ميلاد عيسى عليه السلام بين الإسلام والنصرانية.  1446/6/26هـ.

عبد الله بن علي الطريف
1446/06/24 - 2024/12/26 16:49PM

ميلاد عيسى عليه السلام بين الإسلام والنصراتية.  1446/6/26هـ

أيها الإخوة: الإيمان بالرسل أحدُ أركانِ الإيمانِ ومبانيه العظام قال الله تعالى آمراً بالإيمان بهم: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:179] ووصف الله تعالى الإيمان بالرسل كلِهم، بأنه هو الإيمانُ الحقيقي، واليقينُ المبني على البرهانِ فقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء:152].

ومن الرسل أولى العزم عليهم السلام المسيحِ عيسى بنِ مريم عليه الصلاة والسلام ولقد ذكره الله تعالى في كتابه العزيز كثيراً.. وبين موقف اليهود الجافي منه.. وموقف النصارى الغالي فيه، وأوضح ما يجب على المسلم أن يعتقدَه بعيسى عليه السلام بالتفصيل الذي لا لبس فيه.. وَشَنَّعَ على معتقدات أهل الكتاب الباطلة..

ومن عناية الإسلام الكبيرة في بيان ما يجب على المسلم اعتقاده بعيسى عليه الصلاة والسلام أنه قَرَنَ الإيمانَ به بالإيمانِ بِمُحمدٍ ﷺ وجعل الإيمان بهما سببًا لدخول الجنة.. قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ قَالَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ» رواه مسلم عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضيَ الله عنه. قال النووي رحمه الله تعالى: "هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمُ الْمَوْقِعِ وَهُوَ أَجْمَعُ أَوْ مِنْ أَجْمَعِ الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْعَقَائِدِ؛ فَإِنَّهُ ﷺ جَمَعَ فِيهِ مَا يُخْرِجُ عَنْ جَمِيعِ مِلَلِ الْكُفْرِ عَلَى اخْتِلَافِ عَقَائِدِهِمْ وَتَبَاعُدِهِمْ فَاقْتَصَرَ ﷺ فِي هَذِهِ الْأَحْرُفِ عَلَى مَا يُبَايِنُ بِهِ جَمِيعَهُمْ" أهـ فنحن نقول ونعتقد ما قاله رسول الله ﷺ بأن عيسى عبد الله وليس شريكًا مع الله خلافاً للنصارى..

وأنه رسولٌ الله مبعوثٌ بما أوحاه إليه ربه فليس كاذبًا على الله خلافًا لليهود.. وهو كلمةُ اللهِ ألقاها إلى مريمَ أي خلقه الله بكلمة، وجهها إلى مريم وهي قوله: كن فكان قال الله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران:59] وقوله وروح منه أي صار ﷺ جسدًا بالكلمة فنفخت فيه هذه الروح التي من الله، وقوله (منه) أي روح صادرة من الله عز وجل وليست جزءًا من الله جل جلاله كما تزعم النصارى..  

أيها الإخوة: عيسى بنُ مريم هو خاتمُ رسلِ بني إسرائيل أرسلَه الله إليهم مصدقًا لرسالةِ موسى عليهما الصلاة والسلام.. ومبشرًا برسالةِ محمدٍ ﷺ قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف:6].

وقد أرسله اللهُ لليهود بعدما تلاعبوا في كتاب الله، وحرفوه فدعاهم إلى الدين الحق وأعطاه الله من الآيات الباهرة ما يؤمن على مثلها البشر، ومع ذلك لم يؤمنوا جميعًا برسالته، وكذب بها المجرمون وآذوه ﷺ، وما زال يناظرهم ويجادلهم حتى ألزمَهم الحجة.. فضاقوا به وبدعوته ذرعًا، وفكروا بالخلاصِ منه وإنهاءِ دعوته.. وانتهى بهم التفكير المنحرف إلى قتل عيسى عليه الصلاة والسلام.. وَوَشَوا به عند ملكِهم الكافر، فأمر بالقبض عليه وأن يقتل ويمثل به أمام الناس.!

