلل من الفضيلة والآداب الشرعية
تطبيق يساهم في بث روح الكراهية بين الناس ونشر داءالحسد وكسر قلوب المحرومين حينما ينشر فيه المشاهير مشاهد للبذخ والترف في المآكل والمشارب والمساكن فيوغر صدور الفاقدين ويكثر سواد الحاسدين
تطبيق يروج فيه بعض المعلنين لسلع غيرهم بالتضليل والمبالغات والتزييف فيخرجون من إعلاناتهم وقد ملئت بطونهم وجيوبهم ليعود بعدها الساذجون أمثالنا ليهدروا أموالهم في تخفيضات وهمية ودعايات عبثية
تطبيق يشعرك أن كل الناس في سعادة إلا أنت
تطبيق ساهم في قسوة القلوب والاستخفاف بالذنوب والتساهل في مراقبة علام الغيوب فكم شاهدنا فيه من صور محرمة وسمعنا فيه من معازف وأغان دون أن يصاحبنا شهور بتأنيب الضمير والخوف من سوء المصير
وأمام هذه الكم الهائل من سلبيات هذا التطبيق وغيره من التطبيقات فإن الحل لايكمن في مواجهتها وإنما في توجيهها وإعطائهاالحجم الطبيعي من الاهتماموالوقت، فهي سلاح ذو حدين،من استعان بها على طاعة الله، وعلى اكتشاف المعارفوالعلوم وبثها ، وكانت زاداً لهفي الخير وإصلاح نفسهوتطويرها ، كانت له خيراًوبركة ،وإن كانت تأخذ منهالوقت الطويل ، ولايتابع إلاسفساف الأمور وتوافهها ،فهذا قد شغل قلبه ووقته بمالايعود عليه بأجر ولا فائدةوربما أفسدت عليه دينه ودنياه
إننا حينما نتحدث عن هذه التطبيقات وسلبياتها فهذا لا يعني الدعوة إلى منعها وإقصائها، فإن من يدعو لذلك فإنما يواجه بيده إعصاراً، وإن سياسة المنع والتحجير ليست ناجحة في حل مشاكلنا الأخلاقية وأزماتنا السلوكية،
إن التعامل الأفضل هو أن نكون أمة واعية متميزة تراقب ربها في سلوكها وتحكم دينها وشريعتها في تعاملاتها.
وإن التعامل الأفضل هو أن نغرس في الناس الشعور بمراقبة الله والاستحياء منه، وتربيتهم على المراقبة الذاتية التي تدفع للعمل والترك خوفاً من الله وإجلالاً لا استحياء من بشر ولا خوفاً من مسؤول.( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون )
أقول هذا القول ...
الخطبة الثانية : أما بعد
وبعد هذا الحديث عن هذا التطبيق سلبا وإيجابا نتساءل: ألا يمكن أن نحيل الداء دواء، وأن نجعل من هذه الوسائل نعمة ورحمة وأن نجعلها لنا لاعلينا ؟
والجواب: بلى إذا تسلحنا بالوعي وتدرعنا بالعزة وشعرنا بروح التحدي، وأحسسنا بالمسؤولية. وحينما كنا كذلك استطعنا أن نجعل من وسائل الأعداء الماكرة عوامل بناء ونماء.
يا أمة الوعي والإيمان: هذه التطبيقات سلاح ذو حدين، ومن لم يغز غزي وماغزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا فاستبقوا التطبيقات واجعلوا نفعها أكبر من إثمها واجعلوها مصدر خير وإشعاع تنطلق منها الرسائل المعبرة، والمقاطع المؤثرة والكلمات الدعوية المنذرة المبشرة.
ولنحذر أن نكون أمة الصفر والوهن، أمة التبعية والانهزامية والتقليد الأعمى، ولنكن على مستوى التحدي لنعلن للعالم أننا قادرون على أن نجعل من الرزايا عطايا، ومن المحن منحاً.
وأخيراً، سيكون هذا التطبيق وأمثاله نعمة وأجرا حينما نتذكر أِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا] فماذا نحن قائلون لرب العالمين، سيكون هذا التطبيق مصدر راحة وسكينة حينما نتذكر وصية الله لرسوله (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَابِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِالدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَخَيْرٌ وَأَبْقَى ) وحينما نتذكر وصية نبينا لأمته ( انظروا إلىمن هو أسفل منكم ولا تنظرواإلى من هو فوقكم فهو أجدر أنلا تزدروا نعمة الله عليكم ) سيكون نعمة حينما نتذكر أننا مسؤولون عن عمرنا فيم أفنيناه وعن شبابنا فيم أبلاه .. سيكون نعمة حينما نتسلح بالوعي ونتدرع بالهمة العالية ونتدثر بالذكاء والفطنة ونتسامى على التفاهات يوم أن نصبح أسرى لتافهين نسير في ظلهم ونصدق أقوالهم ونردد ياليت لنا مثل ماأوتي فلان إنه لذو حظ عظيم ، لكن العقلاء منطقهم ( ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولايلقاها إلا الصابرون )
وحينما نتذكر أن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه إلى يوم القيامة، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، أفيسرك أن تلقى في صحائفك أناساً اهتدوا برسالة نصح أرسلتها أو مقطع مؤثر بعثته، ولئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم، أَوَتُحب أن تلقى في صحائفك أوزاراً لآلاف ضلوا بسبب رسالة أو صورة سخيفة كنت أنت باعثها الأول فتحملت وزرها ووزر من تأثر بها إلى يوم الدين.
أذكرك وإن لم تكن مستقيماً بأنك لست بقادر على أن تتحمل أوزارك فضلاً عن أن تتحمل أوزار الآخرين، فراقب ربك واتق الله حيثما كنت وقبل أن تضغط أناملك على جهازك لترسل رسالة أو صورة سيئة تذكر من لا يغفل ولا ينام، ولا تجعله أهون الناظرين إليك.
اللهم صل وسلم
[9]