موعظة 7-7-1442هـ
محمد آل مداوي
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتَّقوا الله رحمكم الله، فتقوى اللهِ هي الوصيةُ الجَامِعَةُ، والموعِظَةُ النافِعَةُ.. اتَّقوهُ واعلموا أنَّكم مُلاقوه، واحذروه واذْكُروه، واشكروا له واستغفروه، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا).
أيها المسلمون: إنَّكم في دَارٍ ليسَتْ للبقاء وإنْ ترَاخى العُمْرُ وامتدَّ الأجل.. أيّامُها مَرَاحِل، وسَاعَاتُها قلائل، والمرءُ لا شكَّ عنها راحِل.. (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ).
ولِكُلٍّ أَجَلٌ مَحْتُوم، وأَمَدٌ مَقْسُوم، لا مَحِيدَ عنه، ولا مَفَرَّ منه: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)
للموتِ فينا سِهَامٌ غيرُ خاطِئةٍ، مَنْ فاتَهُ اليومَ سَهْمُهُ لم يَفُتْهُ غدا، (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)
عبادَ الله: هل رَحِمَ الموتُ منّا مريضًا لِضَعْفِ حَالِه؟، هل ترَكَ عامِلاً لأجْلِ أطفَالِه؟ هل أمْهَلَ ذا عِيَالٍ مِنْ أجْلِ عِيَالِه؟!.
يا عبدَ الله: هَبِ الدُّنيا في يدَيك، ومِثلُها قد ضُمَّ إليك، فماذا يبقَى منها عندَ الموتِ لدَيك؟!.
اليومَ تفعَلُ ما تشَاءُ وتشتهي ** وغدًا تموتُ وتُرْفَعُ الأقلامُ!
فقدِّمْ لنفسِكَ توبةً قبلَ حُلولِ الأجل.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) ، توبةً تَكُفُّكم عن الدَّنَاءات، وتَحْجِزُكم عن الخطايا والسيئات، وتَحْمِلُكم على أداءِ الفرائِض والواجِبات، وتَدْفَعُكم إلى التدارُكِ وقضاءِ ما فات.
عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" أخرجه مسلم.
فطُوبَى لمَن أيقَظَتْهُ العِظَة، ونفعَتْهُ التّذكِرة، فجَدَّ ولم يَكسَلْ، وبادَرَ ولم يُسوِّفْ، وأخَذَ الحَيطَة، وهجَرَ إِخْوَانَ السُّوء، وتَابَ وأنابَ.
ويا خسارَةَ مَنْ حَجَبَهُ هوَاهُ، وأغْوَاهُ شيطانُهُ وأرْدَاهُ، فما ازدَادَ إلا غفلةً وقسوة، وعلُوًّا واستِكبارًا، (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
وأَسْتَغْفِرُ اللهَ فاستَغْفِرُوه، إنَّه كانَ للأوَّابين غفورا.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.. أما بعد:
أيها المسلمون: شَقِيَ مَنْ كُلَّما جدَّدَ اللهُ له نِعْمَةً وامتِنانًا؛ جدَّدَ إثمًا وفُجورًا وعِصيانًا، وتعِسَ مَنْ كلَّما ازدادَ غِنًى وصحةً ومالاً؛ ازدَادَ إسرافًا وانحِرافًا وضلالاً.. تتابَعَتْ عليه نِعَمُ الله ومِنَنُه؛ طعامٌ يُقوِّيه، وماءُ يُرْوِيه، وثوبٌ يُوارِيه، ودارٌ تُؤوِيه، وزوجٌ تَحُوطُه وتُراعِيه، وأمنٌ وافِرٌ يُظِلُّه ويَحمِيه؛ وهو مُصِرٌّ على مسَاوِيه، مُسترسِلٌ في معاصِيه!!.
وقد يكونُ العطاءُ والنَّعماءُ؛ ضَرْبٌ مِنَ الاستِدراجِ والإملاءِ.. عن عُقبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتَ اللهَ يُعطِي العبدَ من الدنيا على معاصِيهِ ما يُحبُّ؛ فإنما هو استِدراج" أخرجه أحمد.
فاتقوا الله عبادَ الله.. تُوبوا مِنَ المعاصي، واستعِدُّوا ليومٍ يُؤخَذُ فيه بالأقْدَامِ والنّوَاصي، واعلموا أنَّ بِضَاعةَ الأقوياءِ العمل، وبِضَاعةَ الضُّعفاءِ الأماني، وإخوانُ السُّوءِ كالنار يُحرِقُ بعضُها بعضًا: (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ).
ثم أكثِروا من الصلاة والسلام على سيد الأنام في جميع الأوقات والأيام، واعلموا أن للصلاة عليه في هذا اليوم مزيَّةً وحِكْمَة، فكلُّ خيرٍ نالَتْه أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالَتْه على يده، فمن الشكر وأداء الحق: أن تُكثِروا من الصلاة والسلام عليه، كيف وقد أمركم ربكم بقوله عزَّ شأنُه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأَذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، اللهم واحمِ حوزةَ الدين.. اللهم أدِمْ على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها وإيمانَها، وعزَّها ورخاءَها، اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحب وترضَى، وأعنه وولي عهده على البر والتقوى، وارزُقهم البطانَة الصالحة الناصحة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ اُنْصُرِ الْمُرابطينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، اللهم اِرْبِطْ عَلَى قُلُوبِـهِمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَانصُرْهُمْ عَلَى الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَاخْلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ بِخَيْرٍ يارب العالمين.
اللهم إنّا نعوذ بك من الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، ما ظهر منها وما بطن.. اللَّهُمَّ ارْفَعِ الْوَبَاءَ عَنْ بِلَادِنَا وَعَنْ سَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِين.
اللهم وفِّقنا لمراضِيك، اللهم وفِّقنا لمراضِيك، وباعِد بينَنا وبين معاصِيك، واجعَلنا ممن يخشَاك ويتَّقِيك يا رب العالمين.
اللهم يا رحمنُ يا رحيمُ أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم لا تحرمنا خيرَ ما عندك بسوء ما عندنا، يا أرحم الراحمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار... سبحانَ ربِّك ربِّ العزَّة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.