وأحاط الآثمون بمنزل عيسى عليه الصلاة والسلام، وما كان يملك جندًا لمقاتلتهم؛ فأسلم أمره إلى الله وهو واثق بنصره سبحانه، وما زال يستنصر ربه؛ حتى فتح الله له بابًا من السماء وانفتحت له فرجةٌ في سقفِ البيت فخرج منها فرفعه الله إلى السماء وأهلُ البيت ينظرون..

أما اليهود فقد اقتحموا المنزل بعد رفعه عليه الصلاة والسلام، وألقى اللهُ شبَهَ عيسى على رجل آخر كان داخل البيت؛ فظنوه عيسى فأخذوه وقتلوه ثم صلبوه، وهم لا يشكون أنه عيسى.. وقد علم الآثمون أن الله حفظ نبيه من أن تمسه أيدي الكافرين، وأبطل الله كيد الكائدين ولا يَحِيقُ المكرُ السيئُ إلا بأهله.. وكذلك ينجي الله المسلمين كما ذكر هذا ابن كثير رحمه الله..

وقال رحمه الله: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المسيح عليه الصلاة والسلام قَالَ لِمَنْ كان معه من أصحابه في البيت: "أَيُّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَلَ مَكَانِي فيكون مَعِي فِي دَرَجَتِي؟ فَقَامَ شَابٌّ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ.. ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ الشَابُّ فَقَالَ أَنَا: فقال عِيسَى اجْلِسْ.. ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ الشَّابُّ فَقَالَ أَنَا.. فَقَالَ: أَنْتَ هُوَ ذَاكَ.. فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُ عِيسَى، وَرُفِعَ عِيسَى مِنْ رَوْزَنَةٍ فِي الْبَيْتِ إِلَى السَّمَاءِ" وقال ابن كثير رحمه الله: "وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنُ عبَّاس عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ به نحوه، وذكر ذلك غير واحد من السلف".

قال الله تعالى: في معرضِ بيانِه لكفرِ اليهود: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء: 157، 158] فأخبر تعالى أنه رفعه إلى السماء بعد ما توفاه بالنوم على الصحيح المقطوع به وخلَّصه ممن أرادَ أذيتَه من اليهود..

أيها الإخوة: ويجب أن نعتقد بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان بعد رفعه إلى السماء، وقد صحت بذلك السنة عن النَّبِيِّ ﷺ بل أقسم على نزول عيسى وهو الصادق بلا قسم وأنَّه عليه السلام موجودٌ وحي في السماء، فقال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، وأَنَّهُ سَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ لابسًا ثوبين مصبُوغين بِوَرْسٍ ثم بزعفران وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، وَوَصَفَهُ ﷺ بِأَنَّهُ: رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، وأنه يَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَيُهْلِكُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ مَا شَاءَ اللهُ لَهُ، ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ..

أيها الإخوة: وفي عصرنا هذا عصر الانفتاح الإعلامي يجب التنبيه لبعض مظاهر أعياد أهل الكتاب، وهي مظاهر لها جذور وثنية، ويحتفل النصارى بها كلَ عام ويعتبرونها أكبر مظاهر دينهم، وينفقون فيها ملايين الدولارات.. ومنها ‌‌خرافة سانتاكلوز أو ما يسمى "بابا نويل" ويتمثل في رجل عجوز سمين مرح ذي لحيةٍ بيضاءَ طويلةٍ، وملابسٍ حمراءَ زاهيةٍ، يقولون إن أصله يرجع إلى القديس (نيكولاس) الذي عاش في أوربا في القرن الرابع الميلادي، ويقال أن نيكولاس هو من حرف النصرانية وأله المسيح عليه السلام، ولذلك لبسوا عليه صورة الرجل الطيب، وأخرجوه أنه يعطفٌ على الأطفال ويوزع عليهم الهدايا.

وقد تحول الآن إلى أسطورة كبيرة يصدقها كثيرٌ من الأطفال في العالم، بل في استفتاء أجرته إحدى شبكات التلفاز الأمريكية قال 90% من الكبار أيضًا إنهم يؤمنون بوجوده.

وتقول الأسطورة الحالية: «إن سانتا كلوز يعيش في القطب الشمالي مع زوجته وأعوانه يديرون مصنعًا كبيرًا للُعب الأطفال، وفي ليلةِ الميلاد يسافران معًا على زحافة ثلجية يَجُرُها ثمانيةُ أَوْعَال، وتمر الزحافة على سطح كل منزل؛ لينزل منها سانتا كلوز من خلال المدخنة إلى غرفة الطعام ليضع الهدايا في جوارب خاصة يتركها للأطفال معلقة بجوار المدفأة.. وعادة ما يضع الأهل تلك الهدايا بدلًا من سانتا كلوز وقت نوم الأطفال، فإذا ما استيقظوا تيقنوا أن سانتا كلوز حقيقةٌ لا مراءَ فيها». هكذا يتربى أطفال الحضارة الغربية المعاصرة على الخرافة والكذب!! والأعجب من ذلك أن تظل هذه الخرافة في عقول مَن تجاوزوا سن الطفولة.!.

‌ومن المظاهر التي تصاحب احتفالات النصارى بعيد الميلاد إبراز شجرة الميلاد: وأول من استخدم الشجرة هم الفراعنة والصينيون والعبرانيون كرمز للحياة السرمدية، ثم إن عبادتها قد شاعت بين الوثنيين الأوربيين وظلوا على تقديسها حتى بعد دخولهم في المسيحية؛ فأصبحوا يضعونها في البيوت ويزينونها كي تطرد الشيطان أثناء عيد الميلاد، ولم يطلق عليها شجرة الميلاد إلا في القرن السادس عشر الميلادي في ألمانيا الغربية، حيث تحولت مما يسمى (بشجرة الجنة) في الاحتفال الديني بذكرى آدم وحواء في 24 من ديسمبر إلى شجرة الميلاد، حيث أصبح الناس يعلقون عليها الشموع التي ترمز إلى المسيح بزعمهم ولم تدخل فكرة الشجرة إلى انجلترا إلا في القرن التاسع عشر. سأل الله تعالى أن يبصرنا في ديننا ويجعلنا هداة مهتدين...

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: ولا تجوز تهنئة النصارى بعيد الكريسماس ولا غيره من أعيادهم الدينية.. والعجيب أن بعض الناس تساهل في ذلك وهو حرام بالاتفاق. كما نقل ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه أحكام أهل الذمة حيث قال: "وَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ مِثْلَ أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ وَصَوْمِهِمْ، فَيَقُولَ: عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ، أَوْ تَهْنَأُ بِهَذَا الْعِيدِ، وَنَحْوَهُ، فَهَذَا إِنْ سَلِمَ قَائِلُهُ مِنَ الْكُفْرِ فَهُوَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُهَنِّئَهُ بِسُجُودِهِ لِلصَّلِيبِ، بَلْ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَشَدُّ مَقْتًا مِنَ التَّهْنِئَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَارْتِكَابِ الْفَرْجِ الْحَرَامِ وَنَحْوِهِ.

وَكَثِيرٌ مِمَّنْ لَا قَدْرَ لِلدِّينِ عِنْدَهُ يَقَعُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَدْرِي قُبْحَ مَا فَعَلَ، فَمَنْ هَنَّأَ عَبْدًا بِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ كُفْرٍ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ" انتهى كلامه رحمه الله.

وأرشد شيخنا محمد العثيمين رحمه الله: من بُدء بالتهنئة ألا يجيب لأنها ليست أعيادٌ لنا.. وأعيادٌ لا يرضاها الله عز وجل وقال: حتى لو كتبها لك فلا تُجِبْهُ.. وقال لا يجوز التشبه بهم بإقامة الحفلات أو أي مظهر من مظاهر الفرح كتوزيع الهدايا، أو الحلوى، أو تعطيل الأعمال، أو تنزيل الأسعار..

 

المشاهدات 3660 | التعليقات 